هل تساءلت يوماً كيف استطاع أبو عبيدة بن الجراح أن يصبح “أمين الأمة” وصاحب مكانة رفيعة بين الصحابة؟ إن سيرته وتاريخه يشكلان نموذجاً يحتذى به في الشجاعة والإخلاص وحسن القيادة، إذ أن اسمه ارتبط بأهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، من غزوة بدر إلى الفتوحات الإسلامية الكبرى في بلاد الشام. تميّز هذا الصحابي الجليل بأخلاق سامية وشجاعة لا تضاهى، مما جعله قامة رفيعة قريبة من قلوب المسلمين قديماً وحديثاً.

اكتشف من خلال هذا المقال تفاصيل حياة أبي عبيدة، ومواقفه البطولية التي جعلت منه رمزاً للوفاء والشجاعة، وأبرز إنجازاته كقائد عسكري استثنائي. انطلق معنا في رحلة لاستكشاف دروس هذه الشخصية الفذة وتعرف على المعاني العميقة التي تمثلها.

الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة أبو عبيدة بن الجراح الذي أرسله النبي إلى نجران يعلم أهلها الإسلام والقرآن، ويقضي بينهم بالقسط والميزان. قائد الجيوش الإسلامية، وفاتح الديار الشامية، وأمين الأمة المحمدية صاحب الخلق القويم، والسلوك المستقيم، والقلب الرحيم، والعقل الحكيم.

أبو عبيدة بن الجراح هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، حيث قال النبي: “أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة”.

عاهد أبو عبيدة بن الجراح النبي أن ينفق حياته في سبيل الله وأوفى بعهده وأبر بوعده. وهو من أصحاب الهجرتين، فقد هاجر إلى الحبشة، في الهجرة الثانية، وهاجر من مكة إلى المدينة. وشهد غزوتي بدر وأحد وسائر الغزوات، وواصل الجهاد بعد وفاة النبي مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

من هو أبو عبيدة بن الجراح؟

أبو عبيدة بن الجراح من الشخصيات الإسلامية البارزة، التي تركت أثراً عميقاً في التاريخ الإسلامي. اسمه الكامل هو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، ويُعرف بأبي عبيدة بن الجراح. تميز هذا الصحابي الجليل بأخلاقه العالية وشجاعته الفائقة وإخلاصه الكبير للإسلام وللنبي محمد ، مما جعله نموذجاً يُحتذى به في الفداء والإخلاص. في هذا المقال، سنتناول سيرة أبي عبيدة بن الجراح عبر مراحل حياته، بدءًا من العهد النبوي، مروراً بفترة خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وصولاً إلى أدواره القيادية كقائد عسكري في الفتوحات الإسلامية، وخصائصه الفريدة التي جعلته يُلقب بـ”أمين الأمة.

أبي عبيدة بن الجراح (40 ق.ه 18ه) (584-639م)، هو عامر بن عبدالله بن الجراح بين هلال الفهري القرشي، يكنى بأمين الأمة، وأمير الأمراء، وفاتح الديار الشامية، صحابي جليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة.

وأبو عبيدة بن الجراح من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر، ولد سنة 40 قبل الهجرة 584م، وكان رجلا نحيفا معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالًا، أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته).

وهو قائد مسلم شجاع مشهود له بالتقوى والزهد وحسن العبادة، روى 14 حديثا عن النبي ، الذي قال عنه: نعم الرجل أبو عبيدة. بعد وفاة النبي صلى الله وعليه وسلم جاء من يبايعه على الخلافة لكنه رفض، وقال: أتبايعونني وفيكم أبو بكر الصديق؟

أبو عبيدة بن الجراح .. أمين الأمة الإسلامية

عندما علم خالد بقرار أمير المؤمنين بعزله وولاية أبي عبيدة قال: أيها الناس بعث عليكم أمين هذه الأمة. وقال أبو عبيدة بن الجراح عن خالد: سمعت رسول الله يقول: خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشير.

