اقرأ أيضا:
وفي أثر آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أُعلم بها فخرج يخبر بها، فتلاحى رجلان في المسجد وارتفعت أصواتهما فرُفعت، مما يدل على خطورة الاجتراء على المساجد، والذي هو من أشراط الساعة، وإذا كان الأمر كذالك، فكيف الحال بالمتشاحنين والمتخاصمين، وقاطعي الأرحام، وسافكي الدماء.
وقد ذكر الحافظ في الفتح أربعين قولا فيها، ولكن الراجح أنها في العشر الأواخر من رمضان كما حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاوز في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”[البخاري، 2017 ]، وذهب بعضهم إلى أنها ليلة الثالث والعشرين لما ورد في حديث الجهني الوارد في سنن أبي داوود [ 1380]، وذهب كثير من السلف وأهل الكوفة إلى أنها ليلة السابع والعشرين، فعن زر بن حبيش عن أبي بن كعب، قال: قال أبي في ليلة القدر: «والله إني لأعلمها، وأكثر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين» [مسلم، 762]، والراجح أنها تدور بين الليالي في السنوات المختلفة، وتلك حكمة الإخفاء.
كما ورد في السنة ما يعطي بعض الإيماء إلى بلوغها وإدراكها لمن فتح الله عليه، ووفقه لقيامها، ومن ذلك أن شمسها تطلع نقية ضعيفة الشعاع، ففي حديث أبي : «أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ، لا شعاع لها [مسلم، 762] ،وفي حديث ابن عباس:”ليلة القدر ليلةٌ طَلْقة، لا حارَّة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراءَ ضعيفة[ابن خزيمة، 2192] وربما مرجع ذلك لغلبة أنوار الملائكة عليها.
ووردت بعض الآثار عن بعض السلف بذكر علامات غير مقطوع بها، وربما هو من التوفيق بمعرفتها، وقد ذكروا بأنه يُستحب لمن عرفها بكتمان ذلك إذ الكرامة لا تذاع، وفضل الله عظيم، والأولياء لا ينقطعون.
قال ابن تيمية :” وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة. فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر “[مجموع الفتاوى، 25/286]
وقال النووي: “فإنها تُرى وقد حقّقها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث، وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر به”[شرح مسلم 8/66].
والمستحب في هذه الليالي كثرة القيام والتهجد، إذ الوقت ضيق محصور، والثواب عظيم، ومن المعلوم أن قيام الليل مستحب، واجب في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سنة الصالحين وأقله حضور الصلاتين، أو القيام قدر ما تحلب شاة، والقيام في رمضان والاستغفار بالأسحار مما ندب إليه الشرع، ويتأكد الأمر إذا علم المؤمن بهذا الثواب الذي لا يتكرر، وهو أجر ألف شهر، وما كان عطاء الله محظورا على أمة محمد الخاتمة، فهو كنز عظيم لا ينبغي لمؤمن التفريط فيه، كما كان أجر الصلاة بخمسين، والحسنة بعشر أمثالها، والصدقة بسبعمائة، والصبر لا أجر معدود له ولا محدود.
ولذلك كان بعض السلف يفرح بهذه الليلة، ويغتسل لها، وفي الأثر أن تميم الداري كانت حلة بألف درهم يطويها كل سنة، وكذاك ثابت البناني وحميد يغتسلان فرحا واستعدادا كما نقل بن الجوزي في الصفة.
والناس مع هذه الليلة أصناف، فمنهم السابقون المفردون الذاكرون المزدادون من الخير في رمضان، المتنافسون في البدل والجود والصدقات، ومنهم المقتصدون المقتصرون على الفرائض والقيام المعروف، وأخسرهم صفقة الغافلون المشتغلون بالوسائط والتافه من البرامج والأفلام والسهرات التي تخلب بعضهم بإعلاناتها وحصرييها وفوانيسها وفوازيرها ومسابقاتها الفانية، والأظلم منهم المعرضون المكذبون المحرمون عياذا بالله.
والمتواصى به من الدعاء ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة، قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن عَلِمت أيُّ ليلةٍ القدر، ما أقول فيها؟ قال:”قولي: اللهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعف عنِّي” [الترمذي،3513 ].
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين