دعا كوكبةٌ من العلماء والأكادميين في كليات الشريعة إلى أهمية إيجاد مؤلفات في الثقافة الإسلامية تعنى بتدريس مبادئ الثقافة الإسلامية لطلبة الجامعات بغض النظر عن التخصص؛ ليفقَه دينه، ويعتز بثقافته، وكي لا يعيش في غربة عن دينه ويستطيع مواجهة ما قد يطرأ من تحديات على الهوية الإسلامية.
انطلقت أولى المحاولات من كلية الشريعة بجامعة دمشق في عام (1954) وعرفت الجامعات أول مقرر دراسي يعنى بتعليم الثقافة الإسلامية ، و حمل اسم “نظام الإسلام” بجهود الدكتور محمد المبارك ومجموعة من زملائه. وفي عام 1961 أدخلت لجان تطوير الأزهر بمشاركة محمد المبارك مادة الثقافة في جميع التخصصات. وأضافت جامعة الرياض (الملك سعود حاليا) باسم ” الثقافة الإسلامية ” في سنة 1964 ، ولحقتها كلية الشريعة بمكة المكرمة، ثم جامعة أم درمان الإسلامية باسم نظام الإسلام فجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1397هـ الموافق 1977م.
وكان للهيئآت والمؤسسات الإسلامية الكبرى صوت في ذلك لاحقاً. فمن وصايا المؤتمر الإسلامي الإفريقي الأول بنواكشوط سنة 1396هــ الموافق 1976: “أن تكون مادة الثقافة الإسلامية مادة أساسية، وعلى مستوى الجامعات كلها على اختلاف فروعها”.
ومثله قرار اتحاد الجامعات العربية في مجلسه المنعقد بالجامعة الأردنية سنة 1977، وتأكيد القرار في اجتماعه بجامعة قطر في العام نفسه. وجُعل “الثقافة الإسلامية” محور التعليم والبحث العلمي في الجامعات الإسلامية من بنود النظام الأساسي للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الصادرة سنة 1982.
وقد صادقت رابطة الجامعات الإسلامية على قرار مشابه في اجتماعه بكوالالمبور سنة 1989، وأتى مثل هذا القرار في ندوة الثقافة الإسلامية المنعقدة بماليزيا سنة 1989.
وفي هذا الباب نرصد أهم الدراسات السابقة عن مقرر الثقافة الإسلامية، بعيدا عن مؤلفات الدكتور محمد المبارك الموسوم بـ “نظام الإسلام” بأجزائه، وحدود هذه الدراسات السابقة تقف إلى عام 1980 حيث بدأ تأليف المقرر الدكتور عدنان زرور .
1- أول كتاب عربي حمل اسم الثقافة الإسلامية هو ( الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ) جمع ومراجعة وتقديم عميد كلية الآداب بجامعة الاسكندرية محمد خلف الله، نشر سنة 1955. ويضم مجموعة بحوث وأوراق علمية مقدمة إلى مؤتمر: الثقافة الإسلامية في علاقتها بالعالم المعاصر “Islamic Culture in its relation to the contemporary world” المنعقد بجامعة برنستون ومكتبة الكونجرس الأمريكية بواشنطن، سنة 1953. يقع الكتاب في 582 صفحة، ساهم فيه عدد من كبار علماء المسلمين والغربيين.
جاء الكتاب على أربعة أقسام : الإسلام والحياة والانسان والتقدم، الإسلام والغرب: التأثر والتأثير والتحديات – وهذا من أهم أسباب انعقاد المؤتمر-، والتاريخ والاجتماع الإسلامي والحضارة الإسلامية، وحاضر العالم الإسلامي.
2- كتاب ( معالم الثقافة الإسلامية ) للدكتور عبدالكريم عثمان ، ألف سنة، 1969، ويقع الكتاب في 504 صفحة. انطلق المؤلف من وضع الأمة والاستعمار، والتحديات الفكرية، وأن الحل كامن في تدريس الثقافة الإسلامية اقتداء بكلية الرياض وجامعة دمشق وكلية مكة؛ حرصاً على إعطاء الطالب صورة شاملة عن الإسلام دون الدخول في التفاصيل. فالمادة لا تبحث في العلوم الإسلامية المختلفة كعلوم قائمة بذاتها، وإنما تستفيد منها للتعريف بالإسلام، لتكوين الشخصية الإسلامية المتميزة.
قسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، تحدث في الأول عن “مبادئ الإسلام”: الكون والحياة والإيمان، وعن الحق والحرية والمساواة والعدالة، وعن خصائص الثقافة الإسلامية والتحديات الغربية، وعن عالمية الإسلام، والعبادة والعمل والمسؤولية.
وفي الثاني تحدث عن نظم إسلامية: النظام السياسي، والاقتصادي، والتكافل الاجتماعي والنظام الأسري.
وتناول في الفصل الثالث آثار الثقافة الإسلامية وتعريف ببعض الشخصيات التاريخية وإنجازاتها.