لماذا لقب أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة؟

لقب أبو عبيدة بن الجراح بلقب “أمين الأمة” من قبل النبي محمد ، وذلك لمعرفته بأخلاقه العالية ونزاهته المطلقة وصدقه. كان يضع مصالح الأمة فوق مصالحه الشخصية، ولا يتوانى عن التضحية من أجل الإسلام والمسلمين. هذه الصفة لم تأتي من فراغ، فقد أظهر أبو عبيدة بن الجراح من الأمانة والإخلاص ما جعله يستحق هذا اللقب بجدارة، وكان هذا التكريم من الرسول تجسيداً لأخلاقه النبيلة وتفانيه في خدمة الإسلام.

إسلامه وهجرته إلى المدينة

هاجر أبو عبيدة مرتين: مرة إلى الحبشة ومرة إلى المدينة المنورة. ولا يُعرف ترتيب أبي عبيدة بين السابقين إلى الإسلام، ولكن ابن هشام في السيرة ذكره في عُصبة أسلمت بعد ثمانية نفر سبقوا إلى الإسلام، والأرجح أنهم لم يُسلموا في يوم واحد، بل أسلموا متفرّقين في أيام، وكان ترتيبهم بأجمعهم بعد الثمانية السابقين، وقبل مَن ذُكر بعدَهم.

ويُعد أبو عبيدة بن الجراح من السابقين الأولين إلى الإسلام، فهو ممن التقاهم النبيُّ محمدٌ في دار الأرقم قبل أن يبلغ المسلمون أربعين رجلاً، وهو صاحبُ النبي من أول الدعوة، وحفظ القرآن منذ تباشير فجره الأولى، وأوذي في سبيل الله فصبر، ونقل ابن سعد أنه هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية في رواية محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر، ولم يذكره موسى بن عُقبة. وقال الذهبي: “إن كان هاجَرَ إلى الحبشة فإنه لم يُطل بها اللَّبث.

هاجر أبو عبيدة من مكة إلى المدينة المنورة، فنزل على كلثوم بن الهدم الأوسي، وبعد وصول النبي محمد إلى دار الهجرة، آخى بين المهاجرين والأنصار، وقد روى مسلم في الصحيح عن أنس بن مالك: أن رسول الله آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وبين أبي طلحة (زيد بن سهل بن الأسود الخزرجي).

أخلاقه وصفاته

روى البخاري والمسلم عن أنس بن مالك أن النبي محمداً قال: “إن لكل أمة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة: أبو عبيدة بن الجراح. وقال ابن حجر العسقلاني: “والأمين هو الثقة الرضي، وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكنَّ السياقَ يُشعر بأن له مزيداً في ذلك، لكن خَصَّ النبيُّ كلَّ واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، كالحياء لعثمان، والقضاء لعلي ونحو ذلك.

وروى مسلم عن أنس: أن أهل اليمن قدموا على رسول الله فقالوا: “ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام”، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: “هذا أمين هذه الأمة”.

وروى ابن سعد عن مالك أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف أو بأربعمئة دينار، وقال للرسول: “انظر ما يصنع بها”، قال: فقسمها أبو عبيدة، قال: ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، فقسمها إلا شيئاً قالت له امرأته نحتاج إليه، فلما أخبر الرسول عمر قال: “الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.

أبو عبيدة بن الجراح في العهد النبوي

كان أبو عبيدة من أوائل من دخلوا الإسلام، إذ أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان من العشرة المبشرين بالجنة. شارك أبو عبيدة في جميع الغزوات مع النبي محمد ، وأظهر فيها شجاعة استثنائية وإخلاصاً منقطع النظير. ومن المواقف التي تبرز إيمانه الراسخ وإخلاصه، يوم بدر عندما قتل والده الذي كان يقاتل في صفوف المشركين، حيث وضع ولاءه لله ورسوله فوق روابط الدم.

