يحتفي المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة، بالفنون التشكيلية الهندية من خلال معرضين، الأول بعنوان “مقبول فدا حسين: عاديات الشمس”، من أعمال أشهر الفنانين في الهند على الإطلاق، الراحل مقبول فدا حسين، والذي يعد أحد أبرز الأعلام التي أثرت الثقافة الهندية المعاصرة وتاريخ الفنون في القرن العشرين.

 

أما المعرض الثاني، فيأتي ضمن العام الثقافي قطر- الهند 2019، تحت عنوان “مجموعة رقص ميديا: تبقى عوالم أخرى”، وهو من تقديم “مجموعة رقص ميديا” الهندية، ويتضمن 13 عملا فنيا متنوعا من بينها عملان صمما خصيصا لهذا المعرض. ويستمر المعرضان حتى 31 يوليو المقبل.

وقد شهدت افتتاح المعرضين الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع،  كما حضرت الافتتاح الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر.

وضم معرض “عاديات الشمس”، الذي أشرف على تنسيقه رانجيت هوسكوت، الشاعر والناقد الفني والمنظر الثقافي المرموق المقيم في بومباي، أكثر من 100 عمل للفنان مقبول فدا حسين، حيث تتنوع هذه الأعمال بين اللوحات الفنية والرسومات وأعمال النسيج والأفلام، وهي أعمال مستعارة من مجموعات مؤسسة قطر ومتاحف قطر ومجموعات فنية خاصة من منطقة الخليج وغيرها من أماكن العالم.

 

وقال رانجيت هوسكوت، أثناء جولة خصصت للإعلاميين، إن معرض “مقبول فدا حسين: عاديات الشمس” من أضخم المعارض المخصصة لأعماله حتى الآن، ويضم مجموعة من الأعمال المرموقة التي أبدعها الفنان على مدار 6 عقود، مستكشفا ثلاثة موضوعات رئيسية كانت حاضرة دائما في أعماله وهي: أولا: فكرة الوطن كمكان تتدفق منه ذكريات الطفولة، وتصاغ معانيه في الحاضر، ويتبلور مفهومه من خلال استكشاف الحياة. وثانيا: مغامرة الإنسان مع الإبداع عبر المجتمعات وعلى مر العصور وباختلاف التخصصات. وثالثا، النهج التعددي في التعامل مع السنن الكونية للوجود، وهو النهج الذي تعبر عنه رمزية أديان العالم وفلسفاته.

وجاءت أعمال مقبول فدا حسين، التي تم ترتيبها بشكل فني وموضوعاتي، بأحجام كبيرة، خصوصا تلك التي تتحدث عن رمزية الأديان، فضلا عن احتواء المعرض على مذكراته، واحتفائه باللغة العربية في بعض الأحيان، وذكرياته في اليمن.

ويعد مقبول فدا حسين، الذي توفي عام 2011 عن عمر ناهز ثمانية وتسعين عاما، واحدا من أبرز الشخصيات المؤثرة في فن الحداثة في الهند. وقد ولد الفنان الراحل في باندهاربور، ونشأ وترعرع بين مدينتي إندور وسيدبور، وأقام في بومباي، كما عاش مقبول حسين قرنا من أعنف القرون التي سجلها تاريخ البشرية وأكثرها إثارة في الوقت ذاته.

ووصَف حُسين نفسه بأنه رحّالة عالمي نسج أواصر علاقات قوية مع كلِّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وتشيكوسلوفاكيا والعالَم العربي عموماً، وقطر على وجه الخصوص بالنظر إلى أنها منحته الملجأ عندما أجبرته الظروف السياسية المضطربة إلى اختيار المنفى بعيداً عن وطنه الأثير.

ويشتهر حُسين بلغته البصرية التي تركّز على ثراء الحضارة الهندية، بينما تنخرط أعماله في الأزمات والانتصارات التي يختبرها مجتمع يعيش المرحلة الانتقالية التي أعقبت الاستعمار، وفي أعماق الحياة الريفية الهندية، وتنوّع أديان العالَم، وكذلك الملاحم والسرديات الأسطورية الهندوسية. ويُنظر إلى حسين باعتباره فناناً متنوّع الخصال الإبداعية بشكل لافت جداً، حيث تراوحت مسيرته الفنية بين الرسم والشعر والعمارة والأفلام.