3- من أهم المؤلفات في هذا الباب أيضا كتاب (الثقافة الاسلامية مفهومها مصادرها خصائصها مجالاتها ) للدكتور عزمي طه السيد و إبراهيم الدبو وكايد قرعوش ومحمد الشلبي. منشورات دار المناهج، والكتاب له طبعات عديدة، ترجع الطبعة الأولى لسنة 1969. ويعد مرجعا لكتب الثقافة الإسلامية الأخرى مثل كتاب الثقافة الإسلامية ( ثقافة المسلم والتحديات المعاصرة (2001) الذي أتى به في مصادره برقم (71).
يذكر أن لهم كتابا آخر باسم الثقافة الإسلامية مع اختلاف في المضمون نوعا ما، وهو منشور جديد من منشورات جامعة القدس المفتوحة.
سعى المؤلفون إلى سلوك المنهج العلمي في التأليف، وجعل مساق الثقافة الإسلامية “مادة علمية لها موضوعها ومباحثها المميزة، وأن يكون لها نسقا علميا يقوم على مفهوم واضح للثقافة بشكل عام والثقافة الإسلامية بشكل خاص”.
وهدف المؤلفون إلى إبراز معالم الشخصية الإسلامية، وترسيخ الهوية الثقافية للأمة الإسلامية. ولعله أول كتاب يبدأ المساق ببيان المصطلح والتفريق بينه وبين المصطلحات المشابهة.
قُسم الكتاب إلى بابين، تناول في الباب أول جملة فصول: مفهوم الثقافة والثقافة الإسلامية – علاقة الثقافة بالمصطلحات المقاربة – مصادر الثقافة – قضايا الثقافة: معالم الشخصية الإسلامية ومقوماتها – والغزو الفكري – التحديات الثقافة على مستوى الفرد والمجتمع.
أما فصول الباب الثاني هي: علاقة الإنسان بالخالق: العقيدة والعبادة – علاقة الإنسان مع نفسه – علاقة الإنسان مع الآخرين – علاقة الإنسان مع الكون الطبيعي – علاقة الإنسان مع الأفكار.
4- محاضرات في الثقافة الإسلامية، من منشورات مديرية الإفتاء بالإردن، سنة 1970، أُلّف الكتاب لرسم صورة مجملة عن الإسلام وإظهاره نظاما متكاملا للحياة. وقد قسم الكتاب – بعد المقدمات والحاجة إلى الدين- إلى: العقيدة الإسلامية وأثرها في السلوك. والعبادات: مجملا لا تفصيلاً. المعاملات: النظام الأسري والنظام المالي. والأخلاق. وإلى موضوعات عامة يصلح أن نسميها التحديات الداخلية والخارجية والحضارة الإسلامية، ونماذج قدوة من الجيل الأول.
5- لمحات في الثقافة الإسلامية للدكتور عمر عودة الخطيب، نشر سنة 1972، يقع في 388 صفحة. يعود هدف تأليف الكتاب إلى تزويد القارئ وطلاب الجامعات الإسلامية بثقافة نافعة عن الإسلام، “تؤدي إلى ترسيخ مبادئه، والإيمان بمثله، وفهم نظمه، ورد الشبهات عنه وإحباط المكائد التي تحاك ضدّه..” بمنهج يخاطب العقل ويوقظ المشاعر، ويربط بين الماضي والحاضر.
وقد قسّم المؤلف الكتاب إلى ستة فصول:
الأول تناول مدولات مصطلحات المساق.
والثاني عن ركائز الثقافة الإسلامية وخصائصها.
والثالث عن الثقافة والقوى المعادية.
والرابع عن المبشرين والمستشرقين والغزو الفكري.
والخامس عن علاقة الثقافة الإسلامية بالحياة: البناء الفكري والخُلقي، البناء الاجتماعي والسياسي، والإسلام والآخر.
والسادس عن العقيدة الإسلامية: العقيدة والحياة، العقيدة والإنسان، وخصائص العقيدة.
أخيرا، هذه بعض بواكير المؤلفات في الثقافة الإسلامية. لا بدّ أن يستشف القارئ منها، من خلال هذا العرض طبيعة المساق وفكرتها ومفرداتها العلمية، وأعلامها. وبما أن فلسفة المناهج الأكاديمية تتطلب مراجعات دورية مستمرة للتطوير والمواكبة فإن ذلك يتم بالبناء على هذا الأصل، إضافةً وحذفاً وتعديلاً، مع مراعاة الثابت والمتغير، وباستحضار رسالة ورؤية المؤسسة العلمية والكلية التي تطرح المادة، مع النظر في فلسفة التعليم في دولة المؤسسة والخلفيات العلمية للمتخرجين من ثانوياتها ومدى توفرّ مواد الشريعة فيها قبل المرحلة الجامعية، وما يندرج في ذلك.
علما أن ثمة فروقات جوهرية في التعامل مع الثقافة الإسلامية كمتطلب إجباري في الجامعة، أو قسم وتخصص ضمن التخصصات الشرعية. وأما الحديث عن الطالب وأستاذ الثقافة الإسلامية وطرق التدريس فذاك مجال آخر.