في الآونة الأخيرة وفي ظل التقدم التقني الكبير الذي نشاهده من حولنا على كافة المستويات، وإحلال الرّقْمَنة مكان الإنسان في كافة الوظائف والمِهَن والنشاطات، أصبح من الطبيعي مناقشة قضايا تتعلق بالذكاء الاصطناعي في جوانب متعددة، مثل ما يتعلق بالشريعة، وما يتعلق بالقانون، فممّا يتعلق بالقانون .. فإن الإنسان الآلي في أقرب الأقوال يضمنُ صاحبه إذا أحدث خللا خلال القيام بعمله سواء على المستويات الطبية أو غير ذلك، وهذه قضية تم بحثها فيما يتعلق بالفقه الجنائي – الفاعل المباشر وغير المباشر – ومع تطور الذكاء الاصطناعي فإننا سوف نشهد في الأوقات القريبة من يقوم بكافة الأعمال بدلا عن الإنسان، ومن تلك الأعمال: القضايا المتعلقة بالشريعة والأحكام الشرعية .
ففي جانب العبادات وأحكامها.. هل يمكن أن يقوم الذكاء الاصطناعي بالإمامة بالمصلين في المسجد إذا كان حافظًا للقرآن الكريم ويقرأ بالإحكام المنضبطة ؟!
وقبل ذلك هل يلزمه الطهارة لمثل تلك القضايا أم إنه شخصية إعتبارية فقط ؟!
وكذلك خطبة الجمعة وصلاة العيدين، هل يصح أن يؤم المصلين ويخطب لهم ؟!
وفيما يتعلق بالزكاة.. هل تجب عليه الزكاة في حالة كونه مخاطبًا بالأحكام الشرعية وغيرها من القضايا ؟
وفي الحج.. هل يمكن أن يؤدي مناسك الحج عن نفسه إذا كان مخاطبًا أو عن غيره إذا كان متوفيًا ؟
وكذلك الصيام.. هل يحق له الصوم وغيره من المسائل التي تتوجب على المكلفين ؟
هذه بعض المسائل التي يجب أخذها بعين الاعتبار حتى نتمكن من وضع تكليف شرعي مناسب لها، وهذا التطور اللحظي يفرض علينا وضع تصورات لتلك القضايا، ومعرفة ما يمكن أن تُجيزه الشريعة وما لا تجيزه، وضبط المسافة بين الشخصيات الحقيقية والشخصيات الإعتبارية .
اقرأ أيضا :
الذكاء الاصطناعي والموقف الشرعي منه
قضايا كالبيوع لم تعد بالبساطة المُدونة بها في كتب الفقه التقليدية، والطرق القديمة التي تذكرها تلك الكتب، الآن يوجد بيوع إلكترونية، عقودها إلكترونية وتكلفتها عملات رقمية، تكون بين شخصيات اعتبارية، فهل هذا ينطبق عليه ما ينطبق على الأحكام الشرعية المتعلقة بالإنسان العادي ؟
كذلك توجد طرق جديدة للتجارة والكسب، تسمى “التداول “، تحتاج إلى تحرير وبيان الصواب والخطأ منها من منظور الشريعة الإسلامية .
وغير ذلك من القضايا في أبواب النكاح والطلاق، كالطلاق عبر الرسائل النصية، والعلاقات عبر وسائل التواصل وتكيفها الشرعي، وهل ينطبق عليها الأحكام المتعلقة بالطلاق كالعدة، والرجعة، والنفقة والحضانة وغير ذلك ؟
كما توجد نوازل جديدة متعلقة بتلك القضية كالدُمية الصينية التي تقوم بما تقوم به الزوجة في باب المعاشرة الزوجية، هل يجوز الزواج منها؟ وهل ينطبق عليها الأحكام الشرعية من الولاية والمهر والشهود وغير ذلك أم لا؟
وفي باب الإمامة الكبرى هل يجوز أن يتولاها الذكاء الاصطناعي في حالة توافر الشروط فيه أم لا؟ وهل يستلزم ذلك الشروط التي اشترطها العلماء في اختيار الحاكم ؟
وفي حالة الحروب والقتال هل يجوز أن يودى القتلى إذا كانت عبارة عن شخصيات آلية اعتبارية أم لا ؟
وهل يقبل شهادته في باب القضاء أم لا؟ وهل تَعدِل شهادة الرجل أم المرأة التي هي نصف شهادة الرجل؟
قضايا عديدة ومتنوعة في هذا الباب تحتاج إلى تمحيص دقيق وعناية بالغة من المتخصصين الذين يجمعون بين التأصيل الشرعي والتكيف الواقعي في هذا العصر، أي الذين لديهم دراية بالغة بسوسيولوجيا الاجتماع البشري والأحكام الشرعية.
ومن ثَم يمكنهم توصيف تلك الأحكام مع هذا الواقع الجديد الذي نعيشه.