من النوازل التي شاعت في بعض البلاد فيما يخص العقار، هو طرح الشركات العقارية مشروعها العقاري قبل الشروع في بنائه أو طرح مرحلة جديدة من مشروع لها قائم، على الناس من باب الترويج لهذا المشروع والإعلان عنه وجلب الراغبين في الشراء في هذا المشروع قبل بداية العمل فيه، ويكون ذلك في الأغلب بين المدة من  الحصول على الأرض التي تقام عليها ذلك المشروع العقاري إلى الحصول على التراخيص اللازمة للبدء في تنفيذه، وقد يستغرق هذا شهرًا أو شهرين أو نحو ذلك.

تستغلُّ الشركةُ ذلك في الإعلان عن مشروعها والترويج له: بأن تتيح لمن يرغب في الشراء فيه إبداءَ رغبته تلك والمواصفات التي يريدها في الوحدة العقارية التي يرغب في شرائها، وذلك عن طريق كتابة رغبته تلك والمواصفات التي يطلبها في استمارة تقدمها الشركة لها رقم مسلسل يرتّب الحاجزين بحسب أسبقية إبداء الرغبة، فيكون أول الحاجزين رقمه واحد والثاني رقم اثنين والثالث رقم ثلاثة وهكذا، مقابل مبلغ مالي معيّن يدفعه الراغب في الشراء، وتشجيعًا من الشركة للناس على الإقبال على الحجز في هذه المرحلة فإنها تطرح سعر متر الوحدة العقارية بأسعار افتتاحية تكون في الأغلب بأقل من الأسعار التي تطرحها بعد انتهاء هذه المدة.

كأن تطرح السعر الافتتاحي لمشروعها أو مرحلة جديدة من مشروعها القائم بالفعل، خلال هذه الفترة  في بلد مثل مصر بـ 38 ألف جنيه للمتر الواحد من الوحدة العقارية، وبعد انتهائها تطرحه بـ 40 ألف جنيه أو أكثر. ويطلق على هذه العملية الافتتاحية أو الترويجية للمشروع اللونش launch  ، ويطلق علي تلك الاستمارة الذي يملأها العميل بالبيانات المطلوبة ومواصفاته التي يرغبها، استمارة جدية الحجز     Expression of interest أو اختصارًا EOI .

ومرحلة الأسعار الافتتاحية تلقى إقبالًا كبيرًا من الراغبين كما أن الشركات تحرص على طرحها والترويج لها، وذلك للفوائد التي تعود على الطرفين من وراء ذلك، على النحو التالي:

أولا: الفوائد التي تعود على العميل (الراغب في الحجز في المشروع المعلن عنه)

1- يستفيد العميل من هذا السعر الافتتاحي؛ لأنه يكون أقل من الأسعار التي تسعر بها الوحدات بعد انتهاء فترة الحجز.

2- قد يُتاح له بعد انتهاء تلك الفترة، خصمٌ إضافيٌّ في سعر الوحدة العقارية التي يتعاقد عليها؛ وذلك لكونه من أوائل من أبدوا رغبة في الشراء في هذا المشروع.

3- قد تكون له الأولوية في التعاقد على الوحدات المميزة في المشروع سكنًا أو استثمارًا (تأجير الوحدة أو بيعها بعد ذلك).

4- إذا لم يتعاقد العميل مع الشركة على الوحدة العقارية؛ كأن لم يجد المواصفات التي يطلبها، فإنه يستطيع أن يسترد المبلغ الذي دفعه لجدية الحجز كاملًا، دون أن ينقص منه شيء. أما إذا تعاقد فإن هذا المبلغ يعدّ من المقدّم الذي يدفعه لشراء الوحدة العقارية.

ثانيا: الفوائد التي تعود على الشركة في مدة الترويج لمشروعها العقاري بالأسعار الافتتاحية

1- تحصّل الشركة مبالغ مالية تمكنها من دفع التكاليف اللازمة-ولو جزئيًّا- لاستكمال التراخيص المطلوبة نظامًا (قانونًا) للبدء في بناء هذا المشروع، أو البدء في مرحلة جديدة منه.

