ملخص البحث
عني علماء التفسير منذ القديم ببيان مقاصد سور القرآن وموضوعاته عامة، جاءت هذه الدراسة لتعنى ببيان مقصد القرآن في عدم ترتيب الأحداث مطلع بعض السور فقط، وكان ذلك من خلال الإجابة على الإشكالية الآتية: ما المقاصد القرآنية في عدم مراعاة الأحداث في ترتيب مطلع سورة الأنفال والحشر والممتحنة؟
وقد سلك الباحث خلال ذلك المنهج الاستقرائي التحليلي، وتوصل إلى جملة من النتائج كان من أبرزها: أن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الأنفال هو تزكية النفوس وتربيتها، وتهذيبيها من شوائب الجاهلية، وأن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الحشر التأكيدُ على خطورة نقض العهود والتلاعب بها، وأن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الممتحنة هو التأكيد على مقصد شرعي يتعلق بعقيدة المسلم، وهو تحقيق الولاء والبراء، وأوصى الباحث مراكز الدراسات القرآنية بالعمل على إخراج موسوعة قرآنية تعنى بذكر المقاصد القرآنية في عدم مراعاة ترتيب الأحداث في سور القرآن عمومًا.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، أرسل رُسلَه بالحق مبشرين ومنذرين، وأيدهم بآيات ومعجزات جعلها دليلَ صدقهم، فاختلف الناس فيها، فكفر أكثرهم ظلمًا وعلوًا، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد الذي أرسله ربه في الأميين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، أما بعد؛
فإن الله سبحانه إذ جعل القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية، وجعل شريعة نبيّه محمد ﷺ الشريعة الخالدة، الناسخة لما قبلها من الشرائع؛ فإنه قد حفظ ذلك الكتاب من التحريف الذي أصاب الكتب قبله، وقيَّض لشريعة نبيّه ﷺ من يحفظها، ويظهر للناس في كل زمان ومكان ما تضمنته من مقاصد وغايات تحقيق لهم المصالح، وتدرأ عنهم المفاسد، وقد تنوعت تلك المقاصد بين مقاصد كليّة وجزئيّة، وعامة وخاصة، انبرى علماؤنا الفحول لبيان ذلك وتفصيله، وكان مما بيَّنوه ما تضمنه كتاب الله سبحانه وتعالى خاصة من حكم ومقاصد، سهَّلت على القارئين له فهمه وتدبره.
وجاءت هذه الدراسة لتخطو خطوة أخرى في بيان شيء من تلك المقاصد القرآنية، ولكن من جانب آخر، ربما لم يُخصَّ بالدراسة والبحث من قبل، وقد وسمها صاحبها بـ: (المقاصد الشرعية في عدم مراعاة الأحداث في ترتيب مطالع سور القرآن “الأنفال والحشر والممتحنة نموذجًا”) راجيًا من الله سبحانه التوفيق والسداد، داعيًا إيَّاه أن يرزقني الإخلاص، ويمنَّ عليَّ بالتوفيق والقَبول.
إشكالية البحث
ما يزال موضوع عدم مراعاة الأحداث في ترتيب كثير من سور القرآن محل سؤال واهتمام الباحثين، وما يزال هذا الموضوع بحاجة لدراسة وجهود كبيرة لبيان المقاصد والغايات في عدم ترتيب تلك الأحداث ترتيبًا زمنيًا. تأتي هذه الدراسة فتتناول بالدراسة والتحليل عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الأنفال والحشر والممتحنة وبيان المقاصد الشرعية وراء ذلك.
أهداف البحث
يريد الباحث من وراء بحثه تحقيق جملة من الأهداف من أبرزها ما يأتي:
- تطبيق المنهجية العلمية التي وضعها علماء المقاصد أمثال ابن عاشور وغيره في استخراج المقاصد الشرعية في بعض سور القرآن.
- الكشف عن المقاصد الشرعية من وراء عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الأنفال والحشر والممتحنة.
- لفت أنظار الباحثين في علوم القرآن الكريم إلى مراعاة مثل هذه المقاصد في سور القرآن كله.
أهمية البحث
تأتي أهمية هذا البحث من خلال ما يأتي:
- أنه يقدم إجابة علمية على أسئلة المتأملين في القرآن الكريم في عدم ترتيب الأحداث مطلع بعض سوره وفق تسلسل أحداثها.
- في أنه يعتبر خطوة في طريق الكتابة في مثل هذا الموضوع المقاصدي في القرآن الكريم.
منهجية البحث
سلك الباحث المنهج الاستقرائي التحليلي للوصول إلى معرفة المقصد في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع السور التي اختارها، حيث وقف على أقوال العلماء في أسباب نزول تلك السور، ثم درس تلك الأقوال، وقارن بينها حتى وصل إلى معرفة المقاصد في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلعها، واستدلَّ على تلك المقاصد بعدد من الآيات والأحاديث والأحداث، ثم وصف تلك المقاصد وصفًا محددًا.
الدراسات السابقة
تعددت الكتابة فيما يتعلق بمقاصد القرآن، وأعظم تلك الكتابات التفاسيرُ التي اعتنى أصحابها بذكر مقاصد السور، والتي تسمى: (التفاسير المقاصدية).
- فمن تفاسير المتقدمين: تفسير الإمام الرازي (ت: 606 هـ) المسمى: (مفاتيح الغيب)، والذي طبع الطبعة الثالثة في بيروت، دار إحياء التراث العربي،1420، وتفسير الإمام البقاعي (ت: 885 هـ) المسمى: (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) الذي طبعته دار الكتاب الإسلامي، في القاهرة.
- ومن تفاسير المتأخرين: (تفسير القرآن الحكيم المعروف بـ تفسير المنار) لمحمد رشيد رضا (ت: 1354 هـ)، والذي طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة، عام:1990. وتفسير: (في ظلال القرآن) لسيد قطب (ت: 1386 هـ)، الذي طبعته الطبعة الأولى دار الشروق في القاهرة، عام: 1972، وتفسير ابن عاشور (ت: 1393 هـ) المسمى: (التحرير والتنوير)، الذي طبعته الدار التونسية للنشر، في القيروان، عام: 1984.
ومع تنوع الكتابة في مقاصد القرآن الكريم؛ فإن الباحث لم يعثر -في حدود بحثه- على من كتب في المقاصد الشرعية في عدم مراعاة الأحداث في ترتيب مطلع بعض السور خاصة، إلا أن الباحث قد وقف على بعض الدراسات المعاصرة التي قد تكون قاربت موضوع دراسته، ومن تلك الدراسات:
- كتاب بعنوان: علاقة المطالع بالمقاصد في القرآن الكريم دراسة بلاغية نظرية تطبيقية، إبراهيم صلاح الهدهد (القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، ط 1، 2019) يتناول المؤلف الحديث عن مطالع سور القرآن وعلاقتها بالمقاصد من وجهة بلاغية، دون الحديث عن مقاصد عدم ترتيب الأحداث في مطالع السور الذي تعنى به هذه الدراسة.
- بحث بعنوان: أسلوب التقديم والتأخير في القرآن الكريم، دراسة بلاغية في سورتي هود وطه، محمد الصالح بوضياف، مجلة المقري للدراسات اللغوية النظرية والتطبيقية (جامعة محمد بوضياف، الجزائر) م3، ع6، 2020، إلا أن الدراسة تناولت التقديم والتأخير من ناحية بلاغية كما هو واضح في عنوانها، الشيء الذي يجعلها مختلفة عن دراستي التي تعنى ببيان المقاصد الشرعية وليس البلاغية.
- مقال بعنوان: المطالع والمقاطع وأثرها في الكشف عن مقاصد السور، سعيد بوعصاب (جريدة المحجة، المغرب) ع/490، 2018، وهو مقال مقتضب يشير فيه الباحث إلى أن ثمت مقاصد لمطالع السورة عمومًا؛ إلا أنه لم يذكر خلال ذلك إلى أن ثمت مقاصد شرعية في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع بعض السورة.
ويأمل الباحث أن تكون دراسته هذه بداية للكتابة في بيان المقاصد الشرعية في عدم ترتيب الأحداث في سور أخرى من سور القرآن، أو في كل سور القرآن الكريم.
تمهيد
إنَّ مما لا يخفى على العاقل فضلاً عن المسلم أن الله تعالى لم يخلق الخلق ويرسل الرسل ويشرع الشرائع لهوًا وعبثًا، وكيف يكون ذلك وهو القائل سبحانه: :{ أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ عَبَثا وَأَنَّكُمۡ إِلَیۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ } [المؤمنون: 115] وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] بل إنه سبحانه ما أوجد شيئًا من ذلك إلا لحكم وغايات ومقاصد عرفها من عرفها، وجهلها من جهله، وهذا الذي يتوافق مع أسمائه الحسنى: { إنه هو العليم الحكيم } (يوسف : 100)، ولذا كانت تلك المقاصد والغايات حاضرة في أذهان أصحاب رسول الله ﷺ، في كل أحوالهم وشؤون حياتهم، في حلهم وترحالهم، وفي سلمهم وحربهم، وفي أقضيتهم وفتاواهم، وقد ذكر ابن عطية (ت: 542 ه) أن ابن عباس رضي الله عنه أفتى السائل: أن ليس لقاتل المؤمن توبة، ولـمَّا سُئل عن ذلك من أصحابه قال: “إني رأيته مغضبًا يريد أن يقتل مؤمنًا؛ فسددت الطريق عليه”([1])، وكذا كانت المقاصد حاضرة في أذهان أصحاب رسول الله ﷺ كلهم.
ثم لـمَّا بدأت علوم الشريعة بأقسامها كلها تأخذ طريقها للجمع والتدوين؛ كان علم المقاصد حاضرًا بينها، شأنه شأن أي علم منها، ألَّف فيه السلف كما ألَّفوا في غيره، وكان من أوائل من كتب عن مقاصد الشريعة: أبو بكر القفال الكبير المعروف بالشاشي (ت: 365 هـ)، في كتابه: (محاسن الشريعة)، ثم كتاب: (مقاصد الصلاة) للحكيم الترمذي (ت: 320 هـ) وغيرها.
