عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( داووا مرضاكم بالصدقة ). حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 3358.
لأول وهلة قد يستغرب قارئ أو سامع هذا الحديث بلسان حاله أو مقاله ” ما علاقة الصدقات بعلاج الأمراض؟ ” والجواب أن علاج الأمراض له صلة وثيقة بالعقيدة وحسن التوكل على الله تعالي.
يقول سبحانه عن إبراهيم عليه السلام ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) الشعراء:80.
أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه. تفسير ابن كثير.
والقرآن كما أخبر الرحمن علاج لأهل الإيمان إذا صدق القلب وانشرح الصدر بالقبول والإذعان قال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الإسراء:82.
قال ابن القيم:” فالقرآنُ هو الشِّفاء التام مِن جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواءِ الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحدٍ يُؤهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعَه على دائه بصدقٍ وإيمان، وقبولٍ تام، واعتقادٍ جازم، واستيفاءِ شروطه، لم يُقاوِمْهُ الداءُ أبداً”. زاد المعاد في هدي خير العباد.
وقال أيضاً – رحمه الله تعالى – في ( زاد المعاد ، 4 / 10 – 11 ) : ( ها هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتدِ إليها عقولُ أكابر الأطباء ، ولم تصِلْ إليها علومُهُم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه ، والالتجاء إليه ، والانطراح والانكسار بين يديه ، والتذلُّل له ، والصدقة ، والدعاء ، والتوبة والاستغفار ، والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب ؛ فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه ؛ وقد جَرَّبنا نحنُ وغيرنا من هذا أموراً كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية) انتهى …
ولما كان المرض قاهر الرجال وعدو الأجيال والابتلاء الذي لا تستقر معه حال؛ ناسب أن يكون العلاج في تنفيس الكربات وتفريج الهموم وإغاثة الملهوف، من خلال بذل المال والصدقات ونفقته على المحتاجين.
وقد لا تصل العقول لحقائق ونتائج عملية لتلك الطرق والوسائل العلاجية، إلا بعد التجارب لكن ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام صدق وحقيقة لا مرية ولا شك فيه، فهو القائل ( تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم ) صحيح الجامع برقم 2930.
وهذا الإخبار الهام لا يصدر إلا بوحي رباني، فعلاج المرضى بالصدقة جزء من ذلك.فإن الطب نوعان جسماني وروحاني فأرشد النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى الأول آنفاً وأشار الآن إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية. فيض القدير شرح الجامع الصغير.
والإسلام دين شمولي يحض على التكافل الاجتماعي والاقتصادي، وإخراج المال وبذله للآخرين مآله إسعاد فئات متنوعة من المجتمع وسد حاجاتهم، وبالتالي الجزاء من جنس العمل ( وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان )، فالله سبحانه تكفل لمن أنفق دون رياء وبذل بلا مَنّ وأذى، أن يداوي مرضاه ويعافي مبتلاه.
والعلاج بالصدقة لدفع الأمراض والبلاء عام قد ينتفع منه غير المؤمن كالفاجر والظالم والكافر، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في ( الوابل الصيب ، ص 49 – 50 ) : ( فإنَّ للصَّدَقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ، ولو كانت مِن فاجر أو مِن ظالِم ، بل من كافر ، فإنَّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء ؛ وهذا أمرٌ معلوم عنْدَ الناس خاصتهم وعامتهم ، وأهل الأرض كلهم مُقرُّون بـه لأنهم جرَّبوه ) انتهى .
والصدقة تُزكي النفوس وتطهرها من أدران الشح والبخل والطمع والانكباب على الماديات، فينعكس ذلك على راحة البال وطمأنينة النفس وانشراح الصدر، ولهذا علاقة قوية وثيقة بكثير من الأمراض التي معظمها ناتجة عن اضطرابات نفسية كالقرحة وعسر الهضم والتهاب القولون، بل كثير من الأمراض تتأثر بشكل كبير بالحالة النفسية كارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والتهاب المفاصل وغيرها.
ولا يعني التداوي بالصدقة إهمال بقية الوسائل من الاستشفاء بالقرآن والدعاء والرقية الشرعية، والأخذ بالأسباب المادية من الأدوية وغيرها، لكن المريض بحسبه فقد يشتد المرض ويحتاج الجمع بين أكثر من طريقة.
جاء في ( سير أعلام النبلاء ، 8 / 407 ) أن رجلاً سأل عبد الله بن المبارك – رحمه الله تعالى – عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج وسأل الأطباء فلم ينتفع ، فقال له ابن المبارك : ( اذهب واحفر بئراً في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم ) ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى .
من آداب العلاج بالصدقة ؟
`قبل أن نذكر بعض آداب العلاج بالصدقة ينبغي أن تعلم أولاً وقبل كل شيء أن المال الذي عندك هو لله تعالى وهو الذي أعطاك إياه والله ممتحنك فيه فإن أديت حق الله فيه فقد أفلحت إن شاء الله ، وإن بخلت به على المستضعفين من عباده ولم تؤدِّ حق الله فيه فإنه يُخشى عليك من أن يسلبه الله منك وتخسر دنياك وآخرتك ، وقد ندبك الله كثيراً وحثَّك للتصدق من هذا المال لتفوز بخيري الدنيا والآخرة.
قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ” سورة البقرة ، من آية : 254 ، وفي ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة شيء كثير جداً مما يدل على ما للصدقة والإنفاق في وجوه الخير من الخير العظيم للعبد في دنياه وآخرته .
` وإذا أردت معالجة مريضك بالصدقة لتجني ثمرة ذلك – بإذن الله تعالى – مثلما جناها أصحاب القصص الواقعية المرفقة ، فاتبع الخطوات اليسيرة التالية :
– إذا أردت أن يكون شفاء مريضك بالصدقة سريعاً تامًّا فتصدق من طـيِّب مالِكَ الذي أعطاك الله تعالى فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً – كما جاء في الحديث الصحيح .
– إذا تصدقت بهذه الصدقة فاجعلها بِنِيَّـة شفـاء مريضك.
– إن كنت غَنِـيًّا فكُن سَخِـيًّا في صدقتـك ، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم سَخياً كريمـاً ( يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر ) رواه مسلم
– اجعل صدقتك خالصةً لوجه الله تعالى ، فكلما كان العمل أكمل وأعظم إخلاصاً لله تعالى كلما كان ثوابه وثمرته أكمل وأعظم ، وتذكَّر حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، والذي ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم منهم : ( ورجل تصدق بصدقـة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) متفق عليه . وفي هذا حثٌّ عظيم على الإخلاص في العمل .
-لكي تكون صدقتك بليغة الأثر بإذن الله تعالى فحاول جاهداً أن تتحرى لصدقتك محتاجاً صالحاً تقياً كما جاء في الحديث عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم أنه قال ): لا تُصَاحِب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامَك إلا تقي ) رواه الترمذي وأبو داود وهو حديث حسَن ، وكلما كان الفقير أشد فقراً وحاجة للصدقة كلما كان أثر الصدقة أكبر وأعظم !
مع العلم أن ( في كل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجر ) متفق عليه مرفوعاً ، فلا يلزم أن تحصر صدقتك على الإنسان فقط وأن تظن أن الصدقة لن تنفع حتى تنفقها على إنسان بل إن أطعمت حيواناً محتاجاً بنية شفاء مريضك فسوف يُشفى إن شاء الله تعالى ، والله واسع عليم .
-حينما تتصدق بنية شفاء مريضك فلا تقل : ( سأجَرِّب ) ، بل كان جازماً موقناً واثقاً بأن الله – تبارك وتعالى – سيشفي مريضك ، ولا تستعجل النتيجة ، ولا تقنط ولا تيأس من رحمة الله تعالى ؛ بل كن واثقاً به فهو الشافي النافع الكريم الذي بيده الضرُّ والنفع .. والذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .. والذي إذا أراد شيئاً قال له ( كن ) فيكون ، فأحسن الظن به وأنه سيشفي مريضك .. فالله عند حسن ظن عبده به .. ولن يخذل الله أبداً عبدَهُ ما أحسن الظن به .
-إن لَم ترَ نتيجةً سريعة لشفاء مريضك بعد صدَقتك – وهذا قد يحصل ولكنه نادر جداً – فتصدق مرةً أخرى وكرِّر ذلك ولا تقنط ، وكن على تمام الثقة أن صدقتك لن تضيع أبداً فهي محفوظة عند مَن لا يضل ولا ينسى – سبحانه وبحمده – ، وأنه إن لم يشفِ مريضك بسبب صدقتك فاعلم يقيناً أن ذلك لم يتم للطف إلهي وحكمة ربانية لأن الله تعالى قد لا يشفي المريض أحياناً حتى لو تصدَّق ، بل قد يلطف بعبده المتصدق فلا يشفيه حتى يتخلص من ذنوبٍ يُقيم عليها .. ففتش نفْسك ونفْس مريضك وتخلصوا من الذنوب والمعاصي وسَتَرَوْن من دَفْعِ أكرم الأكرمين عنكم وقبوله صَدَقتكم وشفائه ومعافاتـه ما لا يخطر لكم على بال ! … وقد قال تعالـى : “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَـةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ” ، ولذا قيل في الحِكَم الشرعية : ( ما نَزَل بَلاَءٌ إلا بذنب ولا رُفِع إلا بتوبة) .
