يعد التعليم أحد أعمدة الحضارة الإنسانية، حيث يساهم في تكوين الأفراد وتنمية المجتمعات. في هذا السياق، قدم أ.د. عبد الله يوسف الغنيم في كتابه “التربية والتعليم في التراث العربي (كيف علم القدماء أبناءهم)” دراسة تحليلية لمنظومة التعليم عند العرب قديما، مستعرضًا أساليبهم التربوية، وأهم الوسائل التي اعتمدوا عليها في نقل العلوم والمعارف.

هدف الكتاب إلى تسليط الضوء على الجوانب التربوية في التراث العربي، من خلال تحليل أساليب التعليم، والتوجيه نحو التخصص، والتعلم الذاتي، والكتب والموسوعات، بالإضافة إلى توضيح دور المعلم والطالب في العملية التعليمية.

نبذة عن المؤلف

مؤلف الكتاب هو أ.د. عبد الله يوسف الغنيم من الشخصيات البارزة في مجال التربية والتعليم، حيث شغل مناصب عدة، منها : رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، ووزير التربية والتعليم العالي في الكويت سابقا، وعميد لكلية الآداب بجامعة الكويت سابقًا، كما عمل مديرا لمعهد المخطوطات العربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو عضو في عدد من المراكز والمجالس العلمية العربية والعالمية.

هذه الخبرة العلمية والإدارية أهلته لتقديم رؤية تحليلية حول تاريخ التعليم العربي، مدعومة بأمثلة تاريخية موثقة.

محتوى كتاب التربية والتعليم في التراث العربي (كيف علم القدماء أبناءهم)

يقع الكتاب في 155 صفحة، وصدر عن دار ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع – الكويت عام 2020. وهو في الأصل محاضرة قدمها المؤلف عام 2004 خلال الدورة الحادية عشرة للموسم الثقافي التربوي للمركز العربي للبحوث التربوية، قبل أن يتم توسيعها وتحويلها إلى كتاب شامل.

التعليم بين التلقين والتفكير

يبدأ الكتاب بمناقشة أساليب التعليم عند العرب القدماء، مبينًا أنهم لم يعتمدوا فقط على التلقين والحفظ، بل كان هناك توازن بين الحفظ والفهم والاستنباط. فقد كان المعلمون يشجعون الطلاب على طرح الأسئلة، وإعمال الفكر، والاعتماد على المناظرات والمذاكرات كوسائل فعالة لترسيخ المعرفة.

التوجيه نحو التخصص

يشير المؤلف إلى أن التعليم عند العرب القدماء لم يكن عامًا فقط، بل كان هناك توجيه مبكر نحو التخصص، حيث كانت هناك مدارس تُعنى بمجالات محددة مثل الطب، والهندسة، والفلك، والفقه. وكان الطلاب يتلقون تعليمهم تحت إشراف شيوخ متخصصين في كل مجال، ما ساهم في تكوين علماء متميزين.

التعليم الذاتي واكتساب المعرفة

يبرز الكتاب أهمية التعليم الذاتي، حيث لم يكن التعلم مقتصرًا على المدارس، بل اعتمد كثير من العلماء على المطالعة الشخصية والبحث والتجربة. كما كان الأسفار والرحلات العلمية جزءًا أساسيًا من عملية التحصيل العلمي، حيث انتقل الطلاب بين المراكز العلمية المختلفة للاستزادة من علومها.

التوجيهات والوصايا التربوية

يخصص المؤلف فصلًا لاستعراض الوصايا التربوية والتعليمية التي قدمها العلماء والمفكرون لتلاميذهم، والتي ركزت على التحلي بالأخلاق الحميدة، والصبر، والمثابرة، واحترام المعلم. كما أكد على ضرورة تأديب الطالب وتعويده على الجد والاجتهاد منذ الصغر.

التعليم والتأديب في كتب الحسبة

يناقش الكتاب دور كتب الحسبة في تنظيم العلاقة بين المعلم والطالب وولي الأمر، حيث كانت هذه الكتب تحتوي على أحكام وضوابط تحفظ حقوق وواجبات جميع الأطراف. فقد كان المعلم مسؤولًا عن تقويم سلوك الطالب وتعليمه آداب السلوك، إلى جانب دوره في نقل المعرفة.

المنظومات والأراجيز التعليمية

يُبرز الكتاب أهمية الأراجيز والمنظومات التعليمية، حيث لجأ المعلمون إلى النظم الشعري لتسهيل حفظ العلوم المختلفة، مثل النحو، والفقه، والفلك. وكانت هذه الطريقة شائعة بين العلماء، لما لها من دور في تثبيت المعلومات في الذاكرة.

الكتب والموسوعات ودورها في تيسير التعلم

يستعرض المؤلف دور الموسوعات العلمية والكتب المرجعية في نشر المعرفة، مشيرًا إلى أن العرب كانوا روادًا في توثيق العلوم وتصنيفها. فقد ساهمت مؤلفات مثل كتب الجاحظ، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد في نشر العلوم وتسهيل عملية التعلم للأجيال القادمة.

التعليم الخاص

يُخصص الكتاب فصلًا للحديث عن التعليم الخاص، حيث لم يكن التعليم مقتصرًا على المدارس والمساجد، بل كان هناك تعليم فردي يُقدم للأمراء وأبناء الطبقات الثرية، وهو ما أسهم في تكوين نخب علمية وسياسية متميزة.

قصة حي بن يقظان وأثرها على التربية الغربية

يُسلط المؤلف الضوء على قصة حي بن يقظان لابن طفيل، مشيرًا إلى أن هذه الرواية الفلسفية التعليمية أثرت في الفكر التربوي الغربي، حيث تم ترجمتها إلى اللاتينية ولغات أوروبية أخرى، وكان لها تأثير واضح في المناهج التربوية الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بمفهوم التعلم الذاتي والاستكشاف.

أهمية الكتاب

يعد كتاب “التربية والتعليم في التراث العربي (كيف علم القدماء أبناءهم)” مرجعًا مهمًا لكل الباحثين والمربين والمهتمين بتاريخ التعليم العربي، حيث يسلط الضوء على الأساليب التعليمية القديمة، ويقدم رؤية متكاملة حول طرق التعليم التي اعتمدها العرب في الماضي، سواء في المدارس، أو عبر التعليم الذاتي، أو التخصصي. كما أنه يبرز دور الكتب والموسوعات، والتعليم الخاص، والتوجيه التربوي في بناء شخصية المتعلم.وبفضل أسلوبه العلمي المدعوم بالأدلة التاريخية، يُعتبر هذا الكتاب إضافة قيّمة إلى المكتبة العربية، ويشكل دعوة لمراجعة نظمنا التعليمية والاستفادة من تراثنا التربوي في بناء مستقبل تعليمي أكثر تطورًا.

دعوة إلى مراجعة المناهج

في خاتمة الكتاب، يدعو المؤلف إلى إعادة النظر في مناهجنا التعليمية، والاستفادة من الأساليب التي كانت متبعة قديمًا، مع التكيف مع تطورات العصر الحديث. ويشدد على ضرورة إعادة الاعتبار لدور المعلم والتوجيه التربوي السليم، لضمان تخريج أجيال قادرة على الإبداع والتفكير النقدي.


معلومات الكتاب

  • العنوان: التربية والتعليم في التراث العربي (كيف علم القدماء أبناءهم)
  • المؤلف: أ.د. عبد الله يوسف الغنيم
  • الناشر: ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع – الكويت
  • سنة النشر: 2020 م
  • عدد الصفحات: 155 صفحة
  • الترقيم الدولي: 6051666461