هناك تصور شائع بأن الطفل لا يحتاج إلى الكتاب إلا بعد دخوله المدرسة، وتعلمه القراءة بمعناها المتعارف عليه في عالم الكبار، وهذا الاعتقاد خاطئ حيث إن الطفل الذي نتركه بدون كتاب حتى المرحلة الابتدائية لن تكون هناك أُلفة بينه وبين الكتاب، ولن يكون بينهما الحب الكافي، خاصة إذا ما كان الكتاب المدرسي غير جذاب؛ ولذا ستكون هناك صعوبات في علاقة هذا الطفل بالكتاب، ومن ثَم بالتعليم والتعلم.. قد تتساءل: هل للقراءة تلك الأهمية؟ لولا هذه الأهمية لما أقسم العليم الحق بالقلم والحرف.
القراءة.. نمو
كاتب الأطفال المصري الأستاذ “يعقوب الشاروني” يقول: “أصبح العالم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والذي يقرأ ويفهم ما يقرأ في سرعة يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينهي القارئ العادي”.
القراءة أساس التعليم ووسيلته الأولى، والفرد القارئ فرد نامٍ وقادر على استمرار النمو؛ فالقراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة واعية للكلام المطبوع، وهي السبيل للاتصال بعالم الآخرين، واكتساب معارفهم وخبراتهم التي تجعله قادرًا على العيش بفكر ناضج رحب، كما تكسبه القدرة على التعبير عن نفسه. ولا يخفى على أحد أن قدرة أطفالنا وشبابنا على التعبير عن الذات أصبحت غير كافية وغير دقيقة، بل إن بعضهم فقد القدرة على هذا التعبير.
القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد الأهل صيغة دائمة للتفاعل الإيجابي مع الطفل من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل وتبادل الرأي والتعليق على ما يقرؤه الطفل. وقد تكون هذه الإيجابية والتفاعلية هدفا في حد ذاتها؛ حيث أصبحت صفة معبرة عن قدرة الفرد على التعايش والنمو، وهذه المعرفة والتفاعل لن يكونا بغير قراءة.
التمهيد للقراءة..
فكما أن المشي يمهد للجري، فالحرف يمهد للكلمة والكلمة تمهد للجملة؛ فالحكي هو التمهيد الطبيعي للقراءة. وقد أكدت العديد من الدراسات أن القراءة للأطفال تُعتبر بمثابة مثير جيد نحو توجيه اهتمامهم إلى عالم الكتب والأدب، ذلك العالم الرائع.
يكتسب الطفل قبل سن السادسة خبرات متنوعة في علاقته بالكتب والمطبوعات المختلفة من خلال البيئة المحيطة به؛ فالبيئة التي تشجع القراءة، ويكون فيها الكبار يحترمون الكتاب ويحبونه، من السهل أن تجد طفل هذه البيئة لديه دافع للاهتمام بالكتاب ومقبلا على العلم والمعرفة. فوجود الكتاب حول الطفل في مراحل عمره الأولى يساعد في تكوين اتجاه إيجابي نحو الكتب، ويؤثر هذا بالتالي على نجاح الطفل في الدراسة مستقبلا.
يبدأ الطفل تعلم القراءة منذ الطفولة المبكرة، ولكنها ليست القراءة بالصورة التي نعلمها إنما هو الاستعداد للقراءة. ويكون ذلك بملازمة الطفل للكتاب كأنه لعبة من ألعابه، يقلب فيه، ويتعرف عليه ويرتبط به ارتباطا وثيقا، ويحبه إلى أن تتوالى المراحل المختلفة في نموه وهو مرتبط بهذا الصديق الحبيب –الكتاب– حتى يصل لسن المدرسة؛ فنجد لدى هذا الطفل العديد من الأفكار والمدركات بل والكلمات والجمل والتعبيرات التي تساعده على النجاح في تعلم القراءة بمعناها المدرسي، ونجده قادرا على الفهم والاستيعاب لما يعرض عليه من مادة مكتوبة في كتابه المدرسي.
فالطفل الذي يقرأ قبل دخوله المدرسة يمكنه قراءة الكتاب المدرسي بدون توجيه المعلم، ودون أن نسمع منه هذه الجملة العجيبة التي تتردد على ألسنة الكثير من أبنائنا للأسف: “لم آخذها في المدرسة”، سيعرف أن المقدم له في المدرسة هو وسيلة ضمن الوسائل للمعرفة، وليست هي كل المعرفة، كما أنه يدرك أن قراءة الكتاب المدرسي ليست هدفا في حد ذاتها. فهو يقبل على الدراسة متعطشًا لمزيد من المعرفة التي تنتجها القراءة في عالمها الواسع.
