نحمدك اللهم ونستعينك، ونستهديك الخير والتوفيق في القول والعمل، ونصلي ونسلم على رسولك الأمين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد: فهذه رسالة أو دليل عبارة عن نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، أضعها بين يدي من كتب الله لهم زيارة بيته الحرام، وأداء الركن الخامس في الإسلام يسترشدون بها في تأدية المناسك، في يسر الإسلام وسماحته، امتثالاً لقول الله سبحانه: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (الحج: 78)، وأبتغي بها ثواب الله -تعالى- ورضوانه،
هذه نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، وكل ما نرجوه هو صالح الدعاء في مواطن القبول والإجابة من وفد الحجاج والعُمار، الذين تفضل الله عليهم فأعطاهم سؤلهم، ربنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحـج:
أول ما نبدأ به ضمن نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين هو أن نعرف ما هو الحج؟ الحج : هو قصد مكة لأداء عبادة الطواف وسائر المناسك؛ استجابة لأمر الله وابتغاء مرضاته. وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: “وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً” (آل عمران: 97).
وقال سبحانه: ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ” (الحج: 27-28). وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فيما رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه، قال رسول الله -ﷺ-: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”.وروى الطبراني في “الأوسط” عن عبد الله بن جراد، قال: قال رسول الله -ﷺ-: “حجوا؛ فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن”.
وروى النسائي وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: “الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم”.وفي فضل الإنفاق في الحج: روى أحمد والبيهقي وغيرهما عن بريدة أن رسول الله -ﷺ- قال: “النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ضعف”.
وفي إطار دليلنا “نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين” يجب أن نعرف أن الحج فرض على كل مسلم ومسلمة، بالغ عاقل مستطيع. وتستحب المبادرة بأداء هذه الفريضة متى توافرت الاستطاعة.
نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين
1 – على كل مسلم ومسلمة دعاه الله لحج بيته وعمرته أن يخلص التوبة إلى الله -سبحانه-، ويسأله غفران ذنوبه؛ ليبدأ عهدًا جديدًا مع ربه، ويعقد معه صلحًا لا يحنث فيه.
2 – من علامات الإخلاص: أن يعد نفقة الحج من أطيب كسبه وحلاله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ومن حج من مال غير حلال ولبى: “لبيك اللهم لبيك” قال الله سبحانه –كما جاء في الحديث الشريف-: “لا لبيك ولا سعديك، حتى ترد ما في يديك”.
3 – ومن مظاهر التوبة وصدق الإخلاص فيها أن يطهر المسلم والمسلمة نفسه، ويخلص رقبته من المظالم وحقوق الغير؛ فيرد المظالم إلى أصحابها متى استطاع إلى ذلك سبيلاً. ويتوب إلى الله ويستغفره فيما عجز عن رده، وأن يصل أرحامه ويبر والديه، ويترضى إخوانه وجيرانه.
4 – من الاستطاعة المشروطة لوجوب الحج القدرة على تحمل أعباء السفر ومشقاته؛ فلا عليك -أيها المسلم- إذا قعد بك عجزك الجسدي عن الحج؛ فإن الحج مفروض على القادر المستطيع.
5 – حافظ على نظافتك في الملبس والمأكل والمشرب، وعلى نظافة الأماكن الشريفة التي تتردد عليها؛ لأن الإسلام دين النظافة.
ألا ترى أنك لا تدخل الصلاة إلى بعد النظافة بالوضوء أو الاغتسال؟
6 – لا تكلف نفسك فوق طاقتها في المال أو الجهد الجسدي، واحرص على راحة غيرك، كما تحرص على راحة نفسك. وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، كما جاء في الحديث الشريف.
7 – قال تعالى: “وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة: 195). وقال: “وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ” (النساء: 29). فلا تعرض نفسك للخطر بالصعود إلى قمم الجبال أو الدأب على السهر ولو في العبادة؛ فإن خير الأعمال أدومها وإن قل.
8 – احرص على التواجد في الحرم أكبر وقت ممكن، والنظر إلى الكعبة، وقراءة القرآن الكريم، والطواف حول البيت، كلما وجدت القدرة على ذلك.
9 – عليك أن تخبر أقرب الناس إليك بما لك أو عليك، وحث الأبناء والبنات والأهل والإخوان على تقوى الله، والتمسك بآداب الدين والمحافظة على أداء فرائضه.
