يعتبر الدكتور صالح العجيري أشهر وأبرز علماء الفلك في منطقة الخليج والعالم العربي، وهو عالم فلك ورياضيات كويتي قدم الكثير لعلم الفلك بتقديمه هذا العلم للعرب والمسلمين المتخصصين منهم والباحثين أو الهواة وله الكثير من الإضافات العلمية في هذا المجال من خلال أبحاثه العلمية والعديد من الكتب والمؤلفات والندوات والمحاضرات والبرامج التي قدمها في المراكز العلمية المتخصصة والأندية والمشاركات بفعاليات مختلفة في المؤتمرات العلمية المحلية والدولية.
العالم الفاضل صالح العجيري، الذي وافته المنية قبل أيام قليلة، العاشر من فبراير 2022 عن عمر قارب الـ 102 عام، هو مؤسس علم الفلك في الكويت والمنطقة وله العديد من الإسهامات والإنجازات العلمية والمؤلفات التي أثرت المكتبات العلمية، ولعل أحد أبرز إنجازاته هو إصدار “تقويم العجيري” الذي يعد مرجعا علميا للتقاويم في العالم العربي والإسلامي.
وشكّل الراحل هامة علمية موثوقا بها أثرت إيجابا في الحياة المجتمعية بما قدمه من علوم لامست الحياة اليومية لكل إنسان ابتداء من رزنامته السنوية وبياناته العلمية وكتبه القيمة.
العجيري قامة خليجية وعربية كبيرة
يعتبر العجيري يعتبر من الرعيل الأول للكويت وأحد رجال العلم والفكر في تاريخها الذين لهم دور وباع طويل في إثراء نهضتها العلمية والفكرية، وممن شاركوا في تأسيسها بل اعتبره البعض أحد رجالات الخليج البارزين الذين ساهموا بجهد كبير في نشأة ونهضة دول الخليج العربية، فقد أثرى المكتبة العلمية الخليجية والعربية بالعديد من المؤلفات العلمية الفريدة في علوم الفلك وقدم عددًا من الاستشارات والمحاضرات العلمية في مجال علوم الفلك والأرصاد الجوية وفي بيان الحقائق والمفاهيم العلمية الصحيحة ودحر الخرافات في المجتمع وحرص على تنقية علم الفلك من أدران علم التنجيم.
كما قدم العجيري العديد من الاقتراحات والحلول العلمية لكثير من القضايا الفلكية التي اختلف فيها الكثير من العلماء العرب والمسلمين، وساهم بصورة كبيرة ومباشرة في وجود مرصد فلكي في دولة الكويت بلده سمي باسمه ليكون مقرًا دائمًا للمهتمين بعلم الفلك من المتخصصين والهواة والباحثين، بالإضافة إلى متابعته للأحداث السنوية والشهرية واليومية وظهور الهلال بداية كل شهر عربي ونشر توقعاته لكل من الظواهر الفلكية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر والظواهر المناخية: كسقوط الأمطار وظهور الغبار والتغيرات الفصلية لدرجة الحرارة وحالة المد والجزر والرطوبة في الوقت الراهن بالإضافة إلى تحديد مواقيت الصلاة وتحديد اتجاه القبلة كما قدم برامج علمية وثقافية واجتماعية في وسائل الإعلام المختلفة كالتلفزيون والإذاعة والصحف.
من هو عالم الفلك صالح العجيري؟
ولد عالم الفلك صالح العجيري في 23 يونيو من العام 1920 بمدينة الكويت، كانت بداياته مع علم الفلك حين رحل إلى بادية الكويت لتعلمه على يد سكان البادية، قبل سفره إلى مصر للدراسة الأكاديميّة، ثم عاد إلى الكويت مُدشنًا الاهتمام الفلكي فيها، وبدأ بطباعة “تقويم العجيري” سنويا منذ عام 1944. و قد كرّمت الحكومة الكويتية عام 1986 بافتتاح مرصد فلكي خاص باسمه، بعد أن كان قد أنشأ مرصدا خاصا به عام 1971. كما قامت جامعة الكويت بمنحه الدكتوراه الفخرية في العلوم عام 1981 وقلادة مجلس التعاون للعلوم عام 1988.
