يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)
من دقائق البيان أنه استعمل (قيلا ) دون (قولا ) في هذا المقام .
والبيان القرآني بيان إلهي معجز، دقيق في الإحكام، وفي دقة الاختيار، والتفريق بين المفردات في الاستعمال..
ومن العجيب أن شيخ مفردات القرآن الراغب الأصفهاني سوى بينهما في المعنى والبيان، وقال بترادفهما، وهو من هو في هذا الفن والمقام !
ونوقن أن بين القول والقيل فرقا دقيقا يفصح عنه معجز البيان .
ذلك أن القول مصدر والقيل اسم ، كالفرق تماما بين ذَبح (بفتح الذال) الدال على حدث الذبح نفسه، وبين ذِبح الدال على ما يُذبح، كقوله تعالى (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
وكالفرق أيضا بين طَحن وطِحن، فالأولى دالة على الحدث نفسه، والثانية على ما يُطحن ، وكذلك الحال هنا قول وقيل، فالأولى مصدر دال على حدث القول، والثانية دالة على المقول ومضمون القول.
وعليه فلو قلنا فلان صادق القول، فإننا نصفه بالصدق عند التلبس بالفعل، فالقول الصادق ما عمد فيه قائله إلى نقل ما يعتقد أنه صدق، وإن لم يكن كذلك حقيقة.
كمن يخبر أن الأرض مسطحة فهو صادق القول؛ لأنه أخبر بما يعتقد صحته.
وأما قولنا فلان صادق القيل، فالمراد صدقه في المضمون وموافقته لحقيقة المقول .
و ما وصف الله به جنته التي أعدها لعباده المؤمنين على هذا النحو من الوصف -وهو غيب – هو أصدق قيلا في موافقته لحقيقة المقول، ولا شك أن ذلك أدق في الدلالة على صدق القيل فالقول من باب أولى ..
والله أعلم بدقائق البيان.