وضمن مجمل هذه الـ”نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين”، ها أنت أيها الحاج، قد هيأت نفسك لبدء الرحلة المباركة، وقد أعددت ما يلزم لها. ومن هذا اللازم:
ملابس الإحرام:
أ – إزار: وهو ثوب من قماش تلفه على وسطك، تستر به جسدك ما بين سرتك إلى ما دون ركبتك. وخيره: الجديد الأبيض الذي لا يشف عن العورة (بشكير).
ب – رداء: وهو ثوب كذلك تستر به ما فوق سرتك إلى كتفيك، فيما عدا رأسك ووجهك. وخيره أيضًا: الجديد الأبيض “بشكير”.
واحذر أن تلبس في مدة الإحرام “فانلة” أو جوربًا أو جلبابًا أو شيئًا مما اعتدت لبسه من الثياب المفصلة المخيطة، إلا إذا كنت مضطرًا؛ فلك أن تلبس ذلك مع الفدية؛ فقد قال الله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ” (البقرة: 196).
جـ- نعل تلبسه في رجليك، يظهر منه الكعب من كل رجل. والمراد بالكعب هنا العظم المرتفع بظاهر القدم.
كل “نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين” قدمنا لحد الآن هي للحاج الرجل. أما المرأة الحاجة فتلبس ملابسها المعتادة الساترة لجميع جسدها من شعر رأسها حتى قدميها ولا تكشف إلا وجهها. وعليها ألا تزاحم الرجال، وأن تكون ملابسها واسعة لا تبرز تفاصيل الجسد وتلفت النظر، والمستحب الأبيض.
وحتى يستفيد الحاج بكل “نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين” عليه أن يحدد متى موعد السفر بحمد الله ووسيلته؛ فإذا كنت متوجهًا إلى المدينة المنورة -أولاً- فلا تحرم ولا تلبس ملابس الإحرام؛ بل ابق بملابسك العادية إلى أن تتم زيارة الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، وتنتهي إقامتك بالمدينة.
كيفيات الحج والعمرة:
وعندما تشرع في التوجه من المدينة (أو من غيرها) إلى (مكة) فإن عليك أن تحرم: بالعمرة فقط، أو بالحج فقط، أو بهما معًا، حسبما تريد من المدينة ذاتها، أو من ميقاتها “ذي الحليفة”، وهو المكان المعروف الآن بـ”آبار علي” قرب المدينة في الطريق منها إلى (مكة) أو من (رابغ)، إذا كنت ممن يسافرون في الأفواج المتأخرة الذاهبة من جدة إلى مكة مباشرة؛ فلك أن تنوي الحج والعمرة معًا، وتسمى “قارنًا” أي جامعًا بينهما. ولك أن تحرم بالعمرة فقط، أو أن تحرم بالحج فقط.
الإحرام:
أهم ما يجب أن تعرف أيها الحاج من جملة أي نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، أنك إذا ركبت الباخرة، واقتربت بك من الميقات، وهو “الجحفة” قرب “رابغ” بالنسبة للمصريين وأهل الشام، فتهيأ للإحرام بحلق شعرك وقصّ أظافرك، ثم اغتسل في الباخرة استعدادًا للإحرام، وهو غسل للنظافة لا للفريضة، أو توضأ إن لم يتيسر لك الاغتسال، وضع على جسدك شيئًا من الرائحة الطيبة المباحة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة آنفًا.
ومتى لبست ثياب الإحرام على هذا الوجه؛ أي بعد التطهر بالاغتسال أو الوضوء صلِّ ركعتين سُنة، وانوِ في قلبك عقب الفراغ من أدائهما ما تريد من العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا إذا نويت القران بينهما، وقل: “اللهم إني نويت (كذا) فيسره لي وتقبله مني”.
ثم قل: “لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك”.
وبهذا القول -بعد تلك التلبية– تصير محرمًا بما نويت وقصدت: “العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معًا”؛ لأن هذه التلبية بمثابة تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة.
محظورات الإحرام:
ومتى صرت محرمًا على هذا الوجه، فلا تفعل -بل ولا تقترب مما صار محرمًا عليك بهذا الإحرام- وهو:
لعل من أهم أي نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، مسألة تغطية الرأس، وحلق الشعر أو شده من أي جزء من الجسد، ولا تقص الأظافر، ولا تستخدم الطيب والروائح العطرية، ولا تخالط زوجتك أو تفعل معها دواعي المخالطة كاللمس والتقبيل بالشهوة، ولا تلبس أي مخيط، ولا تتعرض لصيد البر الوحشي، أو لشجر الحرم.
وإذا فعل المحرم واحدًا من هذه المحظورات – قبل رمي جمرة العقبة في عاشر ذي الحجة- صح حجه وصحت عمرته، ولكن عليه أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. أما الجماع قبل رمي جمرة العقبة (التحلل الأول) فإنه يفسد الحج. وعلى من فعل ذلك أن يعيد الحج مرة أخرى في عام قادم.