وقد وهب الله العجيري صفات وخصائص كان يتميز بها العلماء العرب والمسلمون الأوائل من حيث براعته الى جانب علم الفلك الذي تخصص به، فلديه إلمام كاف بعلوم الجغرافيا والتاريخ والاجتماع والحساب والرياضيات الى جانب انواع المعرفة الاخرى.
والعجيري عاش حياته كلها في كفاح، فمنذ نعومه أظفاره كان مسؤولا عن عائلته. ورغم انشغاله فقد واصل تعليمه في مختلف العلوم وتنقل في ما بعد بين عدد من دول العالم لتحصيل العلم والمعرفة والبحث وخاصة في العلوم الفلكية.
عاش العجيري حياة بسيطة، حيث توفيت والدته ولم يكن قد تجاوز 12 عاما، فانعكس ذلك على حياته، إذ تحمل مسؤولية رعاية إخوته الأربعة، وكان نشيطا كثير الحركة، فلفت أنظار المدرسين الذين اختاروه لفريق التمثيل، فقام بتجسيد مسلسل “الدختر الأميركاني”. وبعدها خاض تجربة التمثيل مع عمالقة المسرح عام 1938، وشكل مع الراحل محمد النشمي ثنائيا ناجحا، لكنه طوى صفحة التمثيل من حياته ولم يستمر فيها.
تعلم بداية حياته في الكتاتيب، وفيها أيضاً تعلم الحساب واللغة العربية والفقه، من ثم التحق بمدرسة أسسها والده واستمر فيها حتى العام 1928، انتقل بعدها للدراسة في المدرسة المباركية واستمر فيها حتى الصف الثاني الثانوي، وبعدها عمل مدرساً في دائرة المعارف في المدرسة الشرقية، قبل أن ينتقل إلى المدرسة الأحمدية.
رحلة العلم
وفي مراحل مبكرة، قرأ كتاب “المناهج الحميدية في حسابات النتائج السنوية”، لمؤلفه الفلكي المصري عبد الحميد مرسي غيث، الفلكي، وقاده شعفه للسفر إلى مصر في رحلة طويلة ابتدأها من البصرة حتى بغداد ثم دمشق فبيروت، ومنها ركب الباخرة إلى الإسكندرية، وفي مصر راح يفتش عن المؤلف حتى وجده في (ميت النخاس) بمحافظة الشرقية، وكان عبد الحميد مرسي غيث وقتها بلغ الثمانين من عمره. وكان كريما مع العجيري إذ أعطاه كتبا ومعلومات وراح يدرسه بعض علوم الفلك، من ثم أحاله إلى أستاذ الفلك المصري الشيخ عبد الفتاح وحيد، فدأب على التعلم على يديه، وبعد وفاته حاز العجيري على نحو 70 كتاباً من كتبه النفيسة التي ألفها أو حوتها مكتبته ونقلها إلى الكويت.
خلال دراسته في مصر، التحق بمرصد حلوان، وشهد تأسيس مرصد القطامية، ليبدأ بعدها بالتواصل مع المراصد حول العالم، وكان من أهمها مرصد غرينتش ومرصد البحرية الأميركية، ومنحته مدرسة الآداب والعلوم التابعة لجامعة الملك فؤاد الأول في العام 1946، شهادة مدارس المراسلات المصرية، كما حصل العام 1952 على شهادة من اللجنة الفلكية العليا للاتحاد الفلكي المصري تقديراً لأبحاثه.
من الخوف من الرعد إلى علم الفلك
قاده الخوف من الرعد والبرق والمطر، منذ طفولته إلى التعلق بعلوم الفلك، محاولاً سبر أغوار هذه الظواهر الطبيعية، ودفعا لهذا الخوف انخرط أكثر في دراسة الظواهر الفلكية، وقال في مقابلة متلفزة “ما أدخلني علم الفلك، هو أنني كنت أخاف من الظواهر الطبيعية، أخاف قصف الرعد، وأخاف وميض البرق، وأخاف من الظلام، وأخاف من هبوب الرياح، وأخاف من المطر. فدخلت علم الفلك من باب (اعرف عدوك)”.
ثمة سبب آخر جعله شغوفاً بعلم الفلك، ذلك أنه كان متميزاً في مادة الرياضيات، حتى أنه بقي لآخر عمره يجري الحسابات الدقيقة من دون الاستعانة بالآلة الحاسبة، وفي صباه أرسله والده إلى البادية لتعلم الفروسية والرماية، وهناك تعرف أكثر على حركة النجوم والقمر والمواقيت.
بحوث ومؤلفات
وقد انكب الدكتور العجيري على البحث والتحصيل، وقدم الكثير من الإضافات العلمية من خلال ما قدمه من كتب ومؤلفات ومحاضرات وندوات والمشاركة في المؤتمرات، التي استفاد منها الكثير من الباحثين وطلاب العلم وغيرهم.
منذ دراسته الأولى، أنجز العجيري العديد من الدراسات الفلكية، وفي العام 1943، طبع أول تقويم يحمل اسمه على أوراق صغيرة لكل شهر، وفي العام 1944 طبع التقويم الثاني في بغداد.
وقد أثرى العجيري المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات العلمية والفلكية وله أكثر من 18 مؤلفاً، من أهمها:
- علم الميقات
- كيف تحسب حوادث الكسوف والخسوف
- خارطة ألمع نجوم السماء
- دورة الهلال
- كيف تستدل على الفصول الوجهات الأربع
- جدولة الوقت
- دروس فلكية للمبتدئين الطلاب
- التقويم الهجري وكيف يحسب
- المواقيت والقبلة
- التقاويم قديمًا وحديثًا
- خارطة ألمع نجوم السماء
- كيف تستدل على الفصول الوجهات الأربع
- تقويم القرون
- مذنب هالي حدث كوني وانعكاس إنساني.
بالإضافة لعدد من الأبحاث المهمة منها:
- الخطوط والدوائر
- أهمية ميل الشمس
- رصد الكواكب والنجوم
- مداخلات الزمن.
- المناخ والمواسم الزراعية
- وسائل تعيين الجهات
- التحقيق العلمي لموعد طلوع الفجر الصادق
وقد حصل هذا العالم المميز على كثير من الشهادات والدروع التذكارية وكتب الشكر والتقدير والعضوية الشرفية من كثير من الجهات المحلية والإقليمية والدولية ومن المكتبات والنوادي العلمية المختلفة.
أساتذته في علم الفلك
من الأساتذة الذين تركوا بصمة في حياة العجيري وكان لهم فضل في نبوغه في علم الفلك:
- الأستاذ أحمد شهاب الدين، الذي درسه في المدرسة المباركية وتلقى على يديه الكثير من العلم والمعرفة إبان الحرب العالمية الثانية وهو من رواد المعلمين وله دور كبير في تاريخ التعليم في الكويت.
- الأستاذ عبد الرحمن قاسم الحجي، أستاذه في علم الربع المجيب.
- الأستاذ الفلكي عبد الحميد سماحة، مباشر مرصد حلوان بالقاهرة.
- الأستاذ الفلكي محمد جاب الله السيد، رئيس الاتحاد الفلكي بالمملكة المصرية في ذلك الوقت.
- الشيخ الأستاذ عبد الحميد مرسي غيث من محافظة الشرقية بمصر من علماء علم الفلك ومؤلف كتاب الزيج المصري.
- الأستاذ عبد الفتاح وحيد أحمد وهو أحد تلاميذ الشيخ عبد الحميد مرسي غيث.
ويقول العجيري:”من أساتذتي محمد بن شرف ووالدي محمد صالح العجيري والملا مرشد محمد سليمان وأحمد شهاب الدين وجابر حسن حديد ومحمد نجم وعبد اللطيف الصالح وفيصل الطاهر وإبراهيم عيد وكلهم رجال أفاضل تعلمت منهم الكثير”.
