اقرأ أيضا:
إن التعارف والتواصل بين الحضارات الذي أرسى قواعده القرآن الكريم ، قد أسس للشراكة الحضارية والتبادل في الخبرات والانفتاح في التعاطي مع الآخرين على شتى الصعد والمستويات ، من أجل إعادة صياغة جديدة للعلاقات السائدة في العالم ، ونقل تلك العلاقات من إطار الصدام إلى الحوار والتعارف والانفتاح وتعميم معرفة الآخر وتصحيح الصور المسبقة عنه وتشجيع فكرة الانتفاع المتبادل بخيرات الأرض ، إنها نقطة انطلاق لفهم الآخر والتعرف على ما عنده والتفاعل مع حضارته ، بدل الانعزال والإنغلاق على الذات .
إن الاختلاف بين الناس من بعض الوجوه ، يوحي بالحاجة إلى الآخر ويوجب التعاون معه والتبادل والتكامل الحضاري والعمراني والثقافي ، والاستفادة بكل جوانبها للنهوض بالتكاليف والوفاء بالاحتياجات قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة : 2.
وقال عليه السلام : [ الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ] الترمذي .
إنه أساس من أسس العلاقات الدولية ومبدأ من مبادئ السلام العالمي المنشود ، وبعد عن سياسات القهر والاستعباد والاستعمار .
لكن هذا التعارف والتقارب والاستفادة من الآخر والتبادل الثقافي والتعاون لا بد له من روح باعثة وأخلاق ضرورية لجعله حقيقة وواقعا ً وسلوكا ً ، لا نظرية ووهم وخيال ، لذا وجدنا الإسلام في سبيل ذلك قرر ما يلي :
وهذا يمثل اعتراف وتفهم للآخر وقبول للتعددية في الثقافات ، بل عمل الإسلام على حماية هذه الحرية وشرع لذلك الجهاد العسكري .
ومن آثار الحرية الدينية ما رسمه القرآن من أدب المناقشة الدينية ومجادلة الآخرين بطريقة أساسها العقل والمنطق وعمادها الإقناع بالتي هي أحسن ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) العنكبوت : 46 .
بل إنك تجد من أروع صنوف الحرية واحترام معتقد الآخر قوله تعالى ( و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) التوبة 6 .
حيث لم يكتف أن يجير المسلم المشرك بل تكفل بالأمن والحماية دون أن يجبره على الاتباع لديننا ، بل مجرد الإسماع الموجب للقناعة والهداية .
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )الممتحنة 8 .
فما داموا يشاركوننا في الأصل الإنساني فهم مستحقون للإحسان والتعامل بالحسنى والبر. بل إن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لما مرت به جنازة يهودي قام لها ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ! فقال : [ أليست نفسا ] ؟!. مسلم .
والله سبحانه لما أكرم البشر ، أكرمهم بوصفهم البشري لا بوصف ديني و لا بقيد عقدي . قال:( ولقد كرمنا بني آدم ) الإسراء : 70 . فالإكرام مرتبط بالآدمية .
والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قا ل عن أحد أحبار يهود وهو مخيريق : [ مخيريق خير يهود ] السيرة النبوية لابن كثير . لأنه أخلص العهد للمسلمين
وتحلى بمكارم الأخلاق .
فالرسول الكريم سن قوانين التسامح والصفح في عالم مليء بالتعصب والعنف والغلو والحروب ، ومعلوم موقفه النبيل مع أهل مكة بعد فتحها وقد فعلوا فيه
الأفاعيل ، حيث قال وأعلن [ أقول لكم ما قاله أخي يوسف لأخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ] .
إن تعارف الحضارات تتضمن تحقيق التقارب والتسامح وفك عقد هيمنة القوي ، وتجاوز الصراع بين المختلفين . ولا يفهم من ذلك إلغاء الفارق في خصوصيات العقائد والحضارة والثقافة ، فلا سبيل لإلغاء مثل ذلك من واقع الحياة .
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين