هل يمكن للفقه الإسلامي أن يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي وتحديات العصر الحديث؟ في عالم يشهد تحولات مذهلة في المجالات الفكرية، التقنية، والاجتماعية، يأتي مؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة والعشرين، المنعقد في الدوحة، قطر، ليؤكد أن الشريعة الإسلامية قادرة على تقديم حلول واقعية ومنضبطة لقضايا الحياة المعاصرة، مستندة إلى فكر جماعي ناضج يجمع بين الفقهاء والخبراء من أكثر من 60 دولة.

ما يميز مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي أنه يتناول أهم النوازل والمستجدات في مجالات حيوية كـ الذكاء الاصطناعي ورعاية الطفولة والحوكمة المالية والأمراض النفسية، عبر أكثر من 187 بحثًا علميًا رصينًا، ما يعزز دور الاجتهاد الجماعي المؤسسي في توجيه حياة المسلمين اليوم.

انطلقت الجلسات العلمية لـ مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي في دورته السادسة والعشرين بمدينة الدوحة ، قطر، وستستمر هذه الجلسات خلال الفترة من: 6 – 10 ذي القعدة 1446هـ، الموافق: 4 – 8 مايو 2025م، ويشارك فيها صفوةٌ نيرةٌ من أهل العلم والخبرة من أعضاء وخبراء المجمع، من علماء الشريعة والخبراء المتخصصين في العلوم الإنسانية والطبيعية في هذا العصر، يقدر عددهم بحوالي مئتين وخمسين عالماً، القادمين من ٦٠ دولة من دول العالم.

ويهدف مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته هذه إلى مناقشة ودراسة عددٍ من النوازل والمستجدات المعاصرة في مجالات العبادات والمعاملات، والتمويل والتربية والطب والاتصالات، وذلك بغية بيان الأحكام الشرعية المناسبة من خلال إصدار قراراتٍ شرعيةٍ تحظى بقبولٍ من علماء الأمة في العصر ، ويعمل بمقتضاها المسلمون في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي ودول المجتمعات المسلمة.

وقد خصص مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي لهذه الدورة ثمانية محاور، من بينها: قضايا مستجدة في رعاية الطفولة، ودليل الاستصحاب وتطبيقاته في النوازل والمستجدات المعاصرة، والذكاء الاصطناعي : أحكامه وضوابطه، والألعاب الإلكترونية: أحكامها وضوابطها، وحكم الشرع في دفع الزيادة بالقرض من طرف ثالث، ، أثر الأمراض النفسية على الأهلية في الشريعة الإسلامية، والحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة.
ويبلغ عدد البحوث المقدمة حول الموضوعات المذكورة مائة وسبعةً وثمانين (۱۸۷) بحثًا، وصولاً إلى إصدار قراراتٍ متينةٍ وتوصياتٍ رصينةٍ بشأن تلك الموضوعات المطروحة على الدورة، بمشيئة الله وتوفيقه.

وزير الأوقاف: لا بد أن يكون للمجلس صوت جهير وقرار مكين

تحت رعاية معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، انطلقت أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، بمشاركة كوكبةٍ نيرةٍ من علماء الأمة والخبراء المختصين من أنحاء العالم الإسلامي.

وخلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، ألقى سعادة السيد غانم بن شاهين بن غانم الغانم، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، كلمةً عبر فيها عن ترحيب دولة قطر بعلماء الأمة وخبرائها المشاركين، مؤكدًا أهمية استضافة دولة قطر هذا الحدث العلمي العالمي، تعزيزًا لدور الفقه والفكر الإسلامي في معالجة قضايا العصر. وقال سعادتُه: إنه في علوم الشريعة توجد الإجابة الشافية لكل ما يهم الإنسان على هذه الأرض، ومن هنا يجتمع العلماء المسلمون في الدوحة لتبادل الآراء في نوازل ومستجدات الحياة، للوصول إلى رؤيةٍ واضحةٍ تطمئن لها النفوس، ويقبلها المجتمعُ المسلم، بحيث تُطوَّع القضايا والمستجدات بالمفهوم الشرعي في ظل الوسطية التي تتسم بها أمتُنا المسلمة.

وأوضح سعادته أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يسعى لنشر شريعة رب العالمين، والدفاع عن هذا الدين، لا بد أن يكون له صوتٌ جهيرٌ وقرارٌ مكينٌ، ومعه جميع الهيئات العلمية والشرعية في العالم الإسلامي، وذلك لبيان المخاطر التي تحيط بالأمة، من هدمٍ لبنيان الأسرة، والتأثير سلبًا على النشء، وامتهانٍ للفضائل، والاستخفاف بالقيم والأخلاق، والدعاية للإلحاد، وأمثالها من المشاكل الأخرى.

رجل مسن يرتدي الثوب العربي والعباءة، يتحدث من منصة مؤتمرات مع ميكروفون. خلفية بسيطة بتصميم زهري، تعكس حدثًا رسميًا أو مؤتمرًا.
سعادة السيد غانم بن شاهين بن غانم الغانم، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

ولفت إلى أن الموضوعات التي ستناقشها هذه الدورة، ستحظى بما تستحقه من دراسةٍ مستفيضةٍ، وبحثٍ عميقٍ من العلماء المشاركين، الذين سيقدمون إضافةً أخرى لهذه الموضوعات، باعتبارها جزءًا من الرصيد الفقهي الإسلامي المعاصر، لافتًا إلى أن هذه الجهود ستُثمر ثروةً فقهيةً كبيرةً يعتز بها كل مسلمٍ بصفةٍ عامة، وكل فقيهٍ بصفةٍ خاصة.
ونوّه بأن دور مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في المجالات الفقهية والنوازل المستجدة، جعله منبرًا فقهيًا أعلى للعالم الإسلامي، بما يؤدي إلى توحيد الرؤى، ووحدة الصف والكلمة، ومزيدٍ من التضامن الإسلامي.

وأبرز وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن الأبحاث القيمة التي قدمها أصحاب الفضيلة العلماء والخبراء لهذه الدورة، تجمع بين الشأن العام والخاص، وتربط بين أمور الواقع المُعاش، منوهًا بأن التنوع في هذه الأبحاث يُثري النقاش، بما يزيد من المنفعة العامة لصالح الإسلام والمسلمين.

230 عالما وخبيرا من أكثر من 60 دولة

ومما يجدر ذكره أن مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي سيناقش البحوث المقدمة إليه على مدار خمسة أيام بإذن الله تعالى، وذلك بحضور قرابة مائتين وثلاثين عالما وخبيرا من أكثر من 60 دولة من دول العالم.

وخلال أيامها الخمسة، تناقش الدورة مجموعة من القضايا الفقهية والفكرية والطبية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة التي تهم الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والمجتمعات المسلمة حول العالم، ومن أبرزها:

  • القضايا المستجدة في رعاية الطفولة.
  • دليل الاستصحاب وتطبيقاته في النوازل والمستجدات المعاصرة.
  • الذكاء الاصطناعي: أحكامه وضوابطه وأخلاقياته.
  • حكم الشرع في دفع الزيادة في القرض من طرف ثالث، وحكم أخذ الأجر على خطاب الضمان والاعتماد المستندي.
  • الألعاب الإلكترونية: أحكامها وضوابطها.
  • أثر الأمراض النفسية على الأهلية في الشريعة الإسلامية.
  • الحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة.
  • تدويخ الطيور والحيوانات قبل ذبحها وأثره على شرعية الذبح.
  • إرضاع الأطفال الخداج بلبن أمهات معروفات وغير معروفات.
  • حكم الشرع في تناول وتسويق اللحوم المستزرعة، والأغذية المحوّرة وراثياً من أصل حيواني والحشرات.

