الفتنة في أي مجتمع – أعاذ الله أوطاننا منها – تؤدي إلى اختلال نظامه واضطراب حاله وانعدام استقراره وتفكك نسيجه وفقدان الأمان فيه، إلى درجة تجعل الحلماء والحكماء والعقلاء في المجتمع حينها حيارى لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا؛ ولذلك هي “أشد من القتل”، وهي “أكبر من القتل”، كما قال الله عز وجل في كتابه الحكيم: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (البقرة: 191)، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (البقرة: 217). وإنما كانت الفتنة أشد وأكبر من القتل وأعظم جُرمًا؛ لتكرر إضرارها، واتساع آثارها، وجسامة نتائجها، وصعوبة معالجتها والسيطرة على تبعاتها ومآلاتها، بخلاف ألم القتل وآثاره([1])، رغم شدة شناعته وكبر آثامه وعظيم جُرمه.

ولهذا؛ كبُرت جريمة من يُشعل نار الفتنة في المجتمع ويتسبب فيها بكلمة أو بممارسة أو بموقف أو بتشريع، وكبُرت جريمة من يؤججها ويحمّيها، وكبُرت جريمة من يُحب لها أن تشيع وتنتشر وتستمر؛ فإن ذلك من أعظم الخطايا وأفحش الموبقات.

وفي المقابل؛ عظُم ثواب من يدرأ الفتنة عن المجتمع، وعظُم ثواب من يَسُد بابها، وعظُم ثواب من يُخمد نارها ويُقلع جذورها ويعالج أسبابها وبذورها، فإن ذلك من أفضل الصالحات وأقرب القربات.

والدارس للتاريخ القديم والحديث يدرك أن من أخطر بذور الفتن المجتمعية وأسبابها العصبية الجاهلية النتنة بمختلف تمثّلاثها ومظاهرها المجسِّدة لنعرات عنصرية أسرية أو قبلية أو عشائرية أو وطنية مغالية مؤسفة بل وخطيرة، حيث إنها قد تفضي إلى ما لا يُحمد عقباه من تنابز بالألقاب وطعن في الأنساب وتناكر وتطاحن وتنازع وانقسام وعدوان، مما قد يُشعل نار الفتنة المجتمعية.

ولذلك تحتاج إلى معالجة جذرية فعّالة، وهذا يقتضي معالجة شاملة تقوم على نبذ العصبية الجاهلية والنعرات العنصرية بكل تمثّلاتها ومظاهرها والتبرؤ منها واجتثاثها من أصولها، فلا تجدي فيها المعالجات التسكينية، إذ بقاء جذورها وبذورها يُنذر بإمكانية تَوقّد نارها وشيوع شرّها المستطير متى هبّت عليها رياح الفتنة. فلذا؛ من الضروري معالجتها معالجة جذرية شاملة حتى لا تكون فتنة مجتمعية.

وبالرجوع إلى القرآن الحكيم – دستور بناء المجتمعات المنوّرة –؛ نجد أنه قد اهتم اهتمامًا لافتًا بهذه المشكلة الخطيرة المتجذرة في الجاهلية وعالجها معالجة وافية. تمثل هذا الاهتمام اللافت بتخصيص سورة كاملة – أو جُلّها – لبيان منهجية معالجتها من جذورها ومعالجة آثارها وما قد يترتب عليها وما ينبع عنها. تلك هي سورة الحجرات الصغيرة في عدد آياتها والكبيرة في عمق دلالاتها وقيمة فوائدها ونوعية معالجاتها، ولا سيما للمشكلة التي نحن بصددها. تلك السورة التي رسمت منظومة قيم مجتمعية من شأنها أن تحافظ على وحدة المجتمع وتماسكه ولحمته وصفائه وصيانته من الفتن والتباغض والشقاق والقلاقل والتفرق، وما إلى ذلك من الأمراض المجتمعية.

فجدير بنا أن نتدبر ما في هذه السورة الكريمة من قيم ووصايا وهدايات ونعززها بشواهد قرآنية أخرى وأحاديث نبوية ذات صلة؛ لنستخلص خطوات الحل الجذري للمشكلة الخطيرة التي نحن بصددها في ضوء بعض التفاسير والأبحاث القرآنية ذات الصلة. بل لنستخلص منها منهجًا قرآنيًا نورانيًا لتنظيم “عالم العلاقات” في الوطن ومعالجة أمراضه العلائقية وتحصينه من الجراثيم المجتمعية الفتّاكة؛ حتى لا تكون فتنة مجتمعية.

أولًا: احترام المرجعية العليا (الوحي) والمَرَد (الله ورسوله) وعدم التقدم عليهما برأي أو هوى، أو أعراف قبلية جاهلية وغيرها مما تخالف هداياته النورانية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات: 1). فمن قدم عليهما ما يراه هو من تصورات وأفكار وآراء ومواقف وأعراف قبلية أو عصبيات جاهلية؛ فقد أساء الأدب مع الله ورسوله، وعرّض نفسه للإثم العظيم، وخالف نهج المؤمنين المتقين، ذلك النهج القويم، القائم على التسليم لأمر الله ورسوله في كل حين، والاحتكام إليهما في كل تنازع، والحذر الدائم من مخالفتهما في أي موقف وحين، ذلك الحذر المجسِّد لتقوى الله النابع من الاعتقاد بأن الله ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

أما الاحتكام إلى ما يعارض هذه المرجعية فهو انتكاس للجاهلية الأولى، قال الله تعالى في سورة المائدة: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50).

ثانيًا: التبيُّن من الأنباء المؤذية وعدم تلقفها والتسرع في تصديقها دون تحقق من صحتها، لا سيما تلك التي تنبع ممن ضعف وازعه الديني في نفسه، إذ “ضعف الوازع يجرؤه على الاستخفاف بالمحظور وبما يخبر به في شهادة أو خبر”([2])، مما قد يترتب عليه مواقف وتصرفات فيها إضرار بالآخرين أو بالصالح العام إضرارًا عاقبته الندم حيث لا ينفع الندم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).

