يعد التأليف في الفقه الإسلامي – أو التأليف الفقهي – أحد مفاخر علماء الإسلام، وقد كانت نشأة الفقه باعتباره علما مثله مثل غيره من العلوم، يبدأ متناثرا، محفوظا عند علمائه ثم يمر بمرحلة الاستواء في التأليف،  وقد بدأت معرفة الأحكام الفقهية مع القرآن الكريم، إما ابتداء في بيان حكم الله تعالى للأمة، أو إيضاح الحكم الشرعي في بعض المواقف التي حصلت في حياة الصحابة، مثل المرأة المجادلة، أو الاختلاف حول الموقف من الأسرى، أو تقسيم غنائم الحرب أو غيرها من الأحكام.

وقد بين النبي عشرات المئات من الأحكام من خلال السنة النبوية، ولما جمعت السنة كانت مدونات السنة من أوائل المصنفات التي يؤخذ منها معرفة الأحكام الفقهية، وقد ظهر هذا جليا في كتاب الموطأ الذي يعد من أوائل كتب التدوين، ثم صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن وغيرها من كتب السنة التي اعتمدت التبويب الموضوعي، وكانت الترجمة التي يكتبها المصنف تعبر عن ترجيحه الفقهي في المسألة.

كما سبق ذلك بعض المصنفات الفقهية وغالبها كانت إجابات عن تساؤلات أشبه بالفتاوى، وتوالى التصنيف الفقهي الذي اعتمد على التبويب الموضوعي منذ بواكير التأليف إلى يومنا هذا، مع اختلاف المذاهب في ترتيب أبواب الفقه، لكنها في النهاية تأخذ النهج نفسه في التأليف، فمنهم من كان يبدأ بباب للإيمان، ثم العبادات بما فيها من الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها، ثم البيوع ثم الأحوال الشخصية وغيرها، مع التباين الكبير بين المذاهب في الترتيب بين هذه الأبواب، على أن أحدا لم يخرج عن هذا النهج، وتوالت الكتابات من المتون والشروح المختصرة والمتوسطة والمطولة والاختصارات والحواشي وغيرها، ثم مرحلة كتابة الفقه بأسلوب معاصر كما فعل الشيخ سيد سابق رحمه الله، ومن بعده، لكن أيضا على النهج نفسه من التبويب الموضوعي الذي قسم الفقه إلى أقسام وأبواب مما هو مشتهر عند العلماء وطلبة العلم.

بداية التأليف الفقهي

متى بدأ التأليف في الفقه ؟

مما هو معلوم أن التأليف في الفقه باعتباره علما بدأ في العصر العباسي لا قبله، إلا ما ادعي أن أول مصنف في الفقه وصلنا هو ( مجموعة زيد بن علي، المتوفى 122هـ)، وهو مختصر في الفقه على المذهب الزيدي.

ويعبر أحد الباحثين الكبار عن سمة التأليف في القرن الثامن وما قبلها، فيقول: «إن السمة العامة لهذا العصر يغلب عليها التقليد؛ لأنه لا يخرج عن كونه امتدادًا للعصور التي سبقته، بعد أن اتجهت همة العلماء منذ القرن الرابع الهجري إلى مناظرة المذاهب الأخرى، وإلى التقليد بدل الاجتهاد.

فقد صار مذهب كل إمام علمًا مخصوصًا عند أهل مذهبه، ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس على سبيل الاستقلال، واحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم

ولم يخرج الاتجاه العام في التأليف عن الأقسام التي لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها، وهى: إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتمه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره، دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه»[1].

