أعادت فكرة تنظيم معرض “كنوز الإسلام في إفريقيا من تمبكتو إلي زنجبار” بباريس قبل عدة أشهر طرح موضوع التراث الإسلامي بالقارة السمراء و التحديات التي تتهدد بقائه و وجوده للواجهة.
فهذا التراث الهائل و الضارب في القدم يمثل شهادات موثقة و آثار حية تحكي قصص حقب مضيئة من الإشعاع العلمي و الثقافي الإسلامي عاشتها أفريقيا قبل عدة قرون من الزمن.
تراث في خطر
مدينة تمبتكوالواقعة بالشمال من دولة مالي تمثل أحدي هذه القلاع العلمية الشامخة التي باتت عاديات الزمن تطمس بشكل تدريجي شواهد تراث المدينة التي أضاءت حقبا طويلة من الزمن بأفريقيا بسبب إشعاعها العلمي و ذلك عائد لعدة عوامل ليس اقلها تموقع المدينة حاليا في مركز صراع دموي تغذيه صراعات أهل الشمال مع أهل الجنوب الذي يمسكون بالسلطة المركزية حول قضايا الحكم المحلي و تنمية الشمال.
فقد تعرضت بعض آثار و مكتبات المدينة للتخريب بعد سيطرة المجموعات المتشددة عليها قبل حوالي 4 سنوات، كما دمرت الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت تسيطر على “مدينة 333 ولي” بعضا من أضرحة علماء و أولياء المدينة المدرجة في قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو، قبل أن يتم إعادة ترميمها من طرف اليونسكو.
ترمز تمبكتو لعبق الإشعاع الثقافي للحضارة الإسلامية بمنطقة غرب إفريقيا ، فقد كانت على مدار قرون عديدة تمثل عاصمة الثقافة الإسلامية بالمنطقة و مركزا عليما حيويا و نقطة نفوذ اقتصادي و تجاري مهمة بالمنطقة.
شيء من التاريخ
ظلت المدينة مجهولة في مصادر التاريخ العربي قبل ان يتحدث عنها الرحالة ابن بطوطة الذي زارها حوالي سنة 1325 ، و ذلك اثر زيارة حاكم مالي “مانسى موسى” للمدينة عند عودته من الحج وأقام له سكناً وبنى ما يعرف اليوم بالجامع الكبير. وشهدت المدينة عصرها الذهبي من الناحية السياسية والفكرية في القرن السادس عشر، تحديداً في عهد الحاج محمد أسكيا (1493-1528)، الذي كان يهتم بالعلماء.
وقّف عصر المدينة الذهبي فجأة بسبب الغزو المغربي عام 1591 الذي بدأه حاكم المغرب السعدي مولاي أحمد المنصور. وبدأت أهمية تمبكتو الفكرية والتجارية بالانحدار تدريجياً إثر ذلك. ومع مرور الوقت، تخلّص حكام المدينة العسكريين من علاقاتهم مع السعديين. ووقعت المدينة لفترة وجيزة تحت سيطرة قبيلة “الفولب” في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى أن احتلها الفرنسيون في نهاية المطاف بداية عام 1894. واستمر الحكم الفرنسي حتى استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1960.
معالم و آثار
تشتهر تمبكتو بالعديد من المعالم الثقافية و العلمية ، فتزخر المدينة بالمكتبات التاريخية الرائدة بالمنطقة و التي تحوز قيمة تاريخية فريدة و توثق نتائج ابحاث اسلامية لقرورن و تحتفظ مكتبات المدينة بحوالي 300 ألف مخطوطة متداولة في تمبكتو والمناطق المحيطة بها، حيث ترقد ضمن صفحات هذه المخطوطات واحدة من أهم الموروثات الفكرية في إفريقيا.
و تلعب مكتبات تومبكتو دورا فاعلا في الحفاظ على مخطوطاتها و تبلغ تعدادها حوالي 21 مكتبة، و من أهم مكتبات المدينة معهد أحمد باب و مكتبات ماما حيدرة و فوندي كعتي و إمام السيوطي و جينجر بير.
و بالإضافة للمكتبات تمثل مساجد المدينة معالم حيوية هامة فمسجد “جينكريبر” الواقع في أقصي غرب المدينة يعتبر معلمة تاريخية إسلامية بارزة في المنطقة ، و قد تم بنائه سنة 1327 ميلادية من قبل المعماري الأندلسي أبو إسحاق الساحلي مقابل أجر مادي يصل 40 ألف مثقال من الذهب دفعها سلطان مالي “كانكا موسي”، و يصنف المسجد من طرف اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي. و يعتبر مسجد سيدي يحي الواقع في قلب المدينة أحد أقدم مساجد المدينة و قد تم تأسيسه سنة 1400 من طرف الشيخ المختار حماه الله.
مسجد ثالث رافق ذكره تاريخ المدينة و هو مسجد “سانكوري” الذي يعتبر أحد أقدم معالم المدينة.
تستحق المدينة اهتماما من الدول المسلمة و الجمعيات و النخب المسلمة لإعادة إحياء تراثها و تعريف المسلمين بماضيها و أدوارها الكبيرة في خدمة التراث الإسلامي بهذه المنطقة من غرب إفريقيا، و تعتبر السياحة الثقافية احدي الأدوات المهمة التي يمكن استخدامها لتعيد لتمبكتو ألقها و عبقها في ذاكرة النخب العربية و المسلمة التي تجهل الكثير عن هذا التراث الثري بمخطوطاتها و مكتباتها و آثار علمائها و مصلحيها، و أدوارها التجارية و الاقتصادية بالمنطقة.