مناسك الحج هي أفعال الحج وشعائره وما يشتمل عليه من أركان وواجبات ومستحبات، أشار إليها القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا ‌قَضَيْتُمْ ‌مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]،  وجاء في الحديث الشريف: (خذوا عني مناسككم)، إرشاد الصحابة والمؤمنين إلى اتباع خطواته  في أفعال الحج والعمرة، بدءا من الإحرام بالعمرة الميقات، فالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ثم الحلق أنم التقصير.

وأما الحج فهو أن يحرم من الميقات، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف، ويسعى ، ويكمل أفعال الحج. وقد صنف الفقهاء أجزاء علمية جامعة وخاصة بمناسك الحج، ولابن تيمية كتاب خاص بعنوان مناسك الحج، يشرح فيه بعض دقائق المسائل التي يحتاج إليها الحاج غالبا وهو يتدرج بين أفعال الحج، نستكشف مباحثه بشكل مختصر.

فضل الحج

ثبت في فضل الحج أحاديث كثيرة تنوه على أهمية الحج في الدين ومكانته في الإسلام، وعظم الأجر والثواب للحج المبرور ومن فضائل الحج ما يأتي:

  1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : “من حجّ هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه” (متفق عليه)، وفي لفظ لمسلم: “من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه”، وهذا اللفظ يشمل الحج والعمرة.
  2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله  قال: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (متفق عليه). والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفِّيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي، والمبرور مأخوذ من البرّ، وهو الطاعة، والله أعلم.
  3. وقال النبي  لعمرو بن العاص رضي الله عنه: “أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله” (صحيح مسلم).
  4. وسُئِلَ النبي : “أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور” (صحيح البخاري).
  5. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : “تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة” (الترمذي بإسناد صحيح).
  6. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: “نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة” (ابن ماجه وأحمد بسند صحيح)، وعند النسائي: “… ولَكنَّ أحسن الجهاد وأجمله، حج البيت حج مبرور”.

وهناك فضائل أخرى غير هذه لا تحصل إلا لمن أخلص عمله لله، وأدّى حجه أو عمرته على هدي رسول الله ، فهذان شرطان لابد منهما في قبول كل قول وعمل.

متى شرع الحج؟

الحج فرض على الصحيح في أواخر سنة تسع من الهجرة، وأن آية فرضه هي قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97]، وهذه السورة نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء، وأنه لم يؤخر الحج بعد فرضه عاماً واحداً، وإنما أخره عليه السلام للسنة العاشرة لعذر، وهو نزول الآية بعد فوات الوقت، فكان حجه بعد الهجرة حجة واحدة سنة عشر، كما روى أحمد ومسلم.

شروط وجوب الحج

يجب الحج والعمرة بخمسة شروط وهي:

  1. الإسلام؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]؛ ولأنه لا يصح منهم ذلك، ومحال أن يجب ما لا يصح.
  2. العقل، فلا حج ولا عمرة على مجنون كسائر العبادات إلا أن يفيق؛ لقول النبي : “رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم” (رواه أبو داود وغيره وسنده صحيح).
  3. البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث السابق، ولكن لو حج الصبي صح حجه، ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما “أن امرأة رفعت إلى النبي صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر” (صحيح مسلم).
  4. كمال الحرية، فلا يجب الحج على المملوك، ولكنه لو حج فحجه صحيح، ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لقوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما “وأيّما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى” (الشافعي وغيره وهو صحيح).
  5. الاستطاعة، فالحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً، بنص القرآن والسنة المستفيضة، وإجماع المسلمين، ولكن لو حج غير المستطيع كان حجه مجزئاً.

شرط حج المرأة

وشرط خاص بالمرأة: وهو وجود المحرم؛ لقول النبي : “لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: انطلق فحج مع امرأتك” (متفق عليه).

فلا يجب على المرأة أن تسافر للحج، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج أو ذي محرم، لكن لو حجت المرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض، مع معصيتها، وعظيم الإثم عليها.

فمن كملت له شروط الحج المذكورة، وجب عليه أن يحج على الفور، ولم يجز له تأخيره.