والمقصود بالتبيّن هو قوة التثبت من صحة الأنباء. والحكم هذا لا يخص الفاسق، بل يدخل فيه غيره([3]). والضابط في هذا تَحقُّق التبيّن كالبحث في عدالة الراوي للنبأ، وإذا كان الراوي ينقل النبأ عن غيره فعدالته لا تكفي، بل لا بد من التأكد من عدالة من نُقل عنه، وهكذا، والراوي المجهول الذي لا يُعرف له فسق داخل في الحكم أيضًا. وإنما نصّت الآية على الفاسق؛ تنبيهًا على أن الأصل في الأنباء المؤذية للصف المسلم إنما ينقلها ويشيعها الفسقة والكذبة. لكن إذا نقل المسلم خبرًا من هذا النوع، فليس هذا بالضرورة دليلًا على فسقه، بل قد يكون بسبب غفلته أو ثقته بمن ينقل عنه، والله أعلم([4]).

وهذا “الأمر بالتبَيّن أصل عظيم في وجوب التثبت في القضاء وأن لا يتتبع الحاكم القيل والقال ولا ينصاع إلى الجولان في الخواطر من الظنون والأوهام”([5]).

وفي ضوء ذلك تتضح خطيئة كل من يتسرّع في نقل الأخبار المؤذية ويروّج الأنباء دون تبيّن. ولا يُعفى من ذلك من يقول بعد نقل الخبر بدون تحرٍّ وتثبت “كما يقولون”، أو “إذا صح”، أو “منقول”، أو “هل هذا صحيح؟”، أو “جاءني ممن أظن أنه يتحرى”، أو ما شابه ذلك من التبريرات؛ لما قد يترتب على مجرد النقل الأذى أو البلبلة أو الفتنة، ولا سيما مع وسائل التواصل الاجتماعي التقني التي تشيع عبرها الأنباء بسرعة فائقة.

وإذا كان هذا النقل خطيئة في الأنباء التي قد يترتب عليها شيء من الأذى على العموم، فإنها خطيئة أشنع وإثم أعظم في الأخبار الشنيعة و الإشاعات المغرِضة بمختلف أنواعها، والتي منها ما يوقد نار الفتنة في المجتمع، ومنها ما تعتبر من أدوات الحروب النفسية التي تقف وراءها أجهزة أو مجموعات متخصصة ماكرة معادية أو منافقة. ويجدر بالذكر هنا أن الإشاعات يمكن تصنيفها حسب أغراضها إلى أربعة أنواع([6]):

  • إشاعات مُنفّرة؛ لغرض التضليل الخارجي الذي لا يتورع فيه الخصم من الكذب المحض، حيث إن مَن هُم في الخارج غير مطلعين على ما يجري في الداخل، فيمكن أن تفعل الإشاعات فيهم فعلها، وتحقق غرضها بقوة.
  • إشاعات مُفرّقة؛ لغرض تفكيك لحمة المجتمع وتمزيق صفه الداخلي وإثارة القلاقل داخله، وهذا ما يحرص على تحقيقه المنافقون والطابور الخامس في كل عصر، عبر السعي لنشر الأخبار الكاذبة لإثارة الفتن والبلبلة والشقاق داخل المجتمع.
  • إشاعات مثبّطة؛ لغرض تخذيل الصف الداخلي في المجتمع، والفتّ في عضده، وتوهين عزيمته، وإحباطه، وهو من أخطر أسلحة الحرب النفسية؛ لعدم إتاحتها الفرصة الكافية لمعالجة آثارها السريعة في الغالب.
  • إشاعات فاحشة؛ وهي التي تتضمن القذف في الأعراض والطعن في الأنساب؛ وتكمن خطورتها في كونها تمسُ الشرف والأخلاق، وقد يكون لها من الآثار الشنيعة ما لا يقل عن الأنواع الأخرى، حيث إنها قد تؤدي إلى تشويه السمعة والتنفير، وقد تؤدي إلى إرباك الصف وإرجافه، وقد تؤدي إلى الفتِّ في العزائم، هذا فضلًا عن الإيذاء الشديد والإيلام المرير الذي تُحدثُه هذه الإشاعات الفاحشة في أعماق النفوس.

ولشدة خطورة هذه الإشاعات بأنواعها المختلفة؛ حذر الله عز وجل في كتابه الحكيم تحذيرًا شديدًا من صناعتها وإطلاقها، وشنّع على من يقوم بذلك، وأنذرهم باللعنة والعذاب العظيم في الدنيا والآخرة؛ للتهويل عليهم وزجرهم لعلهم يتقون ذلك فيتوبون من صنيعهم. قال الله تعالى في سورة النور مشنّعًا على الذين يقذفون الأعراض كذبًا وإفكًا ويشيعون كذبهم وإفكهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النور: 23-24). وقال تعالى في سورة الأحزاب مهددًّا المنافقين بالعقاب واللعنة، إن لم يقلعوا عن إيذاء المؤمنين والإرجاف بإشاعة الأخبار الكاذبة أو المسيئة: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ (الأحزاب: 60-61).

كما حذّر الله تبارك وتعالى في القرآن الحكيم من مجرد نقل هذه الإشاعات المغرضة، وشنَّع على من يحب لها أن تشيع، ووعد من يقوم بذلك بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19). والفاحشة هي “الفعلة البالغة حدًا عظيمًا في الشناعة، وشاع إطلاق الفاحشة على الزنى ونحوه”([7]).

ومع هذا التحذير الشديد من نقل الإشاعات والتشنيع الغليظ على من يحب شيوعها؛ جاء التنبيه في الكتاب الحكيم إلى أخطر أسباب انتشار الإشاعات، وهو “التلقي بغير علم، والنشر بلا تفكير، وهي ظاهرة مجتمعية طاغية، خاصة فيما يُستغرب من الأخبار، ويثير الفضول والاهتمام عند الناس”([8])، قال الله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (النور: 15).

