(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ )

القاعدة في الوصف الخاص بالمؤنث أنه لا تلحقه علامة التأنيث، فلا يقال: امرأة حائضة، ولا امرأة مطلقة وهكذا، يقول السيوطي(1):”والغالب ألا تلحق الوصف الخاص بالمؤنث كحائض و طالق وطامث ومرضع، لعدم الحاجة إليها بأمن اللبس.

ويعلل أحد الباحثين ذلك بقوله(2):” ولعل هذا راجع إلى مرحلة قديمة من عمر اللغة لم تكن فيها علامات التأنيث قد استخدمت بعد، فقد كان المؤنث لغويا يعامل به المذكر “.

والذي أراه أن العكس هو الصحيح، فالأصل المفترض في التفكير اللغوي الأولي القديم أن يجنح العقل اللغوي البدائي إلى التمييز بين المذكر والمؤنث بالعلامة، ثم تأتي مرحلة متطورة من الدرس اللغوي، تحذف هذه العلامة من بعض الاستعمالات، لوجود أمن اللبس وإعمال الفكر في أن هذه الصفات مما اختصت به الأنثى عن الذكر فتحذف العلامة، بدليل ما نجده من استعمال الفصحى كلمات ( طالق – حامل – طامث – مرضع…..)، وما نسمعه في العامية من قولهم : طالقة، حاملة، فالاستعمال العامي يشير إلى مرحلة أولية قديمة في التفكير اللغوي لا إلى مرحلة متطورة في التفكير.

وما حصل من خروج عن الفصيح الأغلب لهذه القاعدة، وذلك من إدخال علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، يمكننا تفسيره دلاليا لا أن نقف في تفسيره عند حدود الأصل التاريخي، فليست علة الاطراد هي السبب في ذلك كما ذهب إليه الباحث السابق بقوله(3):”ولعل الرغبة في أن تطرد القاعدة هي التي جعلت الاستعمال اللغوي يميل إلى إدخال علامة التأنيث على كثير من الألفاظ المؤنثة تأنيثا سماعيا، أي المؤنثة بدون علامة التأنيث”.

فقد وهم هذا الباحث إذ جعل الاطراد هو العلة المسببة لدخول علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، فإذا كان هذا التعليل مقبولا في تفسير استعمال الناس ذلك، فكيف يمكن قبوله في تفسير ما ورد في محكم التنزيل، وذلك في قوله تعالى:” يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ” .(الحج: 2)

والذي يظهر لي – والله أعلم- أن الخروج عن القاعدة في هذا السياق القرآني جاء لملمح دلالي في الذكر الحكيم، وهو ما ألمح إليه الزمخشري -رحمه الله- وذلك أن المولى- عز وجل- أراد أن يصور حال المرضع وهي تلقم ثديها وليدها وقد ذهلت عنه وشغلت ودهشت؛ لهول الموقف في الحساب يوم القيامة، لا أنه يذكر وصفا لمرضع، أي: من كان حالها الإرضاع فحسب، وإنما يصور المرضع وهي تباشر الإرضاع بثديها في تلك اللحظة.

فهذا الخروج في التركيب ولد خروجا في المعنى الدلالي، قصد منه إبراز الوصف وتوضيح الصورة بوضوح وجلاء، ترهيبا وتخويفا لهول الموقف في الجزاء.


(1) الهمع 3/291
(2) ظاهرة التأنيث في العربية واللغات السامية.د. إسماعيل عمايرة ص 34.
(3) المصدر السابق .ص 41