في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، وتأثيرها المباشر على الدين والثقافة والإعلام، احتضن معرض الدوحة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين ندوة فكرية بعنوان: ” الثقافة الإسلامية والحوار الديني في العصر الرقمي : تحديات الإعلام وفرص الذكاء الاصطناعي “، نظمتها جمعية البلاغ الثقافية بالتعاون مع مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وذلك خلال فعاليات المعرض المنعقد بين 8 و17 مايو 2025م.

أدار الندوة الدكتور سيكو توري، الباحث الأول في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وشارك فيها كل من الدكتور محمد أبوبكر المصلح، العميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، والدكتور علي يوسف السند، أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية الأساسية بدولة الكويت، ومقدم برنامج “موازين” على قناة الجزيرة.

رقمنة الثقافة والدين: أسئلة المرحلة

انطلقت الندوة من سؤال محوري: كيف تتفاعل الثقافة الإسلامية مع التغيرات الرقمية المتسارعة؟ وقد تناول المتحدثان هذا التساؤل من خلال أربعة محاور رئيسة، قدّما فيها مداخلات فكرية ومعرفية عميقة، تلامس واقع الإعلام الديني، وتطرح رؤى مستقبلية في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.

في المحور الأول، سلّط الدكتور محمد المصلح الضوء على إعادة تعريف الثقافة الإسلامية لنفسها في ضوء التحولات الرقمية، مؤكدًا أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل أصبحت بيئة ثقافية تتطلب خطابًا دينيًا جديدًا قادرًا على التكيّف دون التفريط بالثوابت.

رجل يرتدي الزي التقليدي يتحدث في حدث، يحمل نظاراته بيده. خلفه شاشة تعرض معلومات عن الفعالية، تشمل التاريخ والوقت.
الدكتور محمد أبوبكر المصلح

أما الدكتور علي السند، فقد طرح تساؤلاً جوهريًا: هل يمثل الذكاء الاصطناعي تهديدًا أم فرصة للخطاب الديني؟ ليخلص إلى أن التقنية، إن حُسِن استخدامها، قد تُحدث نقلة نوعية في الدراسات الإسلامية والإعلام الديني.

كما ناقش المشاركان كيف غيّرت الوسائط الرقمية طبيعة الحوار بين الأديان، مبرزَين ما تتيحه من فرص غير مسبوقة للتواصل والتقارب، شريطة إدارة المحتوى بمهنية ووعي حضاري.

صراعات القيم والهوية في البيئة الرقمية

انتقل النقاش في المحور الثاني إلى استعراض التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي. أشار الدكتور المصلح إلى أن النشر الإلكتروني في المجال الإسلامي يعاني من فوضى المحتوى وغياب الضوابط، مما يفتح الباب أمام خطاب مشوش وغير منضبط.

أما الدكتور السند، فشدد على الحاجة الماسة لصناعة محتوى إسلامي قادر على المنافسة عالميًا، معتبرًا أن ضعف الأداء الإعلامي الإسلامي هو إحدى الثغرات الكبرى في الخطاب الثقافي والديني.

رجل يتحدث في حدث رسمي، يرتدي الزي التقليدي السعودي، ممسكًا بميكروفون. خلفه شاشة تعرض معلومات حول الفعالية. المكان مزين بألوان زاهية.
الدكتور علي يوسف السند

وأجمع المتحدثان على أن التشتت الرقمي وتعدد المنصات أحدثا حالة من الفوضى الخطابية، انعكست سلبًا على الحوار الديني، وهو ما يتطلب معالجات فكرية ومؤسسية عاجلة.

التكامل بين التعليم والإعلام

في المحور الثالث، دعا الدكتور المصلح إلى التكامل بين نظم التعليم والمؤسسات الإعلامية لبناء وعي إسلامي رقمي يستوعب تحديات العصر، دون أن يتخلى عن منظومة القيم الأصيلة.

في السياق ذاته، تحدث الدكتور السند عن دور الإعلام الإسلامي في تفكيك الصور النمطية السائدة عن الإسلام والمسلمين، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُسهم في تعزيز التفاهم بين الأديان إذا ما استُخدم في إطار من الأخلاق والضوابط المعرفية.

كما ناقشا في مداخلة مشتركة أهمية توظيف التكنولوجيا لدعم القيم المشتركة بين الأديان، وخلق بيئات تواصل رقمي تُبنى على الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر.

أخلاقيات العصر الرقمي

أما المحور الرابع والأخير، فركز على السبل العملية لتعزيز الحوار الديني من خلال الإعلام الإسلامي. وطرح الدكتور المصلح رؤية تؤكد أن الثقافة الإسلامية الرقمية قادرة على بناء أرضية حقيقية لحوار ديني متجدد.

في حين ركّز الدكتور السند على أهمية بناء إعلام رقمي إسلامي ملتزم بالأخلاق، يتعامل بوعي مع التعددية والتنوع، ويعمل على بناء جسور معرفية بين العلماء والمجتمعات الرقمية.

وفي ختام الندوة، قام كل من الدكتور إبراهيم الأنصاري، رئيس جمعية البلاغ الثقافية، والدكتور إبراهيم النعيمي، رئيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، بتكريم المشاركين، والتُقطت الصور التذكارية.

ثلاثة رجال يرتدون الزي التقليدي العربي يقفون معًا في مناسبة رسمية، حيث يقوم أحدهم بتسليم شهادة تقدير لآخر. الخلفية تتضمن عناصر فنية ملونة.

رجلان يرتديان الزي التقليدي العربي يقفان معًا في معرض الكتاب الدولي في الدوحة، يتسلم أحدهما شهادة تقدير من الآخر، مع خلفية ملونة تحمل شعارات وعبارات أدبية.

حظيت الندوة بحضور نخبة من الباحثين والمهتمين بالشأن الديني والثقافي، وأكدت في مجملها على أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة ليست نقيضًا للثقافة الإسلامية، بل يمكن أن تكون حليفًا استراتيجيًا إذا ما وُظفت ضمن رؤية علمية وأخلاقية تراعي تعقيدات العصر وتحترم ثوابت الهوية.