وختمت الآية بهذا التوبيخ الشديد: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، أي: “تحسبون الحديث بالقذف أمرًا هينًا. وإنما حسبوه هينًا؛ لأنهم استخفوا الغيبة والطعن في الناس، استصحابًا لما كانوا عليه في مدة الجاهلية، إذ لم يكن لهم وازع من الدين يزعهم… فهذا سبب حسبانهم الحديث في الإفك شيئًا هيّنًا، وقد جاء الإسلام بإزالة مساوي الجاهلية وإتمام مكارم الأخلاق([9]).

والقرآن الحكيم “وضع لنا قاعدة ذهبية لمكافحة جميع أنواع الإشاعات وإبطال مفعولها بسرعة قبل أن تتمكن في المجتمع، وهذه القاعدة هي: التكذيب الفوري للإشاعة اعتمادًا على سوء الظن بمصدرها وحسن الظن بالمؤمنين”([10])، كما نص القرآن على ذلك في سياق معالجته لحادث الإفك المبين والبهتان العظيم: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ (النور: 12)، ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 16). إن القرآن هنا يدعو إلى سرعة التكذيب والجزم بأن الإشاعة إفك مبين وبهتان عظيم، “بل القرآن عكس القضية تمامًا ليجعلها في وضعها الصحيح، فليس النافي يحتاج إلى الحجة والبرهان، وإنما مطلقو الإشاعة هم الذين يحتاجون إلى ذلك”([11])، فقال: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (النور: 13).

وبذلك يتضح خطأ “من يظن أن منهج الإسلام إزاء الإشاعات التي يطلقها العدو هو التثبت والتحقيق والمحاكمة القضائية”([12])، والذي يعرف مكر الفتّانين والمغرضين وطبيعة الحروب النفسية وصناعها وكيفية توظيفهم للإشاعات يدرك أن هذا غير سديد؛ “لأنه في الكثير من الأحيان تكون الإشاعة قد آتت ثمارها السيئة وفعلت فعلها في النفوس قبل أن يتمكن رجال التحقيق من الوصول إلى الحقيقة … وهذه الإشاعة لا تكافح بالمنهج التحقيقي؛ لأن المسألة مسألة وقت .. فالعدو لا يهمه بعد هذا ]أي بعد أن يتحقق غرض الإشاعة[ أن يعرف الناس الحقيقة أو لا يعرفون”([13]).

ولا يقتصر هذا على الإشاعات وقت الأزمات أو الحروب التي تعمل فيها الإشاعة عملها على الفور؛ “بل حتى في الإشاعة ذات المفعول المديد، فإن التوقف فيها ورعًا وتثبتًا قد يمنحها بعض المصداقية، وهذا هدف يرضى به الخصم”([14]).

ثالثًا: الإصلاح العادل بين المؤمنين في حال التنازع ودرء التقاتل بينهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات: 9). ومناسبة هذه الخطوة العلاجية لما قبلها أن “من الأخبار الكاذبة أخبار النميمة بين القبائل، وخطرها أكبر مما يجري بين الأفراد، والتبيين فيها أعسر، وقد لا يحصل التبيين إلا بعد أن تستعر نار الفتنة ولا تجدي الندامة”([15]).

والأمر بالإصلاح بين المؤمنين واجب قبل الشروع في الاقتتال، “وذلك عند ظهور بوادره، وهو أولى من انتظار وقوع الاقتتال، ليمكن تدارك الخطب قبل وقوعه… وبذلك يظهر وجه تفريع قوله ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى﴾ على جملة ﴿اقْتَتَلُوا…﴾ المستعملة في إرادة الوقوع، أي فإن ابتدأت إحدى الطائفتين قتال الأخرى ولم تنصع إلى الإصلاح فقاتلوا الباغية”([16])، أي الظالمة الرافضة للصلح والمعتدية على حق الطائفة الأخرى. “وجعل الفيء إلى أمر الله غاية للمقاتلة، أي يستمر قتال الطائفة الباغية إلى غاية رجوعها إلى أمر الله، وأمر الله هو ما في الشريعة من العدل والكف عن الظلم، أي حتى تقلع عن بغيها”([17]). فإن هي فعلت ذلك، وجب الإصلاح بين الطائفتين بالعدل ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وهذا إصلاح آخر بعد الإصلاح الأول المأمور به عند ظهور بوادر الاقتتال، ومعناه: “أن الفئة التي خضعت للقوة وألقت السلاح تكون مكسورة الخاطر شاعرة بانتصار الفئة الأخرى عليها؛ فأوجب على المسلمين أن يُصلحوا بينهما بترغيبهما في إزالة الإحن والرجوع إلى أخوة الإسلام لئلا يعود التنكر بينهما”([18])، “وحتى تخمد الفتنة فلا تثور مرة أخرى”([19]).

وفي الآية دلالة مهمة وهي أن “افتراض القتال بين المؤمنين وارد دون أن يسلبهم وصف الإيمان”([20]). فالواجب إذًا هو القيام على الإصلاح العادل بين جماعات المؤمنين عند ظهور بوادر الاقتتال بينهم، وفي حال عدم انصياع جماعة منهم للصلح وعدوانها على جماعة أخرى فالواجب إخضاعها بالقوة حتى تكفّ عن عدوانها، فإن كفّت عن ذلك فالواجب حينئذ الإصلاح بين الجماعتين بالعدل حتى تنطفئ نار الفتنة، وتُزال آثارها وجذورها. وهذا يتطلب وجود أجهزة إصلاحية وقضائية وأمنية قادرة على تحقيق ذلك.