في عهد أبي بكر الصديق

بعد وفاة النبي محمد ، استمر أبو عبيدة في خدمة الإسلام تحت قيادة الخليفة أبي بكر الصديق. وقد اعتمد عليه أبو بكر في العديد من المهام الصعبة، حيث شارك في حروب الردة لردع القبائل التي ارتدت عن الإسلام. أثبت أبو عبيدة خلال هذه الفترة إخلاصه ومهارته العسكرية، إذ ساهم في توحيد الصفوف وحماية الدولة الإسلامية الفتية من الأخطار الداخلية والخارجية.

في عهد عمر بن الخطاب

في فترة خلافة عمر بن الخطاب، ازدادت أهمية أبو عبيدة كقائد عسكري، إذ عُين قائداً للجيوش الإسلامية في بلاد الشام. قاد أبو عبيدة عدة معارك حاسمة ضد الإمبراطورية البيزنطية، مثل معركة اليرموك التي كانت واحدة من أكبر الانتصارات في تاريخ الفتوحات الإسلامية. تميز أبو عبيدة بالحنكة والحكمة، وكان يحظى بثقة عمر بن الخطاب الذي قال فيه: “لو كان أبو عبيدة حياً لوليته أمر المسلمين” اعترافاً بإخلاصه وكفاءته العالية.

5 من أشهر أقوال أبو عبيدة بن الجراح

من بين أقوال عرفت على لسان أبو عبيدة بن الجراح هذه بعض الحكم والمقولات الخالدة:

  1. مثل قلب المؤمن، مثل العصفور، يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة.
  2. أمَّ أبو عبيدة رضي الله عنه مرة قومًا، فلما انصرف قال: ما زال الشيطان بي آنفًا، حتى أريت أن لي فضلاً على غيري، لا أؤم أبدًا.
  3. وددت أني كبش فذبحني أهلي، فأكلوا لحمي، وحسوا مرقي.
  4. ما من الناس من أحمر ولا أسود، حر ولا عبد، عجمي ولا فصيح، أعلم أنه أفضل مني بتقوى، إلا أحببت أن أكون في مسلاخه.
  5. التهلكة: هو أن يذنب، ثم لا يعمل بعده خيرًا حتى يهلك

أبوعبيدة .. القوي الأمين

سمى رسول الله أبو عبيدة بن الجراح “أمين الناس والأمة” حيث قال عليه الصلاة والسلام: “لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ” [البخاري] .

ولما جاء وفد نجران من اليمن إلى الرسول صلي الله عليه وسلم طلبوا منه أن يرسل معهم رجلا أمينا يعلمهم، فقال لهم: ” لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين ” فتمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو، ولكن النبي اختار أبا عبيدة، فقال: ” قم يا أبا عبيدة [البخاري] .

وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “نِعْمَ الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح.

وعن عبدالله بن شقيق قال: قلت لــ عائشة رضي الله عنها: أيُّ أصحاب رسول الله كان أحب إلى رسول الله؟ قالت: أبو بكر. قلت: ثم مَن؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت.

يذكر أنه في السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسول عمرو بن العاص إلى أرض بَلِيّ وعُذْرة في غزوة ذات السلاسل، ووجد عمرو بن العاص أن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسول يستمده، فندب النبي الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص، فلما قدموا عليه، قال عمرو: أنا أميركم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال: إنما أنتم مددي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول الله وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله قال لي: “إن قدمت على صاحبك فتطاوعا”، وإنك إن عصيتني أطعتك.

قتل والده وآثر حب الله ورسوله

لم يتخلف أبو عبيدة عن غزوة غزاها النبي، وكانت له مواقف عظيمة في البطولة والتضحية، ففي غزوة بدر رأى أبو عبيدة أباه في صفوف المشركين فابتعد عنه، بينما أصر أبوه على قتله، فلم يجد الابن مهربًا من التصدي لأبيه، وتقابل السيفان، فوقع الأب المشرك قتيلا، بيد ابنه الذي آثر حب الله ورسوله على حب أبيه ، فأنزل الله فيه هذه الآية: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . [المجادلة – 22] .

