النظام الاقتصادي الإسلامي جزء من أنظمة إسلامية عديدة أخرى؛ يرتبط بها ويتكامل معها، كارتباطه مع أنظمة العقيدة والأخلاق ومع التشريعات الأخرى الموجودة في الإسلام، فلا يمكن تصور نظام اقتصادي إسلامي بعيد عن أنظمة الإسلام الأخرى، لأن الاقتصاد الإسلامي لا يقدر على أداء عمله بشكل كامل ومطلوب في إدارة وإصلاح الجوانب المالية والمادية الأخرى لدى اقتصاديات المجتمعات الإسلامية من دون الأنظمة الإسلامية الأخرى، وكذلك من دون تحسين النفوس وغرس القيم الأخلاقية الشرعية فيها.

فلا يُشبه الاقتصاد الإسلامي الأنظمة الاقتصادية الوضعية، كونه يعتمد على الشريعة الإسلامية في صياغة مبادئه وقوانينه وكافّة القواعد والتشريعات الخاصة به.

الاقتصاد الإسلامي يحقق السعادة للإنسان

الاقتصاد الإسلامي هو النظام الذي يحقُّق السعادة للإنسان، فهو نظام شامل صالح للحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولما كانت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، اقتضت شريعة الله عزَّ وجلَّ وجود نظام اقتصادي متكامل مشتمل على الجوانب: الروحية، والمادية، والوجدانية والنفسية، والعقلية، والإنسانية، والأخلاقية؛ لتسير الحياة على أكمل وجهٍ وبما يتلاءم مع نضوج العقل البشري والتطور الحضاري والاقتصادي عبر العصور المختلفة، ولما كان الهدف من التشريع الإسلامي كمال الأخلاق وتمامها؛ فكذلك جاء النظام الاقتصادي الإسلامي ليحقق نظاماً أخلاقياً متوافقاً ومكملاً معه.

قال رسول الله : [إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ][سنن البيهقي الكبرى – رقم الحديث: 20571] (1)، فالتشريع الإسلامي جاء كاملًا شاملًا لكافة جوانب الحياة، وجاء أيضًا مصححاً وهداية للبشرية، قال رسول الله يوضح ذلك كله في إيجاز: [إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ.] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 3535]، وقال الله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] [سورة المائدة – الآية: 3].

السمات العامة للنظام الاقتصادي الإسلامي

يتصف النظام الاقتصادي الإسلامي بسمات عديدة تميزه عن النظم الاقتصادية الوضعية؛ منها ما يلي (2) :

1-التوازن بين المصلحة الاقتصادية الفردية والجماعية

 إن مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي تحقق مصالح فردية وجماعية متوازنة ومدروسة ومخططة في آن واحد؛ مما تحقق بذلك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي؛ وتبعد الدولة والمجتمع الاسلامي من الأزمات والمعاناة الخانقة والمتكررة التي تعاني منها الانظمة الاقتصادية الوضعية، وانطلاقاً من هذا المبدأ فإن الاقتصاد الإسلامي:

  • لا يذيب الفردية في الجماعية المطلقة على نحو ما تفعله الاشتراكية الوضعية؛ عندما تنكرت للفرد وأهدرت حريته ومصلحته الفردية الاستثمارية؛ وحولت الدولة إلى مالكة لكل شيء، انطلاقاً من فلسفتها الجماعية الوضعية؛ التي ترى أن الأصل هو تدخل الدولة، إلى درجة انفرادها بعناصر الإنتاج، وحرمان الفرد من ثمرة جهده وكدحه.
  • لا يذيب الجماعية في الفردية المطلقة على نحو ما تفعله الرأسمالية الوضعية، عندما عملت على إدخال الحرية الفردية المطلقة في الاقتصاد الوطني، وهدرت المصلحة الجماعية لأجل المصلحة الفردية؛ فوقعت البلدان الرأسمالية بذلك في دوّامات متتالية ودورية عديدة غير منتهية من الأزمات الاقتصادية؛ فتزحزحت الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيها باستمرار.

2-التوازن بين الجانبيْن المادي والروحي

 يوفِّق الاقتصاد الإسلامي بين العنصرين اللذين يتكون منهما الإنسان وهما: المادة والروح ويعطي كلاً منهما ما يستحقه من الرعاية والعناية ، فهو يدعو الإنسان إلى العمل والكسب في الدنيا، كما يدعوه في الوقت نفسه إلى العمل لطلب الآخرة، وهو بذلك يعمل على تحقيق مبدأ: أن الدنيا هي مزرعة الآخرة.

3- غاية الاقتصاد الاسلامي

 إن الغاية التي يريد الاقتصاد الاسلامي تحقيقها هي الوصول الى خَيْرَي الدنيا والآخرة للفرد المسلم؛ وهذا يتأتى بتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية؛ وهو يعتمد على تحقيق الاستقرار والطمأنينة الاقتصادية؛ التي بدورها تعتمد على تحقيق الرخاء والسلامة الاقتصادية؛ وهي على التوازن؛ ثم على ازدياد الدخل القومي؛ وهو على ازدياد: الناتج القومي ثم الناتج المحلي ثم ازدياد العرض الكلي من السلع والخدمات المنتجة في البلد المسلم؛ ثم تحقيق الاستغلال والاستثمار الأمثل للمال الذي يعتبر الأساسي المادي المتين لقيام الأمة حسب قول الله تعالى: [وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا][سورة النساء-الآية:5].

فهنا في هذه الآية من القرآن الكريم وردت كلمة: (أَمْوَالَكُمُ) مقابل كلمة: (قِيَامًا)؛ مما يعني اعتماد تنمية وتطور وقيام الأمة على المال, والمال هو أحد العوامل الخمسة التي تحققه الشريعة الاسلامية وتحفظ عليه للفرد المسلم؛ والتي لخصها الامام الغزالي رحمه الله بقوله: [ إن مقصود الشرع من الخلق خمسة : أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] (3).

وسبب الاهتمام بهذه الضرورات الخمس هو أن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها، بحيث لو انحرفت لم يبق للدنيا وجود من حيث الانسان المكلف، ولا للآخرة من حيث ما وعد بها.. فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى. ولو عدم الإنسان لعدم من يتدين. ولو عدم العقل لارتفع التدبير. ولو عدم النسل لم يمكن البقاء عادة. ولو عدم المال لم يبق عيش (4).

إن الشريعة الإسلامية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة (5).

4- أنواع الملكيات في الاقتصاد الإسلامي

هناك خمسة أنواع من الملكيات في الاقتصاد الإسلامي هي:

  •  أولًا: الملكية المشاعية للمباحات العامة المادية.
  • ثانيًا: الملكية العامة.
  • ثالثًا: الملكية الفردية.
  • رابعًا: الملكية المجموعية.
  • خامسًا: الملكية المختلطة.

وهذا يعني أن الاقتصاد الإسلامي يتضمن خمسة أنواع من القطاعات الاقتصادية نابعة من هذه الملكيات الخمس؛ هي:

  •  أولًا: القطاع المشاعي المادي (أي: قطاع المباحات العامة المادية) النابع من الملكية المشاعية.
  • ثانيًا: القطاع العام النابع من الملكية العامة.
  • ثالثًا: القطاع الخاص النابع من الملكية الخاصة.
  • رابعًا: القطاع المجموعي النابع من الملكية المجموعية. خامسًا: القطاع المختلط النابع من الملكية المختلطة.

