قال تعالى: ﴿‌وَاللَّهُ ‌يَعْلَمُ ‌وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾  البقرة 216 ، والبقرة 232 ، وآل عمران 66

علم الله غير محدود وعلم البشر محدود، ونسبة المحدود إلى غير المحدود هي الصفر.  فعلمُ البشر بالنسبة لعلم الله صفر . كذلك قوله: ﴿ ‌وَمَا ‌أُوتِيتُمْ ‌مِنَ ‌الْعِلْمِ ‌إِلَّا ‌قَلِيلًا ﴾ الإسراء :85 أي لو نُسب علمكم إلى علم الله لكان صفرًا.

قوله: (قليلاً) للتقريب إلى الأذهان.

– ﴿‌وَنُودُوا ‌أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾  الأعراف:43 ، دخول الجنة يكون بعمل المؤمن وبرحمة الله.  ورحمة الله أضعاف عمل المؤمن. إذا لم يكن هناك عمل، أي كان العمل صفرًا، فإنّ أي مضاعِف للرحمة مهما كان كبيرًا إذا ضُرب في الصفر كان حاصل الضرب صفرًا. العمل محدود والرحمة  (الثواب) غير محدودة، فالعمل بالنسبة للرحمة (الثواب) صفر.  

هل يدخل المؤمن الجنة بعمله أم برحمة الله؟ لا بد له من العمل، ولكن عندما يدخل الجنة فإن عمله يساوي الصفر بالنسبة لرحمة الله. وعندئذ كأنه دخل الجنة برحمة الله وليس بعمله. قوله في الحديث: “لا يدخل الجنة أحد بعمله” (متفق عليه) تقديره: بعمله فقط.

– ﴿‌إِنْ ‌لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ المؤمنون 114 ، أي: في الدنيا. فالدنيا محدودة والآخرة غير محدودة (من حيث الزمن والكم والنوع). ونسبة المحدود إلى غير المحدود هي الصفر. فالدنيا بالنسبة للآخرة صفر.

–  ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ‌لَهُ ‌نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ النور: 40، إذا نظرت إلى ( مَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) كان المعنى أن نوره، نور الإنسان، صفر، أو كل نور غير نور الله صفر. وإذا قارنت بين (نور الله) و(نور الإنسان)، وكان لنور الإنسان قيمة موجبة فرضًا، فإن نور الإنسان أيًا كانت قيمته بالنسبة لنور الله صفر. ذلك لأن نور الله غير محدود، ونور الإنسان محدود.

– (‌وَيَوْمَ ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) الروم 55، الساعة الأولى: القيامة. الساعة الثانية: لحظة من الزمان، وليست بمعناها الاصطلاحي اليوم: 60 دقيقة. الآخرة غير محدودة والدنيا محدودة، ونسبة الدنيا إلى الآخرة هي الصفر، فالدنيا بالنسبة للآخرة صفر.

– ﴿‌مَا ‌خَلْقُكُمْ ‌وَلَا ‌بَعْثُكُمْ ‌إِلَّا ‌كَنَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ﴾ لقمان 28 . والنفس الواحدة لا يستغرق خلقها أو إعادة خلقها إلا صفرًا من الزمن: كُنْ فيكون. حتى هذه الكلمة هي للتقريب. كذلك خلقُ الناس جميعًا وبعثُهم جميعًا لا يستغرق من الله إلا صفرًا من الزمن. ذلك لأن أي عدد (من الناس) يُضرب في الصفر سيكون حاصل ضربه الصفر.

 –  ﴿‌كَأَنَّهُمْ ‌يَوْمَ ‌يَرَوْنَ ‌مَا ‌يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ الأحقاف 35، الساعة بمعنى: اللحظة، وليست بمعناها الاصطلاحي اليوم: 60 دقيقة.

المعنى: كأنهم في الآخرة سيشعرون بأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا صفرًا من الزمن. ذلك لأن الدنيا محدودة والآخرة غير محدودة، أو زمن الدنيا محدود وزمن الآخرة غير محدود (خلود)، ونسبة المحدود إلى غير المحدود هي الصفر. فالدنيا بالنسبة للآخرة صفر.

– ﴿‌وَمَا ‌أَمْرُ ‌السَّاعَةِ ‌إِلَّا ‌كَلَمْحِ ‌الْبَصَرِ ‌أَوْ ‌هُوَ ‌أَقْرَبُ﴾  النحل 77 ،

﴿ ‌إِنَّا ‌كُلَّ ‌شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾  القمر 49 – 50، أي: إلا كلمة واحدة  (كُنْ). ﴿‌إِنَّمَا ‌أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾  يس 82 .

