إنما بعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق“، كلمة قالها النبي ﷺ، لتبقى دستورا للبشرية على مدى التاريخ، يحدوها إلى مكارم الأخلاق، ويدعوها إلى قيادة ركب الحضارة من خلال سلوك أخلاقي فريد، لم تشهد الإنسانية له مثيلا.
اجتهد النبي صلى الله عليه وعليه في حياته على تربية جيلٍ إسلاميٍّ يحمل الأخلاق الحميدة إلى العالمين، وقد ظلتْ حياته تمثل مدرسة للأخلاق الفاضلة، فجاء القرآن لتزكيته، وعندما سئلت عائشة رضي الله عنها، عن خلقه، قالت:”كان خلقه القرآن”.
من هنا يمكن القول إن الأخلاق هي جوهر ووعاء الرسالة التي جاء بها محمد ﷺ من عند ربه، وظل يُكوِّنُ عليها صحابته رضوان الله عليهم، حتى وصلتنا هذه الأخلاق الإسلامية في حلةٍ جميلة، تعشقها النفس، وتهفو إليها الروح، ولكن مؤخرا بدأ نجمُ الأخلاق يأفلُ في العالم الإسلامي.
من المعلوم أن الهدف من التعاليم الدينية المختلفة، هو أن تظل ماثلة أمام أعيننا، نترجمها إلى أفعال إيجابية على أرض الواقع، لا أن نظل نرددها، لا تتجاوز الحناجر، لتغيب فيما بعد عن عقولنا وعن مراحل تعليمنا، فيتمسك جيلنا بأخلاق أخرى، لا تخدم مستقبل أمتنا الإسلامية من أي ناحية.
في السنوات الأخيرة أصبحت بعض الدول الإسلامية لا تلقي بالا لمادة التربية الإسلامية. وكلما فكرتُ في هذه الظاهرة السيئة، يتملكني الاستغراب حين أسمع عن أسماء كليات جديدة في العالم العربي والإسلامي، ولا أرى كليات للأخلاق الإسلامية، في جامعاتنا المختلفة..فأي تقدّمٍ تريده أمة بدون أخلاق؟.
إن سبب تأخرنا عن الركب الحضاري يعود إلى جهلنا بأهمية الأخلاق في حسم الصراع التاريخي بين الأمم. فمنذ اليوم الذي أًصبحت مادة الأخلاق الإسلامية تعيش على هامش الجدول الدراسي في مؤسساتنا التعليمية، أصبحنا نعيش على هامش الحضارة، وما زلنا في سقوط مدويّ للأسف.
إذا تأملنا قليلا سنجد أن أغلب العلوم الحياتية تم تطويرها، لكن الأخلاق الإسلامية – حسب علمي- لم تجد حظَّها من التطوير كي تقبل عليها الشعوب الإسلامية من جديد لتأخذ مكانتها التي تليق بها بين الدول.
أعتقد أننا لو بذلنا جهدا مضاعفا في تطوير الأخلاق الإسلامية، لكان الآخر يتعلم منا، ويستجلب العادات والأخلاق، لكن نجحت الدول الغربية في غزونا بثقافاتها، فنسينا كل شيء له صلة بالأخلاق، ونسينا أن الأخلاق شرطٌ في بقاء الأمم، فعندما تغيبُ الأخلاق تنعدم الأمم، يقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولعلنا أيضا نسينا المثل العربي الذي يقول: “في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق“.
إن أهمية الأخلاق الإسلامية وشموليتها، هي التي جعلتها تصبح من “العلوم البينية” أي التي ترتبط بكل مجال من مجالات الحياة، فلا يمكن أن نَدْرُسَ مجالا حتى ولو كان معاصرا إلا ووجدنا حاجة أصحابه إلى الأخلاق بادية للعيان.
فالكهربائي مثلا يحتاج إلى الأخلاق من أجل أن يعِي أهمية مهنته، والطبيب يحتاج إلى الأخلاق من أجل أن يُعالج الناس بطريقة أخلاقية، والجند يحتاج إلى الأخلاق من أجل أن يحافظ على هيبة الدولة.
إن شمولية الأخلاق ينبغي أن تكون دافعا للمسلمين إلى العودة إلى الأخلاق الإسلامية لينهضوا من جديد، ويعلموا أن لديهم اكتفاء ذاتيا في مجال الأخلاق، بالتالي لا يحتاجون إلى التخلق بـ”أخلاق” الآخرين. إنما نحتاج إليه هو أن نعلم أن الأخلاق الإسلامية اعتقاد بالجنان، لا قول باللسان فقط. وقد صدق صاحب الحماسة حين قال:
فلم أجدِ الأخلاقَ إلا تخلقا
ولم أجدِ الأفضالَ إلا تفضُّلا.
ولكي نحافظ على أخلاقنا الإسلامية، لا بد وأن نفهم أن الأخلاق تتغير بتغير الزمان والمكان، بالتالي إذا لم نحافظ على أبنائها داخل بيئة إسلامية صرفة، فإنهم لا شك سيتخلّقون بـ”أخلاق” أخرى، قال الشاعر
إذا بيئة الإنسان يوما تغيرَتْ
فأخـلاقُه طبقا لها تتغـيـرُ
من المؤسف جدا، أن جيلنا المعاصر يوجد من بينه من يعتقد أن التخلق بالأخلاق الإسلامية، يمثل قمة التخلف والرجعية، وأن اتباع “أخلاق” الغرب يمثل قمة التحضر والتقدم، وهذا مشكل حضاريٌّ أخلاقيٌّ يجب أن نعمل على حلّه من اليوم.
إن المسلمين جميعا مطالبون اليوم بالاجتهاد في تطوير الأخلاق الإسلامية ونشرها، حتى تصبحَ قادرة على مقارعة “الغزوي الثقافي”، فالأخلاق هي التي تسمو بالإنسان وترفعه درجات، وتدفعه إلى العمل والبناء وتشييد الحضارة.