5- عدد العناصر الإنتاجية في الاقتصاد الإسلامي

إن عدد العناصر الإنتاجية في الاقتصاد الإسلامي هي خمسة عناصر مختلفة؛ متكاملة ومتناسقة ومتعاضدة فيما بينها ؛ هي: ( الأرض، العمل، الرأسمال، التنظيم، الشورى ) .

6- وجود خمسة أنواع من الرقابة على ممارسة النشاط الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي

يتسم النظام الرقابي في الاقتصاد الإسلامي بوجود خمسة أنواع من الرقابة على العمل والانتاج؛ هي:

  • رقابة الله تعالى.
  •  رقابة رسول الله .

ج- رقابة المسلمين.فهذه الثلاثة الأولى مستمدة من قول الله تعالى: [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ][سورة التوبة-الآية:105].

د- الرقابة الادارية عليه عند العمل والنشاط الاقتصادي، وهذه الرقابة لها أدلة شرعية عديدة تثبتها؛ كأدلة الإخلاص في العمل وعدم: الكذب والتدليس والغش والغرر والربا والاحتكار؛ وعدم أكل أموال الناس بالباطل وغيرها.

هـ- رقابة الفرد المسلم على نفسه وذاته، قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ][سورة المائدة-الآية:105]، وقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ][سورة التحريم-الآية:6].

وهذه الأنواع من الرقابة حوافز قوية لازدياد: الانتاج والانتاجية والناتج القومي والدخل القومي وتحقيق الاستقرار والطمأنينة الاقتصادية ثم الاجتماعية ثم السياسية في البلد المسلم.

أما رقابة النشاط الاقتصادي في ظل النظم الاقتصادية الوضعية فهي موكولة إلى السلطات العامة، التي تمارسها طبقًا للقانون، الأمر الذي يجعلها في النهاية عاجزة عن تحقيق جميع أهدافها، لعدم وجود رقابة أخرى غيرها، وعلامة ذلك هو ما مشاهد في ظل هذه النظم من التهرب من الكثير من الالتزامات والقيود التي تفرض عليهم لمصلحة المجتمع، وذلك كلما غفلت الدولة أو عجزت أجهزتها عن ملاحقتهم.

7- الاقتصاد الإسلامي أخلاقي

النظم الاقتصادية الوضعية استبعدت العنصر الأخلاقي من مؤسساتها، أما النظام الاقتصادي الإسلامي، فهو لا يفصل ابداً بين الاقتصاد والأخلاق، فمثلًا يرفع من مرتبة التاجر الأمين الصدوق ذي الأخلاق العالية إلى درجات عالية جدًا، قال رسول الله : [التاجرُ الصَّدُوقُ الأمينُ : مع النَّبِيِّينَ، والصِّدِّيقِينَ، والشهداءِ، والصالحينَ] [سنن الترمذي-رقم الحديث: 1209]، وهذا الاقتران بين الاقتصاد والأخلاق يولِّد في النفوس البشرية الشعور بالمسؤولية أمام الله تعالى؛ فيعمل المسلم على سلامة ونقاء المعاملات الاقتصادية في مجتمعه الإسلامي.

8- النظام الاقتصادي الإسلامي جزء من نظام الإسلام العام

إذا كانت الأنظمة الاقتصادية الوضعية قد انفصلت تمامًا عن الدِّين والقيم الأخلاقية والإنسانية كونها أنظمة من صنع البشر؛ فإن أهم ما يميز النظام الاقتصاد الإسلامي هو ارتباطه التام بالدِّين الإسلامي عقيدة وشريعة وبالقيم الأخلاقية والإنسانية النابعة من الشريعة الاسلامية، الأمر الذي يجعل من النشاط الاقتصادي أن يكون له طابع تعبدي وهدف سامي؛ وذي رقابة خماسية تضبطه وتنظمه وترتبه؛ على خلاف ونقيض من النشاط الاقتصادي الذي جُعل محرومًا من هذه الصفات السامية في النظم الاقتصادية الوضعية.

فقد أكد الإسلام على كرامة العمل، ورفع من قدره وارتقى به إلى درجة العبادة، طالما اقترن بالنية الصالحة والتزم بالأحكام الشرعية. فالمسلم إذا خلصت نيته وحسن مقصده في نشاطه الاقتصادي عملاً وإنتاجًا واستهلاكًا واستثمارًا؛ فهو في عبادة بمفهومها العام، لأن العبادة في الإسلام لا تقتصر على الشعائر التعبدية المعروفة من الصلاة والصيام وغيرهما فحسب؛ بل تشمل كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.

أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي

يسعى النظام الاقتصادي الإسلامي دوماً إلى تحقيق هذه الأهداف:

  1. مستوى حدّ الكفاية المعيشية المضمونة المجانية لكل فرد المسلم.
  2. الاستثمار أو التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية.
  3. تخفيف التفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل.
  4. تحقيق القوة المادية والدفاعية للأمة الإسلامية.

تعريف النظام الاقتصادي وفق منظور الاقتصاد الإسلامي

هناك تعاريف عديدة لمصطلح النظام الاقتصادي وفق منظور الاقتصاد الإسلامي منها ما يلي:

  • النظام الاقتصادي هو: مجموعة القواعد والآليات والترتيبات المؤسَّساتية التي تصنع وتنفِّذ القرارات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي؛ مثل: قرارات الإنتاج والاستثمار والاستهلاك وتخصيص الموارد الاقتصادية الوفيرة حسب المنظور الاسلامي؛ لإشباع الحاجات المتنامية والمتطورة في البلد الاسلامي على المستويين الجزئي – أي الفردي – والمجتمعي – أي الكلي – لاقتصاد الأمة.
  • النظام الاقتصادي يشمل: البنية العقيدية والقواعد والقيم والاخلاق الاسلامية الضابطة للسلوك الاقتصادي والانساني، إلى جانب المؤسسات والمنظمات والقوانين التي تصدرها الدولة وفق أحكام الشريعة الاسلامية للسير الاقتصادي العام في البلد الاسلامي.
  • النظام الاقتصادي هو: إجمالي المؤسسات والقواعد والأعراف التي تحدد مجموعة من المفردات الاقتصادية، هي:
  1. أهداف النظام الاقتصادي.
  2. الفلسفة الاقتصادية التي تحكمه.
  3. قاعدة الملكية.
  4. آلية عمليات تخصيص وتوجيه الموارد الاقتصادية.
  5. كيفية الانتاج وحوافز النشاط الاقتصادي.

وهذا يعني بيان أولويات الأهداف الاقتصادية للدولة، وهل هناك عدالة في توزيع الدخل والثروة أم لا؟، وهل تحقق معدلات عالية من النمو والتنمية الاقتصادية؟، وكذلك فانها تحدد نوعية الفلسفة الاقتصادية للبلاد التي تحكمه؛ هل هو نظام قائم على تعظيم الفردية المطلقة كالنظام الرأسمالي الوضعي؛ أو هو نظام قائم على تعظيم الجماعية المطلقة كالنظام الاشتراكي الوضعي، أم يعتمد على حالة توازنية فيما بين كل من الفردية والجماعية والمجموعية والمختلطة في آن واحد كـالاقتصاد الاسلامي؟

وكذلك يبين نوع الملكية فيه؟ هل هي الملكية الفردية المطلقة للرأسمالية الوضعية أم الملكية الجماعية المطلقة للاشتراكية الوضعية أم كِلاهما في آن واحد كالرأسمالية الحديثة المختلطة الوضعية؟ أم يعتمد على خمسة أنواع من الملكيات الاقتصادية في آن واحد والمتمثل بـالاقتصاد الاسلامي الذي يعتمد على الملكيات: “المشاعية للمباحات العامة المادية؛ العامة؛ الخاصة؛ المجموعية؛ المختلطة”.