وهذا يعني أقصى سرعة، بل صفر من الزمن. اللمح بالبصر، وكُنْ، للتقريب من مفهوم الزمن صفر.

البشر يحتاجون إلى الزمن في أفعالهم، أما الله فهو غني عنه. وهذا يفيد العلماء (أحمد زويل وفريقه) الذين يتحدثون اليوم عن الفيمتوثانية، وهي ثانية مقسمة على واحد وإلى  يمينه 15 صفرًا، أي هي جزء من مليون مليار جزء من الثانية، أي نسبة الفيمتوثانية إلى الثانية كالنسبة بين الثانية إلى 32 مليون سنة. وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ‌وَمَا ‌بَيْنَهُمَا ‌فِي ‌سِتَّةِ ‌أَيَّامٍ﴾  السجدة 4، لا يتعارض مع هذا، لأن كل شيء أراد خلقه في هذه الأيام كان بسرعة لا متناهية، أي بزمن قدره صفر.

– ﴿‌وَاللَّهُ ‌سَرِيعُ ‌الْحِسَابِ﴾  البقرة 202 ، ولفظ (سريع) هنا للتقريب. فحساب الله يجري في زمن مقداره صفر. ﴿‌ثُمَّ ‌رُدُّوا ‌إِلَى ‌اللَّهِ ‌مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾  الأنعام 62 ، ولفظ (أسرع) للتقريب أيضًا، فلا مجال للمقارنة.

– ﴿‌وَمَا ‌الْحَيَاةُ ‌الدُّنْيَا ‌إِلَّا ‌مَتَاعُ ‌الْغُرُورِ﴾  الحديد 20. متاع الدنيا محدود )وهْم(، ونعيم الآخرة غير محدود، ونسبة المحدود إلى غير المحدود هي الصفر، فمتاع الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة صفر.

– ﴿‌كَأَنَّهُمْ ‌يَوْمَ ‌يَرَوْنَهَا ‌لَمْ ‌يَلْبَثُوا ‌إِلَّا ‌عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾  النازعات 46. أي كأنهم في الآخرة يشعرون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا صفرًا من الزمن. عشية أو ضحاها للتقريب. زمن الدنيا محدود وزمن الآخرة غير محدود (خلود).  فزمن الدنيا بالنسبة للآخرة صفر.

لماذا لم يرد لفظ الصفر في القرآن؟

خاطب الله العرب على قدر عقولهم، فقد كانوا أمّة أمية لا تقرأ ولا تحسب. وربما خاطب الناس بلغة سهلة يفهمونها، ولا تفتنهم، فالقرآن لا يتوجه إلى علماء الحساب والرياضيات الذين يعرفون الصفر والمحدود وغير المحدود.
فلو قلت لي اليوم : أنت لا تلبث في الدنيا إلا صفرًا، ربما أُنكر عليك قولك، لأنني أشعر في الدنيا بأني مكثتُ طويلاً!  ولا أدرك أن المسألة ليست مسألة دنيا، بل هي مسألة نسبة الدنيا إلى الآخرة.
نعم ربما لو قيل لي ذلك في الآخرة لفهمتُه، لأني في الآخرة سأنسى الدنيا بزمانها ومتاعها وكلّ شيء فيها كمًا ونوعًا.  غير أن الخِطاب القرآني هو في الدنيا، ولو خاطبهم الله في الدنيا كما يخاطبهم في الآخرة لما فهموا، ولربما فُتنوا عن العلم وعن الهداية.

لو قال لي: علمي صفر، أو علم البشر صفر، لربما أنكر ذلك، أما لو قال لي: علمك قليل فإني أميل إلى تصديقه. ولا ريب أن علمي أو علمك أو علم البشر جميعًا له قيمة في ذاته، وقيمة بالنسبة لشخص آخر.  ولكن المسألة ليست هي النظر إلى هذا العلم منفردًا، بل هي في النظر إلى هذا العلم منسوبًا إلى علم غيرمحدود.  قليلون الذين يفهمون أن علمهم يصبح صفرًا في هذه النسبة، ولا يكادون يصدّقون.  فحتى العقول الكبيرة ربما تتيه في اللامحدود، وتتيه في المطلق، وتتيه في نسبة ما هو نهائي إلى ما لا نهاية له.

كذلك لو قال لي:  عملي صفر، سأنكر عليه، لأني أرى أن لي عملاً، وليس هذا العمل صفرًا. نعم هذا صحيح في ذاته، ولكن ليست المسألة هي النظر إليه في ذاته، بل المسألة هي النظر إليه منسوبًا إلى ثواب الله . نعم سأدرك هذا في الآخرة، ولكن قد يكون من الصعب، أو من الصعب كثيرًا، أن أدركه الآن، لا سيما إذا لم أكن أتمتع بعقل رياضي كبير.