ماذا تفعل قبل الذهاب إلى الحج؟

هناك مجموعة من الآداب الشرعية يلتزمها كل من يريد أن يسافر إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، وهي مما ينبغي أن يفعل قبل الذهاب إلى الحج من باب الاستحباب والسنة. ولا تقتصر هذه الآداب على من يريد الحج فقط، بل يمتثلها كل من خرج مسافرا، لذلك هي آداب عامة ذكرها العلماء منهم الغزالي والنووي وغيرهما، ومجمل هذه الآداب كما يلي:

  • المشاورة: يستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في حجه، وعلى المستشار أن يبذل له النصيحة، فإن المستشار مؤتمن والدين النصيحة.
  • الاستخارة: ينبغي إذا عزم على الحج أو غيره أن يستخير الله تعالى، فيصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول بعدها:

“اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن ـ ذهابي إلى الحج في هذا العام ـ خير في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به”.

ويستحب أن يقرأ في هذه الصلاة بعد الفاتحة في الركعة الأولى (الكافرون) وفي الثانية (الإخلاص). ثم ليمض بعد الاستخارة لما ينشرح إليه صدره.

  • التوبة ورد المظالم والديون: إذا عزم على السفر تاب من جميع المعاصي ورد المظالم إلى أهلها، وقضى ما أمكنه من ديونه، ورد الودائع، وطلب المسامحة ممن كان يعامله أو يصاحبه.
  • يُستحبّ أن يكتب وصيته، وما له وما عليه، فالآجال بيد الله تعالى، قال الله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]، وقال النبي : “ما حقّ امرئٍ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده” (متفق عليه)، ويكتب وصيته ويشهد عليها، ويوكل من يقضي عنه ديونه ما لم يتمكن من وفائها، ويترك لأهله ما يحتاجونه من نفقة.
  • إرضاء الوالدين والزوج: يجتهد في إرضاء والديه وكل من يبره، وتسترضي المرأة زوجها وأقاربها، ويستحب للزوج أن يحج مع امرأته.
  • كون النفقة حلالاً: ليحرص على أن تكون نفقته حلالاً خالصة من الشبهة، فإن حج بما فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه عند الجمهور، لكنه ليس حجاً مبروراً. وقال أحمد: لا يجزيه الحج بمال حرام.
  • الاستكثار من الزاد الطيب والنفقة: يستحب الاستكثار منهما ليواسي منه المحتاجين، ولقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة:267] والمراد بالطيب هنا: الجيد، وبالخبيث: الرديء.
  • ترك المماحكة في الشراء: يستحب ذلك بسبب الحج وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
  • عدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة: يستحب ذلك إيثاراً للسلامة من المنازعات.
  • تحصيل مركوب قوي مريح: يستحب ذلك، والركوب في الحج أفضل من المشي في المذهب الصحيح للشافعية، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله حج راكباً، وكانت راحلته زاملته. والزاملة: البعير الذي يُحمل عليه الطعام والمتاع.
  • تعلم كيفية الحج: لا بد إذا أراد الحج أن يتعلم كيفيته، وهذا فرض عين، إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها. ويستحب أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في مناسك الحج، وأن يديم مطالعته، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده.
  • اصطحاب الرفيق: ينبغي أن يطلب له رفيقاً موافقاً، راغباً في الخير، كارهاً للشر، إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه.

ويحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه، ويتحمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر على ما وقع منه أحياناً من جفاء ونحوه. وقد كره الرسول الوحدة في السفر، وقال: “الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب”(رواه أحمد بسند صحيح)

وإذا ترافق ثلاثة أو أكثر أمَّروا على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً، لحديث “إذا كانوا ثلاثة فليؤمِّروا أحدهم” (رواه أبو داود بسند حسن).

  • التفرغ للعبادة والإخلاص: يستحب أن يتفرغ للعبادة، خالياً عن التجارة؛ لأنها تشغل القلب، فإن اتجر مع ذلك صح حجه، لقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} [البقرة: 198]، ويريد بعمله وجه الله تعالى، لقوله سبحانه {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5]. وقوله عليه السلام: “إنما الأعمال بالنيات”.
  • الوداع: يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يودعوه ويستسمحهم، ويقول كل واحد منهم لصاحبه: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت”.  (أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما والحديث صحيح)
  • الدعاء عند الخروج من البيت: السنة إذا أراد الخروج من بيته أن يقول ما صح عن رسول الله : “اللهم إني أعوذ بك من أن أَضل أو أضل، أو أَزل أو أزل، أو أَظلم أو أظلم، أو أَجهل أو يجهل علي” (أخرجه الترمذي وسنده صحيح).

وعن أنس أن النبي قال: “إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: هديت وكفيت ووقيت” (رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح).

 ويستحب له أن يتصدق بشيء عند خروجه، وكذا بين يدي كل حاجة يريدها.