ويحرم على المرأة تغطية الوجه واليدين.
ومحظور على المسلمة وعلى المسلم المخاصمة والجدال بالباطل مع الرفقة؛ يقول الله –سبحانه-: “فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ” (البقرة: 197).
وإذا كنت مسافرًا بالطائرة، فاستعد بالإحرام وأنت في بيتك، أو في المطار، أو في داخل الطائرة، والبس ملابس الإحرام إن لم يكن بك عذر مانع من لبسها، ثم انوِ ما تريد من عمرة أو حج ولَبِّ بالعبارة السابقة بعد ارتداء ملابس الإحرام، أو عند استقرارك في الطائرة أو عقب تحركها، وذلك كما تقدم: متى كنت متوجهًا إلى مكة مباشرة من جدة، أما إذا كنت متوجهًا إلى المدينة أولاً، فكن عاديًّا في كل شيء.
ومتى أحرمت ونويت ولبَّيت -كما سبق- صار محظورًا عليك الوقوع في شيء من تلك المحظورات.
ما يباح للمحرم:
بعد الإحرام يباح الاغتسال وتغيير ملابس الإحرام، واستعمال الصابون للتنظيف، ولو كانت له رائحة. وللمرأة غسل شعرها ونفضه وامتشاطه؛ فقد أذن الرسول –ﷺ- لعائشة –رضي الله عنها- في ذلك بقوله: “انفضي رأسك وامتشطي”.
ويباح أيضًا: الحجامة (فصد العرق لإخراج الدم) وفقء الدمل، ونزع الضرس، وقطع العرق، وحك الرأس والجسد دون شد الشعر؛ ويباح النظر في المرآة والتداوي.
أما شمّ الروائح الطيبة فدائر بين الكراهة والتحريم. ومن ثم يستحب أن يمنع الحاج عن استعمالها قصدًا. أما ما يحدث من الجلوس أو المرور في مكان طيب الرائحة فلا كراهة فيه ولا تحريم.
ويباح التظلل بمظلة أو خيمة أو سقف، والاكتحال والخضاب والحناء للتداوي لا للزينة، ويباح قتل الذباب والنمل والقُراد، والغراب والحدأة والفأرة، والعقرب والكلب العقور، وكل ما من شأنه الأذى.
أما حشرات الجسد الآدمي كالبرغوث والقمل، فللمحرم إلقاؤها وله قتلها ولا شيء عليه. وإن كان إلقاؤها أهون من قتلها.
وإذا احتلم المحرم أو فكر أو نظر فأنزل، فلا شيء عليه، عند الشافعية.
دخول مكة والطواف بالكعبة:
ها أنت -أيها الحاج أو المعتمر- على مشارف مكة محرمًا.
مهم جدا اتباه نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، فمتى دخلت مكة أيها الحاج -بعون الله وتوفيقه- فاطمئن أولاً على أمتعتك في مكان إقامتك، ثم اغتسل إن استطعت أو توضأ، ثم توجه إلى البيت الحرام لتطوف طواف العمرة إن نويتها، أو طواف القدوم إن كنت نويت الحج، وكبر وهلل عند رؤية الكعبة المشرفة، وقل: “الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام. اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك. اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبرًّا، وزد من شرفه وكرمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا. اللهم أنت السلام، ومنك السلام فحيِّنا -ربنا- بالسلام، وأدخلنا دار السلام”.
ثم ادع بما يفتح الله به عليك؛ فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله.
وإذا لم تحفظ شيئًا من الأدعية المأثورة، فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتاب غير القرآن؛ فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.
طواف العمرة:
ثم اقصد إلى مكان الطواف؛ لتبدأه وأنت متطهر، واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود لتمر أمامه بكل بدنك، واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة؛ ناويًا الطواف مكبرًا مهللاً معلنًا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله علي وآله وصحبه وسلم-.
ثم اجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسِر في المطاف مع الطائفين حتى تتم سبعة أشواط، بادئًا بالحجر الأسعد، ومنتهيًا إليه في كل شوط، ولا تشتغل في الطواف بغير ذكر الله والاستغفار والدعاء، وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (البقرة: 201).
ولا ترفع صوتك، ولا تؤذِ غيرك، واستشعر الإخلاص؛ فالله يقول: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف: 55).
ركعتا الطواف:
إذا فرغت من أشواط الطواف السبعة، فتوجه إلى المكان المعروف بـ”مقام إبراهيم“، وصلِّ فيه منفردًا ركعتين خفيفتين؛ ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء، وما يفتح به عليك.