رابعًا: تعزيز الأخوة الإيمانية والسعي لإزالة كل ما يوهنها؛ فرابطة الأخوة الإيمانية يجب أن تبقى أقوى من أي رابطة، إذ إنها تقوم على أوثق العقود العلائقية وهو عقد الإيمان بالله، فالإيمان قد جعل بين المؤمنين رابطة مقدّسة لا تساويها رابطة أخرى، “وبقدر ما يُعظّم الإيمان في النفوس تُعظّم حرمات المؤمنين فيما بينهم”([21])؛ ولذلك وجب الإصلاح بين المؤمنين في كل مجتمع حين تظهر فيه بوادر الشقاق والنزاع لتعزيز ما وهن من رابطة الأخوة الإيمانية التي تقوم على التقوى والتراحم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10).

خامسًا: الكف عن سوء التعامل اللساني؛ فبعد التأكيد على رابطة الأخوة الإيمانية ووجوب تعزيزها في الآية السابقة، والذي يقتضي حسن المعاملة والمعاشرة بين المؤمنين بعضهم مع بعض؛ جاءت الآية التي تليها منبهة على أمور تتعلق بالتعامل اللساني، مما قد تقع الغفلة عن مراعاتها لكثرة تفشيها في الجاهلية ([22]):

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ…﴾ (الحجرات: 11)، ومعنى ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ﴾ أي لا يستهزأ ولا يزدري، “وإنما أُسند “يَسْخَرْ” إلى “قَوْمٌ” دون أن يقول: “لا يسخر بعضكم من بعض” … للنهي عما كان شائعًا بين العرب من سخرية القبائل بعضها من بعض، فوجّه النهي إلى الأقوام. ويفهم منه النهي عن أن يَسخَر أحدٌ من أحد … وهذا النهي صريح في التحريم”([23]). وهذا التفصيل في النهي عن احتقار المسلم لأخيه المسلم – رجلًا كان أو امرأة – “دليل على خطورة هذا النوع من الآثام، فالسخرية التي تعني: الاستهزاء والازدراء والاحتقار لا تكون إلا في قلب تشوبه شائبة الكبر والعجب بالنفس؛ ولذلك قرن القرآن النهي عن السخرية بالتنبيه إلى ميزان الخيرية، فكم من مُعجَب بنفسه وغيره خير منه، وكم من متكبر يرى الناس دونه، وفيهم من هم أعلى شأنًا منه”([24]).

﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ…﴾، واللمز “ذكر ما يعدّه الذاكر عيبًا لأحد مواجهة، فهو المباشرة بالمكروه، فإن كان بحق فهو وقاحة واعتداء، وإن كان باطلًا فهو وقاحة وكذب، وكان شائعًا بين العرب في جاهليتهم”([25]). ومعنى ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ…﴾ لا يَعِب بعضكم بعضًا، فأنزل المقابل الملموز منزلة النفس (أي نفس اللامز)؛ تقريرًا لمعنى أخوة المقابل([26]) وتنبيهًا إلى مكانته التي يريدها الله أن تكون في قلب أخيه، وإشارة إلى أن الذي يعيب غيره فإن العيب يرجع إلى نفسه([27]). “إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس. وهي من كرامة المجموع. ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس، لأن الجماعة كلها وحدة، كرامتها واحدة”([28]).

﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ…﴾، هكذا بصيغة الفعل الواقع من جانبين، أي لا ينبز بعضكم بعضًا، والنبَز هو اللقب السوء، وكان غالب الألقاب في الجاهلية نبزًا([29])، فجاء النهي هنا عن التنادي بالألقاب السيئة المشينة نهيًا مطلقًا. “فمن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزدري به، ومن أدب المؤمن ألا يؤذي أخاه بمثل هذا”([30]).

﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وفي هذا التذييل للمنهيات الواردة في الآية (من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب) ترهيب ووعيد بأن ارتكاب ما نهوا عنه فسوق يعاقبون عليه ولا نجاة منها إلا بالتوبة والكف عنها، وبئس هذا الاسم (الفسوق) بعد الاتصاف بالإيمان([31]). “فالذي يصر على هذه الآثام المتقدمة من السخرية واللمز والتنابز، استحق أن يكون في ميزان الله ظالمًا، فجمع بذلك بين الفسق والظلم، والعياذ بالله”([32]).

سادسًا: تجنب المعاملات العلائقية السيئة الخفية؛ وبعد النهي عن سوء التعامل اللساني جاءت المنهيات “من جنس المعاملات السيئة الخفيّة التي لا يتفطن لها من عُومل بها فلا يدفعها، فما يزيلها من نفس من عامله بها”([33])، وذلك في آية واحدة (الحجرات: 12) استهلت بالتذكير بعقد الإيمان والأخوة الإيمانية من خلال هذا النداء الندي المحبوب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا…﴾؛ تنويهًا بأن من شأن المتآخين بالإيمان أن يجتنبوا هذه “المعاملات السيئة الخفيّة” في تعاملاتهم:

﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ…﴾؛ وفي ذلك “تأديب عظيم، يُبطل ما كان فاشيًا في الجاهلية من الظنون السيئة والتهم الباطلة، وأن الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة، والمكائد، والاغتيالات، والطعن في الأنساب، والمبادأة بالقتال حذرًا من اعتداء مظنون ظنًا باطلًا”([34]).

“بهذا يُطّهر القرآن الضمير من داخله أن يتلوث بالظن السيء، فيقع في الإثم؛ ويدعه نقيًا بريئًا من الهواجس والشكوك، أبيض يكن لإخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء؛ والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك، والطمأنينة التي لا يعكرها القلق والتوقع. وما أروح الحياة في مجتمع بريء من الظنون”([35]).

والأمر هنا باجتناب كثير من الظن المتعلق بأحوال الناس – وهو الذي لا يقوم على دليل ولا قرينة – يفيد “أن الظنون الآثمة غير قليلة، فوجب التمحيص والفحص لتمييز الظن الباطل من الظن الصادق”([36]). والظن الباطل إثم؛ لما يترتب عليه من قول أو فعل، كالاغتياب والتجسس واتهام بالباطل أو حتى عدم معاملة بالحسنى وغير ذلك، تجاه من لا يستحق تلك المعاملة، وقد قال العلماء: إن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز([37]). والأصل في المؤمن الخير، والأصل في الإنسان براءة الذمة([38]).