وكيفية تنظيم أو إتمام التخصيص للموارد الاقتصادية الوفيرة؛ هل يتم عن طريق قوى السوق الحرة الرأسمالية الوضعية؟ أم بقرارات إدارية مركزية من قبل الاشتراكية الوضعية؟، أم يتم من خلال قرارات متوازنة ومعتدلة بين كل من الفردية والجماعية والمجموعية والمختلطة حسب مصالح الأمة العليا من قبل الاقتصاد الاسلامي.

ماهية الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد في اللغة: مأخوذ من القصد، وهو استقامة الطريق والعدل، والقصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير. (6)

أما في الاصطلاح: فهو الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته.

فالأحكام الشرعية تمتاز بأن منها الثابت ومنها المتغير. الأحكام الثابتة هي ما كانت بآيات ونصوص قطعية من القرآن والسنة؛ والتي هي على حالة واحدة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال واجتهاد العلماء؛ مثل آية تحليل البيع وتحريم الربا، وهي قول الله تعالى: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا] [سورة البقرة – الآية: 275]، والعديد من الآيات التي تحدد أنصبة الميراث، منها قول الله تعالى: [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ] [سورة النساء – الآية: 11]، وآية تحريم الغش في الكيل والميزان في قول الله تعالى: [وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ… إلخ] [سورة المطففين – الآيات: 1-3]،

وحرمة دم ومال المسلم في قول رسول الله : [إنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ…] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 7078]. إلى غيرها من آيات ونصوص وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وهذه النصوص ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كما أنها تتصف بالعموم، لتُطبَّق على جميع الناس من غير مشقة، فهي حاكمة لتصرفات الناس لا محكومة بهم.

والأحكام المتغيرة هي التي تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس ووفقًا لمصالح الأمة، وهي خاضعة لاجتهاد العلماء؛ ولهم أن يختاروا من الأحكام ما يرونه مناسبًا لمستجدات الحياة وفق مقاصد الشريعة المعتبرة من حفظ: الدين، والعقل، والنفس، والنسل، والمال.

الثبات والتغير في الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي له جانبان: جانب ثابت وآخر متغير (7):

1- الجانب الثابت

هو عبارة عن نصوص قطعية من القرآن والسنة الثابتتان؛ وبعض الأحكام والمبادئ والأسس الثابتة المستخرجة منهما؛ ليلتزم بها المسلمون في كل زمان ومكان بغض النظر عن درجة التطور الاقتصادي للمجتمع، فقد وضع الإسلام الأسس الكفيلة لقيام نظام اقتصادي غير قائم على الربا، يُحقِّق مصلحة الناس في الحياة الدنيا، ويعين على نجاتهم في الدار الآخرة، فالنظام الاقتصادي الإسلامي يعمل في ظل سوق حرة منضبطة بالأحكام الشرعية؛ نظيفة خالية من الغرر والجهالة والمنابذة والمقامرة والغش والتدليس والاحتكار والاستغلال، وكل صور المعاملات التي تؤدي إلي أكل أموال الناس بالباطل، كما يقوم على منظومة من القيم والمُثل والأخلاق، مثل: الأمانة، والشفافية، والتيسير، والتكامل، والتعاون، والتضامن، وغير ذلك من المقومات المشروعة التي تحقق الحياة السعيدة للفرد المسلم.

فهذه مبادئ ثابتة غير قابلة للتغير، ويخضع لها المسلمون في كل زمان ومكان وحال، والأمثلة عليها كثيرة، كقول رسول الله : [ألا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهليَّةِ مَوضوعٌ، لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ] [سنن الترمذي – رقم الحديث: 3087].

وقوله : [الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا – أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2079]، وكذلك: [أنَّ النبيَّ نَهى عن تلقِّي الجلبِ، فإن تلقَّاهُ متلقٍّ مشترٍ فاشتراهُ، فصاحبُ السِّلعةِ بالخيارِ إذا وردتِ السوقَ] [سنن أبي داود – رقم الحديث: 3437]؛ ففي هذا الحديث ينهى النبي “عن تلقي الجلب”، أي: السلع التي تُجلب من بلد إلى بلد آخر، فينزل البائع بسلعته، فيتلقاه تاجر من أهل البلد، فيشتري منه ما معه قبل أن ينزل البائع سوق البلدة؛ وهذا النهي لسببين؛ الأول: أنه ربما يظلم البائع، فيشتري منه بأرخص من سعر السوق، فيُغرر به، والثاني: أنه ربما اشترى السلع منه بأمواله الكثيرة، فحجزها ومنع عامة أهل البلد من شرائها؛ كالفقراء والضُعفاء، ففيه ظلم للبائع، أو ظلم لفقراء البلد؛ فإذا تم هذا البيع، ثم نزل البائع السوق، فله الخيار في إمضاء عقد البيع أو فسخه. (8)

وكذلك: [نَهَى النبيُّ عن النجش] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2142]

والنجش هو: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها؛ بل ليخدع غيره ويُغره ليزيد في ثمنها ويشتريها. وعلة النهي عن النجش لما فيه من الغش والتغرير بالناس وخداعهم.(9)

وكذلك: [نَهَى رسولُ اللهِ عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر] [صحيح مسلم – رقم الحديث: 1513]

ففي هذا الحديث: أن النبي نهى عن بيع الحصاة، وهو أحد بيوع أهل الجاهلية التي كانوا يعقدونها بينهم؛ فكان المتبايعان إذا رمى أحدهما من يده حصاة، كان ذلك علامة لتمام البيع.

وفيه ثلاث صور:

  1.  أن يقول البائع للمشتري: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة.
  2. أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا، فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة، فهو مبيع منك بكذا.
  3. أن يقول: بعتك على أن لك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة.

وقيل: المراد به أن يقال: ارمِ بالحصاة، فما خرج كان لي بعدده دنانير أو دراهم. وهذا كله من صور البيع الفاسد، الذي يتحقق فيه ظلم لأحد المتبايعين.

ونهى رسول الله أيضًا عن بيع الغرر، ومعنى الغرر: الخطر، والغرور، والخداع، وهذا تعميم بعد تخصيص، فهو شامل لكل بيع اشتمل على أي نوع من أنواع الخداع، أو كان مجهولًا، أو معجوزًا عنه.

ومن حكم النهي عنه: أن ذلك من إضاعة المال؛ إذ قد لا يحصل المبيع، فيكون بذل ماله باطلًا.

وفي الحديث: النهي عن التغرير والخداع في البيع. وفيه: التحذير من أكل أموال الناس بالباطل.

وفيه: إشارة إلى أن التبايع لا بد أن يكون في شيء معلوم، وثمن معلوم. (10)

2- الجانب المتغير

هو عبارة عن الأساليب والطرق التي يستخدمها فقهاء المسلمين وعلماء الاقتصاد الإسلامي لتطبيق الأصول الاقتصادية على أرض الواقع في المجتمع الإسلامي؛ ويعني تحويل النصوص الشرعية والمبادئ والأحكام من واقع منظوري عقدي إلى حقائق عملية مطبقة على أرض الواقع في اقتصاد البلد الاسلامي؛ ومن خلالها بيان العمليات الاقتصادية المحللة والمحرمة شرعًا؛ وذلك بنبذ وتجنيب الفعاليات الاقتصادية التي حرمتها الشريعة الاسلامية كالربا والاحتكار والخمر والميتة، وكل عملية أخرى تبدأ أو تنتهي بأكل أموال الناس بالباطل، والولوج العملي الى داخل الفعاليات الاقتصادية التي حللتها الشريعة الاسلامية من: إنتاج، واستثمار، واستهلاك، وادخار، وتوزيع، وتجارة، وغيرها.

