لا يزال القارئ العربي بحاجة إلى التعريف بفن الرواية في قطر الذي لم يأخذ بعد حظه من الاهتمام والدراسة والتمحيص، ولعل السبب في ذلك يعود إلى حداثة الرواية القطرية ومحدودية التجارب الروائية التي تعود إلى بداية التسعينيات، ونحن في هذه المقالة نهدف إلى تسليط الضوء على تطورات واتجاهات وموضوعات فن الرواية القطرية، من خلال الاعتماد على كتاب “الرواية في قطر: قراءة في الاتجاهات” للكاتب والروائي القطري الدكتور أحمد عبد الملك.

وقد وقع اختيارنا على هذا الكتاب لأنه يكتسب أهميته من كونه أول دراسة معمقة تتناول تاريخ الرواية القطرية من جوانب متعددة، حيث تحدثت عن نشأة الرواية القطرية، ومسوغات ظهورها، وموضوعاتها، واتجاهاتها، وقد استطاع مؤلف هذه الدراسة أن يقدم للقارئ العربي صورة واضحة عن فن الرواية في قطر، ولا شك أن هذه الصورة مهمة جداً نظراً لأن فن الرواية القطرية غير معروف كثيراً لدى القراء العرب، رغم وجود روايات قطرية يمكنها أن تنافس الروايات العربية، وسنحاول هنا أن نضع لبنة لسد الفراغ الحاصل في مجال التعريف بفن الرواية في قطر.

من القصة إلى الرواية

أكد محمد عبد الرحيم كافود في كتابه “الأدب القطري الحديث” أن الرواية أسبق من القصة في الظهور في مختلف الآداب بوجه عام، ولكن يبدو أن ما حصل في قطر هو استثناء هذه القاعدة، حيث ظهرت القصة القصيرة في قطر قبل فن الرواية (القصة الطويلة)، فاستمر أغلب الروائيين القطريين أساساً مع القصة القصيرة ولفترة طويلة، وقد أورد الناقد عبد الله إبراهيم في كتابه “القصة القصيرة في قطر” أسماء رواد القصة القصيرة في قطر، ومنهم: يوسف النعمة، وإبراهيم المريخي، وكلثم جبر، وأحمد عبد الملك، وإبراهيم السادة، ونورة آل سعد، وحصة الجابر، وحسن رشيد، ومياسة الخليفي، وزهرة المالكي، ودلال خلفية، وشعاع خليفة.. إلخ.

ولكن الملاحظة التي قد يكون من الضروري تسجيلها هنا هي أن رواد القصة القصيرة في قطر، الذين استعرض الناقد عبد الله إبراهيم أسماءهم في كتابه آنف الذكر، لم يسلك طريق فن الرواية منهم إلا عدد قليل جداً، ويبدو أن هذا الأمر يعود -حينها- إلى أسباب عديدة، منها: عدم الاهتمام بتأسيس الثقافة تأسيساً منهجياً، وعدم وجود جمعية للأدباء والكتاب تساعد وزارة الثقافة في تأسيس الثقافة وتمثل جسراً بين متطلبات التنمية الثقافية والمبدعين، فظهرت الروايات متفاوتة في مستويات القوة والضعف.

ولهذا أشار الدكتور أحمد عبد الملك إلى نقاط ضعف وقوة الرواية القطرية، حيث ذكر أن من نقاط ضعف الرواية القطرية ظهور بعد الروايات على شكل حوارات بين شخصيات تغلب عليها النمطية أو التصوير الفوتوغرافي، وبالتالي خلت من بلاغة السرد الذي هو عماد الرواية، ولكن في المقابل أكد أن هناك نقاط قوة عديدة في بعض الروايات القطرية، ولعل من أبزر الأمثلة على ذلك أعمال كل من شعاع خليفة ودلال خليفة رائدتي العمل الروائي في قطر منذ عام 1993.

