يا بني أقم الصلاة… رسالة إلى من يهمل الصلاة ومن يحب لهم الخير .. رأيته في الحر الشديد يمارس رياضة المشي رغبة في الحفاظ على جسم مثالي خال من الدهون، يمر على المساجد أثناء رياضته ويسمع الأذان والإقامة لكنه لا يستجيب، وكأن المؤذن ينادي على كل المخلوقات إلا هو، تساءلت بيني وبين نفسي، كيف يسهل عليه المشي في هذه الأجواء الحارة، ويصعب عليه أداء صلاة في جو بارد منعش، يستطيع أن ينتقل فيه من عالم الأرض بشقائه ومشاكله وهمومه، إلى رحاب رضوان الله تعالى وما عنده جل جلاله من خير وعافية؟

قلت: لعل الرجل لم يدرك بعد منزلة الصلاة رغم تجاوزه الأربعين وسماعه للأذان ورؤيته للناس وهم يتركون مصادر رزقهم ليقفوا بين يدي الله تعالى، يستمدون منه سبحانه المعونة على ما يصيبهم في الحياة ويشكون إلى الله تعالى ما يعانون منه، ويخرجون – ولو للحظات – من ضيق الدنيا إلى الملأ الأعلى.

تمثل الصلاة بالنسبة للمسلم أحد أركان الإسلام التي يتشوه البناء كثيرا بتركها كليا أو جزئيا، ويكون معرضا لهزات قد تعصف بإيمانه وتهدد سلامته النفسية والروحية،  كما تمثل صلة بين العبد وربه يعبر فيها عن حبه لله وخوفه  منه سبحانه وتعالى، وهي الملاذ الآمن عندما تكثر الأمور المفزعة، قال  صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء السابقين: ” وَكَانُوا يَفْزَعُونَ إِذَا فَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ [1]

ومع كل الهبات والعطايا التي يمنحها الله تعالى للمصلين-  وعلى رأسها القرب منه سبحانه وتعالى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] – إلا أن بعض المصلين لم يتذوق حلاوة الصلاة، ولم يشعر بما فيها من كرم إلهي وإكرام للإنسان، لذلك تجده مقصرا في الصلاة؛ إما بأداء بعض الصلوات دون بعض، أو بتأخيرها، أو بالصلاة في رمضان فحسب، أو بعدم الصلاة نهائيا.

وهذه مجموعة من الرسائل نتوجه بها إلى المهملين في الصلاة ومن يحبون لهم الخير وأن يحشروا يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم.  

أولا: إلى من أهمل الصلاة

1- الصلاة جزء من منظومة العبادات التي تصل العبد بربه، وهي منظومة تتكاتف مع بعضها لكي تحقق هذه الصلة، وكل تقصير في عبادة يستتبعه التقصير في بقية العبادات، وكل إحسان في عبادة يستتبعه الإحسان في بقية العبادات، ويظهر أثره في أخلاق الفرد وتعاملاته مع غيره ،كما ينعكس على إيمانه ويقينه.

2- للصلاة فوائد عدة منها: تحقيق الطمأنينة، وكلما كان العبد مقيما للصلاة -كما أمره الله تعالى  -كلما امتلأ قلبه بالطمأنينة، هذه الطمأنينة تجعله يتعامل مع  الأزمات التي تمر على كل الناس بطريقة أقرب إلى الحكمة لأنه يثق بمعونة الله تعالى له، فتجده:

أ- يدرك أن الله تعالى سيجعل له من الضيق فرجا ومن الهم مخرجا.

ب- وتجده هادئ الأعصاب في الوقت الذي تحترق فيه أعصاب غيره لأتفه الأسباب.

ج- وتجده يتحرك بعد تفكير سليم.

د- وتجد هداية الله تعالى تصاحبه حيث كان.

3- أن تكون الصلاة أولوية بالنسبة لنا، نرتب أعمالنا ومواعيدنا حسب مواقيتها، ونعتبر أن فترة الصلاة هي فترة تزود بالطاقة الإيمانية والروحية والجسدية.