أبو عبيدة القائد العسكري الخبير بفنون الحرب

لعب أبو عبيدة بن الجراح دوراً محورياً كقائد عسكري في الفتوحات الإسلامية، وخاصة في بلاد الشام. تميز بأسلوبه الفريد في القيادة، إذ كان يجمع بين الحزم واللين، ويقود الجيش بروح ملؤها الثقة بالله. استطاع من خلال حنكته وشجاعته أن يكسب محبة الجند واحترامهم، مما جعل جيشه يخوض المعارك بروح عالية ويحقق الانتصارات المتتالية، وكان أبرزها الانتصار في معركة اليرموك التي فتحت بلاد الشام أمام المسلمين.

كان أبو عبيدة على خبرة كبيرة بفنون الحرب، وحيل القتل لذا جعله الرسول (قائدًا على كثير من السرايا)، وقد حدث أن بعثه النبي أميرًا على سرية سيف البحر، وكانوا ثلاثمائة رجل فقل ما معهم من طعام ، فكان نصيب الواحد منهم تمرة في اليوم ثم اتجهوا إلى البحر ، فوجدوا الأمواج قد ألقت حوتًا عظيمًا ، يقال له العنبر ، فقال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : لا ، نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله ، فكلوا ، فأكلوا منه ثمانية عشر يومًا . [متفق عليه] .

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه – لجلسائه يومًا: تمنوا ، فقال أحدهم : أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم ، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا، فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا ، فأنفقه في سبيل الله ، فقال عمر : لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، فأستعلمهم في طاعة الله . [البخاري] .

أبو عبيدة بن الجراح

وكان عمر يعرف قدره، فجعله من الستة الذين استخلفهم، كي يختار منهم أمير المؤمنين بعد موته .

وكان أبو عبيدة – رضي الله عنه – كثير العبادة يعيش حياة القناعة والزهد، وقد دخل عليه عمر – رضي الله عنه – وهو أمير على الشام، فلم يجد في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعًا (أو قال: شيئًا) فقال أبو عبيدة :يا أمير المؤمنين ، إن هذا سيبلِّغنا المقيل (سيكفينا).

جهاد أبوعبيدة وأعماله أيام الخلافة

شارك أبو عبيدة -رضي الله عنه- في غزوتيّ بدرٍ وأُحُدٍ والحديبية، أرسله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على سريَّة جيشِ ذات الخبط، كما أرسله والياً إلى أهل نجران، وكان أحد الأمراء في بلاد الشَّام بعد أن عزل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فوضع أبا عبيدة -رضي الله عنه- مكانه، وكان نَقش خاتم أبي عبيدة: “الخُمُس لله.

وقال ابن حجر -رحمه الله-: “كان فتح أكثر بلاد الشَّام على يده”، كما جعله أبو بكر -رضي الله عنه- في خلافته على بيت مال المسلمين، وجعله عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أمير الأمراء في الشَّام، وكان أمير الجيش يوم فتح دمشق، وبعثه رسول الله -- خلف عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ليمدَّه بالجيش، ولمَّا جاء أهل اليمن يطلبون من رسول الله -- أن يرسل معهم مَن يعلمهم القرآن والسُّنَّة أخذ بيد أبي عبيدة أمين الأمّة واختاره لهم.

في يوم سقيفة بني ساعدة

عندما اجتمع الأنصار والمهاجرون في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للمسلمين بعد وفاة النبي، أبدى أبو عبيدة بن الجراح موقفاً حكيماً، حيث لم ينخرط في النزاع أو الجدال، بل كان يسعى لوحدة صف المسلمين. وقد اختار مع أبي بكر وعمر توحيد المسلمين على يد أبي بكر الصديق، مما يظهر حرصه على وحدة الأمة وتجنب الفتن. هذا الموقف يعكس فطنة أبي عبيدة وحرصه على الصالح العام.

قصة نزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجهِ رسول الله يوم أحد

من أشهر القصص عن أبي عبيدة شجاعته ومحبته لرسول الله ، وتتجلى في غزوة أحد عندما أصيب النبي بحلقات من درعه دخلت في وجهه الشريف. تقدم أبو عبيدة بن الجراح بثبات، وخلع الحلقات بأسنانه حرصاً على عدم إيذاء النبي، حتى فقد بعض أسنانه الأمامية. هذه الواقعة توضح مدى الحب العميق الذي كان يحمله أبو عبيدة لرسول الله، واستعداده للتضحية حتى بصحته لأجله.