وسيصدر مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرارات وتوصيات تسهم في توجيه صناع القرار والقادة والمفكرين، وتعزيز دور الاجتهاد الجماعي المؤسسي في مواجهة قضايا الحياة المعاصرة، ضمن منهج علمي منضبط يجمع بين الأصالة والتجديد.

د. صالح بن عبدالله بن حميد: حلول شرعية ناجعة لمشكلات الحياة المعاصرة

أكد د. صالح بن عبدالله بن حميد، عضو هيئة كبار العلماء، إمام وخطيب المسجد الحرام، رئيس المجمع، أن هذه الدورة تأتي استجابةً للثقة التي أولتها الأمة، ووضعها ولاةُالأمر في بلاد المسلمين في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، ليضطلع بمهمة بيان الأحكام الشرعية في القضايا والمسائل التي تهم المسلمين في أرجاء المعمورة، وتقديم الحلول الشرعية الناجعة لمشكلات الحياة المعاصرة، استنادًا إلى الكتاب العزيز، والسنة النبوية الطاهرة، والأدلة المتفرعة عنهما، واستئناسًا بمقاصد الشريعة وقواعدها الكلية، مع الانفتاح المعتدل على ما توصل إليه العلم الحديث في شتى مجالات المعرفة.

رجل مسن يرتدي لباسًا تقليديًا سعوديًا مع عقال، يتحدث من منصة في حدث رسمي. خلفية الصورة مزخرفة بألوان ناعمة، مع شعار وزارة الشؤون البلدية والقروية في أسفل المنصة.
الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس المجمع

وقال: إنَّ المؤتمر ينعقد لدراسة ومناقشة طائفةٍ من النوازل والمستجدات التي تستوجب اجتهادًا جماعيًا يحقق التكامل بين الفقهاء والخبراء، ويجسِّر المسافة بين المثال والواقع، وصولًا إلى قراراتٍ رصينةٍ منضبطة، وتوصياتٍ متينةٍ واضحة، قابلةٍ للتطبيق والتحقيق بإذن الله تعالى.

وأشار إلى أن هذه الدورة ستناقش 7 من أهم النوازل والمستجدات، تشمل: قضايا مستجدة في رعاية الطفولة، تأصيلًا لحقوق الطفل في الشريعة، وتعزيزًا لأهمية البيئة التربوية السليمة، الذكاء الاصطناعي، بوصفه أبرز أدوات التحول الرقمي المعاصر، تأصيلًا لأحكامه وضوابطه في ضوء ميزان المصالح والمفاسد والمآلات، دليل الاستصحاب، بوصفه أحد أهم أدلة الاستدلال لضبط الفتوى والإفتاء في الوقائع المُستجدة.

وذلك بما يعزز استقرار الأحكام، الألعاب الإلكترونية، بيانًا لأحكامها وضوابطها، وما تحمله من إمكانات، وإشكالات سلوكية وأخلاقية وفقهية تؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع، سلبًا وإيجابًا، دراسة أثر الأمراض النفسية والعقلية على الأهلية في الشريعة، تأكيدًا على عدالة الشريعة ورحمتها، وبيانًا لمعايير المسؤولية الشرعية، بيان الأحكام الشرعية المناسبة لمستجداتٍ في صناعة المالية الإسلامية، كدفع الزيادة في القرض من طرف ثالث، وحكم أخذ الأجر على إصدار خطاب الضمان والاعتماد المستندي، مناقشة أسس وضوابط الحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، دعمًا للشفافية، وترسيخًا للضوابط الفقهية، وارتقاءً بأداء هذه المؤسسات.

أمين عام منظمة التعاون الإسلامي: المجمع الفقهي من الركائز الأساسية لوحدة الأمة

قال السيد حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: إن الأوضاع الدولية الراهنة، والمتمثلة في العدوان الإسرائيلي الوحشي ضد إخواننا وأخواتنا في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشريف، تستدعي منا المزيد من التضامن مع ضحايا هذه الاعتداءات، مثمنًا الدور والجهود التي بذلها المجمع الفقهي الإسلامي الدولي، والتي أسهمت في فضح الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، وتعزيز التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.

