في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، وجمالها، ولدينها، ‌فاظفر ‌بذات ‌الدين تربت يداك[1].

في هذا الحديث يكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن ملمح من الملامح الاجتماعية في حياة الناس فيما يخص الزواج، فيسبر أغوارهم، ويعرف رغباتهم في شأن الزواج، ويخبر أن الناس، من جهة الرغبة – لا من جهة الشرع- يرغبون في نكاح المرأة لأربعة أمور: هي المال، الحسب، والجمال، والدين. وأخر الدين؛ لأنه – قبل البعثة- غالبا كان متأخر الرتبة، وأن الناس قديما كانوا يتزوجون أول ما يتزوجون بالمرأة ذات المال والحسب والجمال، وهذا وإن لم تكن مقاييس شرعية؛ لكنها لا تنافي الشرع.

كما قال أبو العباس القرطبي: (قوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها) أي: هذه الأربع الخصال هي المُرغِّبة في نكاح المرأة. وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء. فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك. وظاهره إباحة النكاح؛ لقصد مجموع هذه الخصال أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم؛ ولذلك قال: (فاظفر بذات الدِّين تربت يمينك)[2].

وقال البيضاوي:

«من عادة الناس أن يرغبوا في النساء، ويختارونها لإحدى أربع خصال عدها، واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره، فلذلك اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرض عليه بآكد وجه وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، ومنتهى الاختيار، والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة، وفائدة جليلة»[3].

ولهذا ذم الإسلام زواج الرجل المرأة لغير دينها، كما قال ابن هبيرة: ” ومن مفهوم هذا الحديث أن المرأة إذا نكحت لمالها، كان ذلك قدحا في معنى المروءة، من جهة أن الله تعالى جعل الرجل هو المنفق على المرأة؛ فقال تعالى: {قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من «أموالهم}، فمن تزوج المرأة لمالها؛ فكأنه قلب ما خلق له إلى المرأة، ورضي بالمقام الأدنى.

– فأما التي تنكح لجمالها؛ فإن الجمال بانفراده من غير دين يكون مجسرا لها على الصلف؛ فلا يفيد إلا أن يضم إليه الدين؛ بل يكون بلية.

– وكذلك الحسب، فإنها تفتخر عليه، وتتطاول، كما جرى، لاسيما بنت الجون الكندية في قولها للنبي – صلى الله عليه وسلم -: وهل تهب المرأة نفسها للسوقة؟!، فشقيت بذلك، فلا يسعد الرجل بذلك إلا بصحبة ذات الدين».

الجمع بين الخصال الأربع

ولا يعني هذا أن يترك الرجل النظر في المال والنسب والجمال، لأن المرأة إن اجتمعت فيها تلك الخصال؛ فهي ظفر وكسب لا مثيل له. يقول الشيخ عبد المحسن القاسم: ” وشرط الدين في المرأة اجعله أساساً في الخطبة، وكذا علو خلقها ورقي تعاملها وحسن بشاشتها، فبهاء منظرها مع دينها وخلقها من كمال صفاتها. وإذا اجتمع في المرأة دين ومال وحسب وجمال، فتلك خلال أربع إن اجتمعت في امرأة فاظفر بها، ولا تقدم شرط الجمال على الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة». (رواه مسلم)[5].

الدين والجمال

وأشد الشروط لصوقا بالدين الجمال، وما ينبع عنه من محب، حتى قال ابن الجوزي:

«وينبغي له أن يتخير صاحبة الدين مع الحسن فقد قال عليه الصلاة والسلام ‌فاظفر ‌بذات ‌الدين تربت يداك. فأما من ابتلي بالهوى فأراد التزويج فليجتهد في نكاح المرأة التي ابتلي بها إن صح له ذلك وجاز وإلا فليختر ما يظنه مسليا له عن ذلك وهو ما يقع بقلبه عند رؤيته وعلامة ذلك أنه إذا رأى الشخص تشبث بقلبه وجمد نظره عليه فلم يكد يقلع عنه فهذه علامة المحبة»[6].

خصال أخرى:

على أنه لا يوقف على تلك الخصال وحدها، لكنها الخصال الرئيسة، ومن ذلك” أن تَكُون ذات عقل لا حمقي جاهلة لأن النكاح يراد للعشرة الحسنة ولا تصلح العشرة مَعَ الحمقاء ولا يطيب معها عيش وَرُبَّمَا تعدى ذَلِكَ إلى ولدها وقَدْ قيل: اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بَلاء ولا ينفع فيها العلاج. وقديماً قيل:

… لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ … إِلا الْحَمَاقَةَ أَعْيتْ مَنْ يُدَاوِيهَا …

إِنَّ الرِّجَال إِذَا لَمْ يَحْمِهَا رَشَدٌ … مِثْلُ النِّسَاءِ عَرَاهَا الْخُلْفُ وَالْخَلَفُ …

