في وقفتنا التربوية هذه سنتحدث عن الإقناع بالحوار ومدى تأثيره في إيصال الرسالة واجتثاث كل ما يعيق وصولها.

الحوار هو النقاش المباشر بين شخصين أو أكثر بطريقة هادئة ومنظمة حول موضوع أو فكرة معينة، بهدف الوصول إلى اتفاق، أو حل مشكلة، أو توضيح قضية ما.

والحوار الهادئ الجميل وسيلة تربوية نبوية لدلالة المخاطب إلى وجه الصواب وإن كان الأصل لزوم التسليم للأوامر الشرعية بالفعل وللنواهي بالترك، لكن بعض النفوس لا ينبهها إلا شيء من الإقناع، فهو الذي يردها للجادة، ويوقظ فيها معاني الخير.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله! وُلِدَ لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم! قال: ما لونها؟ قال حمر. قال: هل فيها من أوْرق؟ قال: نعم! قال: فأنَّى ذلك؟ قال: نزعه عرق. قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق».

هذا الأعرابي لما ولدت زوجته هذا الغلام على لون يخالف لونه ولونها، خطرت بقلبه هواجس وتساؤلات أضمرها على عظمها في نفسه وأثرها في قلبه فظلّت حبيسة تفكيره ولم تؤدّ إلى فعلٍ طائش وغيرة قاتلة، بل جعلته يذهب إلى النبي ليسأله عما يدور في باله.

والنبي أدرك مراد الرّجل على الفور، فأراد أن يطمئنه أن هذا التباين الحاصل في لون البشرة جائزٌ عقلاً، وله في الواقع شواهد ونظائر، وضرب له المثال من واقعه الذي يعرف. والبدهيات التي يؤمن بها، وهذا في حد ذاته من مؤكدات الإقناع.

ولم يكن من الحكمة الاكتفاء بالجواب المباشر الذي قد لا يشفي غليلاً خصوصاً في مثل هذه الأمور الحسّاسة.

وفي مثال آخر يحدث الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن شاباً أتى النبي - فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ مَهْ! فقال: ادنه! فدنا منه قريباً. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله! يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».

يمكننا ان نلاحظ في هذا الحوار أن النبي لم يكتفِ بدرجةٍ قليلة من الإقناع، بل مارس معه تأكيد الإقناع وترسيخ الفكرة وانتزاع الفكرة بجذورها من نفسه ـ فكان يكفي قوله: أتحبه لأمك، لكنه عدد محارمه زيادة في الإقناع، ودلالة على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أماً لأحدٍ أو بنتاً أو عمة أو خالة.

الحوار الجميل البناء يزيل الموانع ويفتت الحواجز ويدحض الشبهات التي قد تقف عائقا دون إذعان المدعو والمنصوح والمتعلم.

الحوار أسلوب نبوي في التربية والتعليم وله أثر عظيم في الإقناع وبناء النفس وكسب المخاطب. وقد ضربنا بعض الأمثلة من هديه والمقام لا يتسع للبسط في ذلك أكثر مما ذكر حَسْبُك من القلادة ما أحاط بالعُنُق.