بعد ذلك أخذ علم المقاصد يأخذ طريقه شيئًا فشيئًا إلى كتب أصول الفقه، إلى أن أصبح عند بعض الأصوليين جزءًا من كتبهم، وكان من أوائل من تكلم عن مقاصد الشريعة في كتب أصول الفقه: إمام الحرمين الجويني (ت: 478 هـ) في كتابه: (البرهان في أصول الفقه)، ودرج بعده كثير من الأصوليين على ذلك؛ فذكر الغزالي (ت: 505 هـ) المقاصد في كتبه: (المستصفى، وشفاء الغليل، والكبائر)، ثم ذكرها الإمام فخر الدين الرازي (ت: 606 هـ) في كتابه: (المحصول)، ثم جاء الإمام الآمدي (ت:631 هـ) فذكرها في كتابه: (الأحكام)، والعز بن عبد السلام (ت: 660 هـ) في كتابه: (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، وكتابه: (القواعد الصغرى)، أو (الفوائد في اختصار المقاصد)، وذكرها الإمام القرافي (ت: 684 هـ) في كتابه: (الفروق)، والإمام الطوفي (ت: 716 هـ) في كتابه: (التعيين في شرح الأربعين)، وهذا بالإضافة إلى التفاسير التي عنيت بإبراز المقاصد القرآن التي سبق ذكرها في الدراسات السابقة، كتفسير الإمام الرازي (ت: 606 هـ) المسمى: (مفاتيح الغيب)، وتفسير الإمام البقاعي (ت: 885 هـ) وغيرها كثير.
ثم جاء بعدهم الإمام الشاطبي (ت: 790 هـ) الذي يعدُّ المؤسس الحقيقي لهذا العلم، وقد شهره حتى عرف به، وجعل لها كيانًا مستقلًّا، حتى أصبح كتابه: (الموافقات في أصول الشريعة) العمدةَ في مقاصد الشريعة، وظهر في العصر الحديث الطاهر بن عاشور (ت:1393هـ)، فطوَّر هذا العلم وخدمه، حتى لم يعد يذكر علم المقاصد إلا ويذكر معه الطاهر بن عاشور، وقد ألف في ذلك كتابًا مستقلًا سمَّاه: (مقاصد الشريعة الإسلامية)، وقد أعمل هذا العلم في تفسيره للقرآن: (التحرير والتنوير)، وفي غيره من مؤلفاته أيضًا.
المقاصد لغة واصطلاحا
المقاصد لغة: جمع مقصد، وهو مصدر ميمي، مأخوذ من مادة: قصد، وله عدة معانٍ منها: العزم، والتوجه، واستقامة الطريق، والعدل، والاعتدال([2]).
المقاصد اصطلاحًا: عرف ابن عاشور المقاصد الشرعية بأنها: “المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع، أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة”([3])، وعرفها أستاذنا الشيخ علي محيي الدين القَره داغي: “بأنها المعاني والحكم والغايات التي أرادها الله في التشريع، والخلق، والتكوين”([4]).
ولـمَّا كانت هذه الدراسة تندرج تحت التفسير المقاصدي للقرآن الكريم؛ فقد خلص الأستاذ وصفي عاشور إلى تعريف التفسير المقاصدي بأنه: “لون من ألون التفسير، يبحث في الكشف عن المعاني والغايات التي يدور حولها القرآن الكريم كليًا أو جزئيًا، مع بيان كيفية الإفادة منها في تحقيق مصلحة العباد”([5]).
المبحث الأول: ترتيب القرآن الكريم ومقاصده.
المطلب الأول: أدلة ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره.
المطلب الأول: أدلة ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره
قسم الباحث هذا المطلب إلى فرعين هما:
الفرع الأول: أدلة ترتيب آيات القرآن
دلَّت نصوص كثيرة، وأجمع أهل العلم قديماً وحديثاً، على أن ترتيب آيات سور القرآن الكريم على النحو الذي هي عليه في مصاحفنا اليوم ترتيبٌ توقيفي، تلقاه رسول ﷺ من جبريل عن الله ﷻ بهذا الترتيب، وليس هو من اجتهاد أحد من الصحابة ولا التابعين. روى تلك النصوص جمع من المحدثين، ونقل الإجماع على ذلك عددٌ من أهل العلم، منهم الزركشي (ت: 794 ه) وأبو جعفر (ت: 708 ه) وغيرهم([6])، ومن النصوص التي دلت على ذلك: قولُ ابن الزبير رضي الله عنه، قال: قلت لعثمان هذه الآية التي في البقرة: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } [البقرة: 234] إلى قوله: { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [البقرة: 240] قد نسختها الأخرى فلم تكتبها؟ قال: «تدعها يا ابن أخي، لا أغير شيئًا منه من مكانه»([7]).
ومن ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما راجعت رسول الله ﷺ في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري فقال”: «يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟»([8]).
كما يدل على ذلك أيضًا قول عثمان رضي الله عنه لابن عباس لما سأله ابن عباس رضي الله عنه: “ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموهما في السبع الطوال”؟ فقال عثمان رضي الله عنه: “كان رسول الله ﷺ مما يأتي عليه الزمان، وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: «ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» وإذا نزلت عليه الآية فيقول: «ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»”([9])، وغيرها كثير من النصوص التي دلَّت على أن ترتيب آي السور ترتيبٌ توقيفي.
قال أبو جعفر: “ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه ﷺ وأمره، من غير خلاف في هذا بين المسلمين”([10])، وقال الباقلاني: “والذي نذهب إليه في ذلك القولُ بأن جميع القرآن الذي أنزله الله ﷻ وأمرنا بإثبات رسمه، ولم ينسخه، ويرفع تلاوته بعد نزوله؛ هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان رضي الله عنه، وأنّه لم يُنْقَصْ منه شيء، ولا زِيدَ فيه، وأن بيان الرسول ﷺ كان بجميعه بيانًا شائعًا ذائعًا، وواقعًا على طريقة واحدة ووجه تقوم به الحجة، وينقطع العذر، وأن الخَلفَ نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نُسخ منه بعض ما كانت تلاوته مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابتٌ على ما نظمه الله سبحانه، ورتبه عليه رسوله ﷺ من آي السور، لم يقدّم من ذلك مؤخرًا، ولا أخّر منه مقدمًا، وأن الأمة ضبطت على النبي ﷺ ترتيبَ آي كل سورة ومواضعها، وعَرَفَت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة”([11]).
وقال البغوي (ت: 510 هـ): “كان رسول الله ﷺ يلقن أصحابه، ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا، بتوقيف جبريل صلوات الله عليه إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا، في السور التي يذكر فيها كذا”([12]).
وقال ابن عاشور في ذلك: “ولما جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه لم يؤثر عنهم أنهم ترددوا في ترتيب آيات من إحدى السور، ولا أثر عنهم إنكار، أو اختلاف فيما جمع من القرآن؛ فكان موافقًا لما حفظته حوافظهم”([13]).
الفرع الثاني: أدلة ترتيب سورة القرآن
إذا كان أهل العلم قد أجمعوا على أن ترتيب آي القرآن توقيفيٌّ من الله ﷻ ورسوله ﷺ؛ فإنهم قد اختلفوا في ترتيب سوره، بين قائل إنه توقيفي أيضًا كترتيب الآيات، وهو مذهب جمهور أهل العلم([14])، ومن قائل إنه توفيقيٌّ من اجتهاد الصحابة، وقد كان لكل فريق من الفريقين أدلته على ما ذهب إليه، فمن قال إن ترتيب سور القرآن ترتيب توقيفيٌّ استدلَّ بأدلة منها قوله ﷺ: «أعطيت مكان التوراة السبع، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل»([15]) قال أبو جعفر: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي ﷺ([16])، كما استدلوا بقول ابن مسعود رضي الله عنه “بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء؛ إنهنّ من العتاق الأول، وهنّ من تلادي”([17])، فقد ذكرها ابن مسعود نسقًا كما استقر ترتيبها في المصحف.
ومما استدلَّ به أصحاب هذا الرأي لرأيهم أيضاً: أن المناسبات بين السور لا تقل عن النظم، ووجه ارتباط الآيات بعضها ببعض في السورة الواحدة، قال الزركشي: “لترتيب وضع السور في الحواميم، وثانيها: لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى، وأول البقرة، وثالثها: للوزن في اللفظ، كآخر «تبّت» وأول الإخلاص، ورابعها: لمشابهة جملة السورة مثل: {والضحى} و{ألم نشرح}”([18]).
واستدلَّ الفريق الآخر -ومنهم الإمام مالك([19])– على قولهم بأن ترتيب السور توفيقيٌّ كان من اجتهاد الصحابة؛ بأنَّ مصحف عليٍّ رضي الله عنه كان مرتبًا حسب نزول السور، فأوله اقرأ، ثم المدثر، ثم نون، وهكذا، وكذا كان ترتيب مصحف ابن مسعود رضي الله عنه، فقد كان مختلفًا في ترتيبه عن الترتيب الأخير الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه ([20]) .
وللعلماء تفصيلات كثيرة في ذلك وتقسيمات، يرجع إليها في مظانها([21]).
ويرجح الباحث رأي جمهور العلماء القائل بأن ترتيب سور القرآن ترتيب توقيفي شأن ترتيب آياته؛ لما دلت عليه كثير من الأدلة الصحيحة مما ذكره ومما لم يذكره، ولـمَّا لم تكن هذه الدراسة مخصَّصة لتفصيل هذا الأمر؛ اقتصر الباحث على ما ذكر سابقًا، وأحال إلى بعض المراجع لمن أراد التوسع.
المطلب الثاني: طرق إثبات مقاصد الشريعة الإسلامية
لم يؤلف علماء السلف في طرق إثبات المقاصد الشرعية واستخراجها كما فعل المتأخرون، ويعتبر الإمام الشاطبي أول من فصَّل في ذلك نظريًا، فبعد أن تكلم عن مقاصد الشريعة بشيء من التفصيل والتحليل؛ جعل لطرق استخراجها مبحثًا خاصًا، بدأه بالحديث عن علاقة مقاصد الشريعة بالنصوص، وبيَّن مواقف المذاهب من مقاصد الشريعة، حيث وقف على مذهب من اكتفى بظواهر النصوص ولم ينظر للعلل والغايات منها، وهم الظاهرية، ووقف على من أهمل ظواهر النصوص وقال إن لها ظواهر وبواطن، ووقف على تلك البواطن فقط، وهم الباطنية، ثم وقف -رحمه الله- على المنهج الوسط في ذلك الذي يحافظ على النص ومعانيه في منهج توافقي لا يسمح لأحد الجانبين أن يطغى على الآخر، وبعد ذلك ذكر أربعة مسالك لاستخراج مقاصد الشريعة([22]).
