من المعلوم شرعا أن الربا محرم، وأدلة تحريمه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فمنه قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة: 275، 276]،
وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران: 130]،
وقوله سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا .وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } [النساء: 160، 161]
ويلاحظ أن آيات التحريم جاءت في أكبر سور في القرآن، وهي السور الطوال، البقرة وفيها موضعان، وآل عمران، وفيها موضع، والنساء وفيها موضع، وتصدير تحريم الربا في السور الطوال الأول له دلالة كبرى، باعتبار اشتمال هذه السور الثلاث على غالب الأحكام.
كما جاءت السنة بتحريمه، من ذلك لعن النبي ﷺ للمتعامل به فيما أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما – قال: «لعن رسول الله – ﷺ – آكل الربا وموكله» .
قال مغيرة: قلت لإبراهيم: وشاهديه وكاتبه؟ فقال: إنما نحدث بما سمعنا. هذه رواية مسلم. وفي رواية الترمذي وأبي داود: «لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه».
بل يبشر الرسول ﷺ بانتشار الربا، وأن الإنسان إما أن يقع فيه، أو يصاب منه، وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – ﷺ – قال: «ليأتين على الناس زمان، لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكل أصابه من بخاره».
ومن أشهر الحديث في تحريم الربا ما رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ -: «الذهب بالورق ربا،، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء».
وقد أجمع فقهاء الأمة المعتبرون على حرمة الربا.
استثناءات من الربا المحرم
غير أن الفقهاء نصوا على أن تحريم الربا هو من باب العموم، لكن هناك خصوص له، فهناك من أنواع الربا ما يكون حلالا، فالأصل أن الربا محرم، لكن يستثنى من ذلك بعض الحالات التي يكون فيها الربا حلال، ومن ذلك:
أولا- بيع العرايا
بيع العرايا، وهو بيع الرطب في رؤوس النخل خرصا بمثله من التمر، بكيل معلوم، والأصل النهي عن بيع التمر بالتمر، لكن يستثنى من ذلك هذا النوع.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء، واستدلوا بما أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرية، أن تباع بخرصها، يأكلها أهلها رطبا.
كما استدلوا بما أخرج مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي ﷺ رخص في بيع العرايا، في خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق.
وخالفهم في ذلك الحنفية، مستدلين بعموم الأدلة التي تحرم الربا، وللنهي الوارد عن المزابنة، وهي: بيع التمر على رأس النخل بتمر مجدود مثل كيله خرصا.
ثانيا – الزيادة غير المشروطة في القرض
ومن الحالات التي تقع تحت مسمى الربا لكنها مباحة، ما لو اقترض شخص من شخص مبلغا على أن يرده بعد مدة، فلما جاء الأجل رد المقترض القرض وزيادة دون اشتراط بينهما عند أخذ القرض.
وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة. وهو مروي عن عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعامر الشعبي، والزهري، ومكحول، وقتادة، وإسحاق بن راهويه، وهو إحدى الروايتين عن إبراهيم النخعي.
واستدل جمهور الفقهاء بما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: {أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول الله ﷺ فاعتل جملي. وساق الحديث بقصته، وفيه ثم قال: بعني جملك هذا، قال: فقلت: لا، بل هو لك، قال: بل بعنيه، قال: قلت: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: لا، بل بعنيه، قال: قلت: فإن لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها، قال: قد أخذته، فتبلغ عليه إلى المدينة، ثم قال رسول الله ﷺ لبلال: أعطه أوقية من ذهب وزيادة، قال: فأعطاني أوقية من ذهب وزادني قيراطا . وهذه زيادة في القدر.
كما استدلوا بما ورد عن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ أن رسول الله استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فرجع أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارا بعيرا رباعيا، فقال: أعطه إياه، إن خير الناس أحسنهم قضاء.
النوع الثالث: البيع بالتقسيط
ومما قد يدخل في معنى الربا هو اختلاف بيع التقسيط ( بيع الآجل) عن البيع العاجل، بحيث تكون ثمن السلعة في البيع الآجل ( التقسيط) مختلفا عن بيع السلعة في (العاجل)، فيزيد في الثمن مقابل الزمن، وهو ذات معنى الربا.
إلا أن جمهور الفقهاء يرون جواز بيع التقسيط وهو بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل تأجيل زمن الدفع ، وذلك لعموم الأدلة التي تبيح البيع ، ومن ذلك قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } وهو عام في إباحة كل بيع إلا ما خص الدليل بالتحريم ، ولا يوجد دليل يخصص هذا العموم،
وذهب بعض آل البيت كزيد العابدين وبعض فقهاء الزيدية إلى أنه حرام، لحديث أحمد والنسائي والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:” من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا”.
وحمل الجمهور هذا الحديث الذي يفهم منه التحريم على أنه إذا عرض البائع السلعة على المشتري فيقول له: بعتك هذه السلعة نقدا بكذا، وإلى سنة بكذا، ويترك له الخيار وينصرف دون تحديد واحد منهما، أما إذا حدد المشتري قبول البيع بواحدة منهما فجائز.
أما ما يذهب إليه البعض من جواز فوائد البنوك اليوم فهو ربا شر من ربا الجاهلية، ذلك أن ربا الجاهلية كان الرجل يقرض الرجل بلا زيادة ابتداء على أجل، كأن يقرضه ألف دينار إلى سنة، فلا يأخذ عليه زيادة إن رد الرجل الألف في موعدها، لكنه يزيد عليه إن لم يستطع الإنسان السداد في موعده، فكان الجاهليون لا يدخلون في الربا ابتداء، وإنما عند العجز عن السداد، أما اليوم، فإن البنوك تتعاقد على الربا بمجرد توقيع عقد الربا، ولا ينظرون الناس كما كان الجاهليون يفعلون، فقد كان المرابون من الجاهلين أرحم بالمقترضين ألف مرة من البنوك المرابية اليوم.
إقرأ أيضا :5>