“أما الظن المقترن بالشبهة واللوث، كما في أصحاب السوابق والمجرمين ومن عُرف عنهم العدوان وأكل أموال الناس بالباطل، فهؤلاء مُستثنون؛ لأن الاحتياط منهم واجب، وجعلهم في دائرة الشك من الحزم والعزم، إلا أنه لا يُجزم بحالهم لمجرد ذلك، بل لا بد من التحقيق المنصف العادل”([39]). والآية لم تأمر إلا باجتناب كثيرٍ من الظن، وبيّنت أن بعض الظن إثم، لا كل الظن.

وأما الظن الحسن الذي لا مستند له فهو أيضًا “غير محمود؛ لأنه قد يوقع فيما لا يحد ضره، من اغترار في محل الحذر ومن اقتداء بمن ليس أهلًا للتأسي”([40]).

﴿وَلَا تَجَسَّسُوا…﴾ ووجه النهي عنه التجسس – وهو البحث بوسيلة مستترة لا يعلم بها المتجسَّس عليه –أنه ضرب من الكيد والتطلع على العورات، والذي يؤدي إلى الحرج والإحن وإيغار الصدور والتناكر بين الناس، وذلك من نكد العيش، وهو ثلم للأخوة الإيمانية ([41]).

“والقرآن يقاوم هذا العمل الدنيء من الناحية الأخلاقية، لتطهير القلب من مثل هذا الاتجاه اللئيم لتتبع عورات الآخرين وكشف سوءاتهم. وتمشيًا مع أهدافه في نظافة الأخلاق والقلوب. ولكن الأمر أبعد من هذا أثرًا. فهو مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في نظامه الاجتماعي، وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية. إن للناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور، ولا أن تمس بحال من الأحوال. ففي المجتمع الإسلامي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم، آمنين على بيوتهم، آمنين على أسرارهم، آمنين على عوراتهم. ولا يوجد مبرر – مهما يكن – لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات”([42]).

والنهي عن التجسس من فروع النهي عن سوء الظن، وعليه؛ “فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة، ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضر بهم”([43]). وأما إذا كان لغرض حماية المجتمع ووقايته من ضر متوقع، كرصد ما يخطط له المجرمون واللصوص والأعداء فهو مشروع، لكن هذا ليس من اختصاص الأفراد، وإنما الأجهزة الأمنية المختصة، ومن غير تعسف ومن غير إخلال بمبدأ “المتهم بريء ما لم تثبت إدانته”.

﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ…﴾، وبعد النهي عن التجسس، جاء هذا النهي البليغ للمؤمنين عن الاغتياب. والغيبة ذكر أحد في غيبته بما يكرهه، إن كان فيه ما يُذكر به. أما إذا لم يكن فيه فهو بهتان، كما جاء في الحديث أن رسول الله ، قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) (رواه مسلم). وأما إذا كان مما يُثلم العِرض بغير حق فهو قذع، وفيه قال رسول الله ((إن أربى الربا الاستطالة في عِرض المسلم بغير حق)) (رواه أبو داود بإسناد صحيح). وإذا كان رميًا بالفاحشة فهو قذف يعرض للعنة في الدنيا والآخرة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 23)، ويجب فيه الحد (ثمانين جلدة) على القاذف ما لم يأت ببينة (أربعة شهداء) على صحة ما قاله ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 4).

والغيبة “تشتمل على مفسدة ضعف في أخوة الإسلام، وقد تبلغ الذي اغتيب فتقدح في نفسه عداوة لمن اغتابه فينثلم بناء الأخوة”([44]). وشَبّهت الآية حالة غيبة المؤمن من أخيه في الإيمان وهو غائب بحالة حب أكل لحمه وهو ميت، “بجامع أن الميت لا يقدر على الدفاع عن نفسه، وكذلك الغائب”([45])، والتشبيه جاء على صيغة السؤال لاستنطاق السامع وتنبيهه إلى بشاعة الغيبة واستفظاعها والتنفير الشديد منها والإغلاظ على المغتابين، ولا سيما أن الغيبة متفشية في الناس، وخاصة في الجاهلية([46]).

اما إذا كان في ذكر الغائب وجه مصلحة راجحة، “مثل تجريح الشهود ورواة الحديث، وما يقال للمستشير في مخالطة أو مصاهرة؛ فإن ذلك ليس بغيبة، بشرط أن لا يتجاوز الحد الذي يحصل به وصف الحالة المسئول عنها”([47]). وكذلك لا غيبة في فاسق مُظهر لفسقه، أي لا غيبة في التحذير منه بسبب فسقه، ولكن لا يعني ذلك إباحة عرضه بإطلاق. ولا غيبة لظالم كذلك. قال الله عز وجل في كتابه ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ…﴾ (النساء: 148)، فهذه رخصة للمظلوم. ويبين الإمام ابن عاشور في تفسيره للآية الحكمة من هذه الرخصة وحدودها، فيقول: “ورخَّص الله للمظلوم الجهر بالقول السيّىء ليشفي غضبه، حتّى لا يثوب إلى السيف أو إلى البَطش باليد، ففي هذا الإذن توسعة على من لا يمسك نفسه عند لحاق الظلم به”([48])، إلا أن ذلك الجهر “مخصوص بما لا يتجاوز حدّ التظلّم فيما بينه وبين ظالمه، أو شكاية ظلمه أن يقول له ظلمتني، أو أنت ظالم وأن يقول للناس إنَّه ظالم. ومن ذلك الدعاءُ على الظالم جهرًا؛ لأنّ الدعاء عليه إعلان بظلمه وإحالته على عدل الله تعالى… وذلك مَخصوص بما لا يؤدّي إلى القذف، فإنّ دلائل النهي عن القذف وصيانة النفس من أن تتعرّض لِحدّ القذف أو تعزير الغِيبة، قائمة في الشريعة”([49]).