نشْأةُ الرواية القطرية

بزغ نجم الرواية القطرية عام 1993 عندما اشتركت الروائيتان القطريتان شعاع خليفة ودلال خليفة في وضع أول لبنة من لبنات هذا الصرح في دولة قطر، حيث ألّفت شعاع خليفة روايتها الأولى “العبور إلى الحقيقة”، ثم أصدرت في العام نفسه روايتها الثانية “أحلام البحر القديمة”، في حين كتبت دلال خليفة روايتها الأولى “أسطورة الإنسان والبحيرة”، ثم قامت عام 1994 بوضع لبنة جديدة في صرح فن الرواية في قطر من خلال روايتها الثانية “أشجار البراري البعيد”، كما أصدرت في عام 1995 روايتها الثالثة “من البحّار القديم إليك”، وفي عام 2000 أصدرت روايتها الرابعة “دنيانا.. مهرجان الأيام والليالي”.

وبعد هذه الروايات القطرية الست، بدأ فن الرواية ينتشر في صفوف الكتاب القطريين، فأصدر أحمد عبد الله روايته الأولى “أحضان المنافي” في عام 2005، و”القنبلة” في عام 2006، و”فازع شهيد الإصلاح في الخليج” في عام 2010، و”الأقنعة” في عام 2011، ثم بدأت خريطة الرواية القطرية تتسع أكثر، فأصدرت مريم آل سعد في عام 2007 روايتها الأولى “تداعي الفصول”، ثم أصدرت نورة آل سعد عام 2010 روايتها الأولى “العريضة”، وفي عام 2011 أصدر عبد العزيز آل محمود روايته “القرصان”.

أما في عام 2014، فأصدر الروائي جمال فايز روايته الأولى “زبد الطين”، وفي عام 2013 أصدر عبد الله عيسى روايته الأولى “كنز سازيران”، ثم أصدر في عام 2014 روايته الثانية “كنز سازيران.. بوابة كتارا وألغاز دلمون”، كما أصدر في عام 2015 روايته الثالثة “شوك الكوادي”، وهكذا توالت الروايات القطرية فأصدرت شمة شاهين الكواري في عام 2014 روايتها الأولى “نوافير الغروب”، ثم أصدرت الكاتبة أمل السويدي روايتها “الشقيقة”.

وإذا افترضنا أن هناك سؤالاً تم طرحه من طرف القارئ يتعلق بأسباب نشأة فن الرواية في قطر، فيمكن القول إن هناك مسوغات عديدة لنشأة الرواية القطرية، لعل من أهمها تأثر بعض رواد القصة القصيرة في قطر بالاتجاه السائد في الوطن العربي الذي اتجه إلى الرواية واعتبرها من أهم وسائل التعبير عن الواقع الذي تعيشه البلدان العربية، هذا بالإضافة إلى أن روح المغامرة لدى بعض الكتاب القطريين ساهمت في اتجاههم إلى الرواية القطرية وتحمُّلهم لمختلف المشاق المتعلقة بهذا المجال، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض الأعمال الروائية بجهود شخصية، حيث تحمَّل المبدعون عِبْءَ الكتابة والطباعة والنشر.

موضوعات الرواية القطرية

يبدو أن الرواية القطرية لم تختلف كثيراً عن الروايات في منطقة الخليج من ناحية الموضوعات، رغم أن أغلب الروايات القطرية اتسمت بالطابع الرومانسي والإسقاط المباشر على أحداث محددة، وعن هذا يقول عبد الرحيم كافود في كتابه “الأدب القطري الحديث”: “وطابع الرومانسية هو السمة الغالبة على إنتاج الشباب في هذه الفترة، وربما يكون عند البعض نتيجة لمعاناة حقيقية لما يعيشه المجتمع القطري في هذه المرحلة من تغيرات وتفاعلات بين القديم والجديد”.