  • الدعاء عند الركوب: يستحب إذا أراد الركوب أن يقول: (بسم الله) وإذا استوى على دابته قال: (الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين (1)، وإنا إلى ربنا لمنقلبون).

ثم يقول: (الحمد لله) ثلاث مرات (الله أكبر) ثلاث مرات.

ثم يقول: (سبحانك، اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) للحديث الصحيح في ذلك.

ويستحب أن يضم إليه: “اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا واطْوِعنا بُعْده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال. اللهم إنا نعوذ بك من وَعْثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد” للحديث الصحيح في ذلك.

  • التقشف والرفق في السفر: أن يتجنب الشبع المفرط والزينة والترفه والتبسط في ألوان الأطعمة، فإن الحاج أشعث أغبر، روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر قال: ” قام رجل إلى النبي فقال: من الحاج؟ قال: الشَعِث التفِل” (ابن ماجه وهو حسن لغيره).

وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الناس، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في الطريق وموارد الماء إذا أمكنه ذلك.

ويصون لسانه من الشتم والغيبة ولعن الدواب وجميع الألفاظ القبيحة، للحديث: “من حج فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.

  • عدم اصطحاب الكلب أو الجرس: يكره أن يستصحب كلباً أو جرساً، لقوله : “إن العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة” (أخرجه أحمد بسند صحيح)

 وقوله: “لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس” (صحيح مسلم).

و “الجرس مزمار الشيطان” (أبو داود وأحمد بسند صحيح).

  • التكبير والتسبيح: السنة التكبير عند العلو، والتسبيح عند الهبوط في وادٍ ونحوه، بدون رفع الصوت.
  • الدعاء عند رؤية بلد: يستحب إذا أشرف على قرية أو منزل يقول: “اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها”[1].
  • الدعاء عند نزول منزل: السنة إذا نزل منزلاً أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) لحديث خولة بنت حكيم فيما رواه مسلم: “من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك.
  • الدعاء عند دخول الليل: السنة إذا جن عليه الليل أن يقول ما رواه أبو داود عن ابن عمر قال: “كان رسول الله إذا سافر، فأقبل الليل، قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وْسْود، والحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد” (حسنه ابن حجر).
  • الدعاء عند الخوف: إذا خاف قوماً أو إنساناً أوغيره، قال ما رواه أبو موسى الأشعري: “أن النبي كان إذا خاف قوماً، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم” (أحمد وأبو داود وسنده حسن).

ويستحب أن يكثر من دعاء الكرب هنا وفي كل موطن وهو: “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلاالله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم” (متفق عليه).

أركان وواجبات الحج

صنف العلماء أعمال الحج المختلفة التي هي مناسك الحج إلى أركان وواجبات حسب التفصيل الآتي:

ما هي أركان الحج؟

أركان الحج هي ما يطلب فعله ويحرم تركه وتتوقف عليه صحة الحج، وترك واحد منها يؤدي إلى فساد الحج مثل الإحرام والوقوف بعرفة وغيرها.

وأركان الحج في الجملة خمسة، اتفق العلماء على الاثنين منها واختلفوا في الثلاثة.

  • أما الأركان المتفق عليها فهي: الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة، وهما ركنان أساسيان من أركان الحج، اقتصر عليهما الحنفية ولم يعتد بما عداهما، أما بقية المذاهب الفقهية فقد زادوا علهذين الركنين.
  • الأركان المختلف فيها: الإحرام والسعي والحلق أو التقصير.

زاد المالكية والحنابلة على الركنين المتفق عليهما: الإحرام والسعي، فأركان الحج عند هؤلاء أربعة.

وأضاف الشافعية على ذلك كله: الحلق أو التقصير، لذلك أركان الحج عند علماء الشافعية خمسة.

ما هي واجبات الحج؟

واجبات الحج فهي ما يطلب فعله ويحرم تركه، لكن لا تتوقف صحة الحج عليه، ويأثم تاركه، إلا إذا تركه بعذر معتبر شرعا، ويجب عليه الفداء بجبر النقص. ويمكن تقسيم واجبات الحج حسب استقلال العمل أو دخوله في إطار عمل آخر إلى نوعين: واجبات أصلية وواجبات تابعة.

القسم الأول: الواجبات الأصلية

الواجبات الأصلية هي أمور أصلية في الحج وليست تابعة لغيرها وهي خمسة جملة:

  1. المبيت بالمزدلفة: اتفق الