الدكتور محمد بن عبد الكريم الزموري الجزائري علم من أعلام الجزائر في القرن العشرين، ألف ما يقارب الثمانين كتابا في شتى أنواع المعرفة الإنسانية كالعلوم الشرعية والأدب والدين والتفسير والتاريخ، مقسمة بين ترجمة وتأليف وتحقيق، في مقدمتها تفسير القرآن العظيم في سبعة أجزاء، وكتاب حول السيرة النبوية.

على الرغم من أن محمد بن عبد الكريم الزموري شخصية يجهلها الكثيرون، حتى من بني جلدته، إلا أن هذا العالم الفذ والكاتب النشط والداعية المواضب، تشهد عليه جهوده الكبيرة في البحث والكتابة والتحقيق والدعوة، ويتحدث عنه رصيده الظخم في مجال التأليف والتحقيق والترجمة، ومساره الطويل في ميدان الدعوة. فقد كان الرجل داعية على رأس الجمعية الإسلامية العالمية “بأوربا، كما زار العديد من الدول الإفريقية والآسيوية وقدم بها محاضرات عن الإسلام وتفسير القرآن والسيرة النبوية.

“المتمرّد” لوجه الله

يقول عنه الأستاذ عز الدين ميهوبي (أديب وكاتب ووزير سابق للثقافة في الحكومة الجزائرية) أنه “يوقّع مؤلفاته باسم محمد بن عبد الكريم الزموري الجزائري، فيظنه الناس واحدا من علماء القرن السابع عشر بينما كان بيننا حيا يرزق، ويواصل التأليف دون توقف، ودون أن يمنعه تقدم سنه في ذلك”.

ويضيف ميهوبي أن محمد بن عبد الكريم الزموري عالم من طينة علماء زمان، ومتمرد لوجه الله تنوّعت اهتماماته بين الأدب واللغة والشعر والفقه والتفسير والتاريخ وتحقيق المخطوطات.

من هو محمد بن عبد الكريم الزموري؟

ولد محمد بن عبد الكريم الزموري الجزائري في 25 أبريل 1924م ببرج بوعريريج، وتوفيت أمه وهو رضيع، ثم توفي والده وهو لم يتجاوز السادسة من العمر. فتربى يتيماً في أحضان بلدة أجداده بمنطقة “برج زمورة”، حيث بدأ دراسته الأولى في مسجد ابن فرج أين حفظ ربع القرآن على يد الشيخ العربي كشاط وابنه الشيخ محمد كشاط، ليتتلمذ بعد ذلك على يد العلامة عمر بن أبي حفص الزموري، حيث درس على يده بعض المتون في النحو والفقه والفلك و القراءات، كما تلقى علوم الفلك على يد الشيخ عبد المالك الأخضري. درس بمسجد “بوحيدوس” على يد الشيخ “علي بوبكر” فنهل من العلوم كالعقيدة والنحو وعلم الفلك، ونظراً للواقع المعيشي بالمنطقة أضطر للعمل.

في “منزلة ميم” بجامع الزيتونة

بعد سنوات من العمل حن إلى الدراسة، حيث سافر في حدود سنة 1952م إلى تونس لإكمال دراسته بمعهد “منزلة ميم” وهو أحد فروع جامع الزيتونة، ومكث هناك حوالي سنة، ودرس على يد العديد من الشيوخ على غرار كل من الشيخ محمد العابد، والشيخ قريسة، والشيخ الفاضل بن عاشور. وعاد بعدها إلى وطنه الجزائر، حيث تنقل في أماكن عديدة ودرس علوما شتى، ومنها إلى بلدية زمورة مواصلا رحلته الدراسية، فدرس بها ابن عاشر في الفقه والقطر في النحو، ثم توجه إلى مدرسة “التوفيق” في “السيدة الإفريقية”، حيث درس بها مدة عامين.

حرق “دمعة الجزائر”

وفي سنة 1956م توجه إلى فرنسا وبالتحديد إلى مدينة ليون، لكن بعد 3 سنوات اعتقلته السلطات الفرنسية، إذ اقتحمت الشرطة الفرنسية غرفته في إحدى الفنادق بباريس، وأحرقت أحد أعماله الشعرية والفكرية، ديوان بعنوان: “دمعة الجزائر” ومؤلف بعنوان: “الالهامات الربانية إلى معنى الأجرومية“، وزجت به في السجن مدة أربعة أشهر ونقل إلى مستشفى السجن وقضى به ثمانية عشر شهراً بعدما اشتد به المرض فكتب رسالة إلى وزير الداخلية الفرنسي آنذاك الذي أطلق سراحه.

مخطوطات جزائرية بمكتبات اسطنبول

عاد سنة 1963م إلى الجزائر بعد إستقلالها، حيث انخرط في سلك التعليم الذي قضى به مدة طويلة، ليتوجه في سنة 1968م إلى كل من تركيا وليبيا من أجل تحضير دبلوم في علم الوثائق وفن المكتبات، حيث ألف كتابه “مخطوطات جزائرية بمكتبات اسطنبول”. تحصل على شهادة الدراسات العليا في التاريخ التي كان موضوع رسالتها تحقيق مخطوط “التحفة المرضية في الدولة البكداشية” تحت إشراف مولاي بلحميسي، كما نال شهادة الدكتوراه في الأدب العربي والتي تمحورت حول “المقري وكتابه نفح الطيب” تحت إشراف إحسان النص.

