قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } رفعة الدرجات تدل على الفضل ، وكثرة الثواب ، وكذا رفعة الدرجات في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والجاه .
وأمر الله سبحانه رسوله عليه الصلاة والسلام قائلا { وقل رب زدني علما } . وهو واضح في فضل العلم ، لأن الله لم يأمر نبيه ﷺ بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم ، قاله الحافظ في الفتح (1/141)
والمراد بالعلم العلم الشرعي ، الذي يفيد معرفة مايجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته ، والعلم بالله تعالى وصفاته ، ومايجب له من الواجبات ، فالعلم من أفضل الأعمال لمن صحت نيته ، كما قال الامام أحمد.
والعلم أكثر من أن يحاط به ، والعاقل يأخذ منه الأهم فالمهم ، والنبيل يكتب خير ما يسمع ، ويحفظ أحسن ما يكتب ، ويحدث بأحسن ما يحفظ ، والعالم لا يكون عالماً بدون حفظ المتون.
يقول شيخ الإسلام : من حفظ المتون حاز الفنون.
والرحبي يقول :
والثلثان وهما التمام فاحفظ فكل حافظ إمام
إن للعلم الشرعي في هذا الدين مكانة عظيمة ودرجة عالية ، فهو ميراث النبوة ، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا هذا العلم ، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر.
ولولا العلم الشرعي لأصبح الناس كالبهائم ، ولكن الله بعث إليهم الرسل بالعلم الشرعي وكرمهم ورفعهم عن بقية
مخلوقاته قال تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } النحل .
ومن أراد الله به خيرا رزقه هذا العلم قال ﷺ: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” أخرجاه في الصحيحين.
فهذا هو مقياس محبة الله لعباده ، وليست الدنيا والأموال والأولاد هي المقياس، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين والعلم إلا من أحب.
ليس لأحد أن يغبط أحدا على شيء ، إلا على العلم والعمل به ، كما قال ﷺ: ” لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها” أخرجاه في الصحيحين.
العلم الشرعي -عباد الله -طريق الجنة المأمون قال رسول الله ﷺ: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة” رواه مسلم.
ولذلك كله فقد كان للعلماء مكانة عظيمة عند المسلمين، ويجب أن تبقى إن كنا نريد النصر والعزة والرفعة في
الدنيا والآخرة ، ولقد كان سلفنا رحمة الله عليهم يعظمون العلماء ويجلونهم.
وإن الأمة اليوم مطالبة أكثر من ذي قبل بالرجوع إلى علمائها المخلصين الصادقين ، وسؤالهم وأخذ رأيهم والوقوف عند أقوالهم وعدم مخالفتها ، مادامت مستندة على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
ولا يكون المرء راسخا في العلم بدون حفظ أصول العلم ، وقد أوعب علماء الأمة في التأليف في كل فن من فنون العلم إيعابا ، فاطلب من العلم آكده وأوجبه وأغزره نفعا، واحفظ في كل فن مختصراً .
قال شيخ الإسلام : وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي ﷺ . ، ثم انتقل إلى المبسوطات وتبحر فيها، وخذ العلم من أهله ، من شيخ يقتدى به في العلم والعمل ، ممن يعرف بالسنة والبعد عن البدع بأنواعها .
يقول محمد بن سيرين : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . .
ماذا تحفظ من المتون ؟
إبدأ في مطلع الطلب بحفظ كتاب الله متقناً مع التدبر، ثم احفظ متونا في العقيدة، فنقاء العقيدة يصحح النية، ويلجم الهوى، ويبارك في العمل، ويخلد الذكر، ثم احفظ متوناً في فنون متنوعة في التجويد والمصطلح والحديث والفقه
وأصوله والفرائض والنحو والآداب، وإليك بيان بأهم المتون مرتبة مسلسلة حسب الفنون.
1-القران الكريم: ولايلزم خلال حفظك للقرآن أن تقتصر على حفظه فقط ، بل اجمع مع حفظه متوناً أخرى.
2- التجويد: وتحفظ منظومة التحفة للجمزوري وهي 61 بيتاً.
3- العقيدة: وتحفظ مسلسلة كما يأتي:
نواقض الإسلام – القواعد الأربع – ثلاثة الأصول – كتاب التوحيد – وهذه المتون الأربعة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم متن العقيدة الطحاوية.
4-مصطلح الحديث: وتحفظ فيه البيقونية وهي (34) بيتاً، ثم نخبة الفكر لا بن حجر.
5-الحديث: وتحفظ متون الحديث الآتية: الأربعون النووية ، عمدة الأحكام ، بلوغ المرام.
6-أصول الفقه: متن الورقات ، .
7- الفقه : وتحفظ فيه : شروط الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، زاد المستقنع للإمام الحجاوي ، وهو خلاصة في فقه الأحكام ، وقد حوى مسائل عديدة ، أو دليل الطالب لمرعي الحنبلي.
8- الفرائض: ويحفظ فيه : متن الرحبية وهي 176 بيتاً.
9- أو ملحة الاعراب للحريري ، النحو: وتحفظ فيه : الآجرومية ، ثم ألفية ابن مالك.
10-في الآداب : تحفظ منظومة أبي إسحاق لألبيري الأندلسي: وهي منظومة بديعة ، مليئة بالأحكام وعدد أبياتها (115) بيتاً، ومطلعها:
تفت فؤادك الأيام فتا = وتنحت جسمك الساعات نحتا
وقد شرحها الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى وطبعت .
طريقة حفظ المتون
والطريقة هي: أن تكرر المقطع الذي تريد حفظه ، عشر مرات أو عشرين مرة بحسب قوة حفظك ،بعد الفجر مثلا.
وبعد العصر أيضا تكرره .
ولو كنت تحفظ مثلا ألفية ابن مالك ، فقبل أن تبدأ في حفظ الأبيات الجديدة اقرأ الأبيات التي حفظتها بالأمس
عشرين مرة ، ثم اقرأ حفظا من أول الألفية حتى تصل إلى موطن الحفظ الجديد ، وهكذا تكرر ذلك يومياً حتى
يرسخ المحفوظ .
وبهذه الطريقة سِرْ في كل متن تحفظه ، مع ضرورة مداومة مدارسة العلم ، حفظاً ومراجعة وقراءة
وحضور دروس العلماء وملازمتهم ، والسؤال عما أشكل عليك من مسائل العلم.
وكان أبو إسحاق الشيرازي يعيد الدرس مائة مرة، وكان الكيا الهراسي يعيده سبعين مرة.
واسمع هذه القصة التي تظهر لك أن قلة التكرار تنسي المحفوظ سريعاً.
قال ابن الجوزي في الحث على حفظ العلم: وحكى لنا الحسن – يعني ابن أبي بكر النيسابوري- أن فقيها أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة ، فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا ، فقال : أعيديه فأعادته، فلما كان بعد أيام ، قال : يا عجوز أعيدي ذلك الدرس ،فقالت: ما احفظه ، قال : أنا اكرر لئلا يصيبني ما أصابك.
فطريقة رسوخ الحفظ هو التكرار ، وما الحفظ إلا بالتكرار.
وسئل الامام البخاري عن دواء للنسيان ؟ فقال : إدمان النظر في الكتب .
كيف أراجع المتون ؟
إذا حفظت متوناً متنوعة في فنون العلم ، فراجع كل شهر جميع المتون التي حفظتها ، لتكون أرسخ في الحفظ ، واظهر في الاستحضار ، وأسرع في الاستدلال.