الدعاء عند المُلْتَزم:
ثم توجه إلى الملتزم، وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود، وإذا استطعت الوصول إليه، فضع صدرك عليه، مادًّا ذراعيك عليه، متعلقًا بأستار الكعبة، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك، فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة -إن شاء الله-، وادع بما تشاء وبأي دعاء.
اشرب من ماء زمزم:
ثم توجه إلى مياه زمزم، واشرب منها ما استطعت فإن ماءها لما شُرب له. كما في الحديث الشريف.
السعي بين الصفا والمروة للعمرة:
ثم ارجع بعد شربك من ماء زمزم، أو بعد وقوفك بالملتزم، واسعَ بين الصفا والمروة، بادئًا بما بدأ الله تعالى به في قوله: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ” (البقرة: 158).
ومتى صعدت على الصفا فهلِّلْ وكبِّر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى. وادعُ لنفسك ولمن تحب، ولنا معك، بما يشرح الله به صدرك، ثم ابدأ أشواط السعي سيرًا عاديًا من الصفا إلى المروة، في المسار المعد لذلك، مراعيًا النظام والابتعاد عن الإيذاء، وأسرع قليلاً في سيرك بين الميلين الأخضرين (في السعي علامة تدل عليهما)، وهذا الإسراع هو ما يسمى (هرولة) وهي خاصة بالرجال دون النساء، فإذا بلغت المروة، فقف قليلاً مكبرًا مهللاً مصليًا على النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- جاعلاً الكعبة تجاه وجهك، داعيًا الله بما تشاء من خيريْ الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تكون قد أنهيت الشوط الأول، والعودةُ إلى الصفا شوطٌ ثانٍ.. وهكذا في بقية الأشواط.
وتابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردِّد ما ورد عن الرسول -ﷺ-: “رب اغفر وارحم، واعفُ عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم. رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم”.
وبانتهائك من أشواط السعي السبعة، تكون قد أتممت العمرة، التي نويتها حين الإحرام.
التحلل من العمرة:
وبعدها احلق رأسك بالموسى، أو قصّ شعرك كله أو بعضه، والحلق أفضل للرجال، وحرام على النساء، وبهذا الحلق أو التقصير للشعر يتحلل المحرم من إحرام العمرة؛ رجلاً كان أو امرأة، ويحل له ما كان محظورًا عليه، فيلبس ما شاء، ويتمتع بكل الحلال الطيب إلى أن يحين وقت الإحرام بالحج.
هدي التمتع:
ومتى تمتعت على هذا الوجه بالتحلل من إحرام العمرة قبل الإحرام بالحج؛ فقد وجب عليك ذبح هدي امتثالاً لقول الله تعالى: “فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ” (البقرة: 196).
وهذا الهدي يجوز ذبحه بمكة عقب الانتهاء من التحلل من العمرة، كما يجوز ذبحه بمنى في يوم العيد، أو في أيام التشريق التالية له، أو في مكة بعد عودتك من منى، ولك أن تأكل منه.
طواف الحج:
أما من أحرم بالحج فقط، أو كان محرمًا قارنًا بين الحج والعمرة؛ فإن عليه -حين وصوله إلى مكة محرمًا، وبعد أن يضع متاعه ويطمئن على مكان إقامته- أن يطوف بالكعبة طواف القدوم سبعة أشواط.
السعي بين الصفا والمروة للحج:
وله أن يسعى بين الصفا والمروة، حسبما تقدم، وله تأجيل السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، ولا يتحلل من إحرامه، بل يظل محرمًا حتى يؤدي مناسك الحج والعمرة، ويقف على عرفات، ثم يبدأ التحلل الأول برمي جمرة العقبة، يوم النحر، ثم التحلل الأخير بطواف الإفاضة.
إعادة الإحرام للحج من مكة:
إذا كنت متمتعًا؛ ففي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة -ويسمى يوم التروية– تهيأ للإحرام بالحج على نحو ما سبق بيانه في الإحرام حين بدء الرحلة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة على الطهارة -غسلاً أو وضوءًا- ثم صلِّ ركعتين بالمسجد الحرام إن استطعت، وانوِ الحج وقل إن شئت: “اللهم إني أردت الحج فيسره لي وتقبله مني”. ثم قل: “لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك”.