صورة مقال فنان الهند مقبول حسين يعرض "عاديات الشمس" في الدوحة

في التسعينيات، تعرّض حسين إلى الهجوم والتضييق عليه بسبب استنكار جماعات هندوسية متشدّدة للوحات يوظّف خلالها رموزاً دينية، ما اضطره للخروج من الهند وإقامته متنقلاً بين الدوحة ولندن التي رحل فيها عن ستّة وتسعين عاماً، غير متنازل عن ثلاثة أمور: “عدم قلقه حيال ما يقوله النقّاد والأصوليون، والعمل بشكل يومي، وعدم ارتداء الأحذية أبداً ليستطيع طوال الوقت الجلوس على الأرض وممارسة الرسم”، على حد قوله.

وقد نوع الفنان الراحل في استخدام وسائطه الفنية، متنقلا بين الرسم بالزيت والألوان المائية والطباعة الحجرية وطباعة الشاشة الحريرية والنحت والعمارة وتصميم التراكيب، كما كان صانعا للأفلام، وشاعرا، وكاتبا للمذكرات. وكان يكتب بالأردية والهندية والإنجليزية.

أما معرض “تبقى عوالم أخرى”، الذي أشرفت على تنسيقه لورا بارلو،فهو مستلهم من طاقة مدينة الدوحة الحافلة بالأضواء، حيث ترمز تلك الطاقة إلى هذه الحاضرة العالمية في تطورها المستمر وشبكات الناس، والمواد الخام المتنوعة.

وتعيد أعمال هذا المعرض معالجة مفهوم التطور الإنساني والموارد الطبيعية المتوافرة، مع الأخذ في عين الاعتبار الحركات التاريخية والمعاصرة للشعوب وكذلك التغيرات الحاصلة في الطبيعة.

ويضم المعرض 13 عملا فنيا تتنوع بين الفيديوهات وأعمال النسيج والمنحوتات التي صممت ما بين عامي 2011 و2019. وتتوزع هذه الأعمال على ثلاث صالات عرض في “متحف” وفي أماكن مختلفة من مدينة الدوحة، ومن بينها عملان جديدان صمما خصيصا ليتم تقديمهما في المعرض وهما “دوحات للدوحة” و”إلى الناس”..

وكنوع من الحوار بين “مجموعة رقص ميديا” ومدينة الدوحة، ومن خلال (التلاعب) باللغة والطاقة والتكنولوجيا الرقمية، تم عرض خمسة أعمال من سلسلة “دوحات للدوحة” (2019) وكذلك “برج الدوحة” عبر استخدام الأضواء والنمط المعماري لهذا المبنى البارز. أما السجاد الكثيف بصريا في عمل “إلى الناس” (2019) فيظهر فيه الأشخاص على شكل حشود رقمية غير واضحة المعالم في إشارة إلى تنوع السكان في الدوحة والشبكات الرقمية الآخذة في التوسع. وتستكشف أعمال أخرى في المعرض تلك الصلات القائمة بين الكائنات الحية والعالم الطبيعي ومفهوم الزمن الجيولوجي والكون.

وأوضحت لورا بارلو، أثناء تقديمها لشروحات خلال الجولة الإعلامية، عن “مجموعة رقص ميديا” التي تتألف من فنانين معاصرين بارزين يعملون على مستوى دولي، أن هذه المجموعة تتحدى من خلال أعمالها المفاهيم السائدة في العالم بوسائل مرحة وشاعرية، وتحاول تفكيك بنى الاقتصاد والزمن واللغة، وتبحث حدود ما نراه وما تشهده الحياة المعاصرة من تبدلات، مشيرة إلى أن هذا البحث في حالة التغير والتبدل مكرس في عملية إنتاجهم الفني وفي موضوع أعمالهم وحتى في استخدامهم لمصطلح “رقص” في اسم المجموعة والذي يشير إلى الحركة والالتفاف باللغات الأردية والعربية والفارسية.

وعلى هامش المعرض، شارك الفنانون في حوار بعنوان “ثمار الغد نقطفها اليوم”، وهي عبارة مقتبسة من أعمال صممت خصيصًا لهذا المعرض والتي تشكل جوهر الإطار المفاهيمي للمعرض وتعكس الطريقة التي تتعامل بها مجموعة “رقص ميديا” مع الوقت. ويعرض هذه الحوار رؤية “رقص ميديا” للطريقة التي تستشرف بها مدن مثل الدوحة ودلهي – بماضيهما المتعدد ومستقبلهما المتنوع – الغدَ، كما يرصد القصص والتواريخ وطرق التجارة التي تربط بين الناس في جنوب آسيا ومنطقة الخليج.