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ وختمت المنهيات في الآية بالأمر بالتقوى “وهي جماع الاجتناب والامتثال؛ فمن كان سالمًا من التلبس بتلك المنهيات فالأمر بالتقوى يجنبه التلبس بشيء منها في المستقبل، ومن كان متلبسًا بها أو ببعضها فالأمر بالتقوى يجمع الأمر بالكف عما هو متلبس به منها”([50]).

سابعًا: اقتلاع جذور العنصرية الجاهلية؛ فبعد بيان آداب المعاملات العلائقية في المجتمع المسلم، جاءت الآية (13) من سورة الحجرات لاقتلاع جذور العنصرية الجاهلية، “إذ كان إعجابُ كل قبيلة بفضائلها وتفضيل قومها على غيرهم فاشيًا في الجاهلية… وكانوا يحقّرون بعض القبائل… فكان ذلك يجرّ إلى الإحن والتقاتل وتتفرع عليه السخرية واللمز والنبز والظن والتجسس والاغتياب… فجاءت هذه الآية لتأديب المؤمنين على اجتناب ما كان في الجاهلية لاقتلاع جذوره الباقية في النفوس”([51]).

  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ…﴾ “نُودوا بعنوان ﴿الناس﴾ دون (المؤمنين) رعيًا للمناسبة بين هذا العنوان وبين ما صُدّر به الغرض من التذكير بأن أصلهم واحد، أي أنهم في الخلقة سواء؛ ليتوسل بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل، وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى”([52]).

﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى…﴾ أي من آدم وحواء، فالبشرية كلها تعود بنسبها إلى هذين الأبوين، وهو النسب “الذي تتساوى فيه جميع الأقوام والأجناس والألوان، وهذه قاعدة المساواة الإنسانية في الإسلام”([53]).

﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ…﴾، والشعوب جمع شَعب، “وهو مجمع القبائل التي ترجع إلى جَد واحد من أمة مخصوصة…”([54]). واقُتصر في الآية على ذكر الشعوب والقبائل؛ لأن ما تحتها (العمائر، والبطون، والأفخاذ، والفصائل) داخل بطريق لحن الخطاب([55]).

﴿لِتَعَارَفُوا…﴾ أي علة جَعْل الله الناس شعوبًا وقبائل وحكمته أن يتعارف الناس فيما بينهم. “والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجًا إلى الأعلى، فالعائلة الواحدة متعارفون، والعشيرة متعارفون من عائلات إذ لا يخلون عن انتساب ومصاهرة، وهكذا تتعارف العشائر مع البطون والبطون مع العمائِر، والعمائِر مع القبائل، والقبائل مع الشعوب؛ لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها. فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظامًا محكمًا لربط أواصرهم، دون مشقة ولا تعذر…” ([56]).

وينبني على التعارف بين الناس إقامة العلاقات فيما بينهم، والاستفادة المتبادلة من بعضهم لبعض، والتعاون فيما بينهم على تحقيق مصالحهم الإنسانية المشتركة، “وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم”([57]). وفي هذا التعليل تعريض بأن من الإخلال بهذا النظام الحكيم الذي وضعه الله في الناس أن يُجعل اختلاف الشعوب والقبائل سببًا للتناكر والتطاحن والعدوان([58]).

“ولما أمر الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا إخوة، وأن يصلحوا بين الطوائف المتقاتلة، ونهاهم عما يثلم الأخوة، وما يَغِين على نُورها في نفوسهم، من السخرية واللمز والتنابز والظن السوء والتَجسِس والغيبة، ذكَّرهم بأصل الأخوة في الأنساب التي أكدتها أخوة الإسلام ووحدة الاعتقاد؛ ليكون ذلك التذكير عونًا على تبصرهم في حالهم. ولما كانت السخرية واللمز والتنابز مما يحمل عليه التنافس بين الأفراد والقبائل؛ جمع الله ذلك كله في هذه الموعظة الحكيمة التي تدل على النداء عليهم بأنهم عَمدوا إلى هذا التشعيب الذي وضعتْه الحكمة الإلهية فاستعملوه في فاسد لوازمه، وأهملوا صالح ما جعل له بقوله ﴿لِتَعَارَفُوا…﴾([59]).

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ بمعنى “فإن تنافستم فتنافسوا في التقوى”([60])، فهذا هو الميزان العدل للتنافس والتفاضل بين الناس([61])؛ “لأنهم لما تساووا في أصل الخلقة من أب واحد وأم واحدة كان الشأن أن لا يفضل بعضهم بعضًا إلا بالكمال النفساني، وهو الكمال الذي يرضاه الله لهم، والذي جعل التقوى وسيلته، ولذلك ناط التفاضل في الكرم بـ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ إذ لا اعتداد بكرم لا يعبأ الله به”([62]). والتقوى مجال مفتوح للتنافس، “فبإمكان أي شخص أن يتقدم فيه أو يتأخر، بخلاف الجنس واللون والنوع”([63]).

ومعنى هذه الآية هو مما ذكره رسول الله في خطبته يوم فتح مكة، إذ قال: ((يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها، فالنَّاسُ رجلانِ: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ، والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللَّهُ آدمَ من الترابِ، قالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (رواه الترمذي في صحيحه)، وكذلك في خطبته المشهورة بحجة الوداع، إذ قال: ((يا أيها الناس؛ ألا إن ربكم واحد، وأن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى)).

ولا يعني هذا التزهيد من الاهتمام بالأنساب، ذلك أن معرفة الأنساب يدخل في مقصد ﴿لِتَعَارَفُوا…﴾، والأقربون أولى بالتعارف، إذ ينبني عليه حقوق وواجبات. وقد أوصانا نبينا بذلك، فقال: ((تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلونَ بِه أرحامَكم)) (رواه الترمذي وأحمد).