العجيري يأخذ “ضُرة” زوجة أستاذه
كما قال عن أستاذه عبد الفتاح وحيد أحمد:”على رأي إخوانا المصريين الحلو ما يكملش، فالاستاذ عبد الفتاح فيه عيب وهو أنه يمتلك مكتبة جمعها على مدى عشرات السنين فيها كتب ومخطوطات، لكنه لا يسمح لأحد بأن يرى مكتبته حتى أنا رغم أنني كنت طالبا عنده، والغريب أنه كان يوصي زوجته بأن تدفن كتبه معه، وفي يوم من الأيام بعثت لي زوجته تخبرني بأن الأستاذ عبد الفتاح انتقل إلى رحمة الله تعالى، فكتبت لها وأخبرتها رغبتي بالحصول على بعض الكتب ووافقت فزرت القاهرة، ودخلت إلى الكنز وأخذت 70 كتابا وقالت لي هذه الكتب خذها ببلاش فقلت لها لماذا؟ قالت “دول كانوا ضرتي”.
كما قال العجيري عن محمد باشا:”أنا دائما أفخر بمعرفتي الفلكي المصري محمد باشا الذي درس الفلك باللغة الفرنسية، ولأنه مسلم فقد حقق الحوادث التي حدثت في السيرة النبوية وترجمت من الفرنسية إلى العربية.
قالوا في صالح العجيري
- الفلكي محمد أحمد سليمان: الدكتور صالح محمد العجيري يوحي لي دائما بالشجرة المثمرة التي تثمر كلما قذفت بآيات التقدير والثناء كأنما تنعش ذاكرته وتشجعه على البذل والعطاء أكثر، وهو يحيط الآخرين بما ينثر عليهم من خيراته التي لا تنضب ويشعر بذلك كل مبنى يدخله أو كل باب يدلف منه، وهو يمثل البداية الحقيقية لعلم الفلك في دولة الكويت كما كان قدماء المصريين يمثلون البداية الحقيقية لعلم الفلك في مصر وكما كان البابليون يمثلون البداية الحقيقية لعلم الفلك في العراق وكما يمثل الإغريق البداية الحقيقية لعلم الفلك في اليونان، وهو الأستاذ الذي لا يتورع أن يكون في بعض الأحيان تلميذًا وهو التلميذ الذي يستطيع بسهولة ارتداء عباءة الأستاذ، ويعتبر مرصد العجيري الفلكي الموجود بقسم الفلك بالنادي العلمي الكويتي من الإضافات التي تحسب له، وإن كان من خلفه لم يحرصوا على صيانته واستمرار تشغيله، عمرًا مديدًا يا ظاهرة لن تتكرر لا في الكويت ولا في غيرها فاهنأ بما حباك الله من ريادة وسيادة في علم الفلك وفي رصيد من حب الشعب الكويتي لك.
- الفلكي محمد محمد أحمد عيسوي: الوفاء الذي يملأ قلب العجيري والذي يضفي به على من حوله والحب الذي نكنه في قلوبنا لدليل قاطع على صدق رسالة هذا الرجل الذي بذل طوال حياته أطال الله في عمره كل جهد مستطاع في نشر العلم وتربية هذا الجيل.
- سعاد محمد الصباح:الفلكي الكويتي صالح محمد العجيري يمثل منارة علمية فريدة من نوعها تستحق التكريم في (يوم الوفاء) مما يمثله من شخصية علمية حفرت في صخور المستحيل؛ لتستخرج ماء العلم في ظروف علمية قاحلة، وفي بيئة خالية من العلم وتشجيع البحث العلمي، وهو ما يؤهله ليكون نموذجًا فريدًا للجيل الجديد في الإصرار على طلب العلم، بالإضافة إلى شخصية العجيري المسالمة والمتصالحة مع الجميع.
- الباحث الفلكي عادل المرزوق: استذكر الاستفادة الجمة التي حققها الفلكيون في الكويت ومنطقة الخليج من المؤلفات والأبحاث والمحاضرات التي قدمها العالم الراحل، مبينا أن هذه الكتب والإصدارات اختصرت الكثير على الفلكيين، واستعرض المرزوق بعضا مما أنجزه الراحل العجيري واستفاد منها كل الفلكيين مثل أبحاثه حول “المناخ والمواسم الزراعية في الكويت” و”وسائل تعيين الجهات” و”التواريخ قديما وحديثا” و”استخدام الحاسبات الفلكية في إثبات الرؤية الشرعية للهلال” وكتاب “علم الميقات” وكتاب “الاهتداء بالنجوم في الكويت” وغيرها الكثير من المؤلفات الثمينة.