ومتى قلت ذلك بعد تلك النية، صرت محرمًا بالحج، ورددها كلما استطعت في سيرك ووقوفك وجلوسك، وارفع بها صوتك دون إيذاء لغيرك.. والمرأة تلبي في سرها.. وداوم عليها وأنت في الطريق إلى منى، وإلى عرفات، وفي عرفات، وحين الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة. وفي هذه الأخيرة، وعند وصولك إلى منى يوم النحر، ولا تقطعها حتى تبدأ في رمي مرة العقبة.
الحج عرفة:
لعل الاهتمام بأي نصائح وإرشادات للحجاج والمعتمرين، يقودك أخي الحاج أهم ركن في الحج وهو وقفة عرفة، فاستعد للوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة؛ لأن هذا الوقوف هو الركن الأعظم للحج، كما جاء في الحديث الشريف “الحج عرفة”. فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج.
ويتحقق هذا الوقوف بوجود الحاج وحضوره أي لحظة ولو مقدار سجدتين، واقفًا أو جالسًا أو ماشيًا أو راكبًا في أي وقت من بعد ظهر يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، والأفضل الجمع بين جزء من النهار في آخره وأول جزء من ليلة العاشر منه؛ أي قبيل غروب شمس يوم التاسع إلى ما بعد الغروب بقليل، ويحسن أن تكون على طهارة، وأفضل الدعاء على عرفة ما جاء في الحديث الشريف: “أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
واخشع وتذلل لربك، نادمًا على ذنبك وخطاياك، راجيًا عفوه، طامعًا في رحمته ورضوانه، متمثلاً يوم الحشر الأكبر، فإن عرفة صورة منه؛ فقد حشر فيه الخلق من كل جوانب الأرض حجاجًا.
الصلاة بنمرة:
صلِّ الظهر والعصر يوم التاسع مقصورتين (ركعتين) مجموعتين جمع تقديم؛ أي صلهما في وقت الظهر مع الإمام في مسجد نمرة إذا استطعت، ولا تفصل بينهما بنافلة، وإلا فصلهما حيث كنت في خيمتك؛ كلاً منهما في وقتها، أو جمعًا في وقت الظهر.
إلى مزدلفة:
وعقب غروب شمس يوم التاسع يتوجه الحجيج إلى مزدلفة، وعند الوصول إليها يؤدي الحاج فرض المغرب وفرض العشاء جمع تأخير في وقت العشاء، ولك أن تبيت بمزدلفة حتى تصلي بها الصبح، ثم تتوجه إلى منى، وهذا متوقف على استطاعة المبيت بمزدلفة، وكلها موقف وهي المشعر الحرام، وفيها: أكثر من الذكر والدعاء والاستغفار والطلب من الله، واجمع من أرضها الحصوات التي سترمي بها جمرة العقبة صباح يوم النحر بمنى، وهي سبع حصوات كل واحدة منها في حجم حبة الفول. ولك أن تجمعها من أي مكان غير مزدلفة، ولك أن تجمع جميع حصوات الرمي في الأيام الثلاثة، ومجموعها 49 حصاة للمتعجل و70 للمتم: سبع منها لجمرة العقبة يوم النحر، وواحدة وعشرون للجمرات الثلاث في ثاني أيام العيد، ومثلها في ثالث أيامه للمتعجل.
ومن بقي بمنى إلى رابع أيام العيد، فعليه رمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصوات، كما فعل في اليومين الثاني والثالث وهو المتم.
الذهاب إلى منى ورمي جمرة العقبة:
بعد الرجوع من عرفة إلى منى بعد منتصف الليل أقصد إلى جمرة العقبة، وارمها بالحصيات السبع، واحدة بعد الأخرى على التوالي، وارم بقوة، وقل: بسم الله والله أكبر: رجمًا للشيطان وحزبه.
اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا.
واقطع التلبية التي التزمتها منذ أحرمت، وإياك ورمي هذه الجمرات أو غيرها بالحجارة الكبيرة أو العصي أو الزجاج أو الأحذية، كما يفعل بعض الناس؛ لأن كل هذا مخالف للسنة الشريفة، ولك أن تؤجل الرمي لآخر النهار، ولا حرج عليك.
الإنابة في الرمي:
إذا عجز الحاج عن الرمي بنفسه لمرض أو لعذر مانع في وقته، جاز أن يوكل غيره في الرمي عنه، بعد رمي الوكيل لنفسه.
التحلل من إحرام الحج:
بعد رمي جمرة العقبة هذه، يحلق الحاج رأسه، أو يقصر من شعره، وتقصر الحاجة من أطراف شعرها، ولا تحلق.
التحلل الأصغر:
وبهذا الحلق أو التقصير يحصل التحلل الأصغر من إحرام الحج، ويحل ما كان محرمًا -عدا الاتصال الجنسي بين الزوجين-؛ فإن هذا لا يحل إلا بعد طواف الإفاضة الذي قال الله في شأنه: “وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ” (الحج: 29).
طواف الإفاضة والسعي والتحلل الأكبر:
بعد رمي جمرة العقبة، والتحلل بالحلق أو التقصير، يذهب الحاج إلى مكة للطواف بالكعبة سبعة أشواط، هي: طواف الفرض، ويسمى طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، وقد سبق بيان أحكام الطواف، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم، ويشرب من ماء زمزم، ويسعى بين الصفا والمروة، على ما تقدم بيانه، وبذلك يكون الحاج قد تحلل التحلل الأكبر.
المبيت بمنى ورمي باقي الجمرات:
بعد طواف الإفاضة عُد إلى منى في نفس اليوم، وبت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، ويجوز أن تبقى في مكة، ثم تتم الليلة بمنى، كما يجوز أن تستمر في منى وتتم الليلة بمكة. ولك ألا تبيت بمنى، وإن كُرِهَ ذلك لغير عذر.
ومن الأعذار عدم تيسر مكان المبيت؛ ولكن يلزمك إذا لم تبت في منى: أن تحضر إليها لرمي الجمرات.
أماكن رمي الجمرات الثلاث ووقته:
الصغرى، وهي القريبة من مسجد الخيف، ثم الوسطى، وهي التي تليها وعلى مقربة منها ثم العقبة، وهي الأخيرة.
ارمِ هذه الجمرات في كل من يومي ثاني وثالث أيام العيد: كل واحدة بسبع حصوات، كما فعلت حين رميت جمرة العقبة في يوم العيد.
وقت رمي الجمرات:
ووقت رمي هذه الجمرات من الزوال إلى الغروب، وبعد الغروب أيضًا، ولكن الأفضل عقب الزوال لموافقته فعل الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- متى كان ذلك ميسورًا دون حرج أو مشقة.
وقد أجاز الرمي قبل الظهر: عطاء وطاووس وغيرهما من الفقهاء.
وأجاز الرافعي -من الشافعية- رمي هذه الجمرات من الفجر إلى الفجر.
هذا كله موافق لإحدى الروايات عن الإمام أبي حنيفة ” يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة: 185). و”لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا” (البقرة: 286).
حيض المرأة قبل طواف الإفاضة:
للمرأة إذا فاجأها الحيض قبل طواف الإفاضة، ولم يمكنها التخلف حتى انقطاعه ـ أن تستعمل دواء لوقفه وتغتسل وتطوف، أو إذا كان الدم لا يستمر نزوله طوال أيام الحيض بل ينقطع في بعض أيام مدته.
عندئذ يكون لها أن تطوف في أيام الانقطاع عملاً بأحد قولي الإمام الشافعي القائل: إن النقاء في أيام انقطاع الحيض طهر. وهذا القول أيضًا يوافق مذهب الإمامين: مالك وأحمد.
وأجاز بعض فقهاء الحنابلة والشافعية للحائض دخول المسجد للطواف بعد إحكام الشد والعصب وبعد الغسل، حتى لا يسقط منها ما يؤذي الناس ويلوث المسجد، ولا فدية عليها في هذا الحال باعتبار حيضها -مع ضيق الوقت والاضطرار للسفر- من الأعذار الشرعية.
ويجوز للحائض أن تنيب غيرها في الطواف انطلاقًا من أن الحج كله كعبادة تجوز فيه الإنابة.
وقد أفتى كل من الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة إذا اضطرت إلى السفر مع صحبتها.
ثم إن النفساء حكمها كالحائض في هذا الموضع.
طواف الوداع:
اسمه يدل على الغرض منه؛ لأنه توديع البيت الحرام، وهو آخر ما يفعله الحاج قبيل سفره من مكة بعد انتهاء المناسك، وقد اتفق العلماء على أنه مشروع، متى فعله الحاج سافر بعده فورًا.
ثم اختلف العلماء في حكم هذا الطواف: هل هو واجب أو سنة؟ بالأول قال فقهاء الأحناف والحنابلة ورواية عن الشافعي، وبالقول الآخر قال مالك وداود وابن المنذر، وهو أحد قولي الشفعي.
يستحب تعجيل العودة:
فيما رواه الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال: “إذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله؛ فإنه أعظم لأجره”.
زيارة المدينة المنورة:
إذا لم تكن -أيها الحاج- قد بدأت هذه الرحلة المباركة بزيارة الرسول -ﷺ-؛ فمن السنة –بعد أن تكون قد فرغت من مناسك الحج– أن تقوم بها، فإنها من أعظم الطاعات وأفضل القربات.
