(ٱبۡلَعِي…وَغِیضَ)

هنا قلائد العقيان، تنتظم درره بدقة وإحكام، وتماسك وانسجام، في سلك هذا البيان!

(وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)

توجه الأمر الإلهي للأرض ببلع مائها، والبلع يقتضي اختفاء الماء على وجه السرعة؛ فكان، ومقتضى منطق اللغة ومتوقع السياق والحال، في مقام الكلام أن يرد (واختَفَى الماءُ) أو ( و جفَّ الماءُ) .

لكنه العجب العجاب! ومدهش الألباب لفرسان الفصاحة وأساطين البيان؛ أن يرد على غير المتوقع إذ قال:( وَغِیضَ ٱلۡمَاۤءُ )
والغيضُ نقصان ببطء وتمهل في معهود اللسان، فشد عقول المتدبرين لدقائق النظم؛ للوقوف على مفصل البلاغة في السبك والانسجام!

وذلك أنه- عز وجل- أمر الأرض ببلع مائها فكان، ولو استمر السياق على وفق المتوقع منه فقال:( واختفى الماءُ) لاختفت السفينة مع بلع الماء؛ لذا كان هناك بلع، وهنا على الجودي (وَغِیضَ ٱلۡمَاۤءُ) وهو نقصان ببطء تمهيدا للسفينة على الجودي للاستواء!