في معرض للكتب أقيم عام 1987 في جامعة هواري بومدين بالجزائر العاصمة، جذبني كتاب ضخم عنوانه “The World Portable Bible” ،ولفت انتباهي عند تصفحي له أن الكتاب أعيد نشره أكثر من اربعين مرة ، ومن يومها وأنا لا أمل من العودة لهذا الكتاب، بل اشفقت عليه لأنه اهترأ من تقليبي لغلافة وصفحاته.

يختلف عدد صفحات الكتاب طبقا لدور النشر المختلفة وطبعات الكتاب، لكنه دائما يتجاوز ال 600 صفحة، وهو يستعرض الأديان الرئيسية في العالم من خلال مختارات لأهم مبادئ كل دين، مع تعريف دقيق وموثق بزعماء او أنبياء كل دين، كما يضع أهم النصوص لكل دين، لكن الملفت أن كل الأديان مصدرها القارة الآسيوية فقط..ما دلالة ذلك ؟

يتناول الكتاب بعد المقدمة التي تبدأ من صفحة 3-16 كلا من الهندوسية (الصفحات 17-94)، البوذية(95-162)، الزرادشتية(163-218)، اليهودية (219-345)، المسيحية (346-436)، الإسلام ( 437-482)، الكونفوشية(483-532)، الطاوية(533-576) ثم الخاتمة. أي أنه يغطي حوالي 98% من أديان سكان العالم.

أول ما لفت انتباهي في الكتاب السطر الأول في توطئة الكتاب والتي جاء فيها حرفيا ” إن الدين الصحيح في المستقبل سيكون تحقيق كل أديان الماضي”..

ويتتبع الكتاب فكرة الله ( بتسمياته وأوصافة وأعداده المختلفة عند كل دين) ، ويحاول تحديد “الرؤية المشتركة” بينها، ويرى كيف تغيرت صورة الإله من مرحلة لأخرى خلال الثلاثة آلاف سنة التي يرصدها الكتاب، فمن الـ “Mahavira’s Jainism” التي تنكر وجود آلهة ولا تربط السلوك البشري بأي نوع من العبادة أو الشعائر، مرورا بغير المدرك في البراهمية أو “Atman في الأبنيشيد” أو التاو في التاوية، إلى البوذية التي تقر “بآلهة” ولكنهم يحتاجون الخلاص شأنهم شان البشر، ورفض كونفوشيوس الحديث عن الله واستبدال ذلك بالحديث عن “سلوك البشر”، وتبدأ مرحلة الله بمواصفاته الأخيرة مع الزرادشتية التي ترى فيه راعي وحارس البشر ومصدر خيرهم. ثم تبدأ مرحلة الإله الواحد مع المسيحة واليهودية والإسلام..

لكن الباحث يحاول أن يربط بين مسألتين هامتين الاولى صورة الله في كل دين ، ثم علاقة هذه الصورة ببقية تعاليم وقواعد كل دين، أي أن قواعد كل دين مشتقة من طبيعة الصورة للإله في كل دين كما يقول (يبرزها جيدا في صفحة 5 ثم يحاول إثباتها في بقية الدراسة).

ويقارن الباحث نصوصا كثيرا جدا عند تناوله مفهوم الفضيلة والأخلاق في كل دين، ويرى درجة هائلة من التماثل بل أحيانا ما تكون نفس العبارات (كتلك التي تظهر في الطاوية والبوذية والمسيحية)، لكنه يخلص من هذا الجانب بالقول بأن مشكلة الأديان في “تدخل البشر ” في نصوصها وتكييفها طبقا لأهوائهم، ويبدو الباحث ميالا لمفهوم الدين عند “كارليل” صاحب نظرية البطولة (صفحة 11) وهو ما يظهر في بقية الكتاب.

وإشارات الكاتب للتداخل بين مضامين النصوص الدينية، يكفي تتبع موضوع ” الأم العذراء ، فكثيرة هي كتب الإنثروبولوجيا والتاريخ القديم التي أثارت تعدد الشخصيات (الحقيقية أو الأسطورية) التي تتناول “معجزة” ولادة أطفال من أم عذراء، والملفت للنظر أن هذه الروايات تعود لفترات سابقة على قصة المسيح بفترات طويلة بعضها يصل لعشرات القرون.

لعل كتاب أستاذ التاريخ القديم في جامعة نيويورك ثوماس ماثيوس (Thomas F. Mathews) وعنوانه “صدام الآلهة”(The clash of Gods) والصادر عام 1999 من ضمن الذين عقدوا مقارنات كثيرة حول كيفية الولادة بل وتاريخها (25 ديسمبر) وما رافقها من “إشارات وأحداث” متشابهة. وخلال قراءتي لهذا الكتاب توقفت عند بعض تساؤلاته عن مدى مصادفة الإسم (ماري أو مريم أم المسيح وبين مايا أم بوذا)، بل إنه يربط بين ما يسمى في الطقوس البوذية والطاوية بين الإلهة “كاندالينا” (Kundalini) التي تشكل إحدى الطاقات الروحية التي تطبقها رياضة “اليوغا” وبين دخول الروح للرحم دون اتصال جنسي مباشر. وهو يحاول في ذلك أن ينظر للمسألة من منظور جديد وهو ما يوحي به العنوان الفرعي للكتاب (A Reinterpretation of Early Christian Art) .

وفي مجلدات “The Portable World Bible” الذي حرره Robert O. Ballou والصادرة منذ فترة طويلة وبعشرات الطبعات، تجد النصوص الكاملة لمعظم الأديان التي ترد في سياقها قصة الولادة من الأم العذراء، بل إن البعض أحصاها في 32 حالة كلها قبل المسيح كما أشرت، كما هو حال : حورس (المصري) وكريشنا (الهندي) وديونيسيوس (اليوناني) وتموز (البابلي) ولاوتسي (الصيني) وزرادشت (الفارسي) وبوذا (الهندي) وميثرا (الفارسية) وكوتزلكتل (الأزتيكية)…الخ.