2- حصول الشركة على أموال جدية الحجز قبل أن تبدأ البناء الفعلي للمشروع المطروح؛ مما يزيد من ملاءتها المالية ومن قدرتها على إنجاز المشروع المطروح وغيره من مشاريعها.

3- تستطيع الشركة من خلال مواصفات الوحدات العقارية التي يكتبها الراغبون في استمارات جدية الحجز (Eoi) معرفة ميول العملاء ورغباتهم، ومن ثم يمكنها التعديلَ في مشروعها؛ لتلبي هذه الرغبات للاحتفاظ بهؤلاء العملاء والعمل على إتمام التعاقد على وحدات هذا المشروع، إن لم يكن كلها فلا أقل من نسبة معتبرة منها.

انتقادات لطريقة تنفيذ مرحلة السعر الافتتاحي والترويجي للمشروع:

أبدى بعض العملاء ملاحظاتهم تجاه تصرفات بعض الشركات عند انتهاء تلك الفترة والبدء في التعاقد الفعلي على وحدات المشروع، منها:

1- أن نسبة كبيرة من العملاء الذين أبدوا رغباتهم في الحجز قد تبلغ 80% لن يحصلوا على الوحدات العقارية بالمواصفات التي ذكروها في استمارات إبداء الرغبة؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها أن هذه الوحدات بتلك المواصفات قد نفدت وتم التعاقد عليها مع أنهم من أوائل الراغبين، ومنها أيضا عدم إتاحة الوقت الكافي أمام العملاء لاختيار ما يناسبهم من وحدات تحت حجة أن الوقت ضيق وأن الأسعار سوف ترتفع إذا لم يتم التعاقد في هذا الوقت المحدد، أو تحت حجة الزحام الشديد من العملاء الراغبين في التعاقد الفعلي.

2- قد تحدث زيادة في الأسعار عما هو مطروح في فترة إبداء الرغبة والسعر الافتتاحي والترويجي، تحت دعاوى كثيرة منها ارتفاع أسعار مواد البناء، مع أن الوقت ليس طويلا بين هذه الفترة وبين البدء في التعاقد الفعلي، أو زيادة عدد الراغبين عن عدد الوحدات العقارية المطروحة.

3- عدم التزام بعض الشركات عند التعاقد الفعلي بالتسلسل في استمارات إبداء الرغبة، التي توضح أرقام الحاجزين الراغبين في الشراء، فقد يتم تجاوز ترتيب هذه الأرقام ولا يُلتزم بها، فربما من كان رقمه 50 يتجاوز ويتقدم على من رقمه 10.

4- عند عدم التعاقد على وحدة عقارية قد يتأخر رد مبلغ جدية الحجز إلى نحو شهر أو شهرين، والأصل أن يتم ذلك فورا أو عدم تأخيره طويلًا.

التكييف الفقهي لجدية الحجز أو السعر الافتتاحي الترويجي (اللونش):

قد تتشابه هذه المعاملة ببيع العربون، الذي هو عبارة عن دفع المشتري للبائع جزءًا من ثمن السعلة التي اشتراها منه على أنه إذا أخذ السلعة فهو من ثمنها وإن صرف النظر عن إتمام الشراء فهو للبائع، لكن عند التأمل فإن هناك فروقًا بينهما:

1- بيع العربون بيع لسعلة محددة معينة أما جدية الحجز (اللونش) فهو إبداء رغبة لشراء ما قد تطرحه الشركة من وحدات بعد ذلك.

2- بيع العربون بيع لازم مشروط فيه خيار الشرط للمشتري، أما اللونش فليس بيعا وإنما وعد من قبل الشركة بالبيع ووعد من قبل العميل بالشراء، فهو وعد أو مواعدة من الطرفين.

3- بيع العربون فيه السلعة موجودة في الأغلب، أما اللونش فالسلعة المتعاقد عليها ليست موجودة بعدُ.