أَلا تَرَى جَمْعَ مَا لا عَقْلَ يُسْنِدُهُ … جَمْعَ المؤنثِ زَيْدَ التَّاءِ وَالأَلِفُ …

وأن تَكُون الزوجة من بيت معروف بالقناعة لأنه مظنة دينها وقناعتها ويستحب أن تَكُون جميلة لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته ولذلك جاز النظر إليها قبل النكاح»[7]

فالمرأة الصالحة ركن البيت الركين، وحصنه الحصين،  قال مسلمة بن عبد الملك: (ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة)

وقال الشاعر: إذا لم يكن في منزل المرء حرة … مدبرة ضاعت مروءة داره»

ولكن من هي المرأة ذات الدين؟

المرأة ذات الدين، هي المرأة التي يلازمها الدين في جميع شؤون حياتها، حتى توصف بأنها صاحبة الدين، فتجمع بين العبادات والشعائر من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر وقراءة قرآن ودعاء وغيرها، كما أنها صاحب أخلاق وسلوك طيب في التعامل مع الغير، وأوله الحياء، ومن علامات دينها برها بأهلها وجيرانها وصديقاتها، كما أنها تعطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، وتقوم بواجب الدعوة والنصيحة للغير قدر إمكانها في محيطها.

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذات الدين بأنها المرأة الصالحة، وعدد أوصافها، كما في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «ألا أُخْبرك بخير ما يَكْنِزُ المرءُ؟ ‌المرأة ‌الصالحة: إذا نظر إليها سَرَّتْهُ، وإذا أمَرَهَا أطاعتْه، وإذا غاب عنها حفظتْه»، فعلم أن من صلاح المرأة عنايتها بنفسها وتزينها لزوجها في بيتها، وطاعتها زوجها، وحفظه في ماله ونفسها عند غيابه.

ولهذا كان وصف النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة بأنها الكسب الذي لا يعدله شيء، وأنها خير ما في الدنيا للرجل، وقد ورد عن داود عليه السلام أنه قال: «واعلم أن ‌المرأة ‌الصالحة لبعلها في الجمال، كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب، واعلم أن المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على ظهر الشيخ الكبير» «الجامع – معمر بن راشد» (11/ 300):

«ويروى عن لقمان الحكيم أنه قال: ((يا بني! أول ما تتخذه في الدنيا امرأةٌُ صالحةٌ وصاحبٌ صالحٌ تستريح إلى ‌المرأة ‌الصالحة إذا دخلت وتستريح إلى الصاحب الصالح إذا خرجت إليه. واعلم أنك يوم تكسب واحداً منهما فقد كسبت حسنةً. واتق المرأة السوء والصاحب السوء، لا تستريح إليها إذا دخلت عليها ولا تستريح إلى الصاحب السوء إذا خرجت إليه! واعلم أنك يوم تكسب واحداً منهما فقد كسبت سيئةً))» «أدب النساء لعبد الملك بن حبيب» (ص138):

ثم إن المرأة الصالحة هي رفيقة الدرب، ومخففة الأحزان، والمعينة زوجها في طريقه إلى الله تعالى، كما قال ابن القيم:

«فكل لذة أعانت على لذات الدار الآخرة فهي محبوبة مرضية للرب تعالى فصاحبها يلتذ بها من وجهين من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإفضائها إلى لذة أكمل منها فهذه هي اللذة التي ينبغي للعاقل أن يسعى في تحصيلها لا اللذة التي تعقبه غاية الألم وتفوت عليه أعظم اللذات ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذة الآخرة ونعيمها فلا نسبة بين لذة صاحب الزوجة أو الأمة الجميلة التي يحبها وعينه قد قرت بها فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصالها أثيب على تلك اللذة في مقابلة عقوبة صاحب اللذة المحرمة على لذته»[8].

واعلم – وفقني الله وإياك لطاعته- أن صلاح المرأة ودينها جوهرة لا تقدر بثمن، وأن حصول الرجل على تلك المرأة التي تكون له عونا على الدين والدنيا؛ من توفيق الله للعبد، فليحمد الله تعالى على تلك النعمة، وليحافظ على زوجته، فكم من رجل غيره محروم من تلك النعمة التي يتمنى ولو جزءا منها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.


[1] رواه أحمد (2/ 428)، والبخاري (5090)، ومسلم (1466) (53)، وأبو داود (2047)، والنسائي (6/ 68)، وابن ماجه (1858)

[2]«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم»، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (٥٧٨ – ٦٥٦ هـ) (4/ 215).

[3] «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» البيضاوي (2/ 330)

[4] «الإفصاح عن معاني الصحاح»  لابن هبيرة، (6/ 276)

[5] «خطوات إلى السعادة»، عبد المحسن القاسم (ص52).

[6] «ذم الهوى» لابن الجوزي (ص284)

[7] «موارد الظمآن لدروس الزمان»، عبد العزيز السلمان (4/ 232)

[8]«روضة المحبين ونزهة المشتاقين» (ص158 ط العلمية)