صورة مقال مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بالدوحة.. الذكاء الاصطناعي وحماية الطفولة على طاولة علماء الأمة
السيد حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي

وأوضح أن الدور الذي يضطلع به مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، يُعد من الركائز الأساسية لوحدة الأمة الإسلامية، من خلال توحيد مصادر ومبادئ الشريعة الإسلامية، داعيًا الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم المادي والعلمي للمجمع الفقهي الإسلامي الدولي، ليواصل مسيرته الناجحة في خدمة أمتنا الإسلامية.

د. قطب مصطفى سانو: المجمع يواصل التعامل الحكيم مع التحديات والنوازل

أكد د. قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، أن الدوحة تجدِّد رعايتها دورةً مَجمعيَّة أخرى، والأمة الغراء تعيش منعطفًا تاريخيًا لا يقل خطورةً عن سابقه، إذ إنَّ التحديات الفكرية في تنامٍ مذهل، والتحولات الاجتماعية في تصاعدٍ مخيف، والتطورات التكنولوجية والتقنية في تسارعٍ مبهر، والتقلبات السياسية في تفاقمٍ مفزع.. مشيرًا إلى أن أمرَّها وأشدها قسوةً وألمًا ما تتعرض له فلسطين عمومًا، وغزة الجريحة خصوصًا، في ظل صمتٍ دولي يَندى له جبين الإنسانية، ولم يتخيله دعاة حقوق الإنسان قديمًا وحديثًا.

رجل يرتدي زيًا تقليديًا يتحدث من منصة في مؤتمر، مع خلفية وردية تحمل نصوصًا عربية.
د.قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي

وأوضح أنه أمام هذه الظروف الحالكة، يجدِّد المجمع سيرَه الحثيث في التعامل الحكيم الرشيد مع التحديات والنوازل والمُستجدات، من خلال اجتهادٍ جماعيٍ يعتصم بالنص، ويتبصر بالمقصد، ويستوعب التعقيد، ويدرك التشابك، ويعتد بالمآلات، ولا يتخلى عن الثوابت، ولا يجمد على المنقولات، ويتفاعل مع الواقع بلغة الحجة، والرحمة، والعدل، والإحسان، والميزان.. وسطيةٌ في التفكير والتنظير، واعتدالٌ في التحرير والتقرير، وواقعيةٌ في التطبيق والتنزيل.
ونوَّه بأن هذه الدورة ، ، لن تألوَ جهدًا في معالجةٍ علميةٍ رشيقةٍ، رزينةٍ، لطائفةٍ حسنةٍ من النوازل والمستجدات والتحديات التي تمس واقع الناس، وتؤثر في حياة الفرد والمجتمع، ومن أهمها: الذكاء الاصطناعي، والألعاب الإلكترونية، والحوكمة الشرعية، والأمراض النفسية.

الجلسة العلمية الأولى: قضايا مستجدة في رعاية الطفولة

ناقش مجلس المجمع خلال الأبحاث المقدمة في الجلسة العلمية الأولى محاور علمية متعددة حول رعاية الطفولة، وتشمل هذه المحاور: رعاية الطفولة في الإسلام بين المسؤولية الأسرية والمسؤولية المجتمعية، وحقوق الطفل في الإسلام، حماية الطفل من السلوكيات العدوانية، ومنها حماية الطفولة من الابتزاز والتنمر والعنف والتحرش والإهمال والسلامة الرقمية، ورعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة: حقوقهم وحمايتهم واندماجهم.
وقد رجّحت هذه البحوث ضرورة الرجوع إلى المبادئ الشرعية والأخلاقية وقرارات المنظمات الدولية والإقليمية مثل اليونيسف والإيسيسكو ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، لتحقيق الرعاية الصحيحة للأطفال، ومن ذلك:

  • أكدت جميع البحوث على ضرورة رعاية الطفولة في الإسلام وفق ما أوجبت الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك على الأسرة والمجتمع على حد سواء، فمسؤولية الرعاية مسؤولية مشتركة في رعاية الطفل والحفاظ على حقوقه؛ فالأسرة هي المجتمع الأول الذي ينشأ فيه الطفل، وهي مسؤولة عن تأديبه وتقويمه وتعليمه محاسن الأخلاق وأفضل القيم، بالارتقاء بصحته النفسية، وإشباع حاجاته ودوافعه الأساسية، وإحاطته بالحب والحنان، وإشعاره بالأمن والأمان. ثم إن المجتمع مسؤول عن تهيئة البيئة الصحيحة السليمة لممارسة الأطفال ما تلقّوه عن والديهم داخل حدوده.
    وفي تحديد هذه الحقوق، تطرقت هذه البحوث لما دعا إليه المجمع في قراره السابع بالدورة الثانية بشأن موضوع حقوق الأطفال والمسنين.
  • وللتأكيد على هذه الحقوق، تطرق بحث الشيخ أبو بكر جمال الليل إلى مسؤولية المنظمات الدولية في رعاية الطفولة، وجهودها المشتركة في تحسين وضع الأطفال في العالم، وعنايتها بشؤون الطفل وحماية حقوقه.
    وتناول بحث الدكتورة حمدة الشريم اهتمام التشريعات القانونية بدولة قطر بهذه الشريحة، وذلك بالإشارة إلى الدستور الدائم لدولة قطر، في حمايته لحقوق الطفل بشكل عام، وفئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال سن القانون رقم (2) لسنة 2004، وبيان حقوقهم في 14 مادة، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (14) لسنة 2014.
  • وأبرز بحث الدكتور محمد الزيادي القواعد الأساسية التي حددتها الشريعة الإسلامية لرعاية الطفولة، ووجوب البناء عليها، موضحًا التباين الواسع في فهم تعاليم الإسلام القائمة على مبدأ الإلزام العقدي والخلقي، وهي أساس بناء المجتمع الإسلامي الأول، الذي يُعد النموذج الذي بُنيت عليه الحضارة الإسلامية. كما أشار إلى افتقار هذا المبدأ في القوانين والمواثيق الدولية، مما جعلها تنتهك قضايا الطفولة، وتطرّق إلى نتائج الفكر الإسلامي في التراث العلمي الكبير في مجال الطفولة وتناوله لجميع القضايا ذات العلاقة بحياة الطفل، والتي لا نظير لها في الفكر الإنساني.

أما محور حماية الأطفال من الابتزاز والتنمر والعنف والتحرش والإهمال والسلامة الرقمية، فقد تناولت الأبحاث هذه المصطلحات بالتفصيل، مع التوسع في بعض منها، وذكرت أنواع كل واحد من هذه السلوكيات العدوانية، وأسبابها وأخطارها على الطفل، وضرورة حمايته منها.

فالابتزاز هو القيام بالتهديد بكشف معلومات معينة عن شخص، أو فعل شيء لتدمير الشخص المهدَّد، إن لم يقم المهدَّد بالاستجابة لبعض هذه المطالب، التي قد تكون محرجة أو ذات طبيعة مدمرة اجتماعيًا.
والتنمر هو الاعتداء المتكرر المقصود، سواء كان جسديًا كالضرب، أو اجتماعيًا كالنبذ وسوء المعاملة، أو لفظيًا كالتنابز بالألقاب.
والعنف هو ما يفعله المرء بغيره بغير رضاه، وهو ما يُلحِق بالإنسان ضررًا أو أذى، وله أنواع متعددة منها: العنف الجسدي، والعنف الجنسي، والعنف العاطفي، والعنف النفسي، والعنف الإلكتروني، والعنف اللفظي.
والتحرش هو سلوك لا أخلاقي صادر من شخص قوي تجاه شخص أضعف، بغض النظر عن الجنس أو الفئة العمرية أو مكان وقوع هذا السلوك، ويكون جسديًا أو لفظيًا، وغير مرغوب فيه من الطرف الضعيف.

