تشهد الأوساط المالية والاقتصادية جدلا واسعا حول ما بات يعرف بـ(Digital Money) أو العملة الرقمية التى تجتاح الأسواق المالية في عدة دول محققة إقبالا كبيرا من الجمهور، تشير الإحصائيات الحديثة إلى تطور سريع في حجم سوق العملة الرقمية خاصة (بيتكوين) حيث وصلت قيمة هذه السوق 70 مليار دولار وتنمو بقيمة 3 مليارات يوميا، ويصل عدد وحدات البيتكوين المتداولة في السوق حاليا 12 مليون وحدة، غير أن المبرمج الذي أشرف على خلق هذه العملة أكد أن السقف المحدد لعدد الوحدات هو 21 مليون وحدة بتكوين، لكن ما يثير فضول الخبراء الماليين هو سر الزيادة السريعة على عملة بيتكوين حيث تسببت هذه الزيادة في ارتفاع سعرها من 1000 دولار للوحدة سنة 2013 إلى حدود 7000 دولار في 2017، هذا التطور المذهل في تبادل البيتكوين حدا بالكثيرين من خبراء الاقتصاد والمالية إلى اعتبارها مجرد “Economic Bubble” أي فقاعة اقتصادية سنحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على هذه العملة التى شغلت أسواق المال وأحدثت الكثير من النقاشات والتحليلات حول جدوائيتها ومستقبلها وآثارها على الاقتصاد وهل هي عملة حقيقة أم فقاعة اقتصادية؟
ماهي الفقاعة الاقتصادية؟
يعرف خبراء الاقتصاد الفقاعة الاقتصادية بأنها ارتفاع سعر بضاعة أو خدمة عن الحد المطلوب نتيجة لزيادة المضاربة عليها، حيث يسعي المضاربون من خلال هذه المنافسة الشرسة إلي تحقيق أرباح خيالية مستفيدين من إرتفاع السعر ، ظهرت عدة فقاعات اقتصادية عبر التاريخ من أهمها “فقاعة ميسيسيبي” حيث كانت شركة الميسيسيبي الفرنسية هي الوصي الشرعي المحتكر لحقوق التداول مع المستعمرات الفرنسية، بما في ذلك ما كان يعرف آنذاك باسم “لويزيانا الفرنسية”، في أغسطس 1719 وضعت الحكومة الفرنسية مخططا قامت فيه شركة الميسيسيبي بإدراج كامل الدين الوطني الفرنسي، وأطلقت خطة يتم بموجبها تبادل أجزاء من الدين مقابل أسهم في الشركة. واستنادا إلى الثروات المتوقعة من احتكار التداول قدمت الحكومة أرباح بنسبة 120 في المئة لكل مساهم، وكان هناك ما لا يقل عن 300،000 من المتقدمين للحصول على 50،000 سهم عرضت ، مع استمرار ارتفاع الطلب على الأسهم فإن بنك رويال – الذي تمتلكه الحكومة الفرنسية واصلت طباعة الأوراق النقدية الورقية، مما أدى إلى ارتفاع التضخم، في مايو 1720 انفجرت الفقاعة التي تسبب في خسارة كبيرة للمستثمرين ووصول التضخم إلي أرقام كارثية. كانت من أسوأ الفقاعات الاقتصادية في التاريخ، ومن ضمن الفقاعات الاقتصادية الحديثة الفقاعة الاقتصادية في البابان 1984-1989، كذالك فقاعة 1996 في جنوب شرق آسيا، وأزمة الرهن العقاري 2008، وكلها كانت لها آثار اقتصادية مدمرة .
غموض يكتنف مصير البتكوين
حسب استطلاع رأي أجراه موقع insidewith.com الأمريكي حول أهمية عملة البتكوين، وهل يمكن إدماجها ضمن سلة العملات المتداولة بشكل قانوني طلب من الجمهور الإجابة على السؤال : “هل يجب على الحكومة تصنيف البيتكوين كعملة قانونية” صوت 1,504,275 شخص ب “لا” أي نسبة 82% من المستطلعة آرائهم بينما ما صوت 393,648 شخص بـ”نعم” أي نسبة 18%. سبق هذه الاستفتاء قرار صادر من هيئة الأوراق المالية والبورصات برفض تصنيف البتكوين من ضمن لائحة العملات المتداولة بشكل قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الهاجس والخوف الذي يتملك السلطات المالية تجاه العملة الرقمية ألقى بظلاله على تداول هذه العملة.
الصين بدورها قامت بإصدار قوانين جديدة تمنع التعامل بـ”بيتكيون” واعطيت تعليمات للخبراء الماليين في البنك المركزي الصيني للعمل على استصدار عملة رقمية خاصة يمكن التحكم فيها وفي تداولها من قبل النظام المالي للدولة، رئيس وحدة البحث في البنك المركزي الصيني Yao Qian قال إن العملة الرقمية لها عدة فوائد منها: تخفيض تكلفة التحويلات المالية، توسيع نطاق المنظومة المالية، تسهيل الخدمات المالية، لذلك فإن العملة الإلكترونية تفرض نفسها، لذلك فإن الذي يجريه رفقة زملائه في البنك المركزي الصيني سيكون بمثابة الضوء الأخصر لعملية استصدار عملة إلكترونية خاصة بالصين، وتدار من البنك المركزي الصيني حفاظا على التداول الآمن وثقة السوق وشفافيتها.
هواجس أمنية وترويج الوهم
يطرح تداول عملة البتكوين الرقمية عدة تحديات في مجال الأمن، فمن سلبيات هذه العملة كونها محاطة بالكثير من الشكوك في ما يتعلق بالجانب الأمني، فالمتعاملين بهذه العملة على منصات التبادل الإلكترونية عبارة عن أسماء غير معروفة (Anonymous) وهو ما يجعل تتبع هؤلاء المتعاملين أمرا صعبا في حالة مخالفتهم للقوانين أو متاجرتهم لبعض الأمور المحرمة كالمخدرات والأسلحة وغير ذلك، ففي حالة استخدمت هذه العملة في شراء المواد المحرمة وغير المرخصة قانونيا فإن السلطات ستكون أمام تحديات كبيرة في ضبط الضالعين في هذه الأعمال غير القانونية، وهذا أكبر هاجس أمني يواجه الحكومات فيما يتعلق بتداول البتكوين. الكثير من خبراء المال والتكنلوجيا يعتقدون بأن تداول العملة الرقمية البيتكوين يزيد ويفاقم من ظاهرة الجرائم الإلكترونية التي تشكل تحديا كبيرا لدول العالم.
فقاعة البتكوين هي نوع من أنواع ترويج وبيع الوهم، وقد تسببت ظواهر سابقة مماثلة لها في خسارة الكثير من المستثمرين بسبب الجشع وغياب العقلانية والتحري في معرفة خفايا الأمور، وأدت تأثيرات هذه الظواهر إلي تشويهات في اقتصاد الدول وإفلاس لشركات وبنوك وفقدان أشخاص لثرواتهم التي بنوا خلال سنوات من الكد والجد فهل تتكرر السيناريوهات السابقة مع البتكوين وهل ينخدع الناس بهذه الفقاعة كما انخدعوا في أزمة الرهن العقاري وغيرها ؟ يقترب سعر البتكوين من حدود 10000 دولار مع تزايد الطلب عليها لكن هذه الفقاعة التى قد تنفجر في أي لحظة، حينها سنعرف أنها عملة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله الإفلاس .