بدأت التكنولوجيا منذ فترة ليست بالقصيرة في تسهيل حياة الإنسان، حيث أصبحت الآلة تنجز ما كان ينجزه الكثير من الأشخاص بشكل متناه في السرعة والدقة. وتزايدت في هذا القرن وتيرة نمو التطور التكنولوجي بشكل عام والذكاء الاصطناعي بشكل خاص فيما أصبح يطلق عليه “الثورة الرابعة”.
ورغم ما لهذا التطور من أهمية بالغة على مستوى كمية ونوعية الإنتاج وتنافسية الشركات الصناعية، إلا أنه لا يخلو -حسب الكثيرين- من سلبيات منها أن إحلال هذه البرامج والروبوتات محل الإنسان سيفاقم – دون شك- من مشكلة البطالة.
لقد كشف تقرير للاتحاد الدولي للروبوتات أن حجم هذه الصناعة بلغ 25 مليار دولار سنة 2017 وتوقع التقرير أن يبلغ هذا الرقم 30 مليار دولار نهاية العام الجاري، كما تشير بعض التقديرات إلى احتمال أن تتجاوز أعداد الإنسان الآلي تعداد سكان المعمورة بحلول عام 2033. وتتركز صناعة الروبوتات أساسا في بعض دول آسيا كالصين واليابان وكوريا الجنوبية بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.
ولا يخفى ما للذكاء الاصطناعي من دور متزايد في معظم مجالات الحياة؛ فحسب الاتحاد الدولي للربوتات فإن نحو 1.8 مليون روبوت تعمل في مجال صناعة المركبات خلال العام الجاري، وهو ما سيتسبب في تخفيف الاعتماد على العنصر البشري. ورغم شيوع استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الصناعة، إلا أنه بدأ يغزو قطاعات أخرى؛ فالتسابق المحموم في مجال صناعة السيارات ذاتية القيادة من كبريات الشركات العالمية دليل واضح على قرب الاستغناء عن مهنة السائق، خاصة إذا ما تعلق الأمر بسائقي الشاحنات وسيارات الأجرة، رغم ما سيسببه ذلك من ملايين العاطلين عن العمل.
كذلك فإن هناك مستقبلا مظلما ينتظر الموظفين في قطاع الزراعة، خاصة بعد أن طور علماء في بريطانيا وأمريكا روبوتات مزودة بالذكاء الاصطناعي والكاميرات وأجهزة الاستشعار، قادرة على العناية بالتربة وزراعة المحاصيل وحصادها دون تدخل بشري. كما أن عمال الإطفاء والإسعاف قد يتعرضون للمصير نفسه بعد ما تم الكشف عنه من تجارب ناجحة في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما في مجال صناعة الروبوتات الخاصة بإطفاء الحرائق وإغاثة المنكوبين.
من جهة أخرى فإن هناك توجها واضحا نحو الاستغناء عن مهنة بائع التجزئة، ففي بعض المتاجر الحديثة أصبح بإمكان العميل أخذ السلعة والخروج، على أن يتم التعرف على وجهه وعلى السلعة وتخصم الفاتورة آليا. ونفس الشيء ينطبق على الكثير من المهن والوظائف التي لا تتطلب مهارة عالية كالسكرتير وطبيب الأشعة والمترجم…وفي ظل النمو المتسارع لإنتاج الروبوتات واتساع استخدامها في مختلف مجالات الحياة تتصاعد الأصوات المطالبة بالحد من التأثيرات المحتملة لاستحواذها على وظائف المزيد من البشر حول العالم وتفاقم مشاكل البطالة.
إن الاستغناء عن الكثير من الموظفين في المجالات آنفة الذكر وفي غيرها، سيوفر على الشركات المعنية مبالغ مالية كبيرة ويجعلها في موقف تنافسي قوي، وهو ما سيفرض على الشركات المنافسة مواكبة هذا التطور، بإحلال الآلة محل الإنسان أو الخروج من السوق بسبب صعوبة المنافسة.
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن تأثير الذكاء الاصطناعي يختلف من مكان إلى آخر، حسب ظروف الاقتصاد والتركيبة السكانية؛ ففي بعض الدول المتقدمة التي تعاني من شيخوخة السكان والنقص الشديد في اليد العاملة كألمانيا مثلا، قد تكون الروبوتات هي الحل الأمثل نظرا لتكلفتها المتدنية مقارنة بتكلفة استقطاب العمالة المهاجرة.
أما الدول النامية التي تتميز بوفرة اليد العاملة الرخيصة وتعاني أصلا من مشكلة البطالة فستكون بين خيارين أحلاهما مر؛ فهي إن قررت استيراد الذكاء الاصطناعي وإدخاله في التصنيع ومختلف أوجه الحياة ستتفاقم مشكلة البطالة لديها، الأمر الذي قد ينذر بحراك اجتماعي يصعب التنبؤ بمآلاته. أما إن قررت هذه الدول عدم استيراد تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات فستكون الشركات والمصانع فيها أمام تحد كبير يتمثل في منافسة غير متكافئة – إن لم نقل مستحيلة- مع شركات عالمية تستخدم آخر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتستغني تدريجيا عن اليد العاملة البشرية التي كانت تكلفها مبالغ مالية باهظة.
وبالرغم من أن استحواذ الإنسان الآلي على الكثير من وظائفنا أصبح أمرا واقعا، فإن هناك من لا ينظر للموضوع بضبابية، ويرى أن التكنولوجيا تحل فعلا محل الإنسان لكنها تخلق بموازاة ذلك وظائف جديدة، وعليه فمن الأفضل الاستفادة من إيجابيات الذكاء الاصطناعي، والبحث – في نفس الوقت- عن بدائل مناسبة للعمالة التي يمكن أن يتم إحلال الآلة محلها، وذلك بأن يتم تدريبها على تخصصات ومهن جديدة يحتاجها سوق العمل.
أما بالنسبة للأجيال القادمة فلابد من التنبؤ بالمستقبل وتصميم برامج تعليمية مسايرة للعصر، بشكل يضمن استحداث تخصصات جديدة مواكبة لسوق العمل وللتطور التكنولوجي والتخلي تدريجيا عن بعض التخصصات التي ستستحوذ عليها الروبوتات – في المستقبل القريب- بدلا من الإنسان. ولا يقتصر الأمر هنا على الدول النامية فقط، فالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد أكد في خطابه الوداعي على أن الموجة القادمة من الاضطرابات الاقتصادية ستنتج عن “الأتممة” أو “المكْننة” التي قضت على كثير من الوظائف ذات الدخل المتوسط.