4- نعتبر أن الانتصار على النفس في معركة إهمال الصلاة أحد أعظم الانتصارات في حياتنا، و يحفز على المزيد من الإنجازات، ويفتح الكثير من أبواب الرزق والخير، ويؤدي إلى شخصية منضبطة مرتبة، تجد لها مكانا في كل ساحة تحتاج إلى الانضباط.

5- المبادرة للصلاة في جماعة؛ فإن تأخير الصلاة عن وقتها في وسط زحمة الحياة قد يؤدي إلى تضييعها، أو أدائها بخشوع أقل وتكاسل أكثر.

6- إن الانسان يسعى بكل طاقته لما يدخل عليه السرور مهما كان مرهقا أو مشغولا، فإذا جربت الصلاة وما يمكن أن تدخله من سرور عليك، بذلت فيها كل جهد. أما بالنسبة لمن يقدم مبرر الانشغال بالعمل، وأن العمل عبادة كما أن الصلاة عبادة، فنقول له: وهل يمكن أن تغني عبادة الصيام عن عبادة الزكاة، كل عبادة تؤدي دورها في ترقية الإنسان وتصحيح أخطائه وإعادة تأهيله لدخول الجنة مع الصالحين من عباد الله تعالى، وتعمير الكون باسم الله تعالى وعلى هدى من كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. 

7- لنتخيل أن الدنيا انتهت، ووقفنا بين يدي الله تعالى وسألنا عن الصلاة- وهي أول ما يسأل عنه الإنسان – ما هي الإجابة التي سنقدمها؟ هل سنقول لله تعالى لقد انشغلنا بما أعطيتنا من نعم، وكنا نؤمِّن لأولادنا المال الكافي للحياة، وأعطينا أنفسنا فرصة للراحة والترفيه بعد العمل، حتى لم يبق وقت لأداء الصلوات الخمس؟؟، وهل يكون الحفاظ على النعم بعدم شكر من أنعم بها علينا؟، وهل رزق أولادنا علينا أم على الله تعالى؟ ولماذا لا تكون الصلاة مع السعي أحد وسائلنا لنيل الرزق؟،ولماذا نغفل عن البركة والخير الذي يفتحه الله تعالى للمصلين؟؟، ومهما حصلنا على متع الدنيا يبقى في القلب والروح حاجة لمتعة التقرب من الله تعالى  بالصلاة، وإلا لماذا نشعر بالضيق وقد جربنا كل أنواع المتع وغفلنا عن ما في  الصلاة من نعيم وراحة؟

ثانيا: إلى من يحبون الخير والهدى للناس

1- إن تهديد تارك الصلاة أو المهمل فيها بالنار أو بالكفر يجدي مع أناس يحركهم داعي الخوف، وهناك من يظنون أن سلامة قلوبهم كفيلة بأن تدخلهم الجنة ،أو أن ما بينهم وبين الله لا يعلمه أحد ،وأن الله سبحانه وتعالى رب قلوب ينظر إلى ما فيها ولا يعنيه المظاهر، إلى آخر ما نسمعه من هؤلاء الذين لا يدركون وظيفة الصلاة في ربط العبد بربه ، وتحقيق العبودية لله تعالى ،واستقامة النفس وتهذيب الأخلاق والتزود بالنور والتقوى. وربما رأوا بعض من يصلي ولا يتأثر بصلاته التزاما بالصدق وأداء للأمانة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق، فظنوا أن الصلاة وعدمها سواء.

2- إن الحديث عن أثر الصلاة في تجديد إيمان العبد ويقينه بربه ،وتزويده بحب الخير وفعله ،هو الذي ينبغي أن نتحدث فيه مع مهملي الصلاة، مع ملاحظة أن الصلاة التي تترك آثار الخير على القلب والبدن والروح، يحتاج الإنسان إلى فترات من التدرب على تصفية الذهن والقلب من الشواغل، واستحضار عظمة الله تعالى وجلالة، واستشعار أننا واقفون بين يدي الله تعالى نخاطبه وندعوه ونرجوه.

