الزكاة في الإسلام أوسع دلالة من إخراج جزء من مال المسلم للمستحقين له من الفقراء والمساكين وغيرهم من مصارف الزكاة، إن الزكاة بالمعنى الأوسع أو ما يمكن أن يطلق عليه بزكاة الحياة هو بذل الجهد والطاقة في كل تخصص ومجال لنفع المسلمين،.

وهذا الفكر يفتح آفاقا أرحب حول تبادل المنافع المعنوية والمادية في المجتمع المسلم، ويدعو إلى ترابط ذلك المجتمع وتحقيق الأخوة الإسلامية في أبهى صورها، ويدفع المسلم إلى أن يعبر عن صدق انتمائه للإسلام والمسلمين، وأن الانتماء للإسلام لا يتوقف عن التلفظ بالشهادتين فحسب، بل له تبعات اجتماعية وتنموية وغيرها، وأن القائمين بالزكاة بمعناها العام لا علاقة له بفقر أو غنى، بل له علاقة بمطلق العطاء للغير.

وإن كانت زكاة المال تجعل طرفين، أحدهما معط والآخر آخذ، فإن زكاة الحياة تجعل كل إنسان هو معط من جهة، وآخذ من جهة أخرى، وبهذا يتم تبادل المنافع، تحقيقها على وجه يشيع في المجتمع المحبة والوئام، ويجسد رابط الأخوة، وتحقيق معنى الأمة الواحدة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، وتزييل الآيتين أحدهما بالعبادة والأخرى بالتقوى، يعطي لنا معنى أوسع ومجالا أرحب، ليجمع المسلم في تعاملاته بين العبادة بالمعنى الأوسع من الانتظام في سلك الإسلام، وبين التقوى التي تضع له معايير السير في طريقه إلى الله ومع الناس.

وإن أردنا أن نفصل أنواع الزكاة بالمعنى العام لضاق المقام، بل ولضاق العقل أيضا أن يصل إلى تلك المعاني الواسعة والمجالات الرحبة، لكن حسب كل امرئ أن يبحث في نفسه عما يمكن أن يقدمه من زكاة الحياة، ومن ذلك:

زكاة الجسد:

وذلك أن يزكي المرء جسده باستعمال جسده في طاعة الله تعالى، وبما ينفع بالآخرين، كأن يساعد الآخرين على حمل شيء، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: «قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس» قال: تعدل بين الاثنين  صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، صدقة» ، قال: «والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» . أخرجه البخاري ومسلم.

وما أجمل أن تغبر القدمان في سبيل الله؛ نصحا ودعوة وإصلاحا بين الناس.

زكاة العلم:

وزكاة العلم من أهم الزكوات، حتى قال نجم الدين العزي ” ولا شك أن في توريث الأمة الكتاب، والعلم الأول تكريما لهم وتزكية، وأي زكاة أعظم من زكاة العلم، والاطلاع على أسرار المعرفة، وحقائق التوحيد ولا شك أن من أكثر علمه أكثر عمله، ونمت أحواله، وإلا لم يكن علمه معتدا به، ولا ملتفتا إليه.” . حسن التنبه لما ورد في التشبه (1/ 103)

وصور زكاة العلم كثيرة، منها:

1 – نشر العلم: وأول صور زكاة العلم نشره، لقوله تعالى {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} آل عمران 178

وقوله تعالى {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122

ولحديث أبي بكرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بمنى: ” ألا ليبلغن الشاهد منكم الغائب، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه.  وحديث أبي هريرة في سنن أبي داود من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة.

2 – العمل بالعلم:والعمل بالعلم أعلى درجات زكاته، قال أبو حاتم الواجب على العاقل مجانبة ما يدنس علمه من أسباب هذه الدنيا مع القصد في لزوم العمل بما قدر عليه ولو استعمال خمسة أحاديث من كل مائتي حديث فيكون كأنه قد أدى زكاة العلم فمن عجز عن العمل بما جمع من العلم فلا يجب أن يعجز عن حفظه. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 38)

وعن ابن سعد أن من عمل بعلم الرواية ورث علم الدراية، ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية، ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق.

وعن مالك بن دينار: إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره علمه، وإذا طلبه لغير العمل زاده كبرا.

وعن معروف الكرخي إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا أغلق عليه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل.

3 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

ومن صور زكاة العلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،  كما قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]

ويجمل الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله- زكاة العلم بقوله:

” أد (زكاة العلم) : صادعاً بالحق، أماراً بالمعروف، نهاء عن المنكر موازنا بين المصالح والمضار، ناشراً للعلم، وحب النفع وبذل الجاه، والشفاعة الحسنة للمسلمين في نوائب الحق والمعروف”. حلية طالب العلم (ص: 191)

زكاة الوقت:

وزكاة الوقت ألا ينفق المرء كل وقته لأجل نفسه فحسب، بل عليه أن ينفق بعض وقته لغيره، وأن يساعد الغير، حسب جهده وطاقته.

ومن زكاة الوقت أن يبحث كل صاحب خبرة عن خبراته؛ فينفق وقته في نفع المسلمين، ومن أمثلة ذلك أن غالب الناس يسافرون رحلات تنزيهية، فيمكن لهم أن يتواصلوا مع المراكز والمؤسسات الإسلامية خاصة في بلاد غير المسلمين، فيقدمون لهم دورات في شتى المجالات، وليس في المجال الشرعي فحسب.

زكاة المال:

وزكاة المال أنواع، فهناك زكاة واجبة، وهي الزكاة المعروفة، وهناك زكاة مستحبة، وهي ما سوى الزكاة من الصدقات والهبات والعطايا وغيرها.

ولقد أجمل النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة، وبين أن لها أنواعا كثيرة، كما ورد عن

أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «على كل مسلم صدقة» ، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق» قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» ، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يأمر بالمعروف، أو الخير» ، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر، فإنها صدقة» . أخرجه البخاري ومسلم.

زكوات متنوعة:

كما يمكن للإنسان أن يزكي بأفكاره الابتكارية للناس، سواء أكانت استشارات شخصية، أو أفكار لمشاريع، أو دلالة الناس المحتاجين على الجمعيات الخيرية، أو جمع الملابس والأطعمة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، أو تعليم الأطفال العلوم، أو عمل حقائب مدرسية للأطفال، أو إصلاح الأثاث أو الأجهزة المنزلية للغير، أو جمع الأطعمة الفائضة وتوزيعها، أو توفير الكتب والمستلزمات الدراسية للطلاب المحتاجين، أو غير ذلك.

إن الزكاة أحد دعائم المجتمع المسلم، سواء بمدلولها الخاص الذي يتعلق بالمال، أو بمفهومها العام؛ الذي يشمل مناحي الحياة، وهو يمثل ديناميكية المجتمع المسلم وحركته الدؤوبة، وتبادل المنافع بين المسلمين، لا فرق فيها بين غني وفقير، فكل يزكي بما وهبه الله تعالى من نعمة؛ أيا كانت.