الخلاصة: إن القرآن والسنة يتضمنان الأسس والمبادئ التي يمكن أن نطلق عليها المذهب الاقتصادي الإسلامي. فجوهر هذه الأسس ثابت لا يتغير، أما اشتقاق نظام اقتصادي مؤسساتي على ضوء هذا المذهب، وبناء اقتصاد إسلامي عملي على أساسها؛ اعتمادًا على آراء وتصورات واجتهادات المجتهدين من فقهاء المسلمين وعلماء الاقتصاد الإسلامي؛ فهو الجانب المتغير من الاقتصاد الإسلامي، فيتمتع هذا الاشتقاق بمرونة تجعله يتفق مع الظروف والأوضاع والأحوال المختلفة التي يمر بها البلد الإسلامي.

مستقبل الاقتصاد الإسلامي

إن المستقبل للاقتصاد الإسلامي؛ لأن المستقبل لهذا الدين بكل ما يحتويه من أسس ومبادئ، والذي أخبر بذلك هو رسول الله ؛ الصادق المصدوق؛ الذي لا ينطق عن الهوى، قال رسول الله : [إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها] [صحيح مسلم – رقم الحديث: 2889]؛ في هذا الحديث يُخبر النبي عن بعض ما أنعم الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أمته، وعن سعة انتشارها في الأرض؛ فيقول: «إن الله زوى لي الأرض»، أي: قبضها وجمعها مرة واحدة أمامي، فرأيت مشارقها ومغاربها وجميع أقطارها ونواحيها، حتى أبصر النبي ما تملكه أمته من أقصى المشارق والمغارب منها، «وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي» من الأرض، ثم هي تُفتح لأمتي جزءًا فجزءًا حتى يصل ملك أمتي ما زوي له منها. (11)

وقال رسول الله :[لَيَبْلُغَنَّ ‌هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ] [مسند الإمام أحمد – رقم الحديث: 16957]؛

وشرح الحديث: [يُخبِر رسولُ الله أنَّ هذا الدين سوف يعمُّ جميع أجزاء الأرض، فأيّ مكان وصله الليل والنهار سيصله هذا الدين، ولن يترك الله تعالى بيتًا في المدن والقرى، ولا في البوادي والصحراء إلا أدخل عليه هذا الدين، فمَن قَبِلَ هذا الدين وآمن به فإنه يكون عزيزًا بعزة الإسلام، ومن رفضه وكفر به فإنه يكون ذليلًا مهانًا]. (12)

أنواع الأنظمة الاقتصادية في الاقتصاد العالمي المعاصر

هناك نوعين من الأنظمة الاقتصادية في العالم المعاصر، هما:

  1. النظام الاقتصادي الاسلامي.
  2. النظام الاقتصادي الوضعي.

وهما كالتالي:

1- النظام الاقتصادي الاسلامي:

الاقتصاد الاسلامي نظام قائم على المصالح الفرية والجماعية والمجموعية والمختلطة؛ وعدم طغيان أحدها على الآخر؛ وآليته السوقية هي السوق الحرة المنضبطة تعاملاً؛ ومُراقَبًا من قبل الدولة؛ الممثلة بنظام الحسبة، وحوافزه للولوج الى النشاطات الاقتصادية هي الربحية الفرية والجماعية والمجموعية والمختلطة، من دون سحقٍ أو محوٍ أو التضحية المطلقة بأحدها لأجل الآخر.

وقاعدته في الملكية هي أربعة أنواع من الملكيات الأصلية فيه، هي:

  • الملكية المشاعية للمباحات العامة المادية
  • الملكية العامة
  • الملكية الخاصة
  • الملكية المجموعية

وملكية حادثة غير أصلية وغير متناقضة مع نصوص القرآن والسنة؛ استوعبها الاقتصاد الاسلامي من الاقتصاديات العالمية المعاصرة، هي الملكية المختلطة؛ معتمدًا في ظهورها على قول الله تعالى: [الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ] [سورة الزمر – الآية: 15].

2- النظام الاقتصادي الوضعي:

ويشمل هذا الاقتصاد كلاً من:

  • الاقتصاد الرأسمالي الوضعي
  • الاقتصاد الاشتراكي الوضعي

فالرأسمالية الوضعية قائمة على الحرية والفردية المطلقتين، وقاعدتها في الملكية هي الملكية الفردية الطاغية، وآليتها السوقية هي آلية السوق الحرة المتمثلة بنظام أو جهاز الاسعار، وحوافزها للولوج الى النشاطات الاقتصادية هي الربحية المادية الفردية البحتة.

وعلى النقيض من ذلك؛ فإن الاشتراكية الوضعية قائمة على المركزية والجماعية المطلقة، وقاعدتها في الملكية هي الملكية العامة أو الاجتماعية الطاغية، وآليتها السوقية هي السوق المسيَّرة من قبل الدولة، من خلال جهاز الاسعار المركزي، وحوافزها للولوج الى النشاطات الاقتصادية هي الربح العام البحت، وسحق الربحية الفردية.

مفردات تأسيس النظام الاقتصاد الإسلامي

يتطلب تأسيس النظام الإقتصادي الإسلامي تحقيق مفردات اقتصادية عديدة (13)؛ منها ما يلي:

  1. تحقيق الكفاية المعيشية لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي: من أولى أساسيات إنشاء النظام الاقتصادي الإسلامي هي توفير الكفاية المعيشية لكل فرد من افراد الأمة؛ من خلال بناء نظام اقتصادي تكافلي قائم على التعاون والتعاضد على أساس البرِّ والتقوى.
  2. إقامة سوق إسلامية منضبطة خالية من الإحتكار والربا والظلم: يعتبر السوق المنضبط الخالي من الربا والاحتكار وغيرها من المعاملات المحرمة الشرط المهم الآخر لتأسيس النظام الإقتصادي الإسلامي، وهذا النوع من السوق قد ظهرت منذ العصر الاسلامي الأول، وذلك عندما قام النبي في أيامه الأولى من هجرته من المكة المشرفة إلى المدينة المنورة بتأسيس سوق إسلامي خالٍ من الخراج والظلم والغش والاحتكار والربا، فقام بتحديد مكان خاص للسوق قريبًا من المسجد النبوي، ووضع قواعده وضوابطه الشرعية، وأولى عناية خاصة به، فقال رسول الله : [هذا سوقُكم، فلا ينتقصنَّ، ولا يضربنَّ عليه خراجٌ] [سنن ابن ماجه – الحديث: 2233]، فكان يتفقَّدها بعد صلاة الفجر في مسجده، ويحذِّر من الغش في صفقاتها، ويختبر جودة السلع بنفسه، بل قد عيَّن أماكن لتجارة بعض أصناف السلع من الحبوب ومنتجات الألبان والملابس والجلود…إلخ، فازدهرت هذه السوق، ووجد فيها بعض الصحابة المهاجرين كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهم “رضي الله عنهم أجمعين” فرصةً عظيمةً للتجارة، فربحوا وحقَّقوا ثروةً استغنوا بها عن العيش في ظل نظام المؤاخاة بين الأوس والخزرج وبين المهاجرين والأنصار، وأصبح سوق المدينة المنوَّرة في تلك الفترة من أبرز الأسواق الاقتصادية في الجزيرة العربية.
  3. إنشاء مؤسسات اقتصادية ومالية لجميع القطاعات في الاقتصاد الاسلامي (العام والخاص والمجموعي والمختلط)؛ وخاصة منها القطاع العام والقطاع الخاص، وتشمل جميع المؤسسات الإدارية الحكومية وغير الحكومية التي تقوم بإدارة الشؤون المالية في البلد الاسلامي، ومن أهم المؤسسات الخيرية الحكومية والخاصة في الاقتصاد الاسلامي هي مؤسسات: الصدقات، التكافل، التعاون، التعاضد، الدعم الاقتصادي المجاني والفوري والطوارئ والمهني: العقاري والصناعي والزراعي والحرفي، النشاطات الخيرية التي تظهر أو تحددها العنصر الخامس من العناصر الإنتاجية في الاقتصاد الاسلامي؛ وهي عنصر الشورى (علماً بأن العناصر الإنتاجية في الاقتصاد الاسلامي خمسة هي: الأرض، العمل، الرأسمال، التنظيم، الشورى).