الجلسة العلمية الثانية: دليل الاستصحاب وتطبيقاته المعاصرة

دليل الاستصحاب وتطبيقاته المعاصرة موضوع أصولي له أبعاد تطبيقية معاصرة، لذلك تناوله الباحثون خلال مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي بعناية، بدءًا بالتعريف به، وصولًا إلى التطبيقات العملية المستجدة.
أما من حيث مفهومه، فقد اتفقت غالبية الأبحاث على تعريفه بأنه عبارة عن الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناءً على ثبوته في الزمان الأول.
واتفقت الأبحاث كذلك – في الجملة – على أنواع الاستصحاب وأقسامه، ومنها:

  • استصحاب العدم الأصلي أو البراءة الأصلية أو براءة العدم الأصلي: وهو نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع. ونطاق هذا النوع من الاستصحاب هو براءة الذمة من التكاليف الشرعية والحقوق المالية حتى يقوم الدليل على شغلها بالتكليف.
  • استصحاب حكم الإباحة الأصلية: وهو استصحاب ما لم يرد من الشارع فيه نص صريح أو دلالة، فبقي على الأصل وهو الإباحة. ويفيد هذا النوع أن أفعال العباد غير محكوم عليها من الشرع، فلا تتصف بوجوب ولا حظر ولا ندب، وإنما تكون على الإباحة العقلية. ومن داخل هذا النوع اختلف الأصوليون في حكم الانتفاع بالأشياء والأعيان قبل ورود الشرع.
  • استصحاب ما دل الشرع على ثبوته: وهو في حقيقته تمسّك بدليل عقلي أو شرعي، وليس راجعًا إلى عدم الدليل. وقد قسّمه الدكتور مسفر القحطاني في بحثه إلى نوعين: الأول، استصحاب عموم النص حتى يرد تخصيص. الثاني، استصحاب العمل بالنص حتى يرد ناسخ. والاتفاق أيضًا واقع على صحة العمل بهذا النوع، لأن الأصل هو عموم النص وبقاء العمل به، ولكن ورد خلاف في تسميته استصحابًا.
  • استصحاب حكم الإجماع في محل الخلاف: وصورته أن يتفق المجتهدون على حكم حادثة، ثم يختلفون فيها بعد ذلك لتغيّر صفة المجمع عليه، ويستصحب المستدل ذلك الحكم بعينه في الحالة المتغيرة، وهذا محل خلاف.
مؤتمر يتضمن متحدثًا على منصة أمام جمهور كبير في قاعة فسيحة، مع أعلام دول متعددة معروضة في الخلفية. المقاعد مرتبة بشكل جيد مع حضور رجال يرتدون الملابس التقليدية البيضاء. إضاءة مناسبة وسقف مزخرف يضيف لمسة من الفخامة.
مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة 26 بالدوحة

أما من حيث حجية دليل الاستصحاب، فهو من الأدلة التبعية أو المسالك الاجتهادية التي ذهب جماهير الأصوليين من المذاهب الثلاثة إلى الاحتجاج بها مطلقًا في النفي والإثبات.
وذهب أكثر متأخري الحنفية إلى الاحتجاج به في مقام الدفع لا الاستحقاق، فهم يرون أن الاستصحاب يصلح لنفي المغير في الحالة الثابتة سابقًا، لكنه لا يستخدم لإنشاء حكم جديد بناء على حكم سابق.

وقد تنوعت التطبيقات، فشملت العبادات والمعاملات والأغذية والنوازل الطبية والمالية، وعلى سبيل المثال:

  • في باب العبادات: طهارة المياه المتنجسة، الوضوء من تشريح الميت.
  • في فقه الأحوال الشخصية: حكم الإنفاق على المرأة العاملة، حكم الشك في الطلاق، مسألة بنوك الحليب، وحكم المفقود.
  • في المعاملات المالية: إبرام العقود بالوسائل الحديثة، حكم العملات المشفرة، وحكم السرقات العلمية.
  • في باب الجنايات: رفع الأجهزة عن المريض، حكم إجراء التجارب الطبية على المحكوم عليهم بالقتل قصاصًا.
  • في نوازل الأقضية: نفي النسب باستخدام البصمة الوراثية.

الجلسة العلمية الثالثة: الذكاء الاصطناعي: أحكامه وضوابطه وأخلاقياته

اتفقت الأبحاث المقدمة في هذه الدورة على تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه فرع من فروع علوم الحاسب الآلي، صنعه الإنسان ببرمجيات معينة، وأودعها في الآلات، يحاكي بها الذكاء البشري في التعلم والحفظ والتحليل والاستنباط وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
واتفق الباحثون على أن الأصل في حكم إنشاء الذكاء الاصطناعي واستخداماته الإباحة، وتسري عليه الأحكام التكليفية الخمسة من حيث الجملة، وذلك بالنظر إلى مضمونه، وما يكون وسيلة لتحقيقه.
وإنما اختلف الباحثون في الأحكام التفصيلية، ويشتمل ذلك على ثلاثة فروع:

الفرع الأول: الحكم الشرعي في تصنيع الذكاء الاصطناعي على صورة إنسان أو حيوان

وللباحثين في هذا اتجاهان إجمالًا:

  • الإتجاه الأول :تحريمه إذا كانت تلك التماثيل مكتملة الهيئة، مشابهة للإنسان وغيره من ذوات الأرواح، وقد نص بعضهم على استثناء حالة الحاجة أو الضرورة. أما إذا كانت تلك التماثيل غير مكتملة، بأن كانت ناقصة عضوًا أو أكثر، مما لا تبقى معه الحياة في ذي الروح، فهو مباح.
  • الاتجاه الثاني: إباحته، سواء في ذلك المكتملة والناقصة، وهو رأي باحث واحد.

الفرع الثاني: الأهلية والضمان وعلاقتهما بالذكاء الاصطناعي

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: ثبوت الأهلية أو عدمها

للباحثين ثلاثة اتجاهات:

  • الإتجاه الأول: رأي جمهور الباحثين أن الأهلية لا تثبت إلا للآدميين، لأنهم المخاطبون بكلام الشارع، وعليه فالآلات التي تتمتع بذكاء اصطناعي لا أهلية لها، وتُلحق بالحيوانات العجماوات، حتى وإن كانت مستقلة وذاتية التشغيل.
  • الاتجاه الثاني: ثبوت أهلية الوجوب والأداء له، على غرار الشخصية الاعتبارية أو الشخصية الطبيعية أحيانًا، لقدرته على اتخاذ القرارات دون تدخل بشري. وعليه، رأى بعض الباحثين ضبط المسؤولية بعدم الانفصال الكلي أو استقلالية الذكاء الاصطناعي عن الشخصية الطبيعية، تخريجًا على الرقيق وأحكامهم.
  • الاتجاه الثالث: اعتباره شخصية اعتبارية خاصة، ونمطًا جديدًا خارجًا عن السائد في المجال القانوني، وتُراعى خصوصية المجال، وهو رأي أحد الباحثين عند تكييفه للوكيل الذكي.

أما الفرع الثاني، وهو أحكام الضمان في بعض مجالات الذكاء الاصطناعي، فاقتصر على عنصرين، مع ضرورة استحضار الخلاف في الأهلية.

