ورد في شأن المهدي أحاديث كثيرة، منها الموضوع ، والضعيف ، والحسن، وأقلها الصحيح، ومن هذه الأحاديث استخلص فقهاء المسلمين ما يجب اعتقاده تجاه هذه القضية، وهو أن المهدي حقيقة لا تنكر حيث يخرج آخر الزمان خروجا عاديا من يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا من قبل، وخروج المهدي بهذه الصورة لا يوجب على المسلمين أن ينتظروه ، أو يتربصوا به السنين، فظهوره لا يلغي الشرائع، ولا ينسخ الأحكام، ومن تباطأ فيما وجب عليه متذرعا بانتظار المهدي فقد خالف نهج المسلمين.
يقول الشيخ سلمان بن فهد العودة من علماء المملكة العربية السعودية:-
ورد في شأن المهدي أحاديث ربما تزيد على مئة ، ما بين موضوع ، وضعيف ، وحسن . وربما يكون فيها الصحيح ، وهو قليل جداً .منها :
1- حديث علي بن أبي طالب ، مرفوعاً ( المهدي مِنّا – أهلَ البيت – يصلحه الله في ليلة ) رواه أحمد ، وابن ماجه ، وحسّنه بعضهم لكن سنده ضعيف . ففيه : ياسين بن شيبان العجلي ، قال البخاري : فيه نظر ؛ وهذه من ألفاظ الجرح عنده .وقال الذهبي : ضعيف ، وقال أبو زرعة ، وابن معين : ليس به بأس.
2- وأحاديث أبي سعيد الخدري ، جاء عنه ثلاثة أحاديث في هذا الباب ، خرَّجها الحاكم ، وخرَّج بعضها أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد ، وغيرهم . ومن هذه الأحاديث ما جاء عند الترمذي ( إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أوتسعا فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله).
3- ومنها حديث: “يخرج في آخر أمتي المهدي” ؛ وهو عند الحاكم ، وصححه ووافقه الذهبي ، وفي سنده اختلاف .
4- ومنها حديث: “المهدي منّي أجلى الجبهة ، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين ” رواه أبو داود .
5- ومنها حديث : ( الرايات السود ) عن ثوبان – رضي الله عنه – مرفوعًا “إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأْتوها ولو حبواً ، فإن فيها خليفةَ الله المهدي” ؛ رواه الحاكم ( وأحمد ، وهذا الحديث جاء من طرق كلها ضعيفة ، ولا يصح فيه شيء ، وإن كان بعضهم تسامح ، وصححه بمجموع طرقه .
وقد تمسك بهذا الحديث أقوامٌ في دعوى أن المهدي من ولد العباس ، وأن الدولة العباسية كان فيها المهدي ، وكان هناك من تسمَّى بهذا من خلفائهم، وليس ببعيد أن يكون هذا الحديث الضعيف قد وضع بِرُمّته ؛ أو حُرِّفَ لفظه بسبب التعصب لدولة بني العباس .
6- وهناك أحاديث كثيرة ثابتة في جملتها ، وإن كان غالبها لا يصل إلى درجة الصحيح ، بل ربما لا يصل إلى درجة الصحيح منها إلا حديث واحد ، والحسن فيها قليل – أيضاًَ- ، وغالبها ضعيف .
وقد كتب كثير من العلماء في موضوع المهدي ، منهم نعيم بن حماد في كتاب : ( الفتن ) ونعيم – وإن كان إماماً في السنة – إلا أنه كثير الوهم ، وقد ذكر هذا الدارقطني ، والذهبي ، وابن حجر ، بل قال مسلمة بن القاسم : له أحاديث منكرة في الملاحم ، تفرَّد بها .
وصنَّف أبو نعيم الأصفهاني كتاباً في المهدي ، ويوسف بن يحيى السلمي كتابا مطبوعاً اسمه : ” عقد الدرر ” وصنف ابن كثير ، والسيوطي ، والسخاوي ، والصنعاني ، والشوكاني ، وغيرهم ، وخلق من المعاصرين في هذا .
وقد ذكر ابن خلدون في المقدمة : أن المشهور بين الكافة من المسلمين إثبات المهدي ، وهذا لا شك أنه هو الصحيح ؛ فإن جماهير أهل العلم والأئمة قالوا بثبوت أحاديث المهدي ، من حيث الجملة ، وإن كان غالب الأحاديث فيها لا يخلو من مقال .
وهناك من نصَّ على تواتر هذه الأحاديث – أيضاً- ، خصوصاًَ من المتأخرين ، كما أن هناك من نُقل عنه إنكار أحاديث المهدي كلها .فقد نقل عن مجاهد إنكار هذا ، وادعاء أن المهدي هو المسيح ابن مريم، وجاء في هذا حديث ( لا المهدي إلا عيسى ابن مريم) عند ابن ماجه ، والحاكم وهو ضعيف ، وكذلك نقل عن الحسن البصري ، كما أن ابن خلدون ممن أنكر هذا ونفاه .
وأما من المتأخرين ، فالشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ومحمد محي الدين عبد الحميد وغيرهم .
وخلاصة ما مضى : أنه جاء في السنة أحاديث كثيرة جداً ، مترددة ما بين الموضوع والضعيف ، والحسن، ويقلُّ فيها الصحيح ، وأن الإيمان بخروج المهدي وظهوره أمر ثابت في الجملة .
وأهل السنة يؤمنون برجل من آل بيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يخرج في آخر الزمان خروجاً طبعياً ،، يولد كما يولد غيره ، ويعيش كما يعيش غيره ، وربما يقع منه الخطأ ، ويحتاج إلى إصلاحٍ مثل غيره من الناس ، ثم يكتب الله على يديه خيراً كثيراً ، وبرًّا ، وصلاحاً للأمة ، وعدلاً ، ويجمع الله به شمل المسلمين .ليس هناك أكثر من هذا ؛ كما هو وارد في الأحاديث .ولم يرد في أيِّ نص من النصوص أننا متعبدون بانتظاره ، أو ترقُبه ، بل لا ينبغي لأي مسلم أن يقبل مثل هذا الادعاء بمجرد الاشتباه ؛ حتى تقوم الأدلة الكافية فإن المدعين كثير ، منذ فجر التاريخ .
والمسلم مطالب بالتثبت ، والتحري ، والأناة ، وألا يستعجل الأمور بمجرد الرغبة أو الهوى النفسي .
ولا يتوقف على خروج المهدي أي شعيرة شرعية نقول إنها غائبة حتى يأتي الإمام المهدي، فلا صلاة الجمعة ، ولا الجماعة ، ولا الجهاد ، ولا تطبيق الحدود ، ولا الأحكام ، ولا شيء من ذلك مرهون بوجوده ؛ بل المسلمون يعيشون حياتهم ، ويمارسون عباداتهم ، وأعمالهم ، ويجاهدون ، ويصلحون ، ويتعلمون ، ويُعلِّمون ، فإذا وُجد هذا الإنسان الصالح ، وظهرت أدلته القطعية – التي لا لَبْس فيها – اتّبعوه .
وعلى هذا درج الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وتتابع على هذا أئمة العلم على تعاقب العصور . ففكرة سيطرة الترقب ، والانتظار ، والمبالغة بهذا أمر حادث .