وقد أثنى الفقيه الحنبلي ابن بدران على تصانيف العلماء وإبداعهم فيها فقال: «‌اعلم ‌أن ‌أصحابنا ‌تفننوا ‌في ‌علومهم ‌الفقهية ‌فنونا وجعلوا لشجرتها المثمرة بأنواع الثمرات غصونا وشعبوا من نهرها جداول تروي الصادي ويحمد سيرها الساري في سبيل الهدى وطريق الاقتداء،  ففرعوا الفقه إلى المسائل الفرعية وألفوا فيها كتابا قد اطلعت على بعض منها،  ثم أفردوا لما فيه خلاف لأحد الأئمة فنا وسموه بفن الخلاف وتارة يطلقون عليه المفردات، وضموا المتناسبات فألحقوها بأصول استنبطوها من فن أصول الفقه وسموا فنها بالقواعد، وجعلوا للمسائل المشتبهة صورة المختلفة حكما ودليلا وعلة فنا سموه بالفروق، وعمدوا إلى الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان مما ينطبق على قاعدة المصالح المرسلة فأسسوها وسموها بالأحكام السلطانية، وأتوا على ما اختلقه العوام وأرباب التدليس فسموه بـ البدع، وعلى ما هو من الأخلاق مما هو للتأديب والتربية ووسموه بفن الآداب، ولما كانت كتبهم لا تخلو عن الاستدلال بالكتاب والسنة والقياس صنفوا كغيرهم في أصول الفقه ثم في تخريج أحاديث الكتب المصنفة في الفروع، ثم عمدوا إلى جمع الأحاديث التي يصح الاستدلال بها فجمعوها ورتبوها على أبواب كتب فقههم وسموا ذلك فن الأحكام، وألفوا كغيرهم كتب الفرائض مفردة وكتب الحساب والجبر والمقابلة وأفردوا كتب التوحيد عن كتب المتأولين وأكثروا فيها إقامة الدلائل انتصارا لمذهب السلف”[2].

ورغم عبقرية العقل الفقهي في التصنيف فيه، إلا أن هذا الترتيب هو ترتيب تعليمي في المقام الأول، ومن جهة أخرى كان يخدم القضاء، وأحسب أن الحاجة أصبحت ماسة إلى إيجاد مناهج أخرى.

واستجابة لذلك ظهرت لنا في العصر الحديث الموسوعات الفقهية، مثل موسوعة جمال عبد الناصر التي لم تكتمل حتى الآن، والموسوعة الفقهية الكويتية التي ظهرت تباعا وانتهى منها في عام 2005م وخرجت في (45) مجلدا، وقدمت الفقه بأسلوب معاصر، اقتصرت فيه على المذاهب الفقهية الأربعة التي تمثل فقه علماء أهل السنة دون الظاهرية والمذاهب الشيعية، كما أنها تقف عند فقه التراث، ولم تتناول الفقه المعاصر، فهي توقفت عند منتصف القرن الثالث عشر الهجري.

كما ظهرت الدراسات المقارنة بين الفقه وغيره، خاصة الدراسات المقارنة بين الفقه والقانون، والتي مثلت مرحلة متطورة من التصنيف الفقهي.

كما كان من مظاهر التجديد في التصنيف الفقهي المعاصر، ما بات يعرف اليوم بـ( النظريات الفقهية)، وقد كتب فيها كثير من العلماء على رأسهم الأستاذ مصطفى الزرقا رحمه الله وغيره.

على أن الناظر إلى تطور الحياة يجد أن الحاجة مازالت ماسة إلى إيجاد مناهج أخرى في التصنيف الفقهي تساير العصر وتعبر عن روحه، وأن تكون قرينة للتصنيف على المنهج القديم ومنهج الموسوعات الفقهية.

ويمكن طرح عدد من المناهج التي يمكن أن يكون فيها نوع من الجدة، وأنها تساهم في تطوير الصناعة الفقهية المعاصرة، وقد تفتح آفاقا أرحب في التصنيف الفقهي.

كيف يكون التصنيف الفقهي حسب مقاصد الشريعة ؟

التصنيف الفقهي حسب مقاصد الشريعة الكبرى الخمسة كالتالي:

فقه حفظ الدين.
فقه حفظ النفس
فقه حفظ النسل
فقه حفظ العقل
فقه حفظ المال.