وفي فضلها أحاديث شريفة كثيرة، ولتقصد من الزيارة في حرمه الآمن تحصيلاً للثواب؛ فقد ورد في الحديث الشريف عن صاحب هذا الحرم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- “صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام…”. رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن الزبير.
خطة هذه الزيارة وآدابها:
يُسن للزائر -بعد أن يطمئن على أمتعته ومحل إقامته- أن يغتسل، وأن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب، وإذا لم يتيسر الاغتسال اكتفى بالوضوء.
ثم يتوجه إلى الحرم النبوي، متواضعًا في سكينة ووقار؛ فإذا دخل من باب المسجد، قصد إلى الروضة الشريفة، وهي بين القبر الشريف والمنبر النبوي، وصلى فيها ركعتين تحية للمسجد، ويدعو الله مجتهدًا في الدعاء؛ لأنه في روضة من رياض الجنة، وفي مهبط الرحمة، وموطن الإجابة، إن شاء الله.
فإذا انتهى الزائر من تحية المسجد والجلوس في الروضة الشريفة توجه إلى قبر الرسول -عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام-، ووقف قبالة موضع الرأس الشريف في أدب واحترام، ويسلم على الرسول في صوت خفيض ويقول:
“السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه. السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين. أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده”.
ثم يصلي الزائر على رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، ويبلغ إليه سلامنا وسلام من أوصوه.
ثم يترك هذا الموضع إلى اليمين قليلاً بما يساوي ذراعًا (أقل من المتر) ليجد نفسه واقفًا قبالة رأس الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- فيسلم عليه بقوله: “السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار، السلام عليك يا أمينه في الأسرار. جزاك الله عنا أفضل ما جزى إمامًا عن أمة نبيه”.
ثم يتجاوز مكانه إلى اليمين قدر ذراع أيضًا، ليجد نفسه واقفًا قبالة رأس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فيقول:
“السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا مكسر الأصنام، جزاك الله عنا أفضل الجزاء”.
وبعد هذا يستقبل الزائر القبلة، ويدعو بما شاء لنفسه ولوالديه وأهله، ولمن أوصاه بالدعاء شاملاً جميع المسلمين.
وينبغي للزائر ألا يلمس حجرة الرسول -ﷺ-، ولا يقبل الحواجز ولا الحيطان، ولا يطوف حولها؛ لأن هذا منهي عنه في أحاديث وفيرة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
وينبغي للزائر كذلك أن يغتنم مدة وجوده في المدينة، فيصلي في مسجد الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الصلوات الخمس، وعليه أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم فيها، ومن الدعاء والاستغفار والتسبيح.
ومن المستحب زيارة أهل البقيع، حيث دُفن أصحاب الرسول -ﷺ- من المهاجرين والأنصار والصالحين، كما يزور شهداء أحد، وقبر سيد الشهداء “حمزة” عم الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ومسجد قباء؛ أول مسجد بناه الرسول، ﷺ.
وفي ختام الإقامة بالمدينة لا تفارقها -أيها الزائر- إلا بعد أن تصلي ركعتين في مسجد الرسول -ﷺ-، وتزور الرسول وصاحبيه، وتسأل الله تيسير العودة لهذه الزيارة وتكرارها.
الأضحية
المقصود بالأضحية وشروطها:
المراد بالتضحية: ذبح الأضحية، وشروطها: (منها) ما يتعلق بمن عليه التضحية أي المضحي، و(منها) ما يتعلق بوقت التضحية.
شروط المضحي ومن يذبح الأضحية:
أولاً: نية الأضحية عند الذبح:
يشترط في التضحية أن ينوي المضحي نية الأضحية عند الذبح، فلا تجزئ الأضحية بدونها؛ لأن الذبح قد يكون للحم، وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربة بدون النية، فلا يتعين الذبح للأضحية إلا بالنية، وليس على المضحِّي أن يقول عند الذبح عمن هذه الأضحية؛ لأن النية تجزئ في ذلك. قال ابن قدامة: لا أعلم خلافًا في أن النية تجزئ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن.
ثانيًا: يذبحها مسلم:
يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم؛ لأنها قربة، فلا يتولاها غير أهل القربة، وهم المسلمون، فإن استناب من عليه التضحية ذميًا في ذبحها جاز مع الكراهة، وهذا مذهب الحنابلة، وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر.
وحكي عن أحمد: لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم، وهو قول مالك. وممن كره ذلك -أي كراهة ذبح الذمي أضحية المسلم- علي، وابن عباس، وجابر -رضي الله عنهم-، وبه قال الحسن، وابن سيرين.
