العقيدة للأطفال هي الأساس الذي يُبنى عليه وعيهم بالله، وتصوّرهم للكون، وثقتهم في الحياة. منذ لحظات الطفولة الأولى، يبدأ الطفل بطرح أسئلة كبرى عن الخلق والموت والله والجنة. وهنا تظهر أهمية العقيدة في تهذيب مشاعره، وتوجيه أفكاره، ومنحه الطمأنينة.
في قصة الطفلة الصغيرة التي فقدت أمها وهي لازالت طفلة عرفت معنى الحزن وذاقت مرارته ، قالت جدتها لها لكي تخفف من حزنها ساعة أن وضعوا أمها في القبر: “إن أمك تحيا سعيدة عند الله تعالى”، سكّنت هذه الجملة من آلام الصغيرة واستقرت في ذهنها ، وبعد مدة قالت معلمة التربية الدينية :”الله تعالى في السماء”، فقالت التلميذة الصغيرة: ” الله تعالى في الأرض”، جادلتها المعلمة وأصرت الصغيرة، استدعت إدارة المدرسة والد الطفلة وأخبرته بما تقوله ابنته، ففسر إصرارها. ولكن كيف ننقل العقيدة إلى الطفل بطريقة رفيقة تُراعي عقله وفطرته؟ هذا ما يجيب عنه هذا المقال.
لماذا تُعد العقيدة للأطفال ضرورة نفسية ووجدانية؟
كم يحتاج الصغار منا إلى تلطف وتبسيط ونحن ننقل لهم الحقائق الكبيرة التي تؤثر في مجريات حياتنا، وتمثل لنا دعما نفسيا وعاطفيا وعلى رأس هذه الحقائق تأتي العقيدة الإسلامية ، وهي بالنسبة للمسلم سر وجوده وعامل بقائه وسبب صموده في وجه الأعاصير المتنوعة، وهي ملاذه الآمن ساعة الخوف، فكيف نصل بأطفالنا إلى بر الأمان وقد كبروا قبل الأوان واطلعوا على شبهات صيغت بإحكام ،تدخل على قلوبهم الصغيرة من كل باب؛ من خلال مقطع مصور وقصة محبوكة وطرفة مضحكة، بل من خلال بعض المناهج الدراسية ،كل هذه الأدوات وغيرها تستخدم لقلع الإيمان من جذوره.
إن مفهوم الرعاية التي جعلها الإسلام واجبا على الأسرة والمجتمع والدولة يتسع ليشمل رعاية الدين والعقل والنفس والعرض وسائر الحرمات، وكل ذلك ينبثق من عقيدة تقوم على أركان الإيمان التي وردت في قوله تعالى ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285] ولما سئل ﷺ عن الإيمان قال: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ).[1]
كيف نحافظ على فطرة الطفل الإيمانية؟
حتى نقوم بدورنا في الحفاظ على فطرة الأطفال التي ترشدهم إلى وجود الله تعالى وقيوميته على الكون ينبغي أن ننتبه لعدة حقائق :
- تعريفهم بالله وصفاته بلغة الفطرة: نرسخ في عقول أبنائنا معرفة الله تعالى وما يجب له سبحانه من صفات الجمال والكمال هو سير في اتجاه الفطرة التي تقضي بأن المخلوق لابد له من خالق كبير متعال يعلم السر وأخفى، ومع الاستعانة بالله تعالى على بيان هذه الحقائق التي تعصم من كثير من الشرور، يعيننا الله على تثبيت الإيمان في قلوب أبنائنا.
- تجاوز التلقين إلى الحياة العملية: عندما نخبر أبنائنا بأمور العقيدة يجب ألا يتوقف تواصلنا معهم في هذا الموضوع على التلقين أو إكساب المعارف التي تلقى في ورقة الامتحان ثم تنسى مع أول خطوة خارج أسوار الصف الدراسي ، بل نحرص أشد الحرص على أن تقف حقائق العقيدة موقف المنارة التي يهتدي أبناؤنا بضوئها.