وهذا يدعو إلى عقد ورش عمل بين الفقهاء والباحثين لإيجاد خريطة تمثل كل قسم من تلك الأقسام وما يندرج تحته من أبواب وفصول ومطالب، وسنجد أنفسنا بحاجة إلى بعض التقاسيم الجديدة التي ربما ستحتاج إلى اجتهاد جديد أيضا.

على ماذا يشتمل التصنيف الفقهي الاجتماعي؟

التصنيف الفقهي الاجتماعي يشمل:
فقه الفرد
فقه العائلة
فقه المجتمع
فقه الدولة
فقه الأمة

التصنيف الفقهي حسب العلاقات

  1. فقه المسلم مع الله
  2. فقه المسلم مع النفس
  3. فقه المسلم مع الخلق
  4. فقه المسلم مع الكون

التصنيف الفقهي حسب المجالات

هذا التصنيف هو في حقيقته تطوير لطريقة التصنيف القديمة، لكنه يستصحب الواقع المعيش المعاصر، فيضاف إلى الأبواب المعروفة أبوابا جديدة، مثل:

  • فقه المرأة
  • فقه الأطفال
  • فقه الشباب
  • فقه الفنون والآداب والثقافة
  • فقه التكنولوجيا
  • فقه التنمية
  • فقه التواصل الحضاري
  • فقه الأمن
  • فقه السياحة والآثار
  • فقه المرور
  • فقه العمل والعمال
  • فقه الاقتصاد: وهو أوسع من فقه المعاملات المالية.
  • فقه الاستثمار
  • فقه البنوك
  • فقه التأمين
  • فقه التقنين والتشريعات
  • فقه الزراعة
  • فقه الصناعة
  • فقه الطب والصحة
  • فقه البيئة
  • فقه الإسكان والمجتمعات العمرانية
  • فقه الاتصالات والمعلومات
  • فقه الثروات الطبيعية
  • فقه التجارة
  • فقه التعليم والبحث العلمي
  • الفقه الاجتماعي
  • فقه الدفاع والإنتاج الحربي
  • فقه الرياضة
  • فقه الطيران
  • فقه النقل والمواصلات
  • فقه الإعلام
  • فقه الإدارة
  • فقه الهجرة

وهو تصنيف يعبر عن مؤسسات الدولة المعاصرة، كما أنه يساهم في التزام مؤسسات الدول بالأحكام الشرعية.

التصنيف الفقهي حسب الوظائف

ماذا يقصد بالتصنيف الفقهي حسب الوظائف ؟

نقصد بذلك أن يصنف الفقه حسب المهن والحرف والوظائف، وذلك بقصد مراعاة الأحكام الفقهية في كل مهنة يقوم بها المسلم.

فيكتب في : فقه الحاكم، وفقه القاضي، وفقه المفتي، وفقه الوزير، وفقه الطبيب، وفقه المهندس، وفقه المزارع، وفقه التاجر، وفقه المحاسب، وفقه الموظف، وفقه المدرس، وغيرها من الوظائف المعاصرة.

هذه بعض الأطروحات الجديدة في التصنيف الفقهي، نقصد بها أن يشعر الناس بأن الفقهاء معهم، يكلمونهم بلغة العصر الذي يعيشونه، لا بلغة قديمة كتبت في عصر غيرهم، مع بقاء الانتفاع بالمصنفات الفقهية الرائعة التي ستظل ذخرا لطلاب العلم والعلماء في البحوث والدراسات.

إلا أن الفقه بحاجة أكبر لالتحامه بحياة الناس، لأن من أمعن النظر فيه وجد أن أفضل تعبير للفقه أنه ( علم الحياة)، ولما كان الفقه علم الحياة، فإنه يجب عليه أن يقود الحياة.