- الباحث الفلكي والمؤرخ ورئيس الجمعية الفلكية الكويتية عادل السعدون قال “إن الكلمات تعجز عن ذكر ما قدمه الفلكي العجيري للكويت عبر إسهاماته الكثيرة في علوم الفلك، إذ كان من الرواد في منطقة الخليج في إصدار الروزنامات وتدريس علم الفلك”.
إنجازات صالح العجيري
تميز صالح العجيري بجديته ونشاطه ودقه حساباته، وله إنجازات كثيرة من أهمها:
- “تقويم العجيري”: تأسس عام 1952 وهو تقويم تميز بالدقة ومازال يطبع سنويا إلى يومنا هذا، وقد اعتمدته دولة الكويت في جميع معاملاتها الرسمية وأصبح التقويم الرسمي للدولة، وذلك على مستوى حساب المواقيت والأهلة والظواهر الفلكية، كما اعتبر المرجع العلمي الرئيسي للتقاويم الأخرى، بفضل ما تميز به من دقة وحرفية.
- “متحف العجيري” أحد المتاحف العلمية المتخصصة في مجال الفلك بالوطن العربي، وقد سمي بهذا الإسم تقديرا لهذا العالم الفلكي، ويتيح للزوار الاطلاع على مقتنيات العالم الفلكي في المتحف بالإضافة إلى الأدوات والمقتنيات الفلكية النادرة التي تعرض في أركانه المختلفة. كما يوفر قاعة عرض سينمائي تعد الأولى خليجيا، وهي “القبة الفلكية” باتساع 360 درجة، يعرض فيها مجموعة من الأفلام الوثائقية بالعربية والإنجليزية حول الرحلات الفضائية وقصة هبوط أول رائد فضاء على سطح القمر.
- “مرصد العجيري”: في أوائل السبعينيات بدأ العجيري في إنشاء مركزه الفلكي على نفقته الخاصة، وفي عام 1973 توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية لشراء القبة الخاصة بالمرصد، كما قام بشراء تلسكوب وبعض الأجهزة الفلكية اللازمة للمركز، وبعد ذلك توجه إلى المملكة المتحدة وقام بشراء مقياس للضغط الجوي وآخر للمطر ومقياس للرطوبة وسرعة الرياح وغير ذلك من الأجهزة. تم افتتاح المرصد في 15 أبريل عام 1986.
- “متحف العجيري”: كان حفل افتتاح متحف العجيري محصورًا للمدونين وأبرز مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وبحضور العالم الفلكي صالح العجيري بنفسه بصحبة السيد إياد الخرافي رئيس النادي العلمي، وفي البداية كانت الفرصة متاحة لمن يريد أن يلتقط صورة تذكارية مع العجيري نفسه والذي تحقق حلمه بأن يكون له متحف خاص له يزوره كل فئات المجتمع.
- “مكتبة العجيري”: تم افتتاح مكتبة العجيري عام 1973، تشغل المكتبة طابقين ففي الطابق الأرضي إلى جانب أدوات القرطاسية والمجلات هنالك مجموعة من الكتب الثقافية المتنوعة وللأطفال ركنهم الخاص أيضا، الطابق العلوي يضم عادة أدوات الرسم وبعضًا من القرطاسية ولوحات تعليمية.
- “مركز العجيري الإسلامي”: افتتح في إندونيسيا في 13 يونيو 2009 ، ويقع على أرض مساحتها 6040 مترا مربعا وبمساحة بناء إجمالية 4312 مترا مربعا واشتملت مباني المركز على مسجد ومرافقه يسع 500 مصليا ومدرسة ابتدائية سعة 500 طالب وطالبة وسكن للأيتام سعة 120 يتيم إضافة إلى المطعم وصالة للأنشطة وصالة للرياضة المغلقة وملاعب خارجية.