مؤسسات الصدقات والأعمال الخيرية

الصدقات من أحبّ وأفضل الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، وهي تُطلق على جميع أنواع فعل المعروف والإحسان، فإنفاق المال ابتغاء وجه الله تعالى صدقة، والإحسان إلى الناس صدقة، وقول المعروف صدقة، وعبادة الله تعالى وذكره صدقة، والبدء بالسلام ورده صدقة، وطيب الكلام مع الناس صدقة، وعزل الحَجَر عن الطريق أو الشوكة أو العظم أو ما أشبه ذلك صدقة، وعيادة المريض، وتشميت العاطس، واتباع الجنائز، وقضاء حاجة المسلمين كل ذلك صدقة.

قال رسول الله : [كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ… ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2989].

في هذا الحديث: [يذكر النبي أنه على كل سلامى من الناس صدقة، في كل يوم تطلع عليه الشمس، والسلامى: هي المفاصل، فكل مفصل من مفاصل الإنسان عليه صدقة لله تعالى، من فعل الطاعة والخير كل يوم، وهذه الصدقة تكون بتحركها في الطاعة، واشتغالها بالعبادة، فتركيب هذه العظام ومفاصلها من أعظم نعم الله تعالى على عبده، فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق بها ابن آدم عنه؛ ليكون ذلك شكرا لهذه النعمة، والمراد صدقة ندب وترغيب، لا إيجاب وإلزام؛ فإنه يكفي في شكر هذه النعم أن يأتي بالواجبات، ويجتنب المحرمات]. (14)

وقال رسول الله : [عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ. قالوا: فإنْ لَمْ  يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ -أوْ قالَ: بالمَعروفِ- قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّه له صَدَقَةٌ…] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 6022]

وقال : [ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ.] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2320] ومن أفضل أنواع الصدقات: الصدقات المالية (15), فالتصدق بالمال من أوضح الدلالات وأصدق العلامات على صدق الإيمان ، فالصدقة بالمال برهان على صدق الإيمان وقوته.

قال النبي : [الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها] [صحيح مسلم-رقم الحديث:223]، فمن ينفق ماله في سبيل الله كان ذلك برهانا على صدق إيمانه، وصحة يقينه بأنّه سبحانه هو الرزاق، فالعبد المؤمن يعرف أنّه مستخلَفٌ في هذا المال، وعليه أن يعطي الفقراء والمساكين منه، فرسول الله صلى عليه وسلم قد حثَّ على الصدقة، ورَغَّب فيها جميع المسلمين حتى النساء,  فقال عليه الصلاة والسلام: [أيُّها النَّاسُ، تَصَدَّقُوا، فَمَرَّ علَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ][ صحيح البخاري-رقم الحديث: 1462].

والزكاة المفروضة وكذا صدقة التطوع، كلاهما باب عظيم من أبواب النجاة في الدنيا والآخرة، فإذا كثرت مساوي العبد وآثامه، فليطهر نفسه بالصدقات راجيا مِن اللهِ عزَّ وجلَّ الخيرَ والبركة، وقد كان النبي يحث كثيرا على الصدقة ويبين فضلها، ومن أحق الناس بها, وقال رسول الله : [تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ: ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ][صحيح مسلم-رقم الحديث: 1017], ففي هذا الحديث حثَّ النبي على: [ الصدقة، وقال: «تصدق رجل» خبر بمعنى الأمر، أي: ليتصدق رجل حسب استطاعته «من ديناره» الذهبي أو «من درهمه» الفضي أو «من ثوبه» أو «من صاع بُرِّهِ » وهو القمح، أو «من صاع تمره»، وهذا من التصدق بالطعام، والصاع نوع من المكاييل التي كانت تستخدم في عهد رسول الله ، لا يراد به هنا حقيقته، بل حث لهم على ما يمكن التصدق به، «حتى قال: ولو بشق تمرة»، أي: نصف تمرة.] (16) .

والصدقة المالية نوعان: أولا: صدقة النافلة أو صدقة التطوُّع: وهي الصَّدقةُ التي ليسَتْ بواجبةٍ، وإنَّما يتطوَّعُ بها الإنسانُ، بأنْ يَبذُلَها لوجهِ اللهِ تعالى ، ولا يدخل في ذلك الأموال المخصصة للزكاة. ثانياً: الصدقة المفروضة: وهي الزكاة الواجبة المفروضة في المال.

وأفضل الصدقات: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة، والصدقةُ في حال الصحة والقوة, فقد: [جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقالَ: أَما وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ البَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كانَ لِفُلَانٍ][صحيح مسلم-رقم الحديث:1032], فبيَّن لنا النبي أن أفضل الصدقة أن تتصدق حال حياتك وصحتك، مع احتياجك إلى المال واختصاصك به، لا في حال سقمك وسياق موتك؛ لأن المال حينئذ خرج عنك وتعلق بغيرك. وأيضا من أفضل الصدقات: الإنفاق على الأولاد والصدقة على القريب، قال رسول الله : [ الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ ][سنن الترمذي-رقم الحديث: 658].

ونظراً للأهمية الكبيرة للصدقات بنوعيه الواجبة والتطوعية وللنشاطات الخيرية بشكل عام ؛ فانه يتوجب فتح مؤسسات متخصصة بالصدقات والأعمال الخيرية في البلدان الاسلامية؛ لأجل التفعيل العلمي والعملي للفعّاليات والنشاطات التكافلية والتعاونية وللتوزيع الأمثل لإيراداتها النقدية والعينية ؛ ففي هذه المؤسسات يكون هناك إدارات خاصة بجمع الصدقات الواجبة والتطوعية والمساعدات والأموال كل واحدة منها على حدة؛ من المواطنين والخيِّرين داخل البلد وخارج البلد ؛ ثم توزيعها على المستحقين شرعاً بشكل كفوء وعلمي, مما يؤدي إلى إيصال الواردات الزكوية والخيرية الأخرى بشكل أمثل إلى المواطنين الفقراء والمساكين والمعوزين, فيكون لهذه المؤسسات الدور الكبير في إشاعة الأمن والاستقرار والسلام في البلدان الاسلامية.

 ملكيات ثم قطاعات اقتصادية متنوعة في الاقتصاد الإسلامي

هناك خمسة أنواع من الملكيات في الاقتصاد الاسلامي المعاصر هي:

  • الملكية المشاعية للمباحات العامة المادية.
  • الملكية العامة.
  • الملكية الخاصة.
  • الملكية المجموعية.
  • الملكية المختلطة.

