في وقفتنا التربوية هذه سنتناول خلقا عظيما وصفة يحتاجها كل مرب وكل معلم وكل داعية نحدثكم عن خلق التسامح ، عن العفو والصفح والجميل ذلك الخلق العظيم الذي اتصف به نبينا صلوات وسلامه عليه فكان سمحا هينا لينا وقد قال فيه ربه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ} (ال عمران:159).
لقد كان ﷺ أجمل الناس صفحًا، وضرب المثل الأعلى في العفوِ عمن ظلمه، وإعطاء من حَرَمَهُ، وصلة مَن قطعه؛ ابتغاء رضوان الله -تعالى- وجنّته، متمثلاً قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34).
يقول أنس رضي الله عنه خادم النبي ﷺ عن تسامح النبي ﷺ وعفوه وحلمه: “خدمتُ رسول الله ﷺ عشر سنين، والله ما سبَّني سبة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته” (رواه أحمد).
وقد كان أنس حينها غلاما حدثا تقع منه الزلة والخطأ لكن تسامح النبي ﷺ وعفوه وسع ذلك واحتواه.
وقد كان أيضا يوصي أصحابه بالتسامح والعفو عن الخدم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة” (رواه أبو داود وصححه الألباني).
ومن أجمل قصص التسامح والعفو التي كانت منه ﷺ قصته مع أهل الطائف”فقد سألته عائشة ذات يوم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الطائف إِذْ عرض عليهم نفسه ليحموه وليستجيبوا لدعوته فلم يجيبوه واغروا به سفاءهم يرموته بالحجارة والحصى قال فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”. (رواه البخاري)
غاية التسامح والعفو أن تقدر على من آذاك فتسامح وتعفوا وهكذا كان منه ذلك أيضا مع أهل مكة فإنه لما فتحها قابل أعداءه الذين أخرجوه وأصحابه من ديارهم وأموالهم وآذوهم وقاتلوهم، فقال “ما ترون أني فاعل بكم ؟، قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف { قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء”. (رواه البيهقي).
ردّ الظلامة في رفق وإن عنفوا ولو يشاء إذن لاشتد أو عنفـــــــا إن الرسول لسمح ذو مياســـرة إذا تملّك أعناق الجناة عفـــــــــا
لا بد لكل مرب وداعية وناصح أن يتصف بخلق التسامح والعفو أسوة بالنبي ﷺ ليبلغ غايته ولتنفتح له القلوب وتذل أمامه الدروب.
التسامحُ خلق نبوي كريم، وهو دُرَّة السَّجايا والأخلاق، ويزيد صاحبه عزاً كما قال ﷺ: “وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً” (رواه مسلم).