مما لا ريبَ فيه أَنَّ اللهَ يعلمُ الغيب كله، ماضيه، وحاضره، ومستقبله، ما كان وما يكون وما سيكون، ولكن علمه هذا لأفعال، وأقوال، وأعمال العباد كاشف، لا ضاغطٌ ولا مكره، كالمرآة تكشفُ ما تلبس أو تعمل، وليست هي التي أكرهتك على ذلك.

ولو كان عِلْمُ الله ضاغِطاً أو مكرهاً للعباد على قول أو فعل، لكان ذلك ظلماً وحاش لله أن يظلم، وهو أحكمُ الحاكمين، أقام الكون على الحق والعدل، وأمر عبادَه بهما. وقد رأيت ذلك جلياً في أول هذا البحث.

ولقد ضلّت فئةٌ قديماً وحديثاً زعمتْ أنَّ اللهَ لا يعلمُ مستقبلَ الغيب إلا بعد حصوله، ولا يعلم أفعالَ العباد ولا أقوالهم إلا بعد وقوعها. يريدون بذلك – على حدِّ زعمهم – أن ينَزّهوا الله عن الظلم، فنسبوا إليه الجهلَ بالغيب – والعياذ بالله – فضلوا وأضلّوا.

والنصوصُ القرآنية التي تبطل زعمهم وافتراءهم كثيرة، قطعية الدّلالة على علم الله الشامل لكل غيب، ومنه غيبُ المستقبل بكلياته وجزيئاته، نختار لكم منها في آية الكرسي:

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [ [البقرة: 255] أي: ما فعلوا قديماً وما سيفعلون في المستقبل.

وقد تكررت هذه الألفاظ في عدة سور. وفي أول سورة الروم: { غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} فاللهُ يخبرُ عن حرب ستقعُ في المستقبل، حدّد لها بضعَ سنين، أي: من ثلاث إلى تسع سنين، وبيَّن أن الروم سيغلبون فيها الفرس، وقد حصل الأمرُ كما ذكر سبحانه، وهذا دليلٌ قاطعٌ على علمه بما سيقع في المستقبل.

وفي سورة المسد: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يخبرُ الله تعالى في هذه السورة أنَّ أبا لهب وامرأته سيموتان على الكفر، وقد ماتا عليه؛ مما يدلُّ على علمه بما سيقع في المستقبل.

وقد أخبر جبريلُ عليه السلام رسولَ الله أنَّ أُبَّي بن خلف سيموت كافراً، وهو الذي جاء بعظم بالٍ من القبر، وضرب به مثلاً وقال للرسول : من يحيي هذه وهي رميم؟ أأنت تزعم أنها تعود إنساناً سوياً؟ قال له : «نعم سيعيدك ويدخلك جهنم»([1]). وقد ماتَ كافراً في أُحُد على يد النبي حين أصرَّ وأقسم أن يقتل محمداً فقال لهم : «خلّوا سبيله إليّ». وبارزه فقتله. وفيه نزلت آية يس [78]: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }

وإخبار جبريل عليه السلام أن أبَّي بن خلف سيموتُ كافراً هو وحي بأمر الله تعالى ومنه، وهذا يدلُّ على عِلْم الله بما سيقع في المستقبل.

وفي سورة الفتح [11]: { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا } [الفتح: 11]

وهذا إخبارٌ منه سبحانه وتعالى بما سيقوله المخلَّفون من الأعراب، المتقاعسون عن الجهاد، وقد قالوه بعد ذلك، مما يدلُّ على علم الله تعالى بكل ما سيقع في المستقبل، ولذا انتهت الآية بقوله تعالى: { بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

وفي سورة الحج [68]: { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } وفي الآية إخبارٌ بأنَّ الله على علم بما يعمل وسيعمل الناس جميعاً، فصيغة المضارع ]تعملون[ تفيدُ الحاضر والمستقبل.

وفي آخر سورة لقمان [34]: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } في هذا الآيات إخبارٌ من الله تعالى أن مفاتحَ الغيب في المستقبل بيده، يجهلها الخلق، وهو تعالى بها عليم خبير.

وفي الأنعام [59]: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ }

وفي سورة البقرة [235]: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ }

وفيها إخبار أن الله يعلمُ ما سيقعُ في المستقبل.