مما يعني وجود خمسة أنواع من القطاعات في الاقتصاد الاسلامي هي قطاعات: المباحات العامة المادية، العامة، الخاصة، المجموعية، المختلطة.(17)

إن التملك والاستئثار بالشيء والرغبة في الاستحواذ عليه أمر فطري جبل الله تعالى النفس الإنسانية على حبه والسعي إلى تحقيقه، ومما يدل على ذلك القرآن والسنة.

ولأجل ذلك جاءت الشريعة الإسلامية بإقرار التملك الفردي للإنسان وحقه في التصرف ما دام أنه في الإطار الشرعي، رعايةً لمصالحه واستجابةً للغريزة التي أودعها الله تعالى فيه.

وهذا الموقف الإسلامي المميز يخالف موقف الرأسمالية الوضعية التي تعتبر الملكية الخاصة هي الأصل وما عداها استثناء، ويخالف كذلك الاشتراكية الوضعية التي تعتبر الملكية العامة هي الأصل وما عداها استثناء، ولا تعترف بالملكية الخاصة إلانتاجية الربحية.

توفير العمل والإنتاج الضروريان للنظام الاقتصادي الإسلامي

يُعدّ الإنتاج هو المحرك الأول لمستويات النشاط الاقتصادي، والمسؤول عن توفير السلع والخدمات التي تحتاج إليها المجتمعات الاسلامية.(18)

والإنتاج في الاقتصاد الاسلامي هو: خلق المنفعة المشروعة أو ازديادها. فهنا القصد من كلمة “الخلق” (19) هو تحويل المواد الخامة الى السلع والخدمات؛ وجعلها قادرة على إشباع الحاجات الاقتصادية والانسانية المشروعة.

فالجهد الإنساني في العمليات الإنتاجية ينصرف إلى تحويل أشكال أو صور المواد الخامة أو السلع النصف المصنعة إلى أشكال أو صور أخرى؛ ذي منافع اقتصادية مشروعة وحلالة؛ قادرة على إشباع حاجات اقتصادية وإنسانية معينة حلالة للفرد والمجتمع المسلم.

ضرورة الإنتاج في الإسلام

إن الإنتاج ضروري وهام لقيام نظام اقتصادي إسلامي مستقر للمجتمع؛ ولحياة الإنسان، حيث أن اللَّه عزَّ وجلَّ خلق الموارد للإنسان في صورة يلزم معها صنعة الإنسان فيها حتى تصبح صالحة لإشباع حاجاته، وممّا يميز الاقتصاد الإسلامي في هذا المجال هو الارتقاء بالإنتاج وأهميته إلى درجة الوجوب الشرعي، بما له من إلزام ومسئولية أمام اللَّه تعالى، يدلّ على ذلك ما يلي:

    أمر اللَّه عباده بإعمار الأرض: قال الله تعالى: [هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا] [سورة هود – الآية: 61]. [أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.] (20)

    قول رسول الله : [ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2072]؛ وهذا ما يحث على العمل والإنتاج حتى يقوم به الإنسان بإشباع حاجاته، والإسلام يرتقي بالعمل إلى درجة العبادة؛ لأنه بالعمل المنتج يستعين الإنسان على أداء باقي العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها.

    بل ان رسول الله ، في الحث على العمل والإنتاج، يقول: [ما كسبَ الرَّجلُ كَسبًا أطيبَ من عملِ يدِه، وما أنفقَ الرَّجلُ على نفسِه وأهلِه وولدِه وخادِمِه، فهو صدَقةٌ] [سنن ابن ماجه – رقم الحديث: 2138]، وهذا ما يحث على العمل والإنتاج لابتغاء الرزق والثواب من الله تعالى، وينفر من البطالة حتى ولو كان لدى الإنسان ما يكفيه.

إن لكل إنسان حقٌّ في أن يشبع حاجاته لكي يعيش؛ ولكن في مقابل هذا الحق يجب عليه أن يعمل ويدخل الى النشاطات الاقتصادية، ثم يحصل على المدخولات الضرورية لحياته ومن يعول؛ قال رسول الله : [لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 2374]؛

فأشار رسول الله على السائل بأن يحتطب، وهو الانتاج، ليأكل من عمل يده؛وقال رسول الله :[خير الكسب، كسب يد العامل إذا نصح] [المسند – أحمد بن حنبل، ٢/٣٣٤].

الإنتاج واجب وعبادة في منظور الاقتصاد الإسلامي

  1. الإنتاج واجب ديني وعبادة: أما كونه واجبًا دينيًا فيُستفاد من قول الله تعالى: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا] [سورة هود – الآية: 61] واستعمركم: أي طلب منكم عمارتها. قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، فـالآية تؤكد وجوب عمارة الأرض] (21)، وبالتالي يكون الإنتاج واجبًا دينيًا، لأن به عمارة الأرض التي فسرها العلماء بالبناء والزراعة والغرس واستخراج ما في باطنها، وكل ما يؤدي إلى الانتفاع بخيراتها من رزق الله عز وجل، ويصل الأمر إلى اعتبار الإنتاج فرض كفاية على مجموع الأمة وفرض عين على المتخصصين. (22)
  2. التخطيط الاقتصادي لتوزيع المشروعات على قطاعات الإنتاج المختلفة: الاقتصاد الإسلامي وإن كان يقوم على الحرية الاقتصادية، إلا أنها حرية منضبطة غير مطلقة؛ وتؤدي الى تحقيق كل من المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي، والمصلحة الفردية لصاحب المال بشكل متوازن بينهما.وبالتالي على الحكومة واجب تشجيع المستثمرين على التوجه إلى القطاعات التي تحتاجها الأمة، من خلال منح الحوافز لمن يتوجه إلى القطاعات المطلوبة لتحقق مصالح الخلق بشكل عام، بحيث لا يتركز الإنتاج في قطاع واحد وتهمل بقية القطاعات.
  3. عند اختيار المُنتِج للمشروع الذي يستثمر أمواله فيه يجب مراعاة ما يلي:
  • المشروعية: بأن يكون الإنتاج الذي أُنشئ المشروع لأجله حلالاً ومقبولاً شرعاً؛ وليس حراماً أو يدخل في مكوناته خامات محرّمة.
  • أن تتم دراسة الجدوى للمشروع للتعرف على مدى منفعته لصاحب المشروع وللمجتمع، وخيرية المشروعات تتمثل في تحقيق ربح مناسب لصاحبه وسدّ حاجات الناس، والحذر الشرعي في هذه الدراسات هو وجوب عدم مقارنة نتائجها بمعدلات أسعار الفوائد الربوية لدى البنوك الربوية التقليدية؛ كما هو موجود في البلدان أو الاقتصاديات الوضعية، ويجب أن تُقارن بعوامل ونتائج مالية إسلامية حلالة شرعاً، أو بمعدلات الأرباح لدى البنوك الإسلامية؛ أو بأي عامل أخر يحدده عنصر الشورى -وهو العنصر الخامس من العناصر الإنتاجية في الاقتصاد الإسلامي المتكون من: أرض، عمل، رأسمال، تنظيم، شورى-.
  • مراعاة الترتيب الشرعي للأولويات التي تبدأ بتوجيه موارد المجتمع نحو إشباع: الضروريات، ثم الحاجيات، ثم التحسينات أو الكماليات. فقد حصر علماء الأصول مقاصد التشريع في ثلاثة مقاصد: [الضروريَّات، والحاجيَّات، والتحسينيات] (23)، وهذا يحقق الخير للمجتمع ولصاحب المشروع، لزيادة الطلب على الضروريات أولاً، ثم الحاجيات ثانياً، ثم التحسينيات ثالثاً، فلا يُراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلالٌ بحاجي، ولا يُراعى حاجي ولا تحسيني إذا كان في مراعاة أحدهما إخلالٌ بضروري. (24)

إحاطة الإنتاج بضوابط أخلاقية في الإسلام

يضبط الاقتصاد الإسلامي الإنتاج والعمليات الإنتاجية بأحكام شرعية وقيم وأخلاقيات (25)، تضمن سلامة الإنتاج وارتقاءه بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع الإسلامي في آنٍ واحد، ولم يتركها لهوى المنتجين وأمزجتهم وأهوائهم وأطماعهم؛ لأن هذا مناقض لأهداف الاقتصاد الإسلامي.