ولـمَّا كانت دراسة الشاطبي لذلك أشبه بالدراسة المؤسِّسة لاستخراج مقاصد الشريعة؛ وضع مَن جاء بعده من العلماء بعضَ الملاحظات على ما ذكره، ومن ذلك قولهم: “إن دراسته جاءت مجملة غير محيطة إحاطة كاملة بالموضوع، فهي مع إمكان اعتمادها أساسًا لدراسة هذا الموضوع؛ تبقى في حاجة إلى تفصيل وتمحيص وزيادة، وهو ما سعى إليه محمد الطاهر بن عاشور وآخرون بعد ذلك”([23]).
وقد ذكر علماء المقاصد بعد الشاطبي أيضًا الطرق التي يتم بها الكشف عن مقاصد الشريعة الإسلامية أو إثباتها، واختلفوا في ترتيب تلك الطرق، وذلك حسب نظرة كلٍّ منهم إلى أهمية ما قدَّم، ولـمَّا كان ابن عاشور رائدَ هذا العلم في هذا العصر، وهو الذي طوَّر هذا الصرح العظيم بعد أن وقف على كتب من سبقه في ذلك، ولا سيما الشاطبي منهم؛ آثر الباحث أن يذكر الطرق التي ذكرها ابن عاشور، التي يتوصل بها إلى إثبات مقاصد الشريعة، أو استخراجها، وهي كالآتي:
أولاً:الاستقراء وهو أعظمها، ويعني به استقراء الشريعة في تصرفاتها، وهو على نوعين:
- استقراء الأحكام المعروفة عللها، الآيلُ إلى استقراء تلك العلل المثبتة بطرق مسالك العلة، ليحصل من ذلك يقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع، مثاله: استخراج مقصد إبطال الغرر في المعاوضات بعد تتبع الأخبار التي ورد النهي فيها عن الغرر.
- استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة، بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع.
ثانياً: الاستخلاص المباشر لمقاصد الشارع من ظواهر النصوص القرآنية الواضحة الدلالة، إلى درجة يضعف فيها احتمال كون المراد منها غير ظاهرها، وأعلى المقاصد التي تستنبط من هذا الطريق التي تؤخذ من نصوص تجتمع فيها قطعية الثبوت، مع قوة الظهور، إلى درجة تقترب من اليقين.
ثالثاً: الاستخلاص المباشر من السنة المتواترة ، وهو على قسمين:
- من السنة التي حصل تواترها المعنوي من مشاهدة عموم الصحابة عملًا من أعمال النبي ﷺ فيحصل لهم علم بتشريع في ذلك يستوي فيه جميع المشاهدين، وهو الطريق الذي تثبت منه المعلومات من الدين بالضرورة.
- تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرر مشاهدة أعمال رسول الله ﷺ بحيث يستخلص من مجموعها مقصدًا شرعيًا([24]).
المطلب الثالث: أهم مقاصد القرآن الكريم
لـمَّا كانت هذه الدراسة مخصصة لذكر المقاصد التي تتعلق ببعض السور القرآنية؛ آثر الباحث أن يذكر مقاصد القرآن خاصة، وذلك بعد أن عرَّف بطرق الكشف عن مقاصد الشريعة الإسلامية عامة، ولا شكَّ أنَّ القرآن الكريم قد أُنزل لمقاصد أساسية، وأغراض جامعة، بينها الله للناس، ووجههم إليها، وحثهم على إقامتها ورعايتها، ولهذا نجد العناية بهذه الأغراض والمقاصد تتكرر في عامة سور القرآن وأجزائه وآياته. كذلك فإن للقرآن استعمالاته المطردة، وعرفه الخاص في الألفاظ والأساليب، ولذا فإن مراعاة هذه الاستعمالات هي المدخل لفهم القرآن فهمًا سليمًا، وتسديد المفسّر حتى لا ينجر إلى معانٍ بعيدة عن مقاصد القرآن الكريم.
يُراد بمقاصد القرآن: “المعاني الملحوظة في جميع القرآن ومعظم أحكامه”([25])، ويمكن التعرف على مقاصد القرآن الكريم من خلال مسلكين هما:
المسلك الأول: ما جاء التنصيص عليه في القرآن نفسه من وظائف وأوصاف وتعليلات لهذا الكتاب الكريم، وما أنزل لأجله، وما يتحقق بتلاوته واتباعه من فوائد وآثار.
المسلك الثاني: استقراء مضامينه وأحكامه التفصيلية، واستنباط العناصر المشتركة الجامعة لما يركز عليه ويدعو إليه([26]).
وقد عني العلماء بذكر مقاصد القرآن وأغراضه الأصلية، وبذلوا وسعهم في استقصائها واستقرائها، والتأكيد على أهمية العناية بها واستحضارها في الفهم عن الله ومعرفة مراده، فقد بين الشاطبي أن من أسباب الانحراف في التفسير والفهم عدمَ الالتفات إلى مقاصد القرآن فقال: “قال تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد:24]، فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن، فلم يحصل منهم تدبر”([27]).
وأكّد ابن عاشور على أهمية استحضار مقاصد القرآن عند النظر في نصوصه فقال: ” فمراد الله من كتابه هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين، وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابًا بينًا، وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه فقال: {كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ } [ص: 29] أليس قد وجب على الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها”([28]).
واعتبر -رحمه الله- أن مقاصد القرآن يجب أن تكون هدف المفسر، ومحور اهتمامه في تفسيره، فقال: “فغرض المفسِّر هو بيان ما يصل إليه، أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه، بأتم بيان يحتمله المعنى، ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم، أو يخدم المقصد تفصيلًا وتفريعًا … فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله”([29]).
وعلى هذا الأساس انتقد الشيخ رشيد رضا (ت: 1345 هـ) إغراق بعض المفسرين تفاسيرهم باستقصاء الروايات والآثار ذات الصلة القريبة والبعيدة بتفسير الآية، مما يشغل ويصرف عن المقاصد الكلية، والأغراض الأساسية للقرآن؛ فقال –رحمه الله-: “أكثر ما روي في التفسير المأثور، أو كثيره حجاب على القرآن، وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية المزكية للأنفس المنورة للعقول، فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات، التي لا قيمة لها سندًا ولا موضوعًا… فكانت الحاجة شديدة إلى تفسير تتوجه العناية الأولى فيه إلى هداية القرآن على الوجه الذي يتفق مع الآيات الكريمة المنزلة في وصفه، وما أنزل لأجله من الإنذار والتبشير والهداية والإصلاح”([30]).
وممن اعتنى باستقراء مقاصد القرآن وحصرها: الغزالي(ت: 505 هـ) ([31])، والعز بن عبد السلام (ت: 660 هـ)([32])، والبقاعي(ت: 885 هـ) ([33])، وعقد الشيخ رشيد رضا فصلًا في تفسيره لبيان مقاصد القرآن، وذلك عند تفسيره أول سورة يونس([34])، وخصص الطاهر بن عاشور المقدمة الرابعة من مقدمات تفسيره لبيان مقاصد القرآن([35]) ، وقد بلغت المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها -حسب استقراء ابن عاشور- ثمانية مقاصد هي:
- إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح.
- تهذيب الأخلاق.
- التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة.
- سياسة الأمة وصلاحها وحفظ نظامها.
- القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم، وللتحذير من مساويهم.
- التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار.
- المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.
- الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول ﷺ([36]).
المبحث الثاني : المقاصد الشرعية في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع بعض السور
المطلب الأول: المقصد الشرعي في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الأنفال
سورة الأنفال سورة مدنية، نزلت في معركة بدر([37])، التي وقعت في رمضان، من العام الثاني للهجرة، ومن أسمائها: سورة بدر كما قال ذلك ابن عباس([38])، واشتهرت باسم سورة الأنفال([39]).
وقد ذكرت السورة أحداثَ معركة بدر بشيء من التفصيل ومن ذلك: أن ذكرت السببَ الذي لأجله وقعت المعركة، وهو الخروج لتلقي قافلة أبي سفيان {غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ} [الأنفال: 7]، ثم ذكرت ما اختاره الله للقوم مع حبهم للقافلة لا للقتال، وذكرت بعد هذا الاختيار استعدادَ النبي ﷺ وأصحابه للمعركة، واستمدادهم النصرَ من الله ﷻ، واستجابة الله ﷻ لهم ذلك، ونزولَ الملائكة، وتغشيَتهم النعاسَ أمنةً لهم، وإنزالَه المطر عليهم تثبيتًا لأقدامهم، وحضهم على الثبات في أرض القتال، وحذرتهم الهروب من أمام عدوهم، وتوعدتهم على ذلك؛ إلا متحرفًا لقتال، أو متحيِّزًا إلى فئة أخرى، بل حضَّتهم السورة على الاستجابة لأمر الرسول ﷺ إذا ما دعاهم لما يحييهم، ومنه دعاؤه إيَّاهم قتالَ عدوهم، وأمرتهم بالصبر والوحدة، وحذرتهم التنازع الذي هو سبب ذهاب ريحهم وضعفهم، وغيرها من الأمور.
كما ذكرت السورة الحال التي خرج بها جيش المشركين بعد أن علموا نجاة القافلة: {خَرَجُوا۟ مِن دِيَـٰرِهِم بَطَرًۭا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚﱞ} [الأنفال: 47] وقد أنفقوا أموالهم في سبيل الله والصدِّ عنه، وذكرت الشيطان الذي زين لهم ذلك، وقد منَّاهم ووعدهم النصر، وأنه لا غالب لهم من الناس، ثم لـمَّا وقعت الواقعة نكص وتنصَّل منهم وتبرَّأ {عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ [الأنفال: 48].
وإن هذه السورة التي ذكرت موقف المؤمنين والكافرين من المعركة؛ لم تغفل ذكرَ موقف المنافقين أيضًا ممن كانوا في جيش قريش؛ فما إن اختار الله ﷻ القتالَ للمؤمنين، وأرى المؤمنين قلَّةَ عدد الكافرين، وأرى الكافرين قلَّة عدد المؤمنين؛ ما إن رأى المنافقون قلَّة عدد المؤمنين إلا وقالوا: {غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمْ ۗ} [الأنفال: 49]، وبعد ذلك ذكرت السورة مصارع القوم، وكيف تفعل بهم الملائكة: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ} [الأنفال: 50].
ثم اختتمت السورة الحديث عن المعركة بعتاب للنبي ﷺ وللمؤمنين في أمر الأسرى فقالت: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْـَٔاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ * لَّوْلَا كِتَـٰبٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ * فَكُلُوا۟ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلًۭا طَيِّبًۭا ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ} [الأنفال: 67-69].