وفي سورة المزمل [20]: { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى }

وفيهما إخبار بأن الله عَلِم ويعلَمُ ما سيقعُ في المستقبل. ذلك لأن الزمانَ مِن خَلْق الله، يخضع له المخلوق، وهو الإنسانُ وغيره من المخلوقات، ولا يخضعُ له الخالقُ سبحانه وتعالى، فإن قدرته وعلمه يتجاوزان الزمان الذي هو من خلقه، والخالق لا يخضعُ لما خَلَق.

وقد رأيتَ، وقرأتَ، وسمعتَ الأدلةَ التي ذكرتُها لك من القرآن الكريم، وكلها أدلةٌ منطقيةٌ، وقرائن لفظية، ووقائع تاريخية صادقة، تدلُّ على عِلْم الله المستقبلي بكلِّ شيء، كما يعلمُ الماضي والحاضر: { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 282]فَعِلْمُه تعالى يشملُ كلَّ شيء في كلِّ زمان ومكان. وصيغة ]عليم[ صفة مشبهة تدلُّ على الثبوت، والدوام، والاستقرار في كل زمان ومكان.

وفي سورة يس [76]: { فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} بصيغة المضارع، فالله يعلمُ ما نسرُّ وما نعلن في الماضي والحاضر، والمستقبل.

وفي سورة التوبة [78]: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }

بصيغة الجمع؛ ليشمل غيب الحاضر، والماضي، والمستقبل، فإذا دخلت ]قد[ على المضارع، وكان الإخبار عن الله تعالى، فهي حرف تحقيق كما في سورة الحجر [97]: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }

وفي سور النحل [103]: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ }

واللام الداخلة على ]قد[ موطئة للقسم تؤكد التحقيق.

وفي سورة الأنعام [33]: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ }

وما أكثر الآيات القرآنية الدَّالة على ما ذكرتُ، وفي هذا القدر كفاية.

أمَّا قوله تعالى في سورة العنكبوت [1 و3]: { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }

فقوله تعالى: ]فليعلمن[ أي: فليكشفن حقيقةَ وواقعَ الصادقين والمكذبين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بيّنة، ولئلاّ يُخْدَعَ أحدٌ بماكر، أو منافق، أو كافر.

والعلمُ سبيلٌ إلى الكشف والبيان، فأطلق السببَ وأراد الهدف منه، وهو كشفُ واقع المنافقين، وما ينطوون عليه من كذب، ومكر، وخداع. والكشف يحصلُ بتعريضهم لامتحاناتٍ كثيرة في أمور الدين والدنيا، منها: الجهاد، والزكاة، والصبر على المصائب، وترك المعاصي، والمثابرة على الطاعات، فيصعبُ على المنافقين إخفاءُ ما في نفوسهم من كفر، وهوىً، وبُخل، وجبن، وجزع، وكسل، وتخاذل، فتنكشف حقيقتُهم للناس. ولكَ أن تُفَسِّرَ ]فليعلمن[ بالجزاء والعقاب أيضاً؛ لأنَّ العلمَ بذنب المذنب سبيلٌ إلى عقابه على ما اقترف، ولعل الكشفَ أولى وأوضح فهو من التنبيه بالسبب على المسبّب.

ولو تابع القارئ سورة العنكبوت، فوصل إلى الآيات [10-12]: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }

أي: أو ليس اللهُ عالماً بما تنطوي عليه نفوسُ الناس – ومنهم المنافقون – وهو استفهامٌ تقريري جوابه: (بلى).

ثم أقسم أن يكشفَ واقعَ المنافقين والمؤمنين فقال: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }

فإذا كان معنى ]وليعلمن[ لا يتناول الكشفَ، وإظهار واقع الأمر، لم يكن لذكر ]وليعلمن[ أيَّةُ فائدة؛ لأنها بتقرير أنَّ اللهَ عليم بما في صُدور المؤمنين والمنافقين: { أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ }

فلا بُدَّ أن تفسّر: ]وليعلمن[ بـ(وليكشفنَّ – وليظهرنَّ) واقعَ الجميع من: صِدْق المؤمن، وكذب المنافق؛ ليستقيم معنى الآية، فتأمل.