ولكن كلام عبد الرحيم كافود هذا لا يعني أن موضوعات الرواية القطرية اقتصرت على الطابع الرومانسي والإسقاط المباشر فقط، بل هناك موضوعات أخرى اتسمت بها الرواية القطرية، مثل الهمّ العام الذي نجده في بعض الروايات مثل رواية “تداعي الفصول” لمريم آل سعد، ورواية “العريضة” لنورة آل سعد، ورواية “دنيانا.. مهرجان الأيام والليالي” لدلال خليفة، وكذلك موضوع البحر الذي نجده حاضراً في رواية “أحلام البحر القديمة” لشعاع خليفة.

ثم إن هناك موضوعات واهتمامات أخرى حاضرة في الرواية القطرية بشكل جلي، منها: الاهتمام بالتاريخ (رواية القرصان)، والموقف من الآخر (رواية زبد الطين)، والحكايات الاجتماعية و”الفانتازيا” (رواية كنز سازيران)، هذا بالإضافة إلى موضوعات أخرى كثيرة، مثل: التأملات الذاتية والسير الشخصية، والوعظ والإرشاد والتوجيه، والقضايا الاجتماعية المشهورة كالطلاق والقيود التي تفرض على المرأة والرجل. 

اتجاهات الرواية القطرية

وللرواية القطرية اتجاهات عديدة حاول أحمد عبد الملك تحديدها من خلال قراءة أهم الخصائص السردية المعروفة في الرواية، وهي: الحدث والزمان والمكان والشخصيات وجماليات السرد، وقد اعتمد في هذه القراءة على خمس روايات قطرية، هي: “أحلام البحر القديمة” لشعاع خليفة، و”أشجار البراري البعيدة” لدلال خليفة، و”القرصان” لعبد العزيز آل محمود و”زبد الطين” لجمال فايز، و”كنز سازيران” لعيسى عبد الله، واختار المؤلف هذه العينة لأنها تمثّل نموذجاً جيداً للرواية القديمة قديماً وحديثاً، وسنستعرض هذه الخصائص على النحو التالي.

أولاً، الحدث: إذا نظرنا إلى الحدث في الروايات القطرية المختارة، سنجد أن شعاع خليفة تحدثنا في روايتها “أحلام البحر القديمة” عن الملامح العامة لحياة الناس على شواطئ مدينة الخور الواقعة في شمال دولة قطر، ثم تعرّج على النفط باعتباره مصدر رزق، والحرب العالمية الثانية وآثارها على الحياة الاقتصادية المنطقة الخليجية، أما في رواية “أشجار البراري البعيدة” فتحدثنا دلال خليفة عن قيّم فلسفية وتقدم لنا نظرات خاصة فيما يتعلق بالآخر، في حين يحدثنا عبد العزيز آل محمود في روايته التاريخية “القرصان” عن سيرة البحّار الشهير أرحمة بن جابر، الذي سمي بـ “القرصان” بسبب صولاته وجولاته في مقارعة السفن العابرة الأجنبية للخليج.

وإذا كان الحدث في رواية “القرصان” يتعلق بالتاريخ، فإن الحدث في رواية “زبد الطين” يبدو أكثر إنسانية حيث يرتبط بالعلاقة مع الآخر الغريب، أما في رواية “كنز سازيران” فنجد نمطاً جديداً من أنماط الحدث يتمثل في “الشكل الأسطوري (الفانتازي)، الذي اعتمد على أسطورة وجود كنز لأحد الرحالة العثمانيين واسمه (سازيران) في مكان ما من قطر”.