قصة ولاية أبي عبيدة على الصحابة وحكمته وطاعته للرسول

عندما عين النبي محمد أبا عبيدة أميراً على بعض الصحابة، أثبت براعته وحكمته كقائد. كان يتسم بالتواضع والتفاني في أداء مهامه، كما كان دائماً يلتزم بتعليمات الرسول ويحرص على طاعة الله ورسوله في كل صغيرة وكبيرة. من المواقف التي تظهر حكمته، حرصه على توجيه أصحابه للعمل بروح الجماعة وبذل الجهد للارتقاء بالأمة الإسلامية، مما جعل الجميع يقدرون حكمته ويقدرون توجيهاته.

ماذا قال عمر بن الخطاب عن أبو عبيدة بن الجراح؟

عبر الخليفة عمر بن الخطاب عن إعجابه العميق بشخصية أبي عبيدة، فقد وصفه بأنه “لو كان أبو عبيدة حياً لوليته أمر المسلمين”. يعكس هذا القول مدى ثقة عمر في كفاءة أبي عبيدة وأخلاقه العالية، ويظهر المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها بين الصحابة. لقد كان عمر يرى في أبي عبيدة القائد المثالي الذي يجمع بين التقوى والقدرة على إدارة الأمور، مما جعله مرشحاً مثالياً لقيادة الأمة الإسلامية.

طاعون عمواس ووفاة أبو عبيدة بن الجراح

فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب عرف أن أمير المؤمنين يريد إنقاذه من الطاعون فتذكر قول النبي: “الطاعون شهادة لكل مسلم” [متفق عليه] .فكتب إلى عمر يقول له: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد المسلمين ، لا أرغب بنفسي عنهم . فلما قرأ عمر الكتاب، بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة؟! قال: لا ، وكأن قد (أي : وكأنه مات) .

فكتب أمير المؤمنين إليه مرة ثانية يأمره بأن يخرج من عمواس إلى منطقة الجابية حتى لا يهلك الجيش كله، فذهب أبو عبيدة بالجيش حيث أمره أمير المؤمنين، ومرض بالطاعون، فأوصى بإمارة الجيش إلى معاذ بن جبل ، ثم توفي – رضي الله عنه – في طاعون عمواس وعمره 58 سنة ، وصلى عليه معاذ بن جبل ، ودفن ببيسان بالشام.

سنة (18) هـ أرسل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جيشًا إلى الأردن بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، ونزل الجيش في عمواس بالأردن ، فانتشر بها مرض الطاعون أثناء وجود الجيش وعلم بذلك عمر ، فكتب إلى أبي عبيدة يقول له : إنه قد عرضت لي حاجة ، ولا غني بي عنك فيها ، فعجل إلي .

ويوجد ضريح أبي عبيدة بن الجراح في بلدة دير علا في منطقة الأغوار الوسطى شمال غرب الأردن. كما يوجد حاليا “مزار أبي عبيدة” في “غور البلاونة” على الطريق العام الذي يقطع غور الأردن من الشمال إلى الجنوب، وعلى بعد أربعين كيلاً من مدينة السلط. وكان الظاهر بيبرس قد بنى على قبر أبي عبيدة مَشهداً، وأوقف عليه وقفاً ريعه للمؤذّن والإمام.

خلاصة

يعد أبو عبيدة بن الجراح من أبرز الصحابة وأكرمهم أخلاقاً وشجاعةً. ترك بصمةً واضحةً في الفتوحات الإسلامية، وعرف بأمانته وصدقه وتفانيه في خدمة الإسلام، حتى استحق لقب “أمين الأمة”. يبقى أبو عبيدة نموذجاً عظيماً للقيادة الإسلامية القائمة على الإخلاص لله ولرسوله، وحب الخير للأمة. تجسد سيرته قدوةً للأجيال، ورمزاً للقيم والمبادئ الإسلامية النبيلة.