لكن النسب لا يقدم ولا يؤخر في ميزان التنافس والتفاضل، كما قال النبي ((مَنْ بطَّأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نسبُهُ)) (رواه مسلم). وهذا ما أكّده في وصيته لعشيرته الأقربين، إذ قال ((يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ مَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا)) (رواه البخاري ومسلم).

وأما إذا صار النسب دافعًا إلى التعصب الذي يعمي القلوب والأبصار عن الحق والعدل والإنصاف وحقوق الآخرين والمصلحة العامة فهو من الحميّة الجاهلية التي شنّعها وحقرها القرآن. قال الله تعالى مشنعًا على الكافرين الذي كانوا يصدون المسلمين عن المسجد الحرام: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ…﴾ (الفتح: 26).

• ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ وهذا تعليل لمضمون ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ “أي إنما كان أكرمكم أتقاكم؛ لأن الله عليم بالكرامة الحق التي هي التقوى، خبير بمقدار حظوظ الناس من التقوى… وهو كناية عن الأمر بتزكية نواياهم في معاملاتهم، وما يريدون من التقوى، بأن الله يعلم ما في نفوسهم ويحاسبهم عليه”([64]).

ثامنًا: عدم تزكية النفس؛ وبعد وضع الميزان العدل للتنافس والتفاضل بين الناس في الآية السابقة، جاءت الآية التي بعدها لتنهى عن تزكية النفس وادعاء ما ليس حقًا ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 14). “فهؤلاء الأعراب لما جاءوا مظهرين الإسلام وكانت قلوبهم غير مطمئنة لعقائد الإيمان لأنهم حديثو عهد به كذّبهم الله في قولهم {آمنَّا} ليعلموا أنهم لم يخف باطنهم على الله، وأنه لا يُعتدّ بالإسلام إلا إذا قارنه الإيمان، فلا يغني أحدهما بدون الآخر، فالإيمان بدون إسلام عناد، والإسلام بدون إيمان نفاق، ويجمعهما طاعة الله ورسوله ([65]). وقوله تعالى ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ “مبيّنٌ لمعنى نفي الإيمان عنهم في قوله ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ بأنه ليس انتفاء وجود تصديق باللسان، ولكن انتفاء رسوخه وعقد القلب عليه، إذ كان فيهم بقية من ارتياب، كما أشعر به مقابلته بقوله ]في الآية التي تليها[ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (الحجرات: 15)” ([66]). وتدل “لمّا” على “أن النفي بها متصل بزمان التكلم… وهذه الدلالة على استمرار النفي إلى زمن التكلم تؤذن غالبًا، بأن المنفي بها متوقع الوقوع”([67]).

وما في هذه الآية من النهي عن تزكية النفس، جاء تأكيده في الآية “32” من سورة النجم ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ “أي هو أعلم بمراتبكم في التقوى، أي التي هي التزكية الحق”([68]). والرسول قال ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) (رواه البخاري ومسلم)، أي المتكثر بما ليس فيه، كمن يظهر للناس أنه متصف بالزهد والورع ويظهر من التزهد والتورع أكثر مما في قلبه غاشًا لهم، أو يريد أن يُحمد بما لم يَفعل، فهذا كلابس ثوبي زور، كمن يلبس ثوبين لغيره ويوهم أنهما له([69]).

تاسعًا: إرجاع المنّة بالإيمان – وهو كبرى المنن – لله؛ في ختام سورة الحجرات، تأتي الحقيقة الضخمة بأن الإيمان هو كبرى المنن من الله على المؤمنين([70])﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ  بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱللَّهُ بَصِيرُ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾ (الحجرات: 17-18)، فالإيمان “أكبر من منّة الوجود الذي يمنحه الله ابتداء لهذا العبد، وسائر ما يتعلق بالوجود… إنها المنّة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة، وتجعل له في نظام الكون دورًا أصيلًا عظيمًا… وأول ما يصنعه الإيمان في الكائن البشري، حين تستقر حقيقته في قلبه، هو سعة تصوره لهذا الوجود… فمن سعة تصوره أن يخرج من نطاق ذاته المحدودة إلى محيط هذا الوجود كله… فهو، بالقياس إلى جنسه، فرد من إنسانية، ترجع إلى أصل واحد… وهو، بالقياس إلى الفئة التي ينتسب إليها، فرد من الأمة المؤمنة. الأمة الواحدة السائرة في موكب كريم، يقوده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين… ومن هذا التصور الواسع الرحيب يستمد موازين جديدة حقيقية للأشياء والأحداث والأشخاص والقيم والاهتمامات والغايات، ويرى دوره الحقيقي في هذا الوجود… ومن هذه المعرفة يستمد الطمأنينة والسكينة والارتياح لما يجري حوله، ولما يقع له… وهذا كسب ضخم في عالم الشعور وعالم التفكير، كما أنه كسب ضخم في عالم الجسد والأعصاب، فوق ما هو كسب ضخم في جمال العمل والنشاط والتأثر والتأثير… والإيمان – بعد – قوة دافعة وطاقة مجمّعة…”([71])، وكل هذا الكسب الضخم منّة من الله الكريم وحده ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.