واحتج ابن قدامة لجواز ذبح الذمي لأضحية المسلم مع الكراهة: بأن من جاز له ذبح غير الأضحية جاز له ذبح الأضحية كالمسلم، كما أن الكافر يجوز أن يتولى ما كان قربة للمسلم كبناء المساجد، فيجوز له أن يتولى للمسلم أيضًا ذبح أضحيته.
ثالثًا: يستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده رجلاً كان أو امرأة:
ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده، لأن النبي -ﷺ- ضحَّى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده الشريفة. وهذا الاستحباب يسري على المرأة إذا أرادت أن تضحي كما يسري على الرجل. قال ابن حزم الأندلسي -رحمه الله تعالى-: ويستحب للمضحي رجلاً كان أو امرأة أن يذبح أضحيته أو ينحرها بيده، فإن ذبحها أو نحرها بأمرهِ مسلمٌ غيره أو كتابي أجزأه ذلك.
رابعًا: التسمية عند الذبح:
ثبت أن النبي -ﷺ- كان إذا ذبح أضحيته قال: “بسم الله، والله أكبر” وكذلك كان يقول ابن عمر، وقال ابن قدامة: ولا نعلم من استحباب هذا خلافًا ولا في أن التسمية مجزئة، وإن نسي التسمية أجزأه. وإن زاد على التسمية فقال: اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني أو من فلان، فهذا حسن، وبه قال أكثر أهل العلم.
أول وقت التضحية إذا مضى من نهار اليوم الأول من عيد الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته، فقد حل أول وقت ذبح الأضحية، ولا يعتبر في هذا التقدير نفس الصلاة، وإنما المعتبر ما تستغرقه من وقت مع الخطبة في أخف ما تجزئ به الصلاة والخطبة. ولا فرق في هذا بين أهل المصر والقرى وغيرهم. وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية، وابن المنذر. والأَوْلى اعتبار وقت التضحية في الأمصار بعد فراغ الإمام من الصلاة وخطبة العيد.
أما آخر وقت التضحية فهو آخر اليوم الثاني من أيام التشريق؛ فتكون أيام النحر ثلاثة أيام: اليوم الأول من العيدين ويومان بعده -أي أيام العاشر والحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة-. وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس، وهو مذهب الحنابلة، قال أحمد بن حنبل: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله -ﷺ-، وبهذا قال مالك والثوري وأبي حنيفة. وروي عن علي أن آخر وقت التضحية هو آخر أيام التشريق، وهو مذهب الشافعي، وهو قول عطاء والحسن.
ما يفعله المضحي بلحم أضحيته:
يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويبقى منها له بحدود ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أبقى لنفسه أكثر من ثلثها جاز. وقال الحنفية: ما كثر التصدق به من لحم الأضحية فهو أفضل.
هل يعطى الجزار بدلاً عن أجرته شيئًا من الأضحية؟
قال الحنابلة: لا يعطى الجزار شيئًا من الأضحية بدلاً عن أجرته في ذبح الأضحية. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، ولكن إن دفع إلى الجزار شيئًا من الأضحية لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس؛ لأنه مستحق للأخذ؛ فهو كغيره بل هو أولى؛ لأنه باشر ذبحها وتاقت نفسه إليها.
هل يجوز بيع شيء من لحم الأضحية أو جلدها؟
قال الحنابلة: لا يجوز بيع شيء من الأضحية، لا لحمها ولا جلدها، سواء كانت واجبة بالنذر أو كانت تطوعًا. قال الإمام أحمد: لا يبيعها ولا يبيع شيئًا منها. وهذا مذهب الشافعي، ورخص الحسن والنخعي في الجلد أن يبيعه ويشتري به غربالاً ومنخلاً. وروي نحو هذا عن الأوزاعي؛ لأنه ينتفع به هو وغيره، فجرى مجرى تفريق اللحم.
وقال أبو حنيفة: يبيع ما شاء من الأضحية ويتصدق بثمنه. وروي هذا عن ابن عمر:
يبيع الجلد ويتصدق بثمنه، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق، إلا أن ابن قدامة الحنبلي لم يجوِّز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا جلدها؛ لأنه جعله لله-تعالى-، فلم يجز بيعه، كالوقف، إلا أنه أجاز الانتفاع بجلد الأضحية، وقال: لا خلاف فيه؛ لأنه جزء منها، فجاز له الانتفاع فيه كاللحم. وكان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه.
حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وعملاً متقبلاً إن شاء الله تعالى.
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق