خمسا وأربعين سنة (631هـ – 676هـ) عاشها الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي صاحب كتاب الأذكار، ولم يكن معمرا كما ترى، ولكن عاش حياة مليئة بالبركة والفضائل والإنجازات العظيمة، وشكلت حياته مدرسة مشرقة في العلم والعمل والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

النووي في العلم والعمل

اجتمعت كلمة أهل العلم قديما وحديثا على إمامة النووي وأنه جمع بين العلم والعمل، وقد بدت عليه ملامح الصلاح منذ أيام الصغر، وعُرف عنه الحزم والجد في الطلب والإعراض عما يسده عن تحصيل العلم، ولم يكن يلعب الذي اعتاده صبيان عصره، إلى حد أنه يأبى عندما يطلبه الأطفال اللعب معهم، وحفظ القرآن في السن المبكر، ثم شرع في حفظ المتون وأتم حفظ كتاب (التنبيه) خلال أربع أشهر وحفظ بعض أجزاء من كتاب (المهذب).

 وانكب على الاشتغال بدروس على العلماء، وكان يقرأ عليهم كل يوم اثني عشر درساً، شرحاً وتصحيحاً وتعليقا مع تمام الضبط والإتقان، وكان جميع أوقاته مرهونة بالعلم والطاعة إلى أن هجر النوم إلا عن غلبة وغفوة، ولم يتزوج قط، ليخلف كتبا نافعة في التراث؛ ألف في القرآن الكريم، والحديث الشريف وعلومه، والفقه، واللغة والتراجم وغيرها.

قال ابن العطار: قال لي شيخنا محمد بن عبد القادر الأنصاري: «لو أدرك.. شيخكم -عني النووي- وشيخه – عني أبا إسحاق إبراهيم بن عثمان المغربي – لما قدّم عليهما في ذكره لمشايخها أحداً، لما جمع فيهما من العلم والعمل والزهد والورع، والنطق بالحكمة وغير ذلك.[1]

 النووي في الزهد

كان النووي عفيفا ورعا، قانعا بما آتاه الله تعالى، غير متأسف على أمور الدنيا بل عزف نفسه عنها والتفت إليها بعين الزوال، وكان موصوفا في كتب التراجم بالرأس في الزهد والأسوة في الورع، وعديم الميرة والرفاهية والتنعم، ولا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، وكان يصوم الدهر، ولم يكن يأخذ من أحد شيئا، ولما قشر رجل من أصحابه خيارة ليطعمه إياها، فامتنع من أكلها، وقال:” أخشى أن ترطب جسمي وتجلب النوم”[2].

وكان لا يأكل من فاكهة أراض دمشق بحجة أنها كثيرة الأوقاف والأملاك، لمن هو تحت الحجر شرعاً، وأنه لا يجوز التصرف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة، والغبطة لليتيم والمحجور عليه، وقد ترك رعونات النفس من ثياب حسنة، وتجمل في الهيئة، وفي قبيل وفاته رد الكتب التى استعارها من الأوقاف تبرأة من الذمة.

النووي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكان مع شهرة الإمام النووي بالاشتغال وشدة الاكباب على العلم والعبادة والزهد، وقد كان أمّارا بالمعروف،قوالا بالحق، نهاء عن المنكر، لا يخاف أحدا إلا الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويظهر ذلك مما ذكر في ترجمته في مواجهته لعلماء السوء، والملوك والجبابرة بالإنكار بلسان الحال وبلسان المقال، فيما يتضمن العدل في الرعية وإزالة المكس عنهم، وله كتب كثيرة في كليات تتعلق بالمسلمين وجريات، وفي إحياء السنن، وإماتة بدع مظلمات.

ومن أمثلة ذلك، ذُكر أنه جرى بينه وبين السلطان الظاهر بيبرس حيث قدم له نصيحة بالرسائل أكثر من مناسبة، يذكره فيها بحقوق الرعية والعدل ولم يتنصح، فذهب إليه مرة ليناقشه في شأن الضرائب التى فرضها على الناس وكلمه في ذلك بالرفق ولكنه رفض، فاضطر الشيخ إلى أن شدد عليه الكلام فقال:” قبل أن تفرض الضرائب على الناس، أنا أعرف أنك كنت في الرق للأسير بندقار، وليس لك مال أصلا، ثم من الله عليك وجعلك ملكا، وعندك ألف جارية، كل جارية عندها علبة مجوهرات، خذ ما عندهم من ذهب وأنفقه على الجيش، وعندك العبيد يلبسون الحياصي من الذهب، الحياصي صدرية كان لها أزهار ذهبية، وبعد بيع كل هذا إن كنت محتاجا للمال فافرض على الناس الضرائب.

فغضب بيبرس وقال: اقطعوا عنه راتبه واعزلوه عن منصبه.

فقالوا: الشيخ ليس له راتب ولا منصب.

فقال بيبرس: غيب عني وجهك، اخرج من بلدي.

فقال الإمام: سمعا وطاعة. فخرج من دمشق إلى نوى، قريته التي ولد فيها.

فقال الفقهاء: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يقتدى بهم، فأعده إلى دمشق. فرسم السلطان برجوعه، فامتنع الشيخ وقال: لا أدخلها والظاهر بها.. فمات الظاهر بعد شهر.

يقول أحمد بن فرح الإشبيلي: كان الشيخ قد صارت إليه ثلاث مراتب كل مرتبة منها لو كانت لشخص لشدت إليه آباط الإبل من أقطار الأرض، المرتبة الأولى العلم والقيام بوظائفه، والثانية الزهد في الدنيا، والثالثة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[3]

وتوفي الإمام النووي ليلة أربع وعشرين من رجب في نوى ودفن فيها صبيحة الليلة المذكورة،[4] ولم يزل ثناء أئمة المسلمين عليه تترا على مر الدهور والديار حتى عصرنا الحالي، ثناء من أمثال الإمام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير وابن حجر والسخاوي وابن باز والألباني وابن العثيمين وغيرهم من الفضلاء، أوصفوه: بالإمام، والقدوة، والعلامة، والحافظ، والشيخ، وشيخ الإسلام، وحسنة الأنام، وشيخ المذهب، وكبير الفقهاء وغير ذلك من النعوت الحميدة.

وهذه هي بعض شهاداتهم للنووي رحمه الله، ومن شهداء الله على الأرض؟ ومن العدول بعد هؤلاء؟

نعم! يعذر في اجتهاداته التي أخطأ فيها كغيره من أئمة سلف الأمة، وخاصة مذهبه في العقيدة، وإنما يرجى له العفو والتوبة والرحمة والتجاوز، وهذا هو مذهب من يعتد بقوله من أئمة الدين.

كتاب الأذكار

لم يبالغ ابن العطار في مدح كتب شيخه الإمام النووي عندما قال: “وانتفع الناس بسائر البلاد بتصانيفه، وأكبوا على تحصيل تواليفه، حتى رأيت من كان يشنؤها (يبغضها) في حياته، مجتهداً في تحصيلها والانتفاع بها بعد موته”. [5]

والإمام الذهبي بقوله: “وقد نفع الله تعالى الأمة بتصانيفه، وانتشرت في الأقطار، وجلبت إلى الأمصار”. [6]

وشاهد الوجود يدل على مصداق هذا الكلام، ومن ذلك كتابه “الأذكار” الذى انتشر وطبَّق الآفاق وسارت به الركبان وتقبله الناس بقبول حسن حتى قال قائلهم في الثناء على الكتاب:” بع الدَّار، واشتر “الأذكار” وليس يَذكرُ من لم يقرأ “الأذكار”.

وقد مكث الإمام النووي في تأليفه ما يناهز أربعة أشهر من شهر رمضان 666هــ حتى شهر الله المحرم 667هـ سوى أحرف ألحقها بعد ذلك على حد قوله رحمه الله. ابتدأه بفصل في الأمر بالإِخلاص وحسن النيّات وأنهاه بكتاب الاستغفار قائلا: “وأختم الكتاب إن شاء الله تعالى بباب الاستغفار تفاؤلا بأن يختم الله لنا به، والله الموفق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويض والاستناد.

سبب تأليف الكتاب

اشتهر الكتاب باسم ” الأذكار” أو بــ “الأذكار النووية” اختصارا، وأما الاسم الكامل كما أسماه المؤلف هو:”حِلية الأبرار وشِعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار”.

كان قصد الإمام النووي من تأليف الكتاب هو تيسير مهام أمور الأذكار على الأمة الإسلامية، لأنه لما نظر في كتب صنفت في عمل اليوم والليلة الأذكار والدعوات وجد فيها التطويل والتكرار المحلى بالأسانيد، رأى تقاصر همم الناس وعجزهم عن العناية بمثل هذه الكتب، وأنه يعوق كثيرا من المسلمين عن الاشتغال بالأذكار الواردة عن رسول الله ولا يبعث فيهم الهمم على العمل.

وقال رحمه الله: “فقصدت تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعت في جمع هذا الكتاب مختصرا مقاصد ما ذكرته تقريبا للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعا للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد متطلعين، بل يكرهونه وإن قصر إلا الأقلين، ولأن المقصود به معرفة الأذكار والعمل بها، وإيضاح مظانها للمسترشدين”.

شرطه في حديث الكتاب

كتب الأذكار والأدعية القديمة يكثر فيها الخلط بين صحيح الرواية وسقيمها دون التوضيح بالنص، وحاول المؤلف مجانبة هذا السلوك وذكر درجة كل حديث من حيث القبول والرد، فقال:” وأذكر إن شاء الله تعالى بدلا من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخل به غالبا، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميع الناس إلا النادر من المحدثين، وهذا أهم ما يجب الاعتناء به، وما يحققه الطالب من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحذاق المعتمدين” وهذا يعني أنه لا يشترط الصحة في حديث الكتاب.

منهجه في إيراد الحديث

  • عرض الحديث مع الفوائد أحيانا

حتى لا يكون كتاب الأذكار مجرد سرد الأحاديث فحسب كما هو طريق المتقدمين، فإن المؤلف رأى في جانب ذلك أن يضيف إضاءات نافعة لكل قارئ، فقال: “وأضم إليه إن شاء الله الكريم جملا من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتها على السالكين. وأذكر جميع ما أذكره موضحا بحيث يسهل فهمه على العوام والمتفقهين”.

ومن أمثلة تطبيقية[7] للأشياء المذكورة من واقع الكتاب، ومثلا:

  1. في علم الحديث. ومن ذلك:
  2. قوله رحمه الله:” قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا، وأما الأحكام..فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك
  3. قوله رحمه الله:” ما رواه أبو داود في سننه ولم يذكر ضعفه فهو عنده صحيح أو حسن، وكلاهما يحتج به في الأحكام، فكيف بالفضائل؟
  4. قوله رحمه الله: ” الدعاء على أعضاء الوضوء، لم يجيء فيه شيء عن النبي
  5. قوله رحمه الله:” وأما زيادة وارحم محمدا وآل محمد فهذا بدعة لا أصل لها

2- في دقائق الفقه. ومن ذلك:

  • قوله رحمه الله:”المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإحرام لا تمد ولا تمطط، بل يقولها مدرجة مسرعة”
  • قوله رحمه الله:”ليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإمام إلا قوله: أمين، وأما في باقي الأقوال، فيتأخر قول المأموم”
  • قوله رحمه الله:”لا يستحب جلسة الاستراحة بعد سجدة التلاوة في الصلاة
  • قوله رحمه الله:”اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها واجبة كانت أو مستحبة لا يحسب شيء منها ولا يعتد بها، حتى يتلفظ به، بحيث يسمع نفسه”

3- في رياضات النفوس. ومن ذلك:

  • قوله رحمه الله:”اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة، ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقا لحديث:” إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ” رواه البخاري
  • قوله رحمه الله:”وسئل الشيخ الإمام أبو عمر بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات؟ فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء في الأوقات والأحوال المختلفة ليلا ونهارا كان من الذاكرين.
  • قوله رحمه الله:” قال أحدهم: دواء القلب من خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين

4- في الآداب. ومن ذلك:

  • قوله رحمه الله:” كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قول: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة”
  • قوله رحمه الله:”إذا صلى على النبي فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهم، فلا يقل صلى الله عليه، ولا ” عليه السلام ” فقط
  • قوله رحمه الله:”قال العلماء في ” زمزم “: يستحب لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرض ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني أن الرسول قال: ماء زمزم لما شرب له ” اللهم وإني أشربه لتغفر لي ولتفعل بي كذا
  • قوله رحمه الله:” اعلم أنه يستحب لمن وعظ جماعة أو ألقى عليهم علما أن يقتصد في ذلك ولا يطول تطويلا يملهم، لئلا يضجروا وتذهب حلاوته وجلالته من قلوبهم، ولئلا يكرهوا العلم وسماع الخير، فيقعوا في المحذور”
  • قوله رحمه الله:” اعلم أنه يستحب للعالم والمعلم والقاضي والمفتي والشيخ المربي وغيرهم ممن يقتدى به، ويؤخذ عنه أن يجتنب الأفعال والأقوال والتصرفات التي ظاهرها خلاف الصواب وإن كان محقا فيها …. “.
  • قوله رحمه الله:” اعلم أنه يستحب للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممن يقتدى به شيئا في ظاهره مخالفة للمعروف أن يسأله عنه بنيه الاسترشاد، فإن كان قد فعله ناسيا تداركه وإن كان قد فعله عامدا وهو صحيح في نفس الأمر بينه له”

وغير ذلك من الفوائد والفرائد المبثوثة في مواضع شتى من الكتاب، وتقصد المؤلف ذكر هذه الفوائد من باب التسهيل والتدليل عليها.

وقال رحمه الله:” فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه.

ب -شرطه في التبويب

اشترط المؤلف أن يكون تصنيف أحاديث الكتاب موافقا للتراجم بشكل واضح، وقال:” لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة”

جــ التنبيه على اسم الصحابة عند الحاجة

يقول رحمه الله:” وإذا كان في الصحابة من ليس مشهورا عند من لا يعتني بالعمل نبهت عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابي، لئلا يشك قي صحبته”

د-طريق عزو الحديث

بين الإمام النووي طريقته في عزو الحديث ويقول رحمه الله:”اعلم أنَّ ما أذكرهُ في هذا الكتاب من الأحاديث أُضيفه إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدّمتُه، ثم ما كان في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما أقتصر على إضافته إليهما لحصول الغرض وهو صحته، فإن جميع ما فيهما صحيح، وأما ما كان في غيرهما فأضيفه إلى كتب السنن وشبهها مبيناً صحته وحسنه أو ضعفه إن كان فيه ضعف في غالب المواضع، وقد أغفلُ عن صحته وحسنه وضعفه.” وهذا تأكيد على ما سبق أنه لم يشترط صحة النقل في جميع حديث الكتاب.

مصادر الكتاب

تطرق الإمام النووي في المقدمة إلى ذكر مصادر الكتاب فقال:” وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإسلام وهي خمسة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. وقد أروي يسيرا من الكتب المشهورة غيرها.

وأما الأجزاء والمسانيد فلست أنقل منها شيئا إلا في نادر منالمواطن، ولا أذكر من الأصول المشهورة أيضا من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح غالبا”

ومن الكتب التي نص عليها أيضا:موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، ومسند أبي عوانة، وسنن ابن ماجه، والدارقطني، كتاب “عمل اليوم والليلة” للنسائى وابن السنى وسنن البيهقي، إلا أنه اعتنى بالنقل من كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني كثيرا لكونه أجمع في هذا الباب، وكذا أكثر النقل من سنن أبى داود لإفادة سكوته عن الحديث بصلاحية الاحتجاج، على حد استنباط الإمام النووي.

