للثقافة الإسلامية خصائص انفردت بها عن غيرها واكسبتها ميزة متفردة عن غيرها من الثقافات نستعرضها في السطور التالية .

إلهية المصدر

الثقافة الإسلامية تعتمد على كتاب الله الموحى إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهي محصورة في هذا المصدر، بعيدة كل البعد عن الفكر الفلسفي الإنساني.

وكون الثقافة الإسلامية ربانية المصدر يعني أن طرائق وأشكال تعامل الإنسان في هذه الحياة مع الوجود بكل جوانبه هي من وضع الله سبحانه وتعالى ومحققة لمراده من خلقه الإنسان والحياة الإنسانية.

وإن هذا المصدر الرباني يتسم بسمة الخلود والصدق والصحة، ذلك لأن الكتب السماوية الأخرى قد دخلها التحريف، وأدخل عليها شروح وتفسيرات وتصورات وزيادات ومعلومات بشرية، أدمجت في صلبها، فبدلت طبيعتها الربانية، وبقي الإسلام وحده محفوظ الأصل، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الْذَّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ} الحجر : 9 .

وكانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغ هذا الأصل إلى الناس جميعا، قال الله سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} الشورى: 52 -53.

 وقال سبحانه : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم : 1-4 .

وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} المائدة : 67

هذه الآيات تدل على أن مصدر الثقافة الإسلامية هو كتاب الله تبارك وتعالى، وهذا الكتاب محل ثقة الناس لأنه مبرأ عن كل نقص أو هوى قد يصاحب العمل الإنساني أو يؤثر في الفكر البشري. وإن هذا المصدر موافق للفطرة الإنسانية، ملب لحاجاتها محقق لمتطلباتها، ملائم لكل جوانبها.

الشمول في الثقافة الإسلامية

تمتاز الثقافة الإسلامية بميزة الشمول ذلك لأنها قدمت للبشرية تصورا اعتقاديا كاملا، ومنهجا للحياة الواقعية شاملا لكافة جوانبها..وهو منهج صالح للتطبيق في كل زمان وفي كل مكان.

المقصود بالشمول هنا كإحدى خصائص الثقافة الإسلامية  هي أنها جاءت شاملة لكل جوانب الوجود والموجودات فلا يوجد جزء أو جانب من الوجود إلا وللثقافة الإسلامية به صلة ، فالثقافة الإسلامية لا تبين للإنسان طرائق التعامل مع بعض جوانب الوجود دون البعض ، كأن تهتم بالوجود المحسوس أو عالم الشهادة وتنسى الوجود غير المدرك بالحواس أو عالم الغيب أو تركز على عالم التعامل مع كل جوانب الوجود بلا استثناء فهي ثقافة تتسم بالشمول بهذا المعنى.

وهناك معنى آخر لشمول الثقافة الإسلامية ، يتصل بالإنسان الذي يتعامل مع الوجود ، ذلك أن للإنسان أكثر من جانب ، فهو مكون أبدي مادي ، وروح ، أو نفس غير مادية ، وعقل ، ووجدان ، وهذه الجوانب معا تشكل كيان الإنسان الواحد والثقافة الإسلامية شملت كل هذه الجوانب واهتمت بها.

كذلك للشمول في وصف الثقافة الإسلامية معنى ثالثا ، وهو يرتبط بالعقيدة الإسلامية التي ترى أن حياة الإنسان في هذه الدنيا لها امتداد بعد مفارقته لها هي حياته في الدار الآخرة ، فجاءت الثقافة الإسلامية مراعية أن يكون مقصود الإنسان في تعامله مع الوجود والموجودات الحياتين : الدنيا والآخرة .

والإنسان في ظل هذا التصور يستطيع أن يعيش لآخرته وهو في دنياه، وأن يعمل لله وهو يعمل لمعاشه، وأن يزاول أوجه نشاطه الإنساني، وهو مرتبط بالله تبارك وتعالى.

قال تعالى : {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. البقرة: 255

هذا التصور الشامل “للوجود” يرد الإنسان إلى خالقه، فيتلقى منه العقيدة والقيم والمبادئ والأنظمة وسائر ما يواجه به الحياة.

التوازن في الثقافة الإسلامية

المقصود بـ التوازن أن الثقافة الإسلامية تعطي الاهتمام لجميع الجوانب المختلقة بصورة عادلة فلا يطغى الاهتمام بجانب على آخر ،  كأن يطغى الاهتمام بجانب التعامل مع الكون الطبيعي على جانب الغيب أو إهماله أو الاهتمام بجانب البدن دون جانب الروح أو العقل أو الوجدان أو طغيان أحدهما على الآخر أو الاهتمام بالجانب الفردي على حساب الجانب الإجتماعي أو العكس أو الاهتمام بالجانب الآخروي على حساب الجانب الدنيوي .

التوازن هو اهتمام وتوجيه وإرشاد عادل لكل الجوانب الداخلة في الثقافة الإسلامية : مايتعلق منها بالإنسان ومايتعلق بالوجود ومايتعلق بتعامل الإنسان مع الوجود.

الثبات في الثقافة الإسلامية

يعنى بهذه الخاصية هنا ثبات المصدر الأول للثقافة الإسلامية، وأن كل ما يتعلق بالحقيقة الإلهية ثابت الحقيقة وثابت المفهوم وغير قابل للتغيير. ذلك لأن القاعدة الأولى التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية هي الإيمان بوحدانية الله وبوجوده وبقدرته وهيمنته.. وكل صفاته الفاعلة في الكون والحياة والناس. فهذه العقيدة أو هذه القاعدة ثابتة لا تتغير ولا تقبل التغيير، وما يتفرع عن هذه القاعدة من أن العبودية لله وحده واجبة على الناس جميعا بما فيهم الرسل، وأنه ليس لهم أية خاصة من خصائص الألوهية، حقيقة ثابتة أيضًا لا تتغير ولا تتبدل ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. وأن الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله حقيقة ثابتة.

