أعتقد أن هناك فوضى وعشوائية في إدارة المال عند كثيرين منا، إلا ما رحم ربي، وقليل ما هم.. لكن كيف؟
الحاصل الآن مع كثيرين منا أننا ننفق كلما زاد الدخل. أي إن هناك تناسباً طردياً بين الدخل والصرف، فكلما زاد ما باليد، زادت المصروفات وكثرت الزيارات للأسواق والمجمعات وكذلك المطاعم. وربما أن هذا الأمر مع البعض قد لا يؤثر كثيراً، لكنه مع آخرين تجده ذا تأثير سلبي غير محبذ.
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال عن مسألة الصرف بلا وعي لواحد من رعيته، وقد كان مبذراً يصرف دون حدود: “أكلما اشتهيت اشتريت؟”.
لقد حدد عمر رضي الله عنه الداء. إنه شهوة الشراء لمجرد الشراء أو الاقتناء أو التكنيز، وإلا فما معنى أن يقتني أحدنا أكثر من سيارة، وماذا يعني شراء عدة تلفزيونات في البيت الواحد، وعدة ثلاجات وفيديوهات وأجهزة أخرى كثيرة وساعات وملابس وأثاث وتحف زائدة عن الحد والكثير الكثير، حتى لو كان مع أحدنا الملايين من الدولارات أو الريالات أو الدنانير أو غيرها؟
مشكلتنا أننا ننفق ونتبع الهوى وشهوة النفس في الصرف. ولو نظر أحدنا إلى ما ينفقه في الشهر الواحد لهاله الأمر كثيراً وأبدى استغراباً شديداً أن يكون هو نفسه الذي ينفق بهكذا طريقة.. وبسبب تلك الغرابة يقرر المرء منا أحياناً تنظيم سياسته الاقتصادية وسياسته في الإنفاق ويبدأ يحدد ويعد موازنة معينة للشهر.. فتجده منتظماً يتبع الميزانية المرصودة لأيام معـدودات، إذ سرعان ما يحيد عنها عند أول متجر أو محل يمر بجانبه، ليرجع إلى عادته القديمة، وتبدأ نفسه وشهوته تسيطر عليه مرة أخرى، فيمضي في درب الصرف الفوضوي مرة أخرى!
أُدرك تماماً بأن ضبط النفس في هذه المسألة ليس بالأمر الهين فحسب، بل ربما غاية في الصعوبة وخصوصاً مع وفرة المال، لكن ليس يعني هذا الركون والاستسلام لهوى النفس في مسائل الشراء، لأن أحدنا لا يدري ظروفه بالغد، والقرش الأبيض ينفع لليوم الأسود كما تقول العامة.
لكن نعود ونقول بأنه ليس معنى ما سبق أن نزهد ونتقشف ونتصوف مع وفرة المال. لا، ليس هذا أعني، إنما أجد التوازن في إدارة المال أمراً جميلاً، واستخدام العقل في تلك المسائل أجمل، دون حرمان النفس أيضاً من ملذات الحياة ومباهجها المشروعة وفي حدود المعقول دون تكلّف أو إسراف، من باب “ولا تنس نصيبك من الدنيا” كما في الآية الكريمة.