- الترحيب بأسئلتهم مهما كانت: لا نجزع أو نفزع من أي سؤال يوجه لنا فإن السؤال دليل على حركة العقل وسعيه للمعرفة، وعندما يتوجه الطفل لوالديه أو معلميه بالسؤال الذي يقلقه علينا أن نعلمه بأنه يسير في الطريق الصحيح وأن نرحب بهذا السؤال مهما كان مزعجا، وكل محاولة لتسفيه السؤال أو الانتقاص من السائل تدفع به إلى أن يتجه إلى مصادر لا نرضاها له ولا نأتمنها عليه، ونتحمل نحن وزر توجهه لهذه الأماكن ، لأننا لم نتح له أن يسأل ولم نتح لأنفسنا أن نبحث معه عن إجابة مقنعة ترضي نهمه للمعرفة، ومن الممكن ونحن نبحث عن أسئلة أطفالنا أن يطول البحث دون أن نجد الإجابة المقنعة؛ لأننا نبحث بعيدا عن المصدر الصحيح أو لأن الإجابة الموجودة غير واضحة ،فلنواصل البحث ولنروض أنفسنا على الصبر ولنسأل عالما واثنين وثلاثة حتى نصل إلى شاطئ الأمان، وخلال رحلة البحث نوقن أن العلماء ككل الناس يتفاوتون في الفهم والقدرة على الإجابة بشكل يفهم السائل منه فهما واضحا لا لبس فيه.
- اختبار المؤسسات التعليمية: وإننا إذ نؤكد على أهمية التربية على العقيدة الإسلامية ننبه إلى المؤسسات التعليمية التي نستأمنها على عقول أبنائنا وخيالهم وقلوبهم،حين نسلمهم لها صفحات بيضاء ينقشون عليها ما يمليه عليهم ضميرهم وواجبهم كمعلمين ومربين ، نختبر هذه المؤسسات هل تقوم بهذا الدور كما ينبغي؟؟ أم أنها تقوم بما هو ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
آليات ترسيخ العقيدة في قلوب الأطفال
1 – المداومة على الأذكار: أذكار الصباح والمساء والأذكار التي تصاحب حركة المسلم طوال يومه وليلته تربط الطفل بخالقه سبحانه، يكرر الطفل هذه الأذكار في مناسباتها فتمده بأسباب البقاء والقوة وتطرد عنه الوساوس.
2 – إيجاد الأثر السلوكي للعقيدة في حياة الأطفال: لا تتوقف علاقتنا بالعقيدة على المعرفة الباردة فحسب، بل لابد للعقيدة أن يكون لها عمل الموجه في حياتنا وحياة أبنائنا ومن أمثلة ذلك:
- أثر كونه تعالى عليما خبيرا وقوله سبحانه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4] على حياتهم فنحدثهم عن إحاطة علم الله تعالى بما في الوجود من ذرة ومجرة وما نرى وما لا نرى من مخلوقات ، ونؤكد على تأثير هذه المعرفة في سلوك أبنائنا من مثل: إذا وقع أحدهم في ضيق ولم يجد من يمد له يد المساعدة عليه أن يلجأ إلى الله تعالى بصدق ويقين فإنه سبحانه العليم الخبير بما يخرجه من هذا المأزق ، ويتذكر أن الله عزوجل نجى يوسف عليه السلام من الجب وإبراهيم عليه السلام من النيران ويونس عليه السلام من بطن الحوت.
- نؤكد على أن الله تعالى قريب من خلقه ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186] ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16] هذه القرب يحصن أبناءنا من الانهيار النفسي والبدني عندما يلاقون ما لا طاقة لهم به من أزمات فوق مستوى أعمارهم ، وقد يكون الواحد فيهم بلا أب أو أم أو صديق يعينه على الشدائد، استشعار الطفل بقرب الله تعالى منه يجعله يلجأ لربه ويستعين به ويتقوى على مواجهة هذه الشدائد، وهذه الحقيقة الكبرى تحتاج لتدريب عملي متكرر، وأن نقدم نحن النموذج على صدق اللجوء والاستعانة بالله تعالى.