وفي ذلك الختام إشارة تؤكد أن رابطة الإيمان أعرق من كل رابطة والانتساب إلى أمة المؤمنين أشرف من كل نسب. وصدق الشاعر حينما قال:

وابتدأنا كلنا تاريخنا ... "أمة الإسلام" من هذا "النبي" إنه منســبنا أجمعنا ... حــسـبـنا ذلكـم مــن نـسـب حيث نلنا ذروة المجد هنا ... وغدًا نبلغ أعلى الـرتـب لا تُفـاخرْ بتُراثٍ ميِّتٍ ... لمْ يُقمْ بُنْيانُهُ هـدْيَ نَبِي وافْتَخِرْ بالدينِ لولاهُ لَمـَا ... بلغَ الإنسانُ أقصى مأرَبٍ

ختام وتوصية

إن هذا المنهج القرآني النوراني جدير بأن يكون مشروعًا وطنيًا في كل بلد إسلامي يُجسَّد في المناهج التربوية والبرامج التثقيفية والأعمال الإعلامية والفنية والقوانين التشريعية والقرارات الإدارية؛ ليصبح ثقافة مجتمعية تجعل المجتمع بأسره مجتمعًا سليمًا متعاضدًا قويًا مُنوّرًا يسوده الحب والإخاء والأمان والتعايش السلمي بين جميع مكوناته.


   ([1]) أشار إلى قريب من ذلك الشيخ ابن عاشور في تفسيره لقول الله تعالى ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (انظر؛ تفسير الآية 191 من سورة البقرة في التحرير والتنوير لابن عاشور).

   ([2]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 6 من سورة الحجرات.

   ([3]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره بمنهج عملي وتربوي جديد، د. محمد عياش الكبيسي، دار نشر جامعة قطر، ج3، ص: 1511.

   ([4]) المصدر السابق.

   ([5]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 6 من سورة الحجرات.

   ([6]) استفدنا هذه الأنواع من الإشاعات ولخصناها بتصرف من البحث النوعي والمفيد جدًا في موضوعه “منهج القرآن في مكافحة الإشاعة”، د. محمد عياش الكبيسي، مجلة الأحمدية، الصادرة عن دار البحوث للدراسات الاسلامية واحياء التراث بدبي، العدد 5، محرم 1421هـ/ إبريل 2000م، ص: 135-170.

   ([7]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 19 من سورة النور.

   ([8]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج2، ص: 948.

   ([9]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 15 من سورة النور.

   ([10]) “منهج القرآن في مكافحة الإشاعة”، د. محمد عياش الكبيسي، ص: 152.

   ([11]) المصدر السابق، ص: 153.

   ([12]) المصدر السابق.

   ([13]) المصدر السابق، ص: 152-153.

   ([14]) “منهج القرآن في مكافحة الإشاعة”، د. محمد عياش الكبيسي، ص: 153.

   ([15]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 9 من سورة الحجرات.

   ([16]) المصدر السابق، بتصرف قليل.

   ([17]) المصدر السابق.

   ([18]) المصدر السابق.

   ([19]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1512.

   ([20]) المصدر السابق.

   ([21]) المصدر السابق.

   ([22]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 11 من سورة الحجرات.

   ([23]) المصدر السابق.

   ([24]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1512-1513.

   ([25]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 11 من سورة الحجرات..

   ([26]) المصدر السابق.

   ([27]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1513.

   ([28]) من تعليق الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – على الآية 11 من سورة الحجرات في ظلال القرآن.

   ([29]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 11 من سورة الحجرات.

   ([30]) من تعليق الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – على الآية 11 من سورة الحجرات في ظلال القرآن.

   ([31]) المصدر السابق.

   ([32]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1513.

   ([33]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 12 من سورة الحجرات..

   ([34]) المصدر السابق.

   ([35]) من تعليق الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – على الآية 12 من سورة الحجرات في ظلال القرآن.

   ([36]) المصدر السابق.

   ([37]) المصدر السابق.

   ([38]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، دار نشر جامعة قطر، ج3، ص: 1508.

   ([39]) المصدر السابق، ص: 1513.

   ([40]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 12 من سورة الحجرات.

   ([41]) المصدر السابق.

   ([42]) من تعليق الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – على الآية 12 من سورة الحجرات في ظلال القرآن.

   ([43]) المصدر السابق.

   ([44]) المصدر السابق.

   ([45]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1514.

   ([46]) انظر؛ تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 12 من سورة الحجرات، ومجالس النور، ص: 1514.

   ([47]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 12 من سورة الحجرات.

   ([48]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 148 من سورة النساء.

   ([49]) المصدر السابق.

   ([50]) المصدر السابق، تفسير الآية 12 من سورة الحجرات.

   ([51]) المصدر السابق، تفسير الآية 13 من سورة الحجرات.

   ([52]) المصدر السابق.

   ([53]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1514.

   ([54]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 13 من سورة الحجرات. ويقول ابن عاشور موضحًا: “فالأمة العربية – على سبيل المثال – “تنقسم إلى شعوب كثيرة، فمُضر شَعب، وربيعة شَعب، وأنمار شَعب، وإياد شَعب، وتجمعها الأمة العربية المستعربة، وهي عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام. وحمير وسبأ، والأزدُ شعوب من أمة قحطان”. وسمي الشعب شعبًا لأن القبائل تشعبت منه. فكل شًعب يتكون من مجموعة من القبائل، “فكنانة وقيس وتميم قبائل من شَعب مُضر، ومَذْحج، وَكِنْدَة قبيلتان من شَعب سَبأ، والأوسُ والخزرج قبيلتان من شَعب الأزد…”

   ([55]) المصدر السابق.

   ([56]) المصدر السابق.

   ([57]) المصدر السابق.

   ([58]) المصدر السابق.

   ([59]) المصدر السابق.

   ([60]) المصدر السابق.

   ([61]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1504.

   ([62]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 13 من سورة الحجرات.

   ([63]) مجالس النور في تدبر القرآن الكريم وتفسيره، د. محمد عياش الكبيسي، ج3، ص: 1508.

   ([64]) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير الآية 13 من سورة الحجرات.

   ([65]) المصدر السابق، تفسير الآية 14 من سورة الحجرات.

   ([66]) المصدر السابق.

   ([67]) المصدر السابق.

   ([68]) المصدر السابق.

   ([69]) انظر شرح الحديث للنووي في شرح مسلم.

   ([70]) انظر تعليق الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – على الآية 17 من سورة الحجرات في ظلال القرآن.

   ([71]) المصدر السابق.