قال ابن عاشور في تفسيره لقول الله تعالى: ‌{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين (14) ويذهب غيظ قلوبهم … } [التوبة 14-15]

“أنّ الله ضمن للمسلمين من تلك المقاتلة خمس فوائد تنحلّ إلى اثنتي عشرة … وروعي في كلّ فائدة منها الغرض الأهمّ فصرح به وجعل ما عداه حاصلاً بطريق الكناية”.

ثم عدد هذه الفوائد الخمس وأشار إلى ما يتفرع عنها على النحو الآتي:

اقرأ أيضا:

الفائدة الأولى: “تعذيب المشركين بأيدي المسلمين، وهذه إهانة للمشركين وكرامة للمسلمين”. وبين أن المقصود بالتعذيب هنا هو تعذيب القتل والجراحة. وأشار إلى أن إسناد التعذيب إلى الله فيه تشريف للمسلمين إذ جعلت أيدي المسلمين آلة له.

الفائدة الثانية: “خزي المشركين وهو يستلزم عِزّة المسلمين”. والمقصود بالإخزاء هنا هو “الإذلال بالأسر”.

الفائدة الثالثة: “نصر المسلمين، وهذه كرامة صريحة لهم، وتستلزم هزيمة المشركين وهي إهانة لهم”.

الفائدة الرابعة: “شفاء صدور فريق من المؤمنين، وهذه صريحة في شفاء صدور طائفة من المؤمنين … وتستلزم شفاء صدور المؤمنين كلّهم، وتستلزم حرج صدور أعدائهم، فهذه ثلاث فوائد في فائدة”. وإطلاق الشفاء هنا “استعارة لإزالة ما في النفوس من تعب الغيظ والحقد … وإضافة الـــ {صدور} إلى {قوم مؤمنين} دون ضمير المخاطبين يدلّ على أنّ الذين يشفي الله صدورهم بنصر المؤمنين طائفةٌ من المؤمنين المخاطبين بالقتال، وهم أقوام كانت في قلوبهم إحن على بعض المشركين الذين آذوهم وأعانوا عليهم، ولكنّهم كانوا محافظين على عهد النبي فلا يستطيعون مجازاتهم على سوء صنيعهم، وكانوا يودّون أن يؤذَن لهم بقتالهم، فلمّا أمر الله بنقض عهود المشركين سُرّوا بذلك وفرحوا، فهؤلاء فريق تغاير حالته حالة الفريق المخاطبين بالتحريض على القتال والتحذيرِ من التهاون فيه…”.

وبين ابن عاشور أن ذكر هذا الفريق فيه “زيادة تحريض على القتال بزيادة ذكر فوائده، وبمقارنة حال الراغبين فيه بحال المحرضين عليه، الملحوح عليهم الأمر بالقتال”.

الفائدة الخامسة: “إذهاب غيظ قلوب فريق من المؤمنين أو المؤمنين كلّهم، وهذه تستلزم ذهاب غيظ بقية المؤمنين الذي تحملوه من إغاظة أحلامهم وتستلزم غيظ قلوب أعدائهم، فهذه ثلاث فوائد في فائدة”.

وذكر ابن عاشور أن عطف فعل {ويذهب غيظ قلوبهم} على فعل {ويشف صدور قوم مؤمنين}، “يؤذن باختلاف المعطوف والمعطوف عليه، ويكفي في الاختلاف بينهما اختلاف المفهومين والحالين، فيكون ذهاب غيظ القلوب مساوياً لشفاء الصدور، فيحصل تأكيد الجملة الأولى بالجملة الثانية، مع بيان متعلّق الشفاء، ويجوز أن يكون الاختلاف بِالمَاصْدق مع اختلاف المفهوم، فيكون المراد بشفاء الصدور ما يحصل من المسرّة والانشراح بالنصر، والمراد بذهاب الغيظ استراحتهم من تعب الغيظ، وتحرّق الحقد”. وبين أن ضمير {قلوبهم} عائد إلى {قوم مؤمنين} “فهم موعودون بالأمرين: شفاء صدورهم من عدوهم، وذهاب غيظ قلوبهم على نكث الذين نكثوا عهدهم”.