الإيجابية في الثقافة الإسلامية

تمتاز الثقافة الإسلامية بأنها “إيجابية” ذلك لأن الإنسان، في مدلول الثقافة الإسلامية يعبد الله السميع البصير الخالق الرازق الفعال لما يريد … له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وكل أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى كاملة الإيجابية والفاعلية.

قال جل من قائل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}الأعراف: 54

وقال سبحانه: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } فاطر : 44

وقال: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } آل عمران : 26 – 27.

والثقافة الإسلامية “إيجابية” لأنها تلزم الإنسان بالعمل حسب طاقاته وإمكاناته ومواهبه، وتحذر بشدة من التواكل والتخاذل والتباطؤ والتكاسل … ولهذا فهي لا ترضى للمسلم أن يكون كسولا يعيش على هامش الحياة دون أن يؤثر في الكون تأثيرا فاعلا إيجابيا، بل يجب أن يؤثر في المحيط حوله، وأن يؤثر في الناس، وأن يؤثر في دنياه ودنيا غيره … وأن يكون إيجابيا في عقيدته متفاعلا معها، مدركا لمعانيها يحيا بكل عنصر من عناصرها، ينبض قلبه بحبها، ويسارع ليتمثل كل ركن من أركانها، فيجسده واقعا يرقى به نحو الأكمل والأفضل دائما، ويعايشه إحساسا ومشاعر وحيوية وجمالا وبهاء … كما يكون إيجابيا في دعوته إلى الله على بصيرة وهدى. إيجابيا في مسارعته لأداء العبادات والفرائض.

الواقعية في الثقافة الإسلامية

تمتاز الثقافة الإسلامية بميزة فريدة عظيمة تميزها عن سائر الثقافات، هذه “الواقعية المثالية” ذلك لأن الثقافة الإسلامية تقوم أساسا على تصور اعتقادي يمتاز بالوضوح والصحة، والصدق والواقعية، ويفسر الحقائق الوجودية والآثار الإيجابية تفسيرا صادقا واقعيا، لا غموض فيه، ولا لبس، ولا مغالاة فيه ولا مجافاة للواقع.

ليس المراد بالواقعية الرضا بالحال التي عليها الإنسان في حال سموه، وفي حال انحداره، كما هو حال الأدب الهابط الذي يصف الواقع المريض الذي يعيشه كثير من البشر، ولكن المراد بالواقعية أنها تضع التشريعات للإنسان من حيث هو إنسان، فالإنسان فيه القوة والضعف، يعلو أحيانًا ويهبط أحيانًا، وهو بحاجة إلى الشريعة التي ترقى به إلى مدارج الكمال، وتثني على استقامته إذا استقام، وتبصره بخطئه حين يخطئ، وتفتح له باب التوبة إذا عصى، وتشرع له الرخص التي يأخذ بها حين الضعف والمرض وعدم القدرة على العمل، والشريعة الإسلامية هي التي تفعل ذلك كله، أحلت الطيبات وحرمت الخبائث، وأحلت للمضطر تناول ما حرم عليه من الطعام، وأوجبت الوضوء للصلاة، وأباحت التيمم حين فقد الماء أو حين عدم القدرة على استعماله، وألزمت بالصلوات في أوقاتها بأعدادها المقررة، ورخصت بالجمع والقصر في السفر، وشرعت الفطر للمسافر في رمضان.

عالمية الثقافة

تقوم الثقافات البشرية على اعتبارات وأسس محكومة بالنظرة القومية والعنصرية، يقول رينان الفرنسي: “جنس واحد يلد السادة والأبطال هو الثقافة الإسلامية فليست ثقافة العرب ولا الفرس ولا البربر، وليست ثقافة الرجل الأبيض ولا الأسود، إنها ثقافة البشر كلهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم، لم توضع لجنس ولا لون ولا بيئة معينة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

إن الإسلام يقرر أن انقسام البشر إلى شعوب وقبائل إنما هو للتعارف، لا للتناحر والتقاتل والتفاضل، أما مقياس التفاضل في الإسلام فهو التقوى: الإيمان والعمل الصالح.

جاءت تعاليم الإسلام للإنسان كإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه وموطنه، فالعناصر الثقافية الإسلامية: التربوية، والنفسية، والروحية، والأخلاقية – جاءت أحكامها وفق الطيعة الذاتية للإنسان مجردة عن إطار الزمان والمكان، ذلك أن الإنسان كإنسان ثابت لا يتغير، ولا يتبدل في روحه وعواطفه وأشواقه وضروراته وغرائزه، والجانب المتغير في الإنسان هو الجانب العملي، أو الجانب الذي يتعامل فيه الإنسان مع الكون.


مصادر :

الثقافة الإسلامية: تعريفها، مصادرها ،مجالاتها ، تحدياتها – أ.د. مصطفى مسلم، أ.د. فتحي محمد الزغبي  

الثقافة الإسلامية: مفهومها،  مصادرها، خصائصها، مجالاتها  – عزمي طه السيد ، كايد قرعوش ، محمد الشلبي

نحو ثقافة إسلامية أصيلة – عمر سليمان الأشقر