3- التأكيد على أن الأمر بالصلاة من قبل الأهل والمحبين، ليس مرة أو مرتين مع الغضب والصراخ والوعيد، وربما الضرب والحرمان، بل يحتاج  الأمر بالصلاة إلى مزيد من ممارسة الصبر إلى أقصى درجاته {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، اصطبارا يعادل الإهمال والنسيان والانشغال بالدنيا لعبا ولهوا أو طلبا للرزق.

4- اختيار الأوقات التي تكون المحبة فيها بين الآمر بالصلاة والمهمل لها في أعلى درجاتها، قربا ولطفا وتواصلا واستعدادا للاستماع للنصيحة والتوجيه، فإن للقلوب المغلقة مفاتيح، يهبها الله تعالى لأهل البصيرة والصبر  والمعرفة بطبيعة النفس الإنسانية.

5- اختيار العبارات التي ندعوهم بها إلى الصلاة وتغليفها بغطاء من الحب الصادق والمشاعر الطيبة ،فهذا يقرب البعيد ويلين القاسي، وكانت إحداهن تقول لابنتها بعد الوضوء: انظري إلى وجهك كيف امتلأ بالنور.

6- الاستعانة بالصحبة الصالحة التي يفيض قلبها بالحب والود لها أثر كبير في إعادة هذا الشارد عن الهدى إلى رحاب المساجد وصفوف المصلين، مع ملاحظة أن بعض الأصحاب لهم تأثير أكبر من الوالدين والأسرة في تحسين الأخلاق أو عكس ذلك، مع اختيار مسجد ينعم أهله بالألفة وإمام مدرك لما يمكن أن تحدثه الصلاة من أثر على حياة المؤمن، ينقل أثناء تلاوته معاني الآيات إلى عقل وقلب من يصلي خلفه، يخشع في صلاته لينتقل الخشوع منه إلى بقية المصلين.

7- ملاحظة الشخصية العنيدة أو التي تعيش في مرحلة المراهقة وما يصاحب هذه المرحلة من التمسك بالرأي وحب الظهور والمخالفة، وهذه النوعية يدفعها الإلحاح وتكرار الدعوة للصلاة بصيغة الأمر أو الطلب  إلى مزيد من العناد.

8- ملاحظة أن أداء الصلاة بدافع إسكات الأصوات الغاضبة أو خوفا من عقاب أو حرمان لا يترك أثره في القلب حبا للصلاة ومواظبة عليها، وربما كان هذا الشخص أسرع الناس إلى ترك الصلاة ساعة أن يتحرر من سلطان من يدعوه أو يأمره، فضلا عن أن هذه الصلاة خالية من الإخلاص.

9- التنشئة على الصلاة في جماعة  منذ الصغر، فإن الرحمات تتنزل على الجماعة وتصيب كل من حضر فيها، وبتوالي حضور صلاة الجماعة يشعر المسلم أن قلبه معلق بالمسجد ينجذب إليه ويحركه داعي الحب. 

10- الدعاء المستمر والإلحاح على الله تعالى بطلب أن يهديهم للصلاة ويثبتهم عليها {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].

11-الترغيب في الذهاب للمساجد بذكر الأجور التي يعطيها الله تعالى للمصلين في المسجد كلما ذهبوا أو عادوا ، قال صلى الله عليه وسلم :«مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ»[2] هذا أجر الذهاب والعودة ،وهناك أجور أخرى متعلقة بكل خطوة يخطوها من يذهب للصلاة، وأحاديث كثيرة تحفز النفس على الصلاة وانتظارها يمكن أن نذكرها بصورة تجعل هذا المهمل في الصلاة يستحضر ما يمكن أن يحصل عليه إذا صلى.


[1] مسند أحمد قال محققوه إسناده صحيح على شرط مسلم

[2] صحيح البخاري