إن المتأمل لهذا الترتيب الرباني العظيم لآيات هذه السورة سورةَ بدر؛ يلفت نظره أن هذا الترتيب الرباني لهذه الآيات لم يُراعَ مطلع السورة، فقد ابتدأت السورة من حيث انتهت المعركة، ابتدأت بالحديث عن الأنفال التي تكون نهاية المعركة، وما ذاك إلا لحكمة وغاية، ومقصد رباني يريد الله سبحانه أن ينبه عباده إليه.
إننا إذا ما تأملنا سبب نزول هذه الآية التي تتحدث عن الأنفال؛ نستطيع أن نصل لذلك المقصد، أو نقف على شيء منه، ذلك أن هذه المعركة كانت أولَ معركة يخوضها المسلمون مع المشركين، وكانت هذه أولَ مرة يحصلون فيها على غنائم بحجم غنائم معركة بدر، وهم الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، كيف لا وقد كان المبرر من خروجهم لاعتراض قافلة أبي سفيان أن يستردوا شيئًا من تلك الأموال والدور التي استولت عليها قريش، فما إن انتهت المعركة حتى اختلف القوم في أمر تلك الغنائم، فمن قائل: إنها لنا فنحن من جمعها، ومن قائل: إنها لنا فنحن من حمى رسول الله ﷺ وأحاط به، ومن قائل: إنها لنا فنحن من تبع المشركين ألا يرجعوا([40]).
وقع بينهم هذا الاختلاف وأشرفوا على الهلاك([41])؛ بعد أن مكَّنهم الله من عدوهم، وكسر شوكته، وقتل عددًا من صناديده، وكان الأولى بهم ألا يلتفتوا للغنائم، بل كان الأولى بهم أن يلتفتوا لعظيم المنة والنعمة التي امتنَّ الله بها عليهم؛ إذ أنزل نصره وملائكته فهزم عدوهم، وفي ذلك يقول أبو أمامة الباهلي: سألت عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن “الأنفال”، فقال: فينا معشرَ أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النَّفَل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله ﷺ، وقسمه رسول الله ﷺ بين المسلمين عن بَوَاء، فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله ﷺ، وصلاحُ ذاتِ البين([42]).
إذا ما عرفنا السبب الذي نزلت فيه هذه الآية، وهو اختلاف القوم على الأنفال؛ نستطيع بعدها أن نحدد المقصد القرآني الذي لأجله قُدِّم ما حقه التأخير مطلع السورة فنقول: إن المقصد من عدم مراعاة ترتيب الأحداث في هذه الآية؛ هو تقرير مقصد كلي هام من مقاصد هذا الدين ألا وهو: تزكية النفوس وتربيتها، وتهذيبها من أرجاس الجاهلية وشوائبها([43])؛ لتترفع عن الدنيا وملذَّاتها، وترضى بحكم الله، وتصل إلى أعلى درجات الإيمان الذي يريده الله سبحانه من عباده([44])؛ فيقوموا بأمر الخلافة في الأرض، ويقودوا البشرية بالرحمة التي جاء بها هذا الدين، ولا سيما أولئك الذين اختارهم الله لنصرة نبيه محمد ﷺ، ليكون جهادهم خالصًا لوجه الله لا لغنيمة ولا لدنيا.
ولقد دلَّ على هذا المقصد العظيم من مقاصد القرآن كثير من آيات القرآن الكريم، بل لقد صرحت بعض آياته به تصريحًا واضحًا، وأنَّه مقصد أساسيٌّ من مقاصد هذا الدين، وإنزال الكتاب على رسول الله ﷺ، ولا سيما تزكيتها وتربيتها فيما يتعلق بأمر الغنائم خاصة، ومن ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164]، وهذه الآيات نزلت في معركة أحد التي هزم فيها المسلمون بسبب الإقبال على الغنائم أيضًا.
ومن أدلة هذا المقصد أيضاً: قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّـۧنَ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ} [الجمعة: 2] وذلك منه جلَّ وعلا استجابة لدعوة إبراهيم الخليل u إذ قال: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} [البقرة: 129]، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} [الشمس: 9] فتزكية النفوس وتربيتها وتهذيبها لترقى إلى مستويات الإيمان العليا مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا القرآن، أراد الله سبحانه أن ينبه عليه أصحابَ رسوله ﷺ أولًا، والأمةَ من بعدهم ثانيًا، فقدم لذلك الحديثَ عن الأنفال، وأن الأمر فيها لله ﷻ، ولرسوله ﷺ، فاتركوها لهما.
وإذا كان الاستقراءُ عند كثير من علماء المقاصد أقوى دليل على استخراج المقاصد؛ فإننا إذا ما أعملنا هذا الدليل في عدد من آيات القرآن، وأحاديث رسول الله ﷺ؛ نجد أنَّ الكثير منها يدلُّ على هذا المقصد بجلاء، فلقد تنزلت كثيرٌ من الآيات لأجل التنبيه على خطأ وقع به صحابي وتصحيحه، أو للحكم في شجار دار بين بعض المسلمين، أو غير ذلك من الأحداث التي لا يترك الله سبحانه البيان فيها لرسوله ﷺ فقد؛ بل ينزل فيها آياتٍ يزكي بها نفوس أصحابها ويهذبها ويربيها، وله في ذلك أساليب وطرق.
فمن ذلك أن يستثيرهم ويلهب نفسهم لتحقيق ذلك المقصد بالتنبيه على أن ذلك شأن المؤمنين، وأول ذلك ما نحن بصدده، فلما حضَّ الله أصحاب رسول الله ﷺ على تقوى الله، والترفع عن متاع الدنيا من الأنفال وغيرها، وأمرهم بإصلاح ذات بينهم، وطاعة الله ورسوله لتزكوَ نفوسهم؛ قال لهم: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة الأنفال:1]، وهذا تهييجٌ وإلهاب لنفوسهم لتمتثل، وليس المراد: فإن لم تكونوا مؤمنين فلا تتقوا الله ورسوله، ولا تصلحوا ذات بينكم، ولا تطيعوا الله ورسوله، فإنَّ هذا معنى لا يخطر ببال أهل اللسان، ولا يسمح بمثله الاستعمال([45]).
ومن الآيات التي تدل على متابعة الله سبحانه عباده فيما يقع منهم، وإنزاله الآيات في ذلك تربيةً لهم وتزكية؛ قوله تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌۭ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُوا۟ خَيْرًۭا} [الحجرات: 11]، نزلت في ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه ([46])، وذلك أن ثابتًا كان في أذنيه وقرٌ، فكان إذا أتى رسول الله ﷺ أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فجاء يومًا وقد أخذ الناس مجالسهم، فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا، تفسحوا، فقال له رجل: قد أصبت مجلسًا فاجلس، فجلس ثابت مغضبًا، فغمز الرجل فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان؟ فقال ثابت: ابن فلانة؟ وذكر أمَّاً كانت له يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياءً، فأنزل الله تعالى هذه الآية([47])؛ تربيةً وتهذيبًا لـما كان في نفس ثابت بن قيس رضي الله عنهمن أمر الجاهلية، وفي نفس غيره أيضًا.
وكذا نزل قوله تعالى: {مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌۭ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيْرًۭا} [الحجرات: 11]، قال القرطبي: “قال أنس وابن زيد: نزلت في نساء النبي ﷺ عيَّرنَ أم سلمة بالقصر، وقيل: نزلت في عائشة، أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة“([48])، وعن عائشة قالت: حكيت للنبي ﷺ رجلًا فقال: «ما يسرني أني حكيت رجلًا وأن لي كذا وكذا» قالت فقلت: يا رسول الله: إن صفية امرأة -وقالت بيدها- هكذا، يعني أنها قصيرة، فقال ﷺ: «لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ، لَوْ مُزِجَ بِهَا مَاءُ الْبَحْرِ مَزَجَتْ»([49])، وذلك تربيةً من الله سبحانه لعباده المؤمنين، وتهذيبًا لنفوسهم ألا يعيبوا على أحد خلقه، ولا يسخروا منه غنيًا كان أم فقيرًا، طويلًا أم قصيرًا.
ومثلُ ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلْأَلْقَـٰبِ} [الحجرات: 11]، فقد روى الإمام أحمد عن أبي جبيرة بن الضحاك الأنصاري عن عمومة له، قدم النبي ﷺ وليس أحد منا إلا له لقب أو لقبان قال: فكان إذا دعا بلقبه قلنا: يا رسول الله، إن هذا يكره هذا، قال: فنزلت:{أوَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلْأَلْقَـٰبِ} ([50]).
فهذه الآيات مع ما ذكر فيها من أحاديث وغيرها كثير؛ كلُّها تدلُّ على هذا المقصد الكلي من مقاصد القرآن في تهذيب النفوس وتربيتها؛ لتصل بها إلى الإيمان الذي يتحول به المسلم إلى قدرٍ من قدر الله سبحانه، يسلطه على من يشاء من خلقه، فيمحو به ما يشاء ويثبت؛ فيقوم بالخلافة التي خلق لأجلها، وكذلك تحول أصحاب رسول الله ﷺ بعد أن رباهم القرآن وهذَّبهم.
ولقد ناسب الحديث بداية سورة الأنفال عن هذا المقصد وإيراده؛ بعد أن ذكر في سورة الأعراف قبلها كيف أن بلعام بن باعوراء قد ضلَّ بعد أن انسلخ من آيات الله، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، ولـمَّا كان اتباع الهوى أصلًا في الضلال، وتنكّب الصراط المستقيم؛ أمر المؤمنين بحسم باب الأهواء([51]).
إن الباحث إذ ذكر سابقًا مقاصد القرآن الكلية عند الإمام ابن عاشور؛ فإنه يستطيع بعدها أن يدرج المقصد الذي قُدِّمت لأجله آية الأنفال تحت المقصد القرآني الثاني منها وهو: تهذيب الأخلاق.
المطلب الثاني: المقصد الشرعي في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الحشر
سورة الحشر سورة مدينة بالاتفاق([52])، سمَّاها النبي ﷺ سورة الحشر([53])، وورد أن ابن عباس كان يسميها سورة بني النضير([54])، ذلك أنها نزلت في يهود بني النضير الذين أخرجهم النبي ﷺ من المدينة بعد أن نقضوا العهد، وهمُّوا بقتله ﷺ([55])، وقد كان اليهود قد صالحوا النبي ﷺ أول ما قدم المدينة، أو بعد انتصاره في معركة بدر على ألا يكونوا عليه ولا له، ثم إنهم نكثوا وغدروا، واصطلحوا مع المشركين بعد معركة أحد، على أن يكونوا عونًا لهم على مقاتلة المسلمين بعد أن خذلوهم في بدر؛ فأوحى الله إلى نبيّه ﷺ بذلك.