عناصر الجاذبية في الكتاب
يؤكد يعقوب الشاروني على أهمية أن يكون الكتاب جذابا؛ فيقول: “يتصور عدد كبير من المربين والآباء أن ما تقدمه القراءة من فوائد تعتبر هي الدافع للطفل لإثارة اهتمامه بعالم الكتاب، وأن اقتناعه بالفائدة هو الدافع له للقراءة.
وهذا التصور أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فالطفل لن يقتنع بهذه الفائدة إلا إذا قرأ فعلا. فالدافع الأول ليمسك الطفل بكتاب هو شكله الجذاب ومحتواه المقدم بشكل ممتع ومسلٍ، ثم يقرؤه ثم ينفعه ثم يرتبط به”.
ولكي تنشأ علاقة حب بين الكتاب والطفل لا بد أن تتوافر في الكتاب عناصر جذب خاصة تستثمر دوافع الطفل الطبيعية وأنشطته التي يحبها لنقرب الكتاب إليه؛ مثل الكتب قريبة الشبه باللعب.. تصدر أصواتًا، أو توجد بها بعض الأجزاء المتحركة أو الملابس المختلفة. وفي مرحلة عمرية تالية تقدم القصة البسيطة برسومات واضحة كبيرة وألوان صريحة مع مراعاة الحروف الكبيرة والكلمات البسيطة، والاهتمام باختيار الكتب ذات الغلاف الجميل؛ لأنه أول ما يجذب الطفل ويثير انتباهه.
كيف نجعله قارئا؟
ولنجعل من طفلنا شخصا مقبلا على القراءة مستمتعا بها لنحاول:
تقديم الكتب له من وقت مبكر جدا بما يتلاءم مع مرحلته العمرية (كلعبة، ثم كقصة، ثم ككتاب).
الحكي له مصحوبا بكتاب مصور أو غير مصحوب بكتاب؛ فلكل منها فائدته الخاصة.
ربط القراءة بجلسة محببة، ويمكن أن تكون أحيانا جماعية.
اصطحابه للمكتبة العامة للاطلاع والاستعارة، كما أن زيارة المكتبة ستجعله يرى أناسا يقرءون، ويلمح استمتاعهم بذلك.
اصطحابه لشراء الكتب لتعويده على اختيارها والمحافظة عليها ووضعها في رف خاص به في غرفته أو في مكتبة الأسرة.
إشعار الطفل بحب الكبار للكتاب وتقديرهم له؛ لأنه يقلد الكبار ويريد أن يصبح مثلهم.
فتح حوارات ومناقشات مع الطفل حول ما يقرأ، ودفعه للبحث عما يسأل عنه أو أن تقول له: “اسأل الكتب”، وابحثا سويا عما يريد معرفته؛ فسؤاله مفتاح لتقدم له الكتاب.
مكافأته إن رأيت إقبالا منه على الكتب لتدعم هذا السلوك، ولا تعتبره شيئا عاديا ليدرك أنه سلوك محبب فيستمر.
أعلمه أن الله أمرنا بالعلم، والقراءة أولى وسائله.
محاولة مع الكبار
قد يسأل سائل: كيف أنمي مهارة القراءة مع ابني؟ وهل من أمل في أن يعتادها من لم تُنمَّ لديه هذه العادة في الصغر؟
علينا التأكد من أنه يفهم ما يقرأ له.
نقدم له الموضوع الذي يحبه أيا كان المضمون والفائدة؛ فنضحي بالفائدة في المرحلة الأولى إلى أن يحب القراءة ويعتادها.
نقدم له ما يفهمه وما يجيد قراءته بنفسه، وإن كان أقل من مستواه العمري.
التشجيع المستمر والقدوة.
إدماجه في جماعة تحب القراءة.
المناقشة حول موضوع قرأه ليجد في نفسه المعرفة بما يحفزه للقراءة مرة أخرى.
اعتياد الذهاب للمكتبة ليرى من يقرءون وليبحث بنفسه عما يمتعه من كتب.
عدم تقديم كتاب به مساحة كبيرة مكتوبة حتى لا يعزف عن القراءة، ويشعر بالإحباط؛ فالكتاب المصور ذو الحروف الكبيرة المشكولة تساعد الطفل على القراءة.
وأخيرا الكتاب الجميل أهم ما يجذب الطفل.
نيفين عبد الله صلاح5>