- يساق علم الله تعالى بالخلق ومعيته سبحانه كأحد المحفزات على عمل الخير، سواء كان في السر أو في العلن ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197] يعلمه سبحانه ويجازي به خير الجزاء في الدنيا والآخرة، فإذا قام المجتمع بما يجب عليه من تقدير المحسنين في أعمالهم فله الشكر، وإذا قصر ولم يعر أبنائه البررة أدنى اهتمام فالله تعالى ذو الفضل العظيم.
3- القصص وسيلة ترسيخ الإيمان: نسوق القصص القرآني والنبوي الذي يرسخ المعاني الإيمانية في نفوس أبنائنا ، والقصص محبب للكبار والصغار ومن خلاله تصل المعاني الكبرى بيسر وسهولة ، ونحب أن نؤكد على طريقة سرد القصص وانفعال القاص بمواقف القصة المؤثرة ،وظهور هذا الانفعال في طريقة أدائه ونبرات صوته وملامح وجهه، مما يساهم في نقل المعاني وبقائها في نفس الطفل المتلقي.
4- المواقف الحياتية بوابة للحوار الإيماني: نستفيد من المواقف التي تحدث لنا أو لغيرنا في ترسيخ الإيمان في نفوسنا ونفوس أبنائنا ، فآثار قدرة الله تعالى ورحمته ولطفه بالخلق كثيرة عظيمة تحتاج لعين مبصرة تلتقطها وتوظفها توظيفا صحيحا دون تكلف أو ليّ لعنق الحقيقة ، ويمكن أن ندير نقاشا حول خبر أو مشهد أو قصة أو منشور على صفحات التواصل ندرب أبنائنا من خلال هذا النقاش على الحوار وآدابه وعلى التفكير الصحيح الذي يوصل للحقيقة والانتفاع بها في المستقبل.
5- التأمل في الكون لترسيخ الإيمان: النظر في الكون وما فيه من عجائب تدل على كمال القدرة و العظمة وتثبت في نفوسنا ونفوس أطفالنا أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وأنه سبحانه هو القوي المتين مما يجلب الطمأنينة إلى القلوب القلقة؛ فحاجتنا على أي حال أقل من حاجة هذه المخلوقات الضخمة أو الكائنات الصغيرة التي تبلغ ما لايحصيه البشر من الأعداد. إذا رأينا تدبير الله تعالى لهذه الكائنات وسوقه جل جلاله لأرزاقها، ومع كونها مسخرة لخدمة الإنسان فإن رعاية الله عز وجل تحيط بها ،فكيف بمن كرمه الله عز وجل وفضله على كثير من خلقه تفضيلا ؟؟كيف يقلق ويفزع وربك على كل شيء حفيظ ؟؟.
6– غرس حب الله تعالى في نفوس أبنائنا: من خلال بيان نعمه سبحانه وتعالى علينا ،من مثل نعمة خلق الإنسان في أحسن تقويم ،وتسخير الكون وإرشاد الخلق إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة من خلال ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
7- غرس مهابة الله عز وجل في نفوس أطفالنا وتعظيم أمره والوقوف عند حدوده وعدم تجاوزها.
إن صيانه عقيدة أطفالنا من التلوث إنما هو صيانة لمستقبلهم، وتهيئة لهم لكي يحيوا حياة نفسية مستقرة يتحملون بها صدمات الحياة ،ويقومون بدورهم في عمارة الأرض ونفع الناس والبر بآبائهم وأمهاتهم وفوق ذلك وقبله وبعده تحقيق العبودية لله تعالى ونيل رضوانه سبحانه.