وتتمةُ الآيات تُظْهِرُ نوعاً من هذا الكشف لأساليبهم في الكذب، والخداع، والاستحالة، والإغراء؛ ليوقعوا المؤمنين في حبائلهم فيضلّوهم؛ ليكون المؤمنين على حذر، ويقظة، فلا يَنْزَلقوا إلى ضلال: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}

فَعِلْمُ الله قديم كاشفٌ لا مُكْرِه.

وقوله تعالى في سورة الحاقة [49]: { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}

وفي سورة ق [16]: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}

دليلٌ قاطعٌ على ما ذكرنا من عِلْم الله القديم السابق. وقِسْ على هذه الآيات مثيلاتها من كتاب الله الكريم، كما في سورة البقرة [143]: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ }

وسورة الكهف [12]: { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً}

وسورة محمد [31]: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ }

ففعل (نعلم) في هذه الآيات ومثيلاتها معناه: (نكشف ونظهر) فتأملْ تُفْلِحْ، وتكنْ من المهتدين.

ولعلَّ الحديث الصحيح: «إِنَّ الرجلَ ليعملُ بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلاَّ ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»([2]) يُؤيِّد ما ذهبنا إليه من معنى الكشف والإظهار لما في نفوس المنافقين. فقوله: «فيما يبدو للناس» واضحُ الدّلالة على أنَّ الرجلَ المذكور في هذا الحديث منافق، يتصنَّع خلاف حقيقته، ويتظاهَرُ بالتقوى، وهو من أهل الفجور في السِّر، فيبدو للناس أنه من الصَّالحين، وهو غيرُ صالح، فلا بُدَّ أن يكشفَ اللهُ أمره، ويُظْهِرَ كذبه ونفاقه للناس، فقد كتب، وفرض، وأمر أن يتَّضح نفاق المنافقين، وينكشف؛ لئلا يُخدع بهم أهلُ الإيمان والتقوى. فيتصرَّف المنافقون بما يكشف ما في نفوسهم من نفاق، وكفر، وكذب، وفي ذلك إرغامٌ للباطل، ونَصْرٌ للحقِّ.

وللعبد فرصٌ لدفع البلاء والعقاب عنه:

أ- فإذا استحقَّ عقاباً في الدنيا قبل الآخرة فتاب، وأناب، وعمل صالحاً، ودعا، وألحَّ في الدعاء، كشف عنه البلاء، ورفع العقاب؛ لما ورد في الحديث الشريف: «لا يردُّ القضاءَ إلا الدُّعاء»([3]).

«صنائعُ المعروف تقي مصارعَ السوء، وصدقةُ السِّرِّ تطفئُ غضبَ الرب، وصلةُ الرَّحم تزيدُ في العمر»([4]).

ب- وإذا استحقَّ العبدُ خيراً ورزقاً، فعصى وغوى، قبل وصول الرزق إليه، فقد يُحرم ذلك الرزق، ويُمنع عنه.

وفي الحديث الشريف: «إِنَّ العبدَ ليحرمُ الرزق بالذنب يصيبه»([5]).

وإذا حملنا قولَه تعالى: { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } [الرعد: 39]

على العموم، كما رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ولم نخصَّصها بالمعجزات، علمنا أنَّ الثوابَ والعقابَ ليسا مقطوعاً بهما لا يتغيران، بل تابعان لتصرُّف العبد في قوله وعمله، وهو حرُّ التَّصرف فيهما كما رأيت، فإن أحسنَ أُحسن إليه، وإن أساء عُوقب. قال تعالى:

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية: 15]

كما قال: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ [الرعد: 11]

وإذا عرفنا أنَّ (ما) من ألفاظ العموم، أدركنا صِدْقَ المعنى الذي ذكرناه من قبل.

ﺟ- وإذا ضلَّ العبدُ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يرضى له الضلال، وقد يريده، وقد مرَّ معك الفرقُ بين الإرادة والرضا، ولذا فإنَّ الله تعالى يضايقُ الضالَّ رحمةً به؛ ليعود إلى الهُدى الذي فُطر عليه.

ففي سورة طه [124-127]: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى }

وفي سورة الأنعام [125]: { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}

وفي الحديث الشريف: «استقيموا ولن تحصُوا»([6]) أي: إذا استقمتم فلن تستطيعوا أن تحصوا الخيرَ الذي سيأتيكم، لاستقامتكم.

فَقُلْ للذين ضلّوا، وضاقت بهم سبل الحياة والرزق، كما ضاقت بهم صدورهم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71]