والضوابط والقيم الأخلاقية الإسلامية التي تضبط الإنتاج والعمليات الإنتاجية كثيرة ومتنوعة، تستهدف أولاً وأخيراً توظيف الموارد والثروات الطبيعية لمصلحة المجتمع؛ والالتزام بخُلُق الأمانة في الإنتاج الزراعي والصناعي الذي يقوم به البنيان الاقتصادي لأي مجتمع.

الإنتاج والإتقان في الاقتصاد الإسلامي

يحث الاقتصاد الإسلامي على تنوع الإنتاج، وألزم المنتج بمستويات عالية من النوعية والجودة، ويحفّز على العمل والإنتاج؛ حتى لو لم يُحقق الإنتاج ما يهدف إليه المنتج من أرباح فردية في بعض الأحيان؛ وذلك لأجل تفضيل الربحية الاجتماعية على الربحية الفردية، كما يحث المنتج على تطوير أساليبه وأدواته الإنتاجية؛ وكل هذا يعني زرع قيم الأمانة والثقة والطمأنينة في الإنتاج والعمليات الإنتاجية.

المنتج المسلم الملتزم بقيم وأخلاقيات دينه يعمل بإخلاص وينتج بكفاءة ويتقن عمله؛ ويحرص على زيادة الإنتاج وتحسينه لشعوره العميق واعتقاده الجازم بأن الله تعالى يراقبه في عمله، ويراه في مزرعته ومصنعه ومكان عمله، ويدرك قول الله تعالى: [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] [سورة التوبة – الآية: 105]،

وقول رسول الله : [إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ][سنن أبي داود – رقم الحديث: 2815]،

وقوله عليه الصلاة والسلام: [إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ][المعجم الأوسط للطبراني – رقم الحديث: 897]،وقوله : [يُحب الله العامل إذا عمل أن يُحسن][أخرجه الطبراني (19/199، رقم 448)].

الإنسان المسلم شخصيته إيجابية، مقبلة على الحياة، متفاعلة معها، وبما أن الإنسان المسلم مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادةً لله تعالى، وإعمارًا للأرض، واستفادةً مما فيها من ثروات وخيرات، فلن يصل إليها إلا بالعمل والعمل الجاد؛ لذلك كانت مطالبة الرسول أن يتقن الإنسان عمله وأن يُحسن فيه.

فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تُحدث التغيير في سلوكه ونشاطه؛ فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أو آخرة.

والمنتج المسلم الصادق ملتزم بالأحكام الشرعية من ناحيتي الحلال والحرام، فلا يُنتج محرّماً ولا يغش في إنتاج سلعة أو يُخادع أو يُغالي في تقديم خدمة، فإنتاجه كله في دائرة الحلال؛ وهو لا يستخدم في إنتاجه أي وسيلة ضارة بمجتمعه أو بالبيئة التي يعيش فيها، كما يحافظ على الموارد من التلف والهدر والتبذير والترف به؛ ويعمل على إحياء الموات من الأراضي الزراعية والاستغلال الأمثل للأراضي الصالحة للزراعة؛ لتحقيق الازدياد في الإنتاج كماً ونوعاً وازدياد الناتج المحلي الإجمالي من المنتجات الزراعية، ثم من جميع المنتجات؛ ليكون للإنتاج الوطني قاعدة متوازنة وشاملة ومعتمدة على جميع القطاعات الاقتصادية في البلد الإسلامي.

الإتقان ثم الإحسان ثم الجودة

    الإتقان: هو الإتيان بالعمل على أكمل وجه، وبدون قصورٍ فيه، محتسباً بذلك الأجر والثواب من الله تعالى، والذي يؤدي إلى الطواعية في قيام الأعمال، وخاصة داخل المنظمات الخيرية والتطوعية.

    أما الإحسان: فهو إتقان العمل ليصبح على أكمل وجه، وفي الإسلام العبادة هي لله وحده؛ فيجب على المسلم أن يؤدي عبادته كأنه يرى الله أو كأن الله يراه. وإن كان العمل خاصاً بالناس وجب تأديته على أكمل وجه وكأن صاحب العمل موجود يتابعه، وهذا ينطبق مع مفهوم التحسين المستمر للأداء في إدارة أية عملية اقتصادية أو اجتماعية.

    أما الجودة فهي: إتقان وإحسان العمل، والإحسان هو أعلى مراتب الدين الإسلامي وأكبر منازله.(26)

والإتقان هو إجادة العمل والإتيان به على أكمل وجه بدون قصور فيه، قال الله تعالى:[صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ] [سورة النمل – الآية: 88].

والإسلام عندما يُكلّف أتباعه بالإتقان في كل عمل يقومون به، يجعل ذلك بقدر استطاعتهم، قال الله تعالى:[لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا] [سورة البقرة – الآية: 286]، وقوله تعالى: [فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ…] [سورة التغابن – الآية: 16]. فكلمة “استطعتم” تقوّي مفهوم الإتقان في كل فعالية اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها.

الإحسان يشمل جميع المجالات دون استثناء، فالإحسان يتطلب من المسلم الإحسان في كل قول وعمل وتقرير يقوم به، والإتيان به على أحسن وجه ممكن، قال الله تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا…][سورة الملك – الآية: 2]،وقال أيضًا:[إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ…] [سورة النحل – الآية: 90].

وبتأمل الآية، يتبين أن ورود لفظ “عمل” كنكرة يفيد العموم لأي عمل صالح، وهذا يتفق مع مفهوم التحسين المستمر لجميع النشاطات الاقتصادية.

الجودة في المنظور الإسلامي موضوع حيوي جداً؛ حيث نجد أن الإسلام يحث على إتقان العمل والإحسان فيه وتجويده، (27).

والجودة تضم ثلاثة جوانب أساسية:

  •  جودة التصميم: تحديد المواصفات والخصائص التي ينبغي أن تُراعى في التخطيط للعمل.
  • جودة الأداء: القيام بالأعمال وفق المعايير المحددة.
  • جودة المُخرج: الحصول على منتجات سلعية وخدمية وفق الخصائص والمواصفات المُخططة.(28)

 مفهوم الجودة في الإسلام

الجودة هي الإجادة والإتقان والإحسان، والإسلام قد اهتمّ بها في كافة ميادين (29) ومجالات الحياة المختلفة، فمع أن مفهوم الجودة حديثاً قد انصرف إلى مجالات الإدارة والاقتصاد والزراعة وكل ما يتعلّق بالجوانب الإداريَّة والتنظيميَّة، إلاّ أن الجودة في الإسلام أشمل من هذا التصور الضيق؛ وشاملة لكل الجوانب الحياتية المختلفة؛ ولا يقف عند جانب دون آخر، ومن ثم هناك آثار للالتزام بالجودة المطلوبة في واقع الحياة.