وقد ذكر ابن إسحاق سببًا آخر لقتالهم وملخصه: أن نبيّنا محمدًا ﷺ ذهب إلى ديار بني النضير يستعينهم في دفع دية رجلين من بني عامر قتلها عمرو بن أمية الضمري خطأً، وقد كان بينهم وبينه ﷺ عهد على أن يعين كلٌّ منهما الآخر في مثل ذلك([56])؛ فاستغلوا وجوده ﷺ بينهم، وتمالؤوا على قتله ﷺ، فنزل جبريل وأخبره بذلك، فنهض رسول الله ﷺ من مكانه، وأمر أصحابه بالتهيؤ لقتالهم([57])، فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، ثم آل الأمر فيهم إلى الجلاء، فذهبوا إلى خيبر، وأذرعات الشام، وأنزل الله سبحانه في ذلك سورة الحشر.
فما سبق -على اختصاره- يوقفنا على ما كان بين النبي ﷺ واليهود من عهد وميثاق، كما يوقفنا على سبب ذهابه ﷺ إلى اليهود، وعلى سبب قتاله لهم ﷺ من بعدُ، ومن ثمَّ يوقفنا على سبب نزول السورة أيضًا، وعند النظر والتأمل في آيات السورة التي نزلت في بني النضير؛ نجد أنها لم تراعِ ترتيب الأحداث في مطلعها، فقد قُدِّم الحديث عن جلاء بني النضير أولًا. قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن دِيَـٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ} [الحشر: 2] وهو الذي كان في النهاية، وأخِّرت عنه الآيات التي تتحدث عن حصار القوم، أو قتالهم الذي كان سابقًا للقتال. قال تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَـٰسِقِينَ} [الحشر: 5]، كما أخرت عن كل ذلك الآيات التي تتحدث عن وعد المنافقين لليهود بالقتال معهم إن قوتلوا، وعن خذلانهم لهم من بعدُ. قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُوا۟ يَقُولُونَ لِإِخْوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًۭا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا۟ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا۟ لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلْأَدْبَـٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ } [الحشر: 11، 12] وقد كان ذلك الوعدُ سابقًا على الحصار والقتال، فضلًا عن الجلاء والإخراج([58])، وإن الله سبحانه لم يجعل السورة بهذا الترتيب عبثًا، ولا سهوًا، ولا نسيانًا، فهو سبحانه: {لَّا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى} [طه: 52] بل إن في مجيء ترتيب السورة على هذا النحو مقصدٌ عظيمٌ من مقاصد هذا القرآن وهذه الشريعة، أراد ﷻ أن ينبّه عباده إليه بداية السورة ولا شك، وذلك لأهميته وتعلقه بما جرى بين رسول الله ﷺ واليهود.
لقد خان اليهود العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله ﷺ، وأقدموا على فعل أشياء يُقتلون بها ولا شك، وأعظمها الهمُّ بقتله ﷺ؛ فأنزل الله بهم بأسه، وقال لنا بداية السورة إذ قدَّم الحديث عنه: إن نقض العهود والمواثيق بين الأمم والدول عظيم وكبير عند الله، وخطره جسيم، قد يودي بإسقاط دول، وزوال أمم، وما جرى لبني النضير كان بسبب نقضهم العهد والميثاق؛ وإن الباحث إذ يقول ذلك؛ فإنه يرى أن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث بداية السورة؛ التأكيد على أهميَّة ذلك المقصد العظيم في الإسلام.
ولقد دلَّ على هذا المقصد العظيم من مقاصد القرآن الذي نبَّهت إليه أول سور الحشر آياتٌ وأحاديثُ كثيرةٌ، بل وأحداثٌ كثيرة أيضًا أبرزها أن كل اليهود الذين أجلاهم النبي ﷺ من المدينة، أو حكم عليهم بالقتل كان السبب وراء ذلك كله نقضُهم العهد والميثاق الذي كان بينهم وبين رسول الله ﷺ، فقد أجلى النبي ﷺ بني قينقاع قبلهم لـمَّا خانوا العهد، وأقدموا على التحريش بين المسلمين، وعلى الاعتداء على امرأة مسلمة([59])، وقتل النبي ﷺ بني قريظة لـمَّا خانوا العهد، وأعانوا المشركين على رسول الله ﷺ يوم الأحزاب، أو همُّوا بذلك([60])، وأقدم على فتح مكة بعد أن نقضت قريش عقد صلح الحديبية([61])، وغير ذلك من الأحداث التي تدلُّ على أهمية الوفاء بالعهود والمواثيق.
ولقد كان فيما أنزل الله على نبيه محمد ﷺ سورةٌ عظيمة، ورد أنَّ من أسمائها: سورة العقود، وهي السورة المشهورة باسم: المائدة، وقد قيل: إنها نزلت بعد عقد صلح الحديبية بين رسول الله ﷺ والمشركين([62])، افتتحت السورة بالأمر بالوفاء بالعقود، واشتملت على ذكر عدد من العهود والمواثيق، وبيَّنت عاقبة من خانها ونقضها، كاليهود والنصارى، فقد لعن الله اليهود، وجعل قلوبهم قاسية لنقضهم العهد والميثاق الذي أُخذ عليهم، وقال فيهم سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ لَعَنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَـٰسِيَةً} [المائدة: 13]، وأغرى الله تعالى العداوةَ والبغضاءَ بين النصارى لنقضهم العهد والميثاق، وقال: {وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ فَنَسُوا۟ حَظًّۭا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14]، وبعدها نهانا الله سبحانه أن نتخذهم أولياء؛ لأن من خان العهد مع الله لن يفي لنا بعهد ولا ميثاق، فقال تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [المائدة: 51]، وكلُّ ذلك يبين خطورة التلاعب بالعهود والمواثيق.
ومما يدلل على أهمية هذا المقصد الذي نبَّهت إليه سورة الحشر في مطلعها؛ أنه لـمَّا كانت خطورة نقض العهود والمواثيق كبيرة، ويترتب عليها أضرار جسيمة تلحق بالأفراد والدول والأمم؛ أمر الله نبيه ﷺ -وأمته من بعده- أن ينبذ العهد إلى أهله لمجرد خوف الخيانة منهم، دون التحقق من وقوعها، فقال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةًۭ فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ} [الأنفال: 58]، وتعظيمًا منه ﷺ لأمر العهود والمواثيق التي بينه وبين المشركين أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في العام التاسع من الهجرة، يؤذن بالناس في الحج بشأن العهود التي بين رسول الله ﷺ والمشركين، ويعلن فيه البراءة من تبعاتها؛ ليأخذ المعاهَدون حذرهم، وقد كان بعض هذه العهود لأجل، وبعضها لغير أجل، فأمهل الله ذوي العهود المطلقة غير المؤقتة أربعة أشهر، أو من له عهد دون أربعة أشهر يكمل له أربعة أشهر، وأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان، وهذا أصح الأقوال وأحسنها في ذلك، كما ذكر ابن كثير واختاره ابن جرير وغيره([63])، والآيات التي تدل على أهمية هذا المقصد كثيرة وكثيرة جدًا.
وجاء في السنة النبوية أحاديثُ كثيرة يحض بها النبي ﷺ على الوفاء بالوعد والعهد، حتى لو كانت لأهل الجاهلية، ومن ذلك قوله ﷺ: «أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده -يعني الإسلام- إلا شدة، ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام»([64])، وغيره من الأحاديث كثير، ليس المقام مقام ذكرها، وكلها وما سبق من ذكر الآيات والأحداث تدلُّ على هذا المقصد وأهميَّته، حتى استحق أن تقدمه سورة الحشر على غيره من أحداث القصة.
ونستطيع بعد ذلك أن نقول: إن هذا المقصد العظيم يندرج تحت مقصدي كلي أصلي من مقاصد القرآن التي عدَّها ابن عاشور، وهو مقصد: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم والتحذير من مساويهم([65])، ويندرج أيضًا تحت المقصد الثامن من مقاصد القرآن التي ذكرها محمد رشيد رضا وهو: إصلاح نظام الحرب ودفع مفاسدها، وقصرها على ما فيه الخير للبشر، حيث ذكر رشيد رضا في القاعدة السادسة من قواعد هذا المقصد: وجوب الوفاء بالعهود في الحرب والسلم وتحريم الخيانة فيهما سرًا أو جهراً([66]).
المطلب الثالث: المقصد الشرعي في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الممتحنة
سورة الممتحنة سورة مدنية، ذكر أهل التفسير أن لها أربعة أسماء هي: الممتحِنة، والممتحَنة، والامتحان، والمودة([67])، سمِّيت الممتحِنة لأنه قد جاء فيها آية امتحان النساء. قال تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرَٰتٍۢ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } [الممتحنة: 10]، وقد أُسند الامتحان إلى السورة مجازاً([68])، وسُمِّيت الممتحنَة نسبة للمرأة التي امتُحنت بعد أن هاجرت إلى المدينة المنورة، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأةُ عبد الرحمن بن عوف([69])، ويدلُّ ذلك على أن السورة تتحدث عن امتحان النساء المهاجرات، وكل ذلك كان بعد صلح الحديبية الذي كان في العام السادس للهجرة، كما أن السورة تتحدث أيضًا عن أثر العقيدة في حياة المسلم الذي دلت عليه أول آيات السورة وغيرها.
وقد اشتملت هذه السورة على آيات تتعلق باستثناء النساء المهاجرات مما جرى من اتفاق بين النبي ﷺ والمشركين في صلح الحديبية، يقضي برد المسلمين المهاجرين إلى النبي ﷺ إلى المشركين، واستثنت الآياتُ النساء المهاجرات بشرط امتحانهن؛ ليعلم صدق إيمانهن([70])، كما اشتملت السورة على آيات تتعلق بما وقع من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قبيل فتح مكة أيضًا، والملاحظ بعد تأمل السورة أن الآيات التي نزلت في حاطب بشأن ما وقع منه قبيل فتح مكة قد جاءت أول السورة، وهي متأخرةٌ في النزول، في حين أن آيات صلح الحديبية قد ذكرت بعدها، وهي متقدمة عليها في النزول([71])، ولا شك أن ثمت مقصدًا قرآنيًا وراء عدم مراعاة الترتيب في ذلك.