التقييم العام للكتاب

لا يخلو كتاب الأذكار النووية من بعض الملاحظات والتنبيهات كغيره من الكتب، وفيه مآخذ حديثي ومآخذ عقدي في بعض المواضع، وأما من ناحية صناعة حديثية؛ فإن النووي قد اعتمد على مجرد سكوت أبي داود على الحديث وأنه صالح للاحتجاج مطلقا، وهذا الذي أدى به إلى أن يتساهل تساهلا واضحا في ذكر الأحاديث الضعيفة والمنكرة، مع أن أبا داود قد سكت عن كثير من الأحاديث تعقب عليها المحدثون بالضعف أو بشدة الضعف، مما يعني عدم صحة مسلك التسليم لقبول كل حديث سكت عنه أبو داود، بل الأولى لمن تأهل – كالإمام النووي- أن يحقق النظر في كل حديث سكت عنه أبو داود ويحكم عليه بما يليق به.

وكذا توسع الإمام في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا ملاحظ في جميع كتبه بشكل عام وفي هذا الكتاب على وجه الخصوص، بحجة أنه مذهب جمهور أهل العلم، والصحيح عند المحققين رد الحديث الضعيف -غير منجبر- مطلقا إلا بقصد بيان حاله، ومن ذلك أيضا ” أنه قدم كتاب ابن السني على كتاب النسائي علماً بأنه يسوق أحياناً أحاديث من كتاب ابن السني عن شيخه النسائي، وأحياناً من غير طريقه وهو في النسائي بإسناد أحسن، وأنظف، ولهذا فكثيراً ما يقول الحافظ ابن حجر عندما تمر عليه واحدة من هذا النوع: وعجبت من اقتصار الشيخ على ابن السني وهو عند النسائي، أو من طريق النسائي . [8]

ولعل تساهل النووي في العمل بالحديث الضعيف كان من الأسباب التي أوقعته في بعض آراء متعلقة بالعقيدة حيث خالف فيها ما عليه جمهور السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، كتقريره لشد الرحال إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام حيث عقد فصلا في كتاب الأذكار فقال:”[فصل]: في زيارة قبر رسول الله وأذكارها” ورغب فيه الزائر بالدعاء مستقبلا قبره عليه الصلاة والسلام، وأورد حديث:” ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ” وعزاه إلى الصحيحين دون التثبت من اللفظ الصحيح، لأن لفظ (قبري) لم يصح، وإنما الصواب كما في الصحيحين بلفظ “ما بين بيتي ومنبري”، ثم ذكر النووي في هذا الفصل قصة العتيبي مع الأعرابي الذي أتى عند قبر النبي مستغفرا، وهي قصة مردودة وإسناده مظلم عند أهل العلم بالحديث.   

كما وقع للمؤلف رحمه الله في غير موضع من الكتاب تجويزه للتبرك بالصالحين والاستغاثة بهم، ومن سنده في ذلك حديث ضعيف:” إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله! احبسوا، يا عباد الله! احبسوا، فإن لله عز وجل في الأرض حاصرا سيحبسه”.[9] وأردف ذلك بذكر تجربة بعض أكابر شيوخه وتجربته هو بهذا الحديث.

وعلى كل حال فكتاب الأذكار بمجمله قد فاضت مزاياه قلتين فلا يحمل الخبث، وفي طياته معظم الأدعية والأذكار النبوية والآداب الإسلامية الرفيعة فيما للإنسان من الوظائف اليومية والعمرية، من قيامه من النوم صباحا إلى أن يعود للنوم في الليل وهكذا في جميع شئونه، مما رجح أن يكون الكتاب مرجعا وفريدا في بابه، كما هو رجاء المؤلف لما قال:” أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلا معتمدا” وظاهر أنه دعاء مستجاب،حيث جعله الله تعالى على مرّ الدهور والأزمان باقيا ينهل منه المسلمون.

ويقول الإمام الذهبي ناصحا لمريد خيري الدنيا والآخرة: “فعليك يا أخي بتدبِّر كتاب الله، وبإدمان النَّظر في الصَّحيحين، وسنن النَّسائي، ورياض النَّواوي، وأذكاره، تفلح، وتنجح. [10]