ومن آثار الجودة على كل من الفرد والمجتمع تحقيق ما يلي:

  1. طمأنينة الفرد وسعادته.
  2. نيل محبّة الله عزَّ وجلَّ.
  3. نيل محبة الناس.
  4. تماسك المجتمع الإسلامي وازدهاره ورقيه في شتى مجالات الحياة.
  5. ريادة الأمّة وعلوِّ شأنها، ورهبتها بين الأمم.
  6. تشجيع القيم الإيجابيَّة وفضح القيم والمواقف السلبيَّة.
  7. ثقة الفرد المسلم بنفسه وبمجتمعه وأمته.
  8. ثقة الأمّة بأبنائها، وتحقيق كفايتها بهم.
  9. الاستقرار الداخلي، وطيب العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

حوار فكري: أيهما الأول، الإتقان أم الإحسان؟

هناك حوار فكري حول أيهما الأول، الإتقان أم الإحسان؛ فمنهم من يقول إن الإتقان هو الأول، ومنهم من يقول إن الإتقان هو الثاني.

أما الرأي الوسط فيرى بأن الإتقان مفهوم يتضمن إحكام الشيء وإحسانه وأداء العمل بمهارة، ويشير إلى أن “هناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان؛ غير أن الإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان، فيما الإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم وتتعلق بضميره وتُترجم إلى مهارة يدوية، فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان”.

أما الجودة فتعني إجادة العمل؛ والإتقان درجة عالية في الجودة؛ والإحسان مرادف للإتقان، غير أن الأخير أخص من حيث الدلالة، لكونه يتضمن حذق الشيء والمهارة في أدائه وإحكامه.

ويبقى الإحسان هو الأصل الذي ينبثق عنه فعل الصواب، وجودة العمل وإتقانه؛ بصفته قيمة روحية إيمانية دافعة ومحفزة لكل عمل يحبه الله تعالى ويرضاه.

تجويد العمل في حياة المسلم

إن الإسلام الحنيف دين ربّاني كامل، صالح لهداية البشرية على مرِّ العصور والأزمان والأمكنة المختلفة (30)؛ يربط بين الدين والدنيا من خلال تأكيده على أهمية العمل وتجويده في حياة المسلم، وفقاً لأعلى معايير الدقة والإتقان، تطبيقاً لتعاليم الإسلام الذي يحث على إتقان العمل وجودته، تحقيقاً لأعلى درجات العلاقة مع الله تبارك وتعالى، ألا وهي الإحسان؛ قال رسول الله : [الإحْسَانُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ] [صحيح البخاري – رقم الحديث: 50].

وهذه العلاقة، لو وضعها كل واحد منّا نصب عينيه والتزم بتطبيقها، لما احتاج الناس إلى البحث عن أنظمة مراقبة تحفظ أموالهم وأعراضهم؛ لأنّ هذه العلاقة وصلت بالمجتمع إلى أعلى درجات الإتقان والكمال.

وقد أصّل الدين الإسلامي لمعنى وقيمة الإتقان والإحسان؛ فالمسلم في جميع أعماله الدينية والدنيوية مطالب ليس لمجرد الانصياع والقيام بالعمل فحسب، بل يتعداه إلى العمل المتقن. قال الله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة النمل – الآية: 88].

فحريّ بالمسلم أن يتمثل المفاهيم المتعلقة بالجودة الشاملة في سلوكه الديني وحياته العملية.

 إرشادات الإتقان في الاقتصاد الإسلامي

الظاهر من تنكير لفظ “عمل” في قول رسول الله : [إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ] أنه عام شامل لكل عمل ديني ودنيوي فيه منفعة، وأن يُتقنه: أي يُحسنه ويُكمله(31)، ويُؤدّيه على أكمل وجه ويُحكمه. ويُراد من إتقان العمل أيضاً الإخلاص فيه بحسب ما يقتضيه العمل، وأن يقصد صاحبه في ذلك رضا الله تعالى ونفع خلقه.(32)

ومن إرشادات هذا الحديث النبوي الشريف ما يلي:

  1. الحثُّ على تحسين العمل وتجويده؛ فإذا كان الإتقان في العمل من الأمور التي يحبها الله، فحريّ بالعبد أن يبادر في تحسين أعماله وتكميلها على أحسن وجه أرادته الشريعة. قال الله تعالى: [وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] [سورة البقرة – الآية: 195].
  2. بيان أن المعيار الذي يُفرَّق به بين العامل المقصر والعامل الساعي إلى رضوان الله تعالى بأقصى جهده هو الإحسان في العمل وتكميله وإتقانه.
  3. حرص الشريعة الإسلامية على نوعية العمل وكيفيته، دون النظر والتطلع إلى الكثرة، وهذا الأمر يكون في جميع الشريعة من العبادات والمعاملات وغيرها؛ فالعبرة ليست فقط في أداء العمل، بل أيضاً في الصفة التي أُدِّي بها هذا العمل.

إيجابات واسعة للإتقان في الاقتصاد الاسلامي

للإتقان في الاقتصاد الاسلامي إيجابيات واسعة وعديدة ومتنوعة في جميع الجوانب الحياتية المختلفة؛ منها ما يلي:

  1. حثّ المسلم على الالتزام بالإتقان في العمل سواء كان هذا العمل من أعمال الدين أو الدنيا .(33)
  2. يُثاب المسلم على إتقان عمله ويؤجر على ذلك، لأنّ إتقان العمل وإحسانه من الأمور التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية، كما أنّ التقصير المتعمّد في العمل يُحاسب عليه المرء؛ ويُعتبر من غشّ الأمانة التي قال فيها رسول الله : [مَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا][ صحيح مسلم-رقم الحديث:101], والإتقان والإخلاص في العمل مطلوبٌ قبل البدء به، وفي أثنائه، وبعد القيام به.
  3. الفوز بمحبة الله عز وجل من خلال الإتقان والإخلاص، وهو مما سيجعل المسلم حريصا أكثر على العمل وعلى إتقانه في الوقت ذاته بشكل أكثر.
  4. لا يوجد عمل متقن دون علم متقن، لذلك تجد من منافع الإتقان الحرص على طلب العلم لإتمام العمل بعناية وتوفيق.
  5. إثبات الأمانة والإخلاص للفرد المسلم من خلال العمل المتقن وحسن الخُلُق.
  6. الإتقان على مستوى المجتمع المسلم يعني: تأسيس مجتمع اسلامي متكامل؛ دينياً و علمياً وعملياً واجتماعياً، ومجتمعاً قيماً يتقى الله عزَّ وجلَّ في كل شؤونه.
  7. حثّ المسلم على الإتقان والإحسان في الأعمال العبادية والمادية؛ كالإتقان في إخراج الزكاة باعتبارها عبادة مادية وروحية في آن واحد, ويكون ذلك بإخراجها من أفضل المال في وقتها لمستحقّيها، لقول الله تبارك وتعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ][ سورة البقرة-الآية:267], فالعبادات في الإسلام منظومة كاملة ومتينة؛ تقوّي في نفس المسلم الكرامة والرزانة ومكارم الأخلاق؛ وكلها تلتقي عند الغاية التي رسمها رسول الله له في قوله: [ إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ وفي روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ ][الألباني-السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 45-صحيح-أخرجه البزار (8949)].