إننا إذا ما وقفنا على سبب نزول الآيات الأُوَل من السورة؛ نستطيع أن نصل إلى معرفة ذلك المقصد، قال تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا۟ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَـٰدًۭا فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِى ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا۟ لَكُمْ أَعْدَآءًۭ وَيَبْسُطُوٓا۟ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ * لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَآ أَوْلَـٰدُكُمْ ۚ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ} [الممتحنة: 1-3].
قال جماعة من المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، بعد أن أسر إليه النبي ﷺ أنه يريد غزو مكة([72])، فعمد حاطب إلى امرأة ذاهبة إلى مكة فأرسل معها كتابًا إلى أهل مكة يخبرهم بذلك، ويريد من وراء ذلك أن تكون له يد عنده؛ فنزل جبريل إلى النبي ﷺ وأعلمه بذلك، فأرسل النبي ﷺ نفرًا من أصحابه إلى مكان المرأة فأتوا بالكتاب، فسأل النبيُّ ﷺ حاطبًا فقال له: «هل تعرف الكتاب؟» قال: نعم، قال: «فما حملك على ما صنعت؟» فقال: يا رسول الله: والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت غريبًا فيهم، وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدًا، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئًا؛ فصدقه رسول الله ﷺ وعذره، فنزلت هذه السورة: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله ﷺ «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»([73]).
فالآية نزلت في أمر حاطب لما كتب لأهل مكة يطلعهم على وجهة رسول الله ﷺ التي يريد، وذلك يناقض ما تمليه عليه عقيدة التوحيد؛ فأنزل الله في ذلك قرآنًا يتحدث عن مقتضيات هذه العقيدة، وأنها تعني حتمية المفاصلة والبراءة بين أهل التوحيد والمشركين، سواء كان المشركون ذوو أرحام أم لم يكونوا كذلك، بل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراءة من الشرك وأهله، ولو كانوا قريبين.
وما سبق يجعل الباحث يقول: إن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع هذه السورة؛ البدء بذكر المقصد الأهم فيها الذي يناسبه المقام، وهو الحديث عن الولاء والبراء، وهو مقصدٌ عظيم هام من مقاصد هذا الدين، استحق لأهميته أن يقدم ذكره في السورة على غيره، مما يتعلق بالتَّوثق من صحة إيمان امرأة قدمت مهاجرة لله ولرسوله، لا سيما وأنَّ عددًا من آيات السورة يتحدث عن هذا المقصد العظيم أيضًا، فقد جاء عقيب هذه الآيات ذكر إبراهيم u، وكيف عمل ومن آمن معه بعقيدة الولاء والبراء مع قومهم، وأعلنوا البراءة منهم والبغضاء لهم.
وقد دلت نصوصٌ كثير على قصد الشارع مراعاة البدء بذكر الأهم فالمهم، يظهر ذلك في ذكر أركان الإسلام والإيمان في الكتاب والسنة، وفي إرسال الرسول ﷺ معاذًا إلى اليمن، وأمره إياه أن يبدأ بالأهم وهو دعوتهم للتوحيد، فإن هم أجابوا لذلك؛ يعلمهم بعدها الصلاة والزكاة، وغيرها من فرائض الإسلام وأحكامه، بل إن هذا المقصد ذاته هو الذي قُدِّم أيضًا حتى افتتحت به سورة التوبة: {بَرَآءَةٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] مع أنَّ عددًا كبيرًا من آياتها نزل في غزوة حنين وتبوك التي كانت قبل إعلان البراءة من المشركين، ومع ذلك قدمت عليها آيات البراءة في الذكر وذلك لأهميتها([74]).
ولقد عرفنا باستقراء عدد من آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله ﷺ أن تحقيق الولاء والبراء مقصد عظيم من مقاصد هذا الدين، ومن تلك الآيات قوله تعالى: {۞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [المائدة: 51] وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن والى أعداء الله الكافرين.
ومنها قوله تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَكُمْ هُزُوًۭا وَلَعِبًۭا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة: 57] وهذا نهيٌّ صريح عن موالاتهم. ومنها قوله تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا۟ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰنًۭا مُّبِينًا} [النساء: 144]. ومنها قوله تعالى: {لَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُوا۟ مِنْهُمْ تُقَىٰةًۭ ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].
وكل هذه الآيات وغيرها تدل على النهي والتحذير من موالاة الكافرين، وتحضُّ على البراءة منهم، وكل ذلك دليل على أنَّ هذا مقصدٌ من مقاصد هذا الدين، استحق لأهميَّته أن تقدّمَه سورة الممتحنة على غيره بالذكر.
وقد صح عن النبي ﷺ أيضًا أنه بايع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وقال له: «أبايعك على أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من المشرك»([75])، وقال ﷺ: «من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان»([76])، وغيرها من الأحاديث كثير.
وبالنظر إلى تكرار الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة الدالة على هذا المقصد؛ نستطيع أن نقول: إن هذا مقصدٌ قطعي، وزيادة على ذلك فهو يتعلق بعقيدة التوحيد، لا بتزكية النفس وتربيتها؛ وإن كان للتربية والتزكية مكانتها أيضًا، وهو بذلك يندرج تحت المقصد الأول من مقاصد القرآن الثمانية التي عدَّها ابن عاشور ألا وهو: إصلاح الاعتقاد.
الخاتمة
ختم الباحث هذا البحث بذكر أهم النتائج التي توصل إليها في بحثه، ثم أردفها بذكر عدد من التوصيات وذلك على النحو الآتي.
النتائج
- انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات سور القرآن ترتيب توقيفي، وأن الخلاف قد وقع بين علمائها في ترتيب السور على النحو الذي هي عليه في مصاحفنا بين قائل إنه توقيفي، وقائل إنه اجتهادي.
- أن اعتناء علماء الأمة المتأخرين بطرق الكشف عن مقاصد الشريعة كان أكثر من عناية المتقدمين بها.
- ترتيب الأحداث مطلع سورة الأنفال هو تقرير مقصد عظيم جاءت به الشريعة، وهو تزكية النفوس وتربيتها، وتهذيبيها من شوائب الجاهلية.
- أن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الحشر هو التأكيد على خطورة نقض العهود والتلاعب بها، والدعوة إلى المحافظة عليها؛ لأنها مقصد من مقاصد هذه الشريعة.
- أن المقصد القرآني في عدم مراعاة ترتيب الأحداث مطلع سورة الممتحنة هو التأكيد على مقصد شرعي يتعلق بعقيدة المسلم، وهو تحقيق الولاء والبراء.
التوصيات
- يوصي الباحث مراكز الدراسات القرآنية بالوقوف على ما أشارت إليه هذه الدراسة، وإخراج موسوعة قرآنية تعنى بذكر المقاصد القرآنية في عدم مراعاة ترتيب الأحداث في سور القرآن عمومًا؛ خدمةً لكتابنا العظيم القرآن الكريم.
- ويوصي الباحث قرَّاء القرآن أن يراعوا ما أشارت إليه هذه الدراسة في كل سور القرآن؛ فذلك مما يعين على تدبر القرآن وفهمه.
الهوامش :5>
[1] ابن عطية، عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج2، ص95.
[2] ينظر: الزبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس، ج2، ص738.
[3] ابن عاشور، محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ج3، ص175.
[4] القره داغي، علي محيي الدين القره داغي، الحقيبة الاقتصادية، ج1، ص161.
[5] أبو زيد، وصفي عاشور، التفسير المقاصدي لسور القرآن الكريم في ظلال القرآن نموذجًا (ورقة بحثية مقدمة إلى جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية – قسنطينة بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية – في مؤتمرها الدولي بعنوان: » فهم القرآن: بين النص والواقع « الذي تنظمه كلية أصو ل الدين – في الفترة: 4-5 ديسمبر 3102م) ص7.
[6] ينظر: الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص256، وينظر: أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم، البرهان في تناسب سور القرآن، ج1، ص182.
[7] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن،باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}، (4536) ج6، ص31.
[8] مسلم، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، رقم567، ج1، ص396.
[9] الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة التوبة، رقم 3086، ج5، ص272، قال الألباني: ضعيف.
[10] أبو جعفر، البرهان، مصدر سابق، ج1، ص:182.
[11] الباقلاني، محمد بن الطيب، الانتصار للقرآن، ج1، ص59.
[12] البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، ج4، ص521.
[13] ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير، ج، ص79.
[14] زرزور، عدنان محمد، مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، ج1، ص137، العتر، نور الدين محمد، علوم القرآن الكريم، ج1، ص42.
[15] أحمد، مسند أحمد، باب حديث واثلة بن الأسقع، رقم16982، ج28، ص188، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
[16] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص218.
[17] البخاري، صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، رقم4994، ج6، ص185.
[18] الزركشي، البرهان، مصدر سابق، ج1، ص260.
[19] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص216، وقد ذكر السيوطي في هذا الموضع أن القائل بأن ترتيب السور اجتهادي هم جمهور العلماء، وقد رُدَّ عليه رأيه، وناقشه فيه الأستاذ عدنان زرزور في كتابه: مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، ج1، ص139.
[20] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص222.
[21] ينظر: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، أسرار ترتيب القرآن، ج1، ص41، وينظر: فرحات، أحمد حسن، مناسبات الآيات والسور، ج9، ص53، وينظر: أبو جعفر، البرهان في ترتيب سور القرآن، مصدر سابق، ص: 51، وينظر غيرها من الكتب التي سبقت الإشارة إليها.
[22] ينظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات، ج3، ص134.
[23] جغيم، نعيم جغيم، طرق الكشف عن مقاصد الشريعة، ص: 14.
[24] ينظر: ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص: 190، وينظر: جغيم، طرق الكشف عن مقاصد الشريعة، مصدر سابق، ص: 15.
[25] حامدي، عبد الكريم حامدي، مقاصد القرآن من تشريع الأحكام ص: 47.
[26] الريسوني، أحمد الريسوني، جهود الأمة في مقاصد القرآن الكريم، ص: 3، وهي ورقة بحث مقدمة للمؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه (جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه) فاس المغرب، موقع مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع).
[27] الشاطبي، الموافقات، مصدر سابق، ج4، ص209.
[28] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج1، ص39.
[29] المصدر السابق، ج1، ص41.
[30] رشيد رضا، محمد رشيد بن علي، تفسير المنار، ج1، ص10.