ثانياً، الزمان: يبدو أن الزمان في الرواية القطرية تحكمه القرية والمدينة كما تحكمه نوعية الرواية نفسها، ولهذا فإن الزمان في رواية “أحلام البحر القديمة” انحصر في الفترة ما بين الستينيات -بعد كساد تجارة اللؤلؤ- وحقبة التسعينيات، في حين ارتبط الزمان في رواية “أشجار البراري البعيدة” بفترة الثمانينيات، ويعود الزمان في رواية “القرصان” إلى القرن التاسع عشر حيث النفوذ البريطاني في الخليج، أما في رواية “زبد الطين” فيبدو أن الزمان يتلاشى بل يغيب عن الأحداث، وفي وراية “كنز سازيران” نجد شكلاً آخر من أشكال الزمان وهو الزمان المتخيل الذي يعود إلى نهاية الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.

ثالثاً، المكان: اختلف المكان في الرواية القطرية كما اختلف الزمان، ففي رواية “أحلام البحر القديمة” ارتبط المكان بالفضاء الخارجي حيث الانتقال من مدينة الخور إلى مدينة الدوحة، ولكن في رواية “أشجار البراري البعيدة” يبدو المكان متموضعاً في عقل ووجدان الكاتبة، أما في رواية “القرصان” فقد كان المكان “أكثر حضوراً، بل إن المكان يكاد يكون بطلاً من أبطال الرواية”، كما يقول أحمد عبد الملك.  

وإذا كان المكان في رواية “القرصان” حاضراً بقوة، فيبدو أن رواية “زبد الطين” نأتْ بنفسها عن المكان فاختار صاحبها لها “اللامكان”، أما في رواية “كنز سازيران” فقد جاء المكان مختلفاً عن كل ما سبق، حيث جمع بين الأماكن المفتوحة والأماكن المغلقة، وبين الأماكن الواقعية والأماكن الأسطورية.

رابعاً، الشخصيات: ذهب أحمد عبد الملك إلى أن الشخصيات في الرواية القطرية تنقسم إلى نوعين: نوع متحرك ينمو مع الحدث، ونوع جامد لا يتأثر بالحدث ولا يتطور، وسنكتفي بالإشارة إلى الشخصيات المحورية المتحركة في كل رواية، ففي رواية “أحلام البحر القديمة” نجد أن (لولوة) هي الشخصية المتحركة، وفي رواية “أشجار البراري البعيدة” تبرز (نورة) كشخصية محورية، أما في رواية “القرصان” فإن (أرحمة بن جابر) هو الشخصية الأساسية، وفي رواية “زبد الطين” يبدو (ناصر) أكثر الشخصيات حضوراً في الأحداث، في حين يبدو (أبي إصبع) من أهم شخصيات رواية “كنز سازيران”.

خامساً، جماليات السرد: يبدو أن الروايات القطرية لم تكن على مستوى واحد من حيث جماليات السرد، ففي رواية “أحلام البحر القديمة” نجد لغة بسيطة وسهلة وسليمة من الناحية اللغوية، وفي رواية “أشجار البراري البعيدة” فنواجه لغة سلسلة بعيدة عن التقعُّر العامي أو الإغراق في البديع اللفظي، في حين نجد في رواية “القرصان” لغة مباشرة ومترابطة فيها حضور للبديع اللغوي، أما في رواية “زبد الطين” فنشهد سرداً بسيطاً غير متكلف مع ميول إلى القص، وأخيراً نلاحظ في رواية “كنز سازيران” غياب لغة البديع وأن اللغة مباشرة جداً، ومن هنا فإن الرواية القطرية لم تخلُ من جماليات السرد واللغة البلاغية الراقية والتصوير الفوتوغرافي الجميل.  

وفي ختام هذه المقالة يلزمنا التأكيد على أن كتاب “الرواية في قطر: قراءة في الاتجاهات” يتناول تاريخ الرواية القطرية من عام 1993 حتى عام 2016، وبالتالي فإن هناك روايات أخرى صدرت بعد ظهور هذا الكتاب المهم، ولعل من أهمها رواية “روعان” للكتابة مريم النعيمي، ورواية “وعندما تتساقط الأمطار” للكاتب ناصر يوسف شكري.