العنصر الأول: الضمان في مجال النقل والمواصلات البرية والبحرية والجوية

الحكم فيها في الحقيقة متقارب، وأغلب الباحثين على أن الحكم فيها على التفصيل الآتي:

  • إن كان المتسبب في الضرر خللًا في برامج القيادة الذاتية، أو في تصنيع الذكاء الاصطناعي أو برمجته، فإن التسبب في الإتلاف موجب من موجبات الضمان، وعليه، فإن المصنع هو من يتحمل المسؤولية والضمان.
  • وإن حصل الضرر بسبب تهاون وتقصير مالك السيارة في إجراء الصيانة وتعهدها، فعليه الضمان.
  • وإن كان المتسبب في الضرر قائد السيارة، فهو على حالين.

العنصر الثاني: الضمان في المجال الطبي

تكاد آراء الباحثين تتفق على تخريجها على أحكام ضمان الطبيب ومسؤوليته، والتي لا تخرج إجمالًا عن قرار مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في هذا الشأن.

الفرع الثالث: حكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء والقضاء والتجارة

وفيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: حكم استخدامه في الإفتاء

أطبقت آراء الباحثين على التفصيل، وأساس التعليل في ذلك أن الفتاوى ترتبط بظروف المستفتي زمانًا ومكانًا وحالًا ومالًا وعُرفًا، وفتح مناطاتها لا يستطيعها الذكاء الاصطناعي، علاوة على أن الشروط المقررة في من يفتي محلها المكلَّف لا الآلة.

المسألة الثانية: أن يكون الذكاء الاصطناعي مستقلًا استقلالية جزئية، ويكون بإشراف العنصر البشري

وهو غالبًا ما يكون على صورة خدمة لتخزين البيانات وجمعها والتبويب. وقد اتفق الباحثون على إباحة ذلك، بل لم يستبعد أحد الباحثين أن ينضم “الروبوت المفتي” مستقبلًا كعضو فاعل في المجامع الفقهية.
وقد أشار بعض الباحثين إلى أن المجالات التي يُشترط لقبولها التكليف، كالعبادات، لا يحل إسنادها للذكاء الاصطناعي، لأنها ليست محلًا للتكليف.

المسألة الثالثة: حكم استخدامه في القضاء

جاءت آراء الباحثين مفصلة في ثلاثة عناصر:

  • العنصر الأول: حكم توليه القضاء

توافقت كلمة الباحثين على تحريم ذلك، لاختلال شروط القاضي فيه، ولأن الاستبصار بالشبهات الدارئة للحدود أمر عسير، فقد يرجع إلى تفرس القاضي في المدعي والمدعى عليه، والنظر في مآلات الأفعال، وليس ذلك للآلة.

  • العنصر الثاني: حكم استخدامه في طرق الإثبات

بناءً على أن طرق الإثبات عند بعض العلماء غير محصورة في طريق أو طرق معينة يتقيد بها القاضي أو الخصوم، فقد تبنّى بعض الباحثين هذا الرأي، واعتبروا تقنيات الذكاء الاصطناعي قرينة راجحة في الإثبات، وهو ما يعممه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الإثبات بالقرائن والإمارات.

  • العنصر الثالث: حكم استخدامه كمساعد للقاضي

فيما يتعلق بكتابة القضايا وترتيبها والتأكد من وثائق الشهود وما شابه، وقد اتفقت آراء الباحثين على إباحة ذلك.

حكم استخدامه في التجارة

عن طريق إبرام العقود التجارية بواسطة الوكيل الذكي، وهو برمجة ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، لتحل في التجارة الإلكترونية محل الشخص الطبيعي في كل شيء: عرضًا للسلعة، وبيعًا، وشراءً.
وقد اختلفت آراء الباحثين حيال الحكم على هذه الصورة على رأيين:

  • الرأي الأول: المنع

بناءً على ما يذكره الفقهاء في شروط التكليف، فإن هذه الآلات ليس لها أهلية وجوب، ولا أهلية أداء.

  • الرأي الثاني: الإباحة

بناءً على القول بإمكان إسناد شخصية اعتبارية خاصة للوكلاء الأذكياء، أو حتى على القول بتبعية أهليتهم للمستفيد من الخدمة.