العجيري وتحديد رؤيا الهلال
في ما يتعلق برأيه في الاختلاف المستمر بين الدول الإسلامية في تحديد يوم الصيام أول رمضان ويوم الفطر رغم أن الهلال واحد وجهوده نحو توحيد المسلمين في صومهم وفطرهم فقد أكد أن هذا الموضوع طويل وكتب فيه كثيرون وعقدت له مؤتمرات كثيرة إلا أن أهم هذه المؤتمرات في نظره هو مؤتمر إسطنبول الذي انعقد في شهر نوفمبر العام 1978 حيث تقدمت تركيا بدعوة لجميع الدول الإسلامية إلى عمل مؤتمر يمثل كل بلد إسلامي شخصان أحدهما عالم في الفلك والآخر عالم في الدين وقد حضرت كل الدول الإسلامية تقريبًا إلى هذا المؤتمر وتداول فيه جميع المساعي المتعلقة بالشمس والقمر وكل ما يتعلق بهذا الموضوع وتم الاتفاق على أنه إذا أريد توحيد التقويم الهجري وتوحيد يوم صوم المسلمين ويوم فطرهم يجب أن تتبع الأمور التالية:
- أن يولد الهلال بمعنى أن يبتعد الهلال عن الشمس
- أن يكون للقمر مكث بمعنى غروب الشمس أولًا ثم غروب القمر
- أن يظهر النور في جرم القمر وهذا لا يتأتى إلا إذا كان البعد الزاوي بين الشمس والقمر 7 درجات فأكثر
- أن نضمن خروج القمر من حيز شعاع الشمس وهذا لا يتأتى إلا إذا كان ارتفاع القمر وقت غروب الشمس لا يقل عن 5.5 درجات فأكثر
هذه الأمور هي التي تحدد بداية الشهر وقد قام المؤتمرون بتكوين لجنة لعمل هذه الحسابات وعمل خرائط خاصة بها وكانت تمثل تسع دول من بينها الكويت للاجتماع كل سنة في دولة إسلامية لتحديد بداية الشهر القمري وقال العجيري: “إلا أنه في النهاية اتضح لنا أن هذا المؤتمر شأنه شأن باقي المؤتمرات، تتخذ القرارات وتحفظ في الأدراج؟! وفي رأيي أن هذه اللجنة يجب أن يُعاد إنشاؤها، وقد بدأ المسلمون في العامين الأخيرين يتقاربون في صومهم وفطرهم، فالفارق يوم بين بعض الدول وكل حسب رؤية الهلال لديه.
الشمس والقمر ونهاية العالم
في القرآن التصقت كلمة ضياء بالشمس ونور بالقمر وبعد مراجعة المعاجم العربية لم يوجد فوارق جوهرية بين الضوء والنور معلقًا العجيري على هذا: “النور مستمد والضياء ذاتي فكلمة ضياء لازمت الشمس لأن الضياء ينتج من إفناء الشمس لذراتها أما القمر حجر فنوره مستمد من الشمس”.
وعن نهاية العالم حاضر العجيري قائلًا: “هذا لا واقع له رغم أنه شغل بالي منذ أن كنت طفلًا صغيرًا”.
وفي سعيه إلى معرفة هذا اليوم ومتى يكون، قالت له والدته أن في القدس حجرًا معلقًا في السماء – قبة الصخرة – كل عام ينزل إلى الأرض بمقدار حبة شعير، ومن خلال بحثه استطاع أن يعرف المسافة بين الحجر والأرض وحاول أن يعرف كم تساوي هذه المسافة بحبات الشعير ومن خلال حسابه تبين له أن يوم القيامة يأتي بعد 300 عاما مر منها 75 عاما وأردف قائلًا: “إلا أنني بعد أن تعلمت وكبرت أيقنت أن يوم القيامة لا يعلمه إلا الله عز وجل.” وأكد أن ما تتحدث به بعض الحضارات أو الاعتقادات عن نهاية العالم ليست علمية ولا سند لها، فهم يرصدون بعض الأجرام والمذنبات التي وحتى ان اصطدمت بعضها في الأرض فإن تأثيره سيكون محدودا جدا، فالأرض تُرجم يوميا وعلى مدار الساعة بالنيازك والشهب، وأن آخر جرم أصاب الأرض بشكل مؤثر كان في 1908، وأن وفي حال افتراض ضرب الأرض بجرم كل 100 عام فإنها وبحسبة فلكية تحتاج إلى 1200 سنة لضرب قارة واحدة على الأرض التي تغطي المياه ثلثي مساحتها.
تكريمات وجوائز
نال العجيري حظه من التكريم والجوائز خلال مسيرة حياته الحافلة بالأعمال والإنجازات نذكر منها:
- دكتوراة فخرية مقدمة من كلية العلوم من جامعة الكويت فبراير 1981 .
- قلادة مجلس التعاون في العلوم ديسمبر 1988.
- عضو شرفي للاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك سبتمبر 2000
- جائزة الدولة التقديرية عام 2005 تقديرًا لجهوده في علم الفلك.
- درعًا تذكاريًا تكريمًا له بمناسبة تقاعده عن العمل نوفمبر 1970.
- درعًا تذكاريًا من المسرح العربي سنة 1977 تكريمًا لجهوده المسرحية السابقة.
- تكريم من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في مارس 1981 بمناسبة حصول كتابه حوادث الكسوف والخسوف على درجة الامتياز.
- كتاب شكر وتقدير من رؤساء وفود السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت والذين شاركوا في ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات التربوية والتي عقدت في الكويت سنة 1989.
من أقوال العجيري
- أنا ما زلت تلميذًا وأتلقى علوم الفلك حتى الآن.
- اجعلوا العلم من أجل أهدافكم وإن المرء يدرك بالعلم ما لا يدركه بسواه وأن ليس هناك معلم يستطيع أن يهبك العلم مثلما تهبه أنت لنفسك! فأنت خير معلم لذاتك وبنفسك ترقى إلى سلم المجد.
- الصحة والقناعة والسعادة، الصحة تاج على رؤوس الأصحاء والقناعة كنز لا يفنى والسعادة هي ألا يفكر الإنسان هل هو شقي أو سعيد!.
- لا فرق بين الأمس واليوم فالأمس كان اليوم واليوم سيكون أمسًا.
- لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.
- ليس في حياتي كلها وقت فراغ وأتعجب ممن يشكون من أوقات الفراغ ففي صغري كنت مشغولًا بالتعلم وأعمال المنزل نظرًا لوفاة والدتي وأنا صغير السن 12 عامًا، وفي شبابي انشغلت بالحسابات الفلكية والتأليف والرصد، وفي كهولتي بليت زوجتي بمرض عضال مما جعلني في خدمتها ورعايتها على مدار الساعة وبعض من وقتي أصرفه في التأليف والحسابات الفلكية وتقديم المعلومات عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
- الثقافة والمواهب والهوايات والميول لا تورث فكل إنسان ميسر لما خلق له، لذلك برز أبنائي وتفوقوا في مجالات أخرى إلا أن أحد أولادي يهوى علم الفلك من ناحية الرصد كما أنه يجيد حسابات التقاويم والإحداثيات السماوية وله خبرة في مجالات فلكية أخرى ليست من اهتمامي.
- أمنيتي التي أتمناها طوال عمري هي اتفاق المسلمين في جميع الأقطار وعلى اختلاف مشاربهم على صوم واحد وفطر واحد.
- الصعوبات التي تواجهني وتواجه غيري من المهتمين والهواة بعلم الفلك هي قلة المراصد وندرة التأليف والترجمة في هذا العلم الجليل.
حديث التقويم يوم الوفاة..اغتنم خمسًا..
توفي صالح العجيري، صباح يوم الخميس 10 فبراير 2022 الموافق 9 رجب 1443 هـ عن عمر ناهز 101، وعانى في سنواته الأخيرة من الشيخوخة، وقد نعاه أمير الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح وولي العهد مشعل الأحمد الجابر الصباح ورئيس مجلس الوزراء صباح الخالد الحمد الصباح ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم وشخصيات ومؤسسات عديدة في الكويت وخارجها. وقد حمل تقويم العجيري في يوم وفاته حديثا نبويا، حيث قال الرسول محمد لرجل وهو يعظه: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”.