دلالة الآية :{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} تشير إلى دقائق المعاني التي تفهم من كل كلمة اشتملت عليها الآية بالتفصيل، ومنها إلى تفسير المعنى العام والفوائد التربوية والعبر المعينة على حسن التدبر.

قال الإمام ابن عاشور في تفسير هذه الآية : {وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ ‌لَجَعَلَكُمۡ ‌أمة واحدة وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ} [المائدة: 48]: الجعل: التقدير، وإلا فإن الله أمر الناس أن يكونوا أمة واحدة على دين الإسلام، ولكنه رتب نواميس وجبلات، وسبب اهتداء فريق وضلال فريق، وعلم ذلك بحسب ما خلق فيهم من الاستعداد المعبر عنه بالتوفيق أو الخذلان، والميل أو الانصراف، والعزم أو المكابرة”.

ثم بين أنه “لا عذر لأحد في ذلك؛ لأن علم الله غير معروف عندنا، وإنما ينكشف لنا بما يظهر في الحادثات”.

وعرف الإمام ابن عاشور في الآية :{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ ‌لَجَعَلَكُمۡ ‌أمة واحدة} كلمة (الأمة) بحسب اصطلاح الشريعة بأنها “الجماعة العظيمة الذين دينهم ومعتقدهم واحد”، وعليه؛ فسّر (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) بقوله: “لو شاء لخلقكم على تقدير واحد، كما خلق أنواع الحيوان غير قابلة للزيادة ولا للتطور من أنفسها”.

وأما معنى (وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) فهو ما أشار إليه “من خلق الاستعداد ونحوه”.

ومعنى (البلاء): “الخبرة، والمراد هنا ليظهر أثر ذلك للناس، والمراد لازم المعنى على طريق الكناية… ومعناه أن الله وكل اختيار طرق الخير وأضدادها إلى عقول الناس وكسبهم، حكمة منه تعالى؛ ليتسابق الناس إلى إعمال مواهبهم العقلية، فتظهر آثار العلم، ويزداد أهل العلم علماً، وتقام الأدلة على الاعتقاد الصحيح.

وكل ذلك يظهر ما أودعه الله في جبلة البشر من الصلاحية للخير والإرشاد على حسب الاستعداد، وذلك من الاختبار، ولذلك قال (لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)، أي في جميع ما آتاكم من العقل والنظر. فيظهر التفاضل بين أفراد نوع الإنسان حتى يبلغ بعضها درجات عالية، ومن الشرائع التي آتاكموها، فيظهر مقدار عملكم بها فيحصل الجزاء بمقدار العمل. 

وفرع على (لِيَبْلُوَكُمْ) قوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)؛ لأن بذلك الاستباق يكون ظهور أثر التوفيق أوضح وأجلى”.