-إذا شفى الله مريضك وأبدله عن الضراءِ سَرَّاءً فتوجَّه ومريضك إليه بالحمد والشكر والهج بذلك كثيراً قائلاً ( الحمد لله رب العالمين ) لأنه أهل الثناء والمجد وقد أذِن إيذاناً عظيماً بالزيادة لمن وفقه لشكره حيث قال في كتابه الكريم :
” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” سورة إبراهيم ، من آية : 7 ، فمن أكثر من شكر ربه على أن شفاه فليبشر بزيادة العافية والبعد عن الأمراض .
أخي المريض مرضاً عضوياً أو نفسياً لقد انتشرت الأمراض وكثرت في هذا الزمن ومن منا ليس لديه مريض من قريب أو بعيد أو أن يكون هو نفسه…فتداووا يا إخوتي وأخواتي بالصدقة… ولست أقصد بالصدقة هنا زكاة المال أو زكاة الفطر التي تؤدى في شهر رمضان بل ان ما أقصده هو نوع آخر من العطاء يدفعه الإنسان إلى أخيه الإنسان…نعم يا أخي … إنها الصدقة بنية الشفاء ، ربما تكون تصدقت كثيراً ولكن لم تفعل ذلك بنية أن يعافيك الله من مرضك أو يعافي مريضك ، فافعل الآن ولتكن واثقاً من أن الله سيشفيك .. وسترى من ربك الكريم فوق ما يرضيك … أشبع فقيراً ، أو اكفل يتيماً ، أو تبرع لوقف خيري أو صدقة جارية ، فقد جرب ذلك أناس كثيرون فوجدوا العلاج نافع بإذن الله.
إن الأمراض التي يصاب بها المسلم أو يصاب بها مَن تحت يده هي من أعظم ما يُفتـن بها في الدنيا ، وقد قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ): فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره ، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) متفق عليه .
إن الصدقة لَتَرفع – بإذن الله تعالى – الأمراضَ و الأعراضَ من مصائب و بلايا ، وقد جرَّب ذلك الموفقون من أهل الله ، فوجدوا العلاجَ الروحي أنفع من العلاج الحسِّي ، وقد كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يعالج بالأدعية الروحية والإلهية وكان السلف الصالح يتصدقون على قدْر مرضهم وبليتهم فلا يلبثون قليلاً حتى يعافيهم الشافي المعافي الكريم الرحيم – جل جلاله – ، فلا تبخل على نفسك إن كنت ذا مالٍ ويسار ، وحتى لو كنت فقيراً فتصدق ولو بجنيه واحدٍ بنية شفائك أو شفاء مريضك شريطة أن تكون عظيم الثقة بربك حتى يكون الشفاء أكمل وأتم .
ختاما: رسالة أوجهها إلى كل مسلم مبتلى في نفْسه أو أهله أو إخوانه بمرض جـسدي كالـسرطان أو الشلل أو غيرها من الأمراض الجسدية كبيرةً كانت أو صغيرة … إلى كل مسلم مبتلى في نفْسه أو أهله أو إخوانه بمرض نفْسي كالاكتئاب والقلـق أو الوسواس أو غيرها من الأمراض النفْسية كبيرةً كانت أو صغيرة . أقول له : ( اصبر واحتسب ) فإن هذه الدنيا دار بلاء وابتلاء ، ومن ابتلي فهذه من علامات حب الله له إذ لا يبتلي الله إلا من يحب ، وإذا أراد بعبده خيراً ابتلاه إذِ إنه- سبحانه وبحمده – إنما يبتلي عبده المؤمن لِيـُكَفِّر عنه سيئاته ويرفع درجاته .
المصدر:
انظر: موسوعة علاج السرطان بالطب البديل- د. محمد السقا عيد ، إصدار دار اليقين للطبع والنشر والتوزيع- جمهورية مصر العربية.
مصادر يمكن الرجوع إليها:
-وقفات مع حديث ” دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ “أيمن الشعبان – صيد الفوائد.
– كتاب من عجائب العلاج بالصدقة – تأليف بعض طلبة العلم.
-كتاب من عجائب الصدقة ، لخالد بن سليمان الربعي.
– العلاج بالصدقة بين العلم والإيمان – م عبد الدائم الكحيل.