قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي ليلة القدر * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ * [القدر: 1 – 5].

أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال: دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس: فقلت لعمر: «إني لأعلم، أو إني لأظن أي ليلة هي؟»، قال عمر: وأي ليلة هي؟ فقلت: ” سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ فقال: «خلق الله سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإن الدهر يدور في سبع، وخلق الله الإنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع، لأشياء ذكرها»، فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنا له، وكان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله: يأكل من سبع قال: ” هو قول الله: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا} عبس: 27، 28. قال ابن كثير إسناد جيد ونص غريب.

ومسألة خلق الإنسان من سبع، استدل لها ابن عباس بقول الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون -12-13-14.

ومسألة أكل الإنسان من سبع انتزعها من قوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} عبس -24- 31.

فقال كون الإنسان خلق في سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والسماوات سبع، والأرضون سبع، ورمي الجمار سبع، والطواف سبع، والمثاني سبع إلى غير ذلك مما جاء على هذا النحو فلا أرى ليلة القدر إلّا ليلة سبع؛ لدلالة السبع في الشريعة.

ومثل ذلك أيضا ما روي عن ابن عباس من أن القرآن أشار بكلمة “هي” في هذه السورة إلى ليلة القدر، وأنها ليلة السابع والعشرين من رمضان؛ لأن رقم الكلمة في السورة هو سبع وعشرون.

ومثل ذلك الاستدلال أيضا بتكرار جملة “لَيْلَةِ الْقَدْرِ” ثلاث مرات في هذه السورة وأنها مكونة من تسعة أحرف فيكون المجموع سبعة وعشرين حرفا، وعدد كلمات هذه السورة ثلاثون كلمة بعدد أيام الشهر القمري الكامل. وعلى هذا فليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين.

قال ابن عطية رحمه الله: “وهذه من ملح التفسير، وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: «إنها ليلة سبع وعشرين»، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة “إِنَّا أَنْزَلْناهُ في ليلة القدر” القدر- 1. ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه»، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول».

وقد قسى ابن حزم رحمه الله كعادته على ابن بكير المالكي لما ذكر هذا القول مستأنسا به قال ابن حزم: ” ومن طرائف الوسواس: احتجاج ابن بكير المالكي في أنها ليلة سبع وعشرين بقول الله تعالى: {سلام هي} [القدر: 5] قال: فلفظة ” هي ” هي السابعة والعشرون من السورة… نعوذ بالله من البلاء. وقال ما هو أقسى من ذلك غفر الله له ورحمه، وليته قال كما قال ابن عطية وانتهى، ثم إن هذا القول مأثور عن ابن عباس رضي الله عنه وإذا أثر القول عن السلف فليسكت الخلف كما كان يقول مشايخنا رحمهم الله.

ومن هذا القبيل ما اصطلح عليه بالإعجاز العددي كقول بعضهم إن سورة الكوثر جميع آياتها ختمت بحرف الّراء، وترتيبه الهجائي رقم 10، وسور القرآن التي تنتهي بحرف الّراء عددها 10 سور آخرها سورة الكوثر، وأن هذا يرمز إلى اليوم العاشر من ذي الحجة يوم النحر يوم الحج الأكبر وأن قوله تعالى: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، المقصود: هو يوم النحر.

ومن مليحه قولهم: إن سورة النمل هي السّورة 27 في ترتيب المصحف، وعدد آياتها 93 آية. وأنها تبدأ بالحرفين: (ط س)، وقد تكرر حرف (ط) في سورة النمل 27 مرّة، وهذا هو ترتيب السورة في المصحف.

وتكرر حرف (س) في سورة النمل 93 مرّة، وهذا هو عدد آيات السورة.

ومجموع (27+ 93) = 120 وهذا هو مجمل كلمة نمل.

ومنه في سورة التوبة أنها هي السورة “9” في ترتيب المصحف، وهي السورة الوحيدة التي لا تُستهل بالبسملة، وفي مقابل ذلك نجد أنّ سورة النمل تتكررت فيها البسملة مرتين؛ وذلك في بداية السورة وفي الآية30 : ” إنه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم “.

وهناك بعض العلاقات العدديّة التي تجمع بين السورتين:

إذا بدأنا العد من السورة 9 تكون سورة النمل هي السورة 19. والفرق بين ترتيب السورتين في المصحف هو: (27 – 9) = 18

لم ترد كلمة النمل في القرآن الكريم إلا في الآية 18 من سورة النمل، وعدد كلماتها 19 كلمة.

فإذا تأملت هذا وجدته من ملح تدبر القرآن وليس من متين العلم، وأحسنه ما كان منه ظاهرا غير متكلف، على نحو ما نقل عن السلف منه كابن عباس وغيره، وأما تسميته إعجازا فلا يخلوا من نظر وتجوز ومبالغة؛ وذلك لكونه يفتقر إلى المنهجية العلمية، إذ يعتمد أحيانا رسم بعض الكلمات، كما وردت في أحد المصاحف، دون مراعاة رسمها في المصاحف الأخرى، وأحيانا لا يراعى الرسم العثماني للكلمة حتى تناسب الغرض لدى العاد. كما أنه وقع فيه خبط وخلط كثير ونزاع بين أصحابه، وخطأ بعضهم بعضا، في قضايا كثيرة. كما يقول الدكتور خالد السبت.

وكمثال على ذلك ما يشاع من أن كلمة اليوم وردت في القرآن بعدد أيام السنة “365 ” وأن هذا من الإعجاز العظيم، والواقع أن العاد انتقى بعض المفردات وأهمل بعضا، فقد حسب لفظ: “اليوم” و “يوماً ” فقط، وترك لفظ: “يومكم” و “يومهم” وهكذا؛ لأنه لو فعل ذلك لاختلف الحساب عليه ولم يصل إلى هذا الفتح العظيم.

وخلاصة القول في هذا أن ما يسمى بالإعجاز العددي ليس من محقق القول ولا متين العلم، وإنما هو من باب اللطائف والملح، إن كان له وجه سائغ، ولم يترتب عليه محذور شرعي.


  مراجع :

تفسير ابن كثير 8/448.

المحرر الوجيز لابن عطية 1/61.

المعجزة القرآنية أحمد عمر أبو شوفه ص95.

المحلى بالآثار لابن حزم 4/459.

زاد المسير لابن الجوزي 4/472.

التفسير القرآني لعبد الكريم يونس الخطيب 16/1634.

اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر لفهد الرومي 2/700.