إن المرأة التي تسلك طريق الإلتزام تصبح مثار جدل في محيطها الاجتماعي، حيث يرى المحيطون بها أنه لا داعي لتغيرها عن المحيطات بها من بنات جنسها، فالجميع بحمد الله مسلمون وهي باختلافها عنهن وآرائها تحدث ضجة حولها، و كان الأحرى أن تبقى على طبيعتها ـ حسب رأيهم ـ !!
وما لا يدركه هؤلاء ومجتمعهم أن الإسلام نعمة عظيمة تستحق الشكر الكثير، و أنهم بعدم اعترافهم بالتقصير تجاه دينهم وبكثرة الأمراض في مجتمعهم يزيدون الأوضاع سوءا وتفاقما، فالمجتمع الذي يؤكدون أنه بخير ترى فيه المرأة تخرج من البيت إلى الشارع متبرجة في ملحفة رقيقة لا تستر بدنها ولا تحفظ لسانها ولا تؤدي الصلاة بطهارة، إلى غير ذلك من المظاهر الكثيرة المشاهدة.
إن الفتاة التي يستيقظ ضميرها ويحيا قلبها فتفكر في حالها وحال غيرها وتستخلص العبر من واقعها وتعلن للجميع إيمانها وهدايتها وحسن نيتها في إصلاح نفسها وغيرها، لهي جديرة بكل احترام وتقدير وتشجيع وتثمين لموقفها من قائمة الأهل والأصدقاء والمتابعين، فليتهم يدركون قيمتها ومدى أهمية قرارها فيتقبلونه بكل سرور ويتمنون لو تسلك كل النساء مسارها.
لكن الواقع أنهم يقابلون حدث التزامها – غالبا – باستغراب واستفهامات كثيرة واستنكار لأنهم لا يستوعبون أن يخرج عليهم من يتغير عنهم في الإدراك والاهتمامات .
ومن المؤسف أن المرأة في مجتمعنا ما تزال تقبع تحت نير التقاليد والعادات التي لا تمت للدين بصلة، رغم أن أكثرهن متعلمات ومثقفات، إلا أن المجتمع أقوى إذ ما يزال متشبعا ببعض موروث التقاليد التي لا علاقة لها بالشرع، فالمرأة الصالحة – في رأيهم طبعا – ينبغي أن تتميز بالسلبية فلا تنكر ما تراه من مظاهر سيئة لأن ذلك تدخل فيما لا يعنيها وفضول منها وسوء أدب يؤدي للخلاف والمشاكل التي لا طائل من ورائها، ونسوا بأن النصح والتناصح بين المسلمين واجب وبأن المجتمع النسوي أحوج ما يكون لذلك.
وقد علموا البنت بأن أقصى طموحاتها أن تتزوج ونسوا أن يعلموها بأن الزواج مشروع هام، ولا يكون ناجحا إلا إذا بني على أساس قوي، ولم يعلموها كيفية التعامل مع مجريات الحياة، واختلافاتها ومشاكل الحياة الأسرية الزوجية وكيفية علاجها، فهي تخرج من عند والدتها وقد علمتها الطبيخ والتبذير وفرض الشخصية على الزوج واختلاق الأعذار وتبرير الأخطاء وحب المال.
كما يعلمها المجتمع المحيط قيما سلبية أخرى، فتراهم يمدحون فلانة على قوة شخصيتها أمام زوجها ضعيف الشخصية، فهي تتبجح بإسراف ماله في وجوه كثيرة بعلمه وبدون علمه وتقود سيارته آخر الليل إلى مناسبة اجتماعية وتتركه مع أبنائهم في الدار.
إن الفتاة الملتزمة التي تخاف ربها وتقرأ عن عظيم حق زوجها، حين تنكر كل تلك المظاهر توصم بضعف الشخصية وقلة الإدراك ويؤكد لها جميع من حولها بأنها تسلك مسارا خاطئا وستدفع نتيجة حماقاتها – حسب توصيفهم – فزوجها من مجتمع وهي منه، ولا ينبغي أن تخرج عن إطاره.
ويوم ترزق بالأبناء وتسعى لتربيتهم على الإلتزام الذي تنعم به، وتبدي مشاعرها لهم وتغمرهم بحنان الأم وعطفها فعليها أن تضع ألف حساب لذلك، لأنه أمر مرفوض اجتماعيا فلا ينبغي لها أن تبدي لهم مشاعرها إطلاقا مع أن كثيرا من الدراسات تؤكد على أن الطفل الذي لا تعبر له الأم عن حبها ينشأ تنشئة ناقصة ويؤثر ذلك على تربيته وإدراكه.
تلك بعض الأمثلة القليلة المشاهدة في واقع مجتمعنا المتناقض مع تعاليم دينه الذي يدعو لستر المرأة واحتشامها وطاعة زوجها وتربية أبنائها، لكن العادات الموروثة والمتراكمة عبر أجيال تقول لك: أنت مسلمة لكن لا ينبغي أن تخالفي أو تعترضي على ما ترينه في مجتمعك الذي يلبس بعض الأخطاء لبوسا يجعلها من الدين، فعدم إظهار مشاعرك يعتبر حياء.
. ولا يفوتني أن أؤكد على أن هذا التشخيص لأمور مشاهدة لكنه لا ينطبق على الكل فالتعميم هنا لا يصح، لكنه واقع موجود وبقوة، ولا يتنافى ذلك مع وجود نماذج رائعة من عائلات وأسر وأفراد في مجتمعنا.
خلاصة القول إن الفتاة التي تلتزم بشرع ربها وتسعى لتطبيقه على واقعها تواجهها جملة من العوائق الكثيرة التي ينبغي أن تواجه بحزم وصبر قوي وثبات وجهاد حتى يقضي الله بزوالها تدريجيا وصلاح المجتمع المسلم الجاهل بجمال تعاليم الدين ونتائج الالتزام على الفرد ومحيطه.