4- بيع العربون مختلف فيه، فجمهور الفقهاء على منعه وأجازه الحنابلة(1)، وقد رجح معظم المعاصرين جوازه؛ نظرا لأنه يحقق مصالح معتبرة  للبائع والمشتري، كما أن المعاملات المالية المعاصرة يمثل فيها الوقت عنصرا مهما جدا مما يقتضي معه النظر إليه واعتباره وتقديره بما لا يخالف نصوص الشريعة وقواعدها ومقاصدها، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 72(8/3). أما إبداء الرغبة (اللونش) فليس إلا وعدا غير ملزم للطرفين.

والخلاصة أن بيع العربون بيعٌ اشترط فيه خيار الشرط للمشتري، أما إبداء الرغبة فهو وعد وليس بيعًا فلذلك افترقا؛ لذا لا يجوز فسخ بيع العربون إلا من جهة من اشترط له خيار الشرط، وهو المشتري، أما البائع فلا يجوز له فسخ البيع إذا رغب المشتري في أخذ السلعة، أما إبداء الرغبة فلا يلزم أحدهما شيء من إتمام البيع، ولا ضمان على أحد منهما(2).

وبناء على ذلك فإن حكم إبداء الرغبة (اللونش) جائز، بل حكى الشيخ دبيان بن محمد الدبيان الإجماع على جواز ذلك(3) وذلك لأنه وعد أو مواعدة وليس عقدًا.

قال ابن حزم (456ه): (والتواعد على بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة وسائر الأصناف الأربعة ببعضها ببعض جائز، تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا؛ لأن الوعد ليس بيعًا)(4).

وقال أبو الوليد الباجي (474هـ): (وأما العربان الذي لم ينه عنه فهو أن يبتاع منه ثوبا أو غيره بالخيار، فيدفع إليه بعض الثمن مختوما عليه إن كان مما لا يعرف بعينه على أنه إن رضي البيع كان من الثمن وإن كره رجع إليه ذلك؛ لأنه ليس فيه خطر يمنع صحته، وإنما فيه تعيين للثمن أو بعضه.)(5)

والخلاصة أن إبداء الرغبة من قبل العميل ما هو إلا وعد منه بأنه سوف يتعاقد على الوحدة العقارية التي تقدمها الشركة بالمواصفات التي يطلبها أو بما يتم الاتفاق عليه وقت البيع، كما أنه وعد من الشركة بأنها سوف تبيع له الوحدة العقارية التي يطلبها أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع، فهو مواعدة من الطرفين العميل والشركة، والوفاء بالوعد (المواعدة) مستحب عند جمهور العلماء، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه كراهة شديدة، ولكنه لا يأثم(6).

وبناء على ذلك فإن زيادة الأسعار عند التعاقد على الوحدة العقارية عن أسعار فترة إبداء الرغبة، جائز؛ لأنه كان في تلك الفترة وعدا وليس بيعًا، وما تذكره الشركة من أسباب تلك الزيادة  فالظاهر أنها صادقة فيه، فإن ظهر خلاف ما تدعيه فإنها لا تؤاخذ في ذلك قضاءً ، وإن كانت من ناحية الدين قد ارتكبت حرامًا، بأن ادعت خلاف الحقيقة والواقع. وكذلك عدم مراعاة الترتيب في تسلسل استثمارات إبداء الرغبة فهذا مكروه كراهة تنزيهية شديدة، بناء على أنه وعد وتم إخلافه.

وأما أن نسبة كبيرة من الراغبين لا يحصلون عند التعاقد على الوحدة العقارية بالمواصفات التي يرغبون فيها، فهذا يرجع إليهم وإلى إرادتهم الحرة في الشراء وعدمه دون إكراه، فيكون تعاقدهم حينئذ برضاهم وهذا لا شيء فيه،  وأما تأخير رد مبلغ جدية الحجز عند عدم شراء العميل الوحدة العقارية وصرف النظر عن ذلك، فهذا يكون حسب المتعارف عليه في ذلك، وإن كان الأصل رده عند عدم التعاقد دون تأخير، وللعميل اتخاذ الإجراءات النظامية (القانونية) المتاحة للعمل على سرعة رد هذا المبلغ وعدم تأخيره عن المعتاد.