(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [سورة البقرة 50]

سبحان الله! ما أعظم هذا البيان!
قال (فرقنا بكم)، فقدمهم على ذكر البحر ، وجعلهم سببا للمعجزة (بكم) و جزءا منها، وشاهدين عليها (تنظرون) ..

وسارع بنجاتهم (فأنجيناكم) في مسارعة وسهولة الإنجاء ، متصلة بالفاء..
وبعد أن طمأنهم بنجاتهم، شفى صدورهم بمشاهدة هلاك جميع الأعداء (آل فرعون)..
ثم كان ذلك لهم دون أي جهد و عناء بل في مشهد مملوء بالظفر والنصر والمعجزة الخارقة لمألوف الأشياء ( وأنتم تنظرون) ..!

إن الكلمات والعبارات تتدافع في مشهد بديع سريع يحاكي مقام الدهشة والذهول المتناسب مع المعجزة والحدث المدهش للعقلاء …!

هذا بيان تتهاوى دونه جماجم البلغاء ..!
ثم يقف البيان محتاجا إلى مزيد بيان، بين أمواج بلاغته المتلاطمة تبحر فيها دونما شطآن.. !

فلماذا فرقنا دون شققنا؟!

ولماذا أنجينا دون نجينا؟!

ولماذا هرعت الواو دون غيرها في هذا المقام؟!

فورد الإغراق دون ترتيب وانتظام! !

ثم كان الفعل المضارع الحال (تنظرون) لا (ناظرون) ..!

ثم …ثم ..تدافعت الكلمات خشية الغرق في موج هادر في إيقاعه كالطوفان ..

أمسك الشمس بيديك، وعانق البدر بحاجبيك، ذلك أهون وأيسر من محاولة اللحاق بهذا البيان!
أو الارتقاء إلى كعبه، والإمساك بنجوم كلماته، وكواكب عباراته، وسبكه، وجمال نسجه، وتماسكه،

وبديع تصويره، وبلاغ بلاغته، والدنو من فصاحته !