[31]ينظر: الغزالي، محمد بن محمد، جواهر القرآن، ص:23 وما بعدها.
[32]ينظر: العز، عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص8،10.
[33] البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب السور، ج22، ص385.
[34] رشيد رضا، تفسير المنار، مصدر سابق، ج11، ص170.
[35] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج1، ص39.
[36] المصدر السابق، ج1، ص40،41.
[37] ينظر: البقاعي: نظم الدرر، مصدر سابق، ج8، ص218، وينظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج9، ص245، وينظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص3.
[38] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص192.
[39] ينظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج9، ص245.
[40] ينظر: ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب المغازي، باب غزوة بدر الكبرى ومتى كانت وأمرها، رقم36661، ج7، ص353، وينظر: الواحدي، علي بن أحمد، أسباب نزول القرآن، ج1، ص232، وينظر: الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ج15، ص448، وينظر: ابن كثير، تفسير ابن كثير، مصدر سابق، ج4، ص6.
[41] ينظر: البقاعي: نظم الدرر، مصدر سابق، ج8، ص219.
[42] أحمد، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، باب حديث عبادة بن الصامت، رقم22747، ج37، ص411، قال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره، وينظر: ابن جرير، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، ج13، ص371.
[43] ينظر: أبو جعفر، البرهان، مصدر سابق، ج1، ص218، وينظر: سيد، سيد قطب، في ظلال القرآن ص: (507- 1473- 1520).
[44] ينظر: البقاعي: نظم الدرر، مصدر سابق، ج8، ص227.
[45] ابن عاشور: التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج9، ص254، وينظر: البقاعي: نظم الدرر، مصدر سابق، ج8، ص219.
[46] الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج13، ص303.
[47] الواحدي، أسباب النزول، مصدر سابق، ج1، ص393.
[48] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، ج16، ص326.
[49] أحمد، المسند، باب مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، رقم25560، ج42، ص361، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[50] المصدر السابق، ج27، ص202، قال شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات.
[51] أبو جعفر، البرهان، مصدر سابق، ج1، ص218، والبقاعي: نظم الدرر، مصدر سابق، ج8، ص228.
[52] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج28، ص63.
[53] الترمذي، سنن الترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة الحشر، رقم2926، ج5، ص182، قال الألباني: ضعيف.
[54] ينظر: البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير، رقم4029، ج5، ص88.
[55] ينظر: المصدر السابق، كتاب تفسير القرآن، باب {وما آتاكم الرسول فخذوه} رقم4882، ج6، ص147.
[56] ينظر نصُّ المعاهدة التي كانت بين النبي ﷺ واليهود: ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص106، وينظر: المباركفوري، صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، ج1، ص235.
[57] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج28، ص67.
[58] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، ج2، ص553.
[59] ينظر: ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص48.
[60] ينظر: ابن هشام، السيرة النبوية، مصدر سابق، ج2، ص245.
[61] ينظر: المصدر السابق، ج2، ص394.
[62] ينظر: أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، البحر المحيط في التفسير، ج4، ص442، وينظر: السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء وكمال الإقراء، ج1، ص90، وينظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج6، ص69، بل إن ابن عاشور كثيراً ما يسميها بذلك في تفسيره.
[63] ينظر: ابن كثير، تفسير ابن كثير، مصدر سابق، ج4، ص90.
[64] الترمذي، سنن الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في الحلف، رقم1585، ج4، ص146، قال الألباني: حسن.
[65] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج1، ص40.
[66] رشيد رضا، تفسير المنار، مصدر سابق، ج11، ص227.
[67] ينظر: الآلوسي، روح المعاني، مصدر سابق، ج14، ص259.
[68] ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج28، ص129.
[69] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج18، ص49.
[70] ينظر: البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، رقم2711، ج3، ص188.
[71] نزلت هذه الآيات بعد الانتهاء من كتابة بنود عقد صلح الحديبية مباشرة، ينظرك الواحدي، أسباب النزول، مصدر سابق، ج1، ص424، وينظر: البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، رقم2711، ج3، ص188.
[72] ينظر: الطبري،محمد بن جرير، تفسير الطبري، ج23، ص312.
[73] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، رقم3007،ج4، ص59، وينظر: الواحدي، أسباب النزول، مصدر سابق، ج1، ص421.
[74] وقد ذهب الجمهور إلى أن سورة براءة نزلت دفعة واحدة، وقال ابن عاشور: “على أن نزول جميع السورة دفعة واحدة ليس ببعيد عن الصحة” ينظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج10، ص97،98.
[75] أحمد، المسند، باب حديث جرير بن عبدالله، رقم19233، ج31، ص559، قال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
[76] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، باب من اسمه مسلمة، رقم9083، ج9، ص41، قال ابن باز: لا أعلم به بأساً.
المصادر والمراجع5>
- أحمد، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421/2001).
- الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1415).
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير ناصر (القاهرة: دار طوق النجاة، ط 1، 1422).
- البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: المكتب الإسلامي، ط 2، 1403/1983).
- البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب السور، (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، د. ط، د.ت).
- الباقلاني، محمد بن الطيب، الانتصار للقرآن، تحقيق: محمد عصام (بيروت: دار ابن حزم، ط 1، 1422/2001).
- الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون (القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1395/1975).
- أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم، البرهان في تناسب سور القرآن، تحقيق: محمد شعباني (الدار البيضاء: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، د. ط، 1410/1990).
- جغيم، نعيم جغيم، طرق الكشف عن مقاصد الشريعة، (عمَّان: دار النفائس، ط 1، 1435/2014).
- ابن جرير، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد شاكر (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1 1420/2000).
- الحامدي، عبد الكريم حامدي، مقاصد القرآن من تشريع الأحكام، (بيروت: دار ابن حزم، ط 1، 1429/2008).
- أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، البحر المحيط في التفسير، تحقيق: صدقي محمد (بيروت: دار الفكر، ط 1، 1420).
- الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1420).
- رشيد رضا، محمد رشيد بن علي، تفسير المنار، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. ط، 1990).
- الريسوني، أحمد الريسوني، جهود الأمة في مقاصد القرآن الكريم، وهي ورقة بحث مقدمة للمؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه (جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه) فاس المغرب، موقع مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) على الإنترنت، http://mobdii.com/qconferences/v1/?sessions_papers، تم الرجوع إليه بتاريخ: 30/10/2018.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس، تحقيق: مجموعة من المحققين (الرياض: دار الهداية، د. ط، د. ت).
- زرزور، عدنان محمد، مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، (دمشق: دار القلم، ط 2، 1419/1998).
- الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل (دمشق: دار إحياء الكتب العربية، ط 1، 1376/1957).
- السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء وكمال الإقراء، تحقيق: مروان العطيَّة وغيره (دمشق: دار المأمون للتراث، ط 1، 1418/1997).
- سيد قطب، ابن الحاج قطب إبراهيم الشاذلي، في ظلال القرآن، (القاهرة: دار الشروق، ط 1، 1972).
- سيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، أسرار ترتيب القرآن، (دار الفضيلة للنشر والتوزيع، د. ط، د. ت).
- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. ط، 1394/1974).
- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، مصنف ابن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف (الرياض: مكتبة الرشد، ط1، 1409).
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات، تحقيق: مشهور بن حسن (عمَّان: دار ابن عفان، ط 1، 1417/1997).
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، (بيروت: دار التراث، ط 2، 1387).
- الطبري،محمد بن جرير، تفسير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420/2000).
- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض، وغيره (القاهرة: دار الحرمين، د. ط، د. ت).
- ابن عاشور، محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الطاهر الميساوي (عمَّان: دار النفائس، ط 2، 1421/2001).
- ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير، (القيروان: الدار التونسية للنشر، د. ط، 1984).
- ابن عبد السلام، عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، د. ط، 1414/1991).
- العتر، نور الدين محمد، علوم القرآن الكريم، (دمشق: مطبعة الصباح، ط 1، 1414/1993).
- الغزالي، محمد بن محمد، جواهر القرآن، تحقيق: محمد رشيد رضا (بيروت: دار إحياء العلوم، ط 2، 1406/1986).
- فرحات، أحمد حسن، مناسبات الآيات والسور، (مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، د. ط، د. ت).
- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وغيره (القاهرة: دار الكتب المصرية، ط 2، 1384/1964).
- القره داغي،علي محيي الدين القره داغي، الحقيبة الاقتصادية، (بيروت: دار البشائر، طبعة وزارة الأوقاف القطرية، 1431/2010).
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1419).
- المباركفوري، صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، (دمشق: دار العصماء، ط 1، 1427).
- مجموعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (القاهرة: دار الدعوة، د. ط، د. ت).
- ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون (القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 2، 1375/1955).
- ابن هشام،عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: طه عبد الرؤوف (القاهرة: شركة الطباعة الفنية المتحدة، د. ط، د. ت).
- الواحدي، علي بن أحمد، أسباب نزول القرآن، تحقيق: عصام الحميدان (الدمام: دار الإصلاح، ط 2، 1412/1992).
References5>
1- Aḥmad, Aḥmad ibn Muḥammad, Musnad al-Imām Aḥmad ibn Ḥanbal, taḥqīq : Shuʻayb al-Arnaʼūṭ, wa-ākharūn, ishrāf : D ʻAbd Allāh ibn ʻAbd al-Muḥsin al-Turkī (Bayrūt : Muʼassasat al-Risālah, Ṭ 1, 1421/2001).
2- Al-Ālūsī, Maḥmūd ibn ʻAbd Allāh, Rūḥ al-maʻānī fī tafsīr al-Qurʼān al-ʻAẓīm wa-al-Sabʻ al-mathānī, taḥqīq : ʻAlī ʻAbd al-Bārī (Bayrūt : Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Ṭ 1, 1415).
3- Al-Bukhārī, Muḥammad ibn Ismāʻīl, Ṣaḥīḥ al-Bukhārī, taḥqīq : Muḥammad Zuhayr Nāṣir (al-Qāhirah : Dār Ṭawq al-najāh, Ṭ 1, 1422).
4- Al-Baghawī, al-Ḥusayn ibn Masʻūd, sharḥ al-Sunnah, taḥqīq : Shuʻayb al-Arnaʼūṭ wa-ākharūn (Bayrūt : al-Maktab al-Islāmī, Ṭ 2, a1403/1983).