مكتبة وقْف و30 سنة من النشاط الدعوي

في مارس 1978م توجه إلى ليبيا للمحاسبة في كتابيه “بدائع السلك” و “الغنية”، وهناك عرض عليه منصب داعية بفرنسا، من قبل جمعية الدعوة الإسلامية الليبية، فاستجاب للعرض وانتقل إلى باريس ليستمر نشاطه الدعوي إحدى وثلاثين سنة زار خلالها العديد من الدول الأوربية والإفريقية، وليعود إلى الجزائر أواخر التسعينيات.

ترك الدكتور محمد بن عبد الكريم عشرات النسخ لعناوين مختلفة ألفها، أوصى ببيعها بمبلغ رمزي، وتوجيه عائداتها لصالح غزة ، كما ترك مكتبة ضخمة هي عبارة عن وقْف لمسجد أبي حيدوس ببرج زموة التابعة لولاية برج بوعريريج، تحتوي خزائنها عناوين لكتب قديمة الطبعة والبعض منها كتب نادرة ومهمة، ومن بين أهم التصنيفات الموجودة فيها : العلوم القرآنية، علوم الحديث، السيرة النبوية، عقيدة فقه وأصول الفقه، الأدب والنقد، اللغة، الشعر، التاريخ، الفهارس والمعاجم والقواميس، بالإضافة إلى المجلات والدوريات.  ونصح الزموري الباحثين والأساتذة الجامعيين والطلبة بزيارة هذه المكتبة التي تعد إرثا علميا لا يقدر بثمن وصدقة جارية في سبيل خدمة العلم.

مؤلفاته

أَلف محمد بن عبد الكريم الزموري العديد من الكتب، من بينها:

  1. الحكم الشرعي لرؤية الهلال بالأبصار وإبطال نظريات الحساب الفلكي في الصوم والإفطار.
  2. حياة حمدان بن عثمان خوجة ومذكراته.
  3. مخطوطات جزائرية في مكتبات اسطنبول.
  4. عباد الرحمن في سورة الفرقان.
  5. الربا في ميزان الإسلام.
  6. الصلاة في ميزان الإسلام.
  7. الشورى في ميزان الإسلام
  8. الإسلام ثقافة واجتهاد وليس بتقليد أعمى.
  9. الهجرة من الأقطار الإسلامية إلى الأقطار الإفرنجية في ميزان الإسلام.
  10. قبس من مولد محمد بن عبد الله وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام.
  11. مقدمة في علوم القرآن وعلوم التفسير.
  12. من توجيهات القرآن العظيم (تفسير كامل للقرآن الكريم في 7 مجلدات).
  13. استخراج العبر والأحكام من حياة محمد عليه الصلاة والسلام.
  14. الزكاة في ميزان الإسلام.
  15. دور المسجد في الإسلام.

كما ترجم وحقق محمد بن عبد الكريم العديد من الكتب، وهي:

الترجمات

  1. ترجمة “مذكرات حمدان بن عثمان خوجة الجزائري” من الفرنسية إلى العربية.
  2. ترجمة “كتاب المرآة” لحمدان بن عثمان خوجة من الفرنسية إلى العربية.
  3. ترجمة محاضرة «القرآن والعلوم الحديثة» للدكتور موريس بوكاي.

التحقيقات

  1. التحفة المرضية في الدولة البكداشية، لمحمد بن ميمون الجزائري.
  2. بدائع السلك في طبائع الملك، لمحمد بن الأزرق الأندلسي (مجلدان).
  3. وشاح الكتائب، لقدور بن رويلة.
  4. إتحاف المنصفين والأدباء، لحمدان بن عثمان خوجة.
  5. السعي المحمود في نظام الجنود، لمحمد بن العنابي.
  6. رحلة الباي محمد الكبير، لأحمد بن هطال الجزائري.
  7. الغُنية، للقاضي عياض المغربي.
  8. مقدمة في صناعة الشعر والنثر، والاكتراث في حقوق الإناث لمحمد بن الخوجة الجزائري.
  9. بهجة الناظر، لعبد القادر المشرفي.
  10. ثلاث رسائل جزائرية في حكم الهجرة، لأحمد الونشريسي والأمير عبد القادر ومحمد بن الشاهد.
  11. رسالة الإمام مالك بن أنس إلى الخليفة هارون الرشيد.
  12. كتاب «كواكب العرفانية وشوارق الأنسية في شرح ألفاظ القدسية» للشيخ الحسين الورتلاني.

وفاته

توفي محمد بن عبد الكريم الزموري يوم الجمعة الموافق لـ9 نوفمبر 2012، عن عمر يناهز 88 سنة بمنزله المتواجد بحي المعبودة بمدينة سطيف إثر معاناته الطويلة مع مرض الربو، الذي أقعده الفراش لعدة سنوات.

وحين رحل الرجل عن الدنيا، عليه رحمة الله،، كانت وسائل الإعلام غارقة في أخبار انتخاب أوباما لمرة ثانية، دون أن تسمع بعلامة جزائري ترك وراءه كنوزا من المعرفة.. أهمها “تفسير القرآن الكريم” الذي أتّمه وهو يُصارع فقدان البصر.. جزاه الله خيرا على أمته ودينه.