في عالم مليء بالصخب والاضطراب، يبحث الإنسان عن ملاذ يمنحه الطمأنينة والاستقرار النفسي. إن السكينة تعد من أعظم النعم التي يمكن أن يحظى بها الفرد، فهي تمنحه القدرة على مواجهة التحديات بهدوء واتزان، وتساعده على تجاوز المصاعب دون أن يفقد إيمانه أو ثباته. السكينة ليست مجرد شعور بالراحة المؤقتة، بل هي حالة عميقة من الرضا الداخلي والسلام الروحي، التي تمكن الإنسان من العيش بسعادة واستقرار، مهما كانت الظروف الخارجية قاسية أو غير مستقرة. لكن ما هي السكينة؟ وما هو مفهومها في الإسلام؟ وكيف يمكن للمؤمن أن يستمد منها القوة والإيمان في مواجهة التحديات؟

ما هي السكينة لغةً واصطلاحًا

  • السكينة  لغةً: السكينة مشتقة من الفعل “سكن”، وتعني الاستقرار والطمأنينة، وتشير أيضًا إلى الهدوء والرزانة والوقار. يُستخدم المصطلح للتعبير عن حالة السكون والابتعاد عن الاضطراب والحركة، وهو ما يتجلى في استعمالات مختلفة في اللغة العربية.
  • السكينة  اصطلاحا: تناول العلماء مفهوم السكينة بتعريفات متعددة تعكس عمق هذا المعنى، قال الجرجانيّ: “هي ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزّل الغيب، وهي نور في القلب يسكن إليه شاهده ويطمئنّ، وقيل: هي زوال الرعب”. وقال ابن القيم: “هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه”.

ولتعريف ما هي السكينة ؟ فهي حالة من الهدوء والطمأنينة تنزل على قلب المؤمن، تمنحه القوة والثبات في مواجهة القلق والخوف. وهي منحة إلهية تساعد المؤمن على الثبات في المواقف الصعبة، وتعزز من إيمانه ويقينه بالله تعالى.

وبعد التعرف على ما هي السكينة لغة واصطلاحا نتعرف عليها في القرآن والسنة.

السكينة في القرآن الكريم

وردت السكينة في القرآن في سياقات متعددة، تدل جميعها على تلك الحالة من الطمأنينة التي يهبها الله تعالى للمؤمنين:

  • قال تعالى: {وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (سورة البقرة: 248).
  • قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ} (سورة التوبة: 25-26).
  • قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة: 40).
  • قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (سورة الفتح: 4).
  • قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (سورة الفتح: 18).
  • قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (سورة الفتح: 26).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كلّ سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا في سورة البقرة.

ما هي السكينة في القرآن ؟

السكينة في السنة النبوية ؟

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: جاء في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدّمة: إنّي باعث نبيّا أمّيّا، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا متزيّن بالفحش، ولا قوّال للخنا … أجعل السّكينة لباسه والبرّ شعاره  .

وحث النبي على السكينة في العديد من المواقف وكان يوصي بها أصحابه، وهذه جملة من الأحاديث الواردة في هذا المعنى.

ماذا قال الرسول عن السكينة؟

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السكينة. فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (رواه البخاري ومسلم).
  • عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين… الحديث وفيه: «ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينة السكينة» (رواه مسلم).
  • عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة. فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها. فلما أصبح أتى النبي فذكر ذلك له. فقال: «تلك السكينة، تنزلت للقرآن» (رواه البخاري).
  • عن البراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض بطنه، وهو يقول: “والله! لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا ، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لقينا، إن الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا” (رواه البخاري ومسلم).
  • عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما وكان رديف رسول الله ، أنه قال في عشيّة عرفة وغداة جمع للنّاس حين دفعوا: «عليكم بالسكينة» وهو كافّ ناقته حتى دخل محسّرا (وهو من منى) وقال: «عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة» (رواه مسلم).
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «الفخر والخيلاء في الفدادين، أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم، والإيمان يمان، والحكمة يمانية» (رواه البخاري).
  • عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي قال: «لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة» (رواه البخاري).
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة… الحديث وفيه: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم).
  • عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا» (رواه البخاري).

كيف تنزل السكينة على القلب ؟

قال تعالىى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } ( الفتح: 4).

قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم، وهي السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة، التي تشوش القلوب، وتزعج الألباب، وتضعف النفوس، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال، فيزداد بذلك إيمانه، ويتم إيقانه، فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس، فلما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم.

قال ابن القيم في مدارج السالكين : “السّكينة إذا نزلت في القلب اطمأنّ بها، وسكنتْ إليها الجوارح وخشعت، واكتسبت الوقار، وأنطقتِ اللِّسانَ بالصّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش، واللّغو والهُجْر، وكلِّ باطلٍ. قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: كنا نتحدّث أن السّكينة تنطق على لسان عمر وقلبه.”

ابن القيم رحمه الله وصف السكينة بأنها الطمأنينة والوقار الذي ينزل على قلب المؤمن عند اضطرابه من الخوف، ويؤدي إلى زيادة إيمانه وقوة يقينه. ويرى أن السكينة لها درجات متعددة، منها سكينة الخشوع وسكينة الرضا بما قسم الله عز وجل، وكلها ترتبط بالطمأنينة والاستقرار النفسي والروحي.

وقال رحمه الله تعالى : السّكينة إذا نزلت على القلب اطمأنّ بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللّسان بالصّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو والهجر وكلّ باطل.

وقال أيضا : كان شيخ الإسلام ابن تيميّة إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آيات السّكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه. لمّا اشتدّ عليّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السّكينة. قال: ثمّ أقلع عنّي ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة . وقد جرّبت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته  .

وقال رحمه الله تعالى: إنّ السّكينة الّتي تنطق على لسان المحدّثين ليست شيئا يملك، وإنّما هي شيء من لطائف صنع الله تعالى تلقي على لسان المحدّث الحكمة كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأولياء، وتنطق المحدّثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشّبه. وقد أشار بذلك إلى النّوع الثّاني من أنواع السّكينة.

 وقال ابن القيم : أمّا السّكينة الّتي نزلت على قلب النبي صلّى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين فهي شيء يجمع قوة وروحا، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين والضجر، ويسكن إليه العصي والجريء والأبي.

فوائد السكينة

أهمية السكينة تتجلى في قدرتها على تحويل اللحظات العصيبة إلى فرص للتأمل والنمو الروحي. من خلال السكينة، يستطيع المؤمن أن يحافظ على اتزانه الداخلي، ويجد في قلبه ملاذًا من القلق والخوف.

وللإجابة على تساؤل ما هي السكينة ؟ نتعرف على أهم فوائد السكينة :

  1. علامة رضا الله عن العبد كما تنصّ عليه الآيات.
  2. سمة العلماء وصفة الأولياء، والمتشبّه بهم إن شاء الله في زمرتهم.
  3. علامة اليقين والثّقة بربّ العالمين.
  4. فيها طاعة لله وتأسّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
  5. السّكينة تثبّت قلوب المؤمنين وتزيدهم ثقة وإيمانا.
  6. السّكينة تؤدّى إلى الرضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطط والغلوّ.
  7. السّكينة عند معاملة الخلق تؤدّي إلى اللّطف في هذه المعاملة وهذا يجلب المحبّة ويشيع الألفة.
  8. السّكينة تثمر الخشوع وتجلب الطّمأنينة وتلبس صاحبها ثوب الوقار.
  9. السّكينة تنطق صاحبها بالصّواب والحكمة وتحول بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو وكلّ باطل.
  10. السّكينة من الأمور الّتي تسكّن الخائف وتسلّي الحزين والضّجر.

ما الفرق بين السكينة والطمأنينة؟

ذكر الإمام ابن القيم أن بين الطمأنينة والسكينة فرقين:
أحدهما: أن السكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا، والطمأنينة: سكون أمن في استراحة أنس.
والثاني: أن السكينة تكون نعتا، وتكون حينا بعد حين، والطمأنينة لا تفارق صاحبها، ومن ثم تكون الطمأنينة موجب السكينة وأثرا من آثارها وكأنها نهاية السكينة.

خاتمة : ما هي السكينة؟

إذن ما هي السكينة؟ هي نعمة إلهية عظيمة تنزل على قلب المؤمن في لحظات الشدة، تمنحه القوة والطمأنينة، وتجعل قلبه مستعدًا لتلقي الإلهامات والحكمة. إن السكينة ليست فقط حالة نفسية، بل هي أيضًا من علامات الرضا الإلهي، وتعتبر جزءًا أساسيًا من رحلة الإيمان والتقرب إلى الله تعالى.