5- Al-Biqāʻī, Ibrāhīm ibn ʻUmar, naẓm al-Durar fī tanāsub al-suwar, (al-Qāhirah : Dār al-Kitāb al-Islāmī, D. Ṭ, D. t).
6- Al-Bāqillānī, Muḥammad ibn al-Ṭayyib, al-Intiṣār lil-Qurʼān, taḥqīq : Muḥammad ʻIṣām (Bayrūt : Dār Ibn Ḥazm, Ṭ 1, 1422/2001).
7- Al-Tirmidhī, Muḥammad ibn ʻĪsá, Sunan al-Tirmidhī, taḥqīq : Aḥmad Shākir wa-ākharūn (al-Qāhirah : Sharikat Maktabat wa-Maṭbaʻat Muṣṭafá al-Bābī al-Ḥalabī, Ṭ 2, 1395/1975).
8- Abū Jaʻfar, Aḥmad ibn Ibrāhīm, al-burhān fī tanāsub suwar al-Qurʼān, taḥqīq : Muḥammad Shaʻbānī (al-Dār al-Bayḍāʼ : Wizārat al-Awqāf wa-al-Shuʼūn al-Islāmīyah, D. Ṭ, 1410/1990).
9- Jughaym, Naʻīm Jughaym, Ṭuruq al-kashf ʻan Maqāṣid al-sharīʻah, (ʻmmān : Dār al-Nafāʼis, Ṭ 1, 1435/2014).
10- Ibn Jarīr, Muḥammad ibn Jarīr, Jāmiʻ al-Bayān fī Taʼwīl al-Qurʼān, taḥqīq : Aḥmad Shākir (Bayrūt : Muʼassasat al-Risālah, Ṭ 1 1420/2000).
11- Al-Ḥāmidī, ʻAbd al-Karīm Ḥāmidī, Maqāṣid al-Qurʼān min tashrīʻ al-aḥkām, (Bayrūt : Dār Ibn Ḥazm, Ṭ 1, 1429/2008).
12- Abū Ḥayyān al-Andalusī, Muḥammad ibn Yūsuf, al-Baḥr al-muḥīṭ fī al-tafsīr, taḥqīq : Ṣidqī Muḥammad (Bayrūt : Dār al-Fikr, Ṭ 1, 1420).
13- Al-Rāzī, Muḥammad ibn ʻUmar, Mafātīḥ al-ghayb, (Bayrūt : Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, Ṭ 3, 1420).
14- Rashīd Riḍā, Muḥammad Rashīd ibn ʻAlī, tafsīr al-Manār, (al-Qāhirah : al-Hayʼah al-Miṣrīyah al-ʻĀmmah lil-Kitāb, D. Ṭ, 1990).
15- Al-Raysūnī, Aḥmad al-Raysūnī, Juhūd al-ummah fī Maqāṣid al-Qurʼān al-Karīm, wa-hiya Waraqah baḥth muqaddimah lil-Muʼtamar al-ʻĀlamī al-Awwal lil-Bāḥithīn fī al-Qurʼān al-Karīm wa-ʻUlūmih (Juhūd al-ummah fī khidmat al-Qurʼān al-Karīm wa-ʻUlūmih) Fās al-Maghrib, Mawqiʻ Muʼassasat al-Buḥūth wa-al-Dirāsāt al-ʻIlmīyah (Mubdiʻ) ʻalá al-intirnit, http : / / mobdii. com / qconferences / v1 /? sessions _ papers, tamma al-Rujūʻ ilayhi bi-tārīkh : 30/10/2018.
16- Al-Zubaydī, Muḥammad ibn Muḥammad, Tāj al-ʻarūs, taḥqīq : majmūʻah min al-muḥaqqiqīn (al-Riyāḍ : Dār al-Hidāyah, D. Ṭ, D. t).
17- Zarzūr, ʻAdnān Muḥammad, madkhal ilá tafsīr al-Qurʼān wa-ʻUlūmih, (Dimashq : Dār al-Qalam, Ṭ 2, 1419/1998).
18- Al-Zarkashī, Muḥammad ibn ʻAbd Allāh, al-burhān fī ʻulūm al-Qurʼān, taḥqīq : Muḥammad Abū al-Faḍl (Dimashq : Dār Iḥyāʼ al-Kutub al-ʻArabīyah, Ṭ 1, 1376/1957).
19- Al-Sakhāwī, ʻAlī ibn Muḥammad, Jamāl al-qurrāʼ wa-Kamāl al-iqrāʼ, taḥqīq : Marwān alʻṭyyah wa-ghayrihi (Dimashq : Dār al-Maʼmūn lil-Turāth, Ṭ 1, 1418/1997).
20- Sayyid, Sayyid Quṭb, fī ẓilāl al-Qurʼān, (al-Qāhirah : Dār al-Shurūq, Ṭ 1, 1972).
21- Suyūṭī, ʻAbd al-Raḥmān ibn Abī Bakr, Asrār tartīb al-Qurʼān, (Dār al-Faḍīlah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, D. Ṭ, D. t).
22- Al-Suyūṭī, ʻAbd al-Raḥmān ibn Abī Bakr, al-Itqān fī ʻulūm al-Qurʼān, taḥqīq : Muḥammad Abū al-Faḍl Ibrāhīm (al-Qāhirah : al-Hayʼah al-Miṣrīyah al-ʻĀmmah lil-Kitāb, D. Ṭ, 1394/1974).
23- Ibn Abī Shaybah, ʻAbd Allāh ibn Muḥammad, Muṣannaf Ibn Abī Shaybah, taḥqīq : Kamāl Yūsuf (al-Riyāḍ : Maktabat al-Rushd, Ṭ1, 1409).
24- Al-Shāṭibī, Ibrāhīm ibn Mūsá, al-Muwāfaqāt, taḥqīq : Mashhūr ibn Ḥasan (ʻmmān : Dār Ibn ʻAffān, Ṭ 1, 1417/1997).
25- Al-Ṭabarī, Muḥammad ibn Jarīr, Tārīkh al-Ṭabarī, (Bayrūt : Dār al-Turāth, Ṭ 2, 1387).
26- Al-Ṭabarī, Muḥammad ibn Jarīr, tafsīr al-Ṭabarī, taḥqīq : Aḥmad Muḥammad Shākir (Bayrūt : Muʼassasat al-Risālah, Ṭ 1, 1420/2000).
27- Al-Ṭabarānī, Sulaymān ibn Aḥmad, al-Muʻjam al-Awsaṭ, taḥqīq : Ṭāriq ibn ʻAwaḍ, wa-ghayrihi (al-Qāhirah : Dār al-Ḥaramayn, D. Ṭ, D. t).
28- Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir ibn ʻĀshūr, Maqāṣid al-sharīʻah al-Islāmīyah, taḥqīq : Muḥammad al-Ṭāhir al-Maysāwī (ʻmmān : Dār al-Nafāʼis, Ṭ 2, 1421/2001).
29- Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir ibn Muḥammad, al-Taḥrīr wa-al-tanwīr, (al-Qayrawān : al-Dār al-Tūnisīyah lil-Nashr, D. Ṭ, 1984).
30- Ibn ʻAbd al-Salām, ʻIzz al-Dīn ibn ʻAbd al-Salām, Qawāʻid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām, rājaʻahu wa-ʻallaqa ʻalayhi : Ṭāhā ʻAbd al-Raʼūf Saʻd (al-Qāhirah : Maktabat al-Kullīyāt al-Azharīyah, D. Ṭ, 1414/1991).
31- Al-ʻItr, Nūr al-Dīn Muḥammad, ʻulūm al-Qurʼān al-Karīm, (Dimashq : Maṭbaʻat al-Ṣabāḥ, Ṭ 1, 1414/1993).
32- Al-Ghazālī, Muḥammad ibn Muḥammad, Jawāhir al-Qurʼān, taḥqīq : Muḥammad Rashīd Riḍā (Bayrūt : Dār Iḥyāʼ al-ʻUlūm, Ṭ 2, 1406/1986).
33- Faraḥāt, Aḥmad Ḥasan, munāsabāt al-āyāt wa-al-suwar, (Majallat al-Jāmiʻah al-Islāmīyah bi-al-Madīnah al-Munawwarah, D. Ṭ, D. t).
34- Al-Qurṭubī, Muḥammad ibn Aḥmad, al-Jāmiʻ li-aḥkām al-Qurʼān, taḥqīq : Aḥmad al-Baraddūnī wa-ghayrihi (al-Qāhirah : Dār al-Kutub al-Miṣrīyah, Ṭ 2, 1384/1964).
35- Al-Qarah Dāghī, ʻAlī Muḥyī al-Dīn al-Qarah Dāghī, al-ḥaqībah al-iqtiṣādīyah, (Bayrūt : Dār al-Bashāʼir, Ṭabʻah Wizārat al-Awqāf al-Qaṭarīyah, 1431/2010).
36- Ibn Kathīr, Ismāʻīl ibn ʻUmar, tafsīr al-Qurʼān al-ʻAẓīm, taḥqīq : Muḥammad Ḥusayn (Bayrūt : Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Ṭ 1, 1419).
37- Al-Mubārakfūrī, Ṣafī al-Raḥmān al-Mubārakfūrī, al-Raḥīq al-makhtūm, (Dimashq : Dār al-ʻAṣmāʼ, Ṭ 1, 1427).
38- Majmūʻah min al-muʼallifīn, al-Muʻjam al-Wasīṭ, Majmaʻ al-lughah al-ʻArabīyah bi-al-Qāhirah (al-Qāhirah : Dār al-Daʻwah, D. Ṭ, D. t).
39- Ibn Hishām, ʻAbd al-Malik ibn Hishām, al-sīrah al-Nabawīyah li-Ibn Hishām, taḥqīq : Muṣṭafá al-Saqqā wa-ākharūn (al-Qāhirah : Sharikat Maktabat wa-Maṭbaʻat Muṣṭafá al-Bābī al-Ḥalabī wa-Awlāduh bi-Miṣr, Ṭ 2, 1375/1955).
40- Ibn Hishām, ʻAbd al-Malik ibn Hishām, al-sīrah al-Nabawīyah, taḥqīq : Ṭāhā ʻAbd al-Raʼūf (al-Qāhirah : Sharikat al-Ṭibāʻah al-fannīyah al-Muttaḥidah, D. Ṭ, D. t).
41- Al-Wāḥidī, ʻAlī ibn Aḥmad, asbāb nuzūl al-Qurʼān, taḥqīq : ʻIṣām al-Ḥumaydān (al-Dammām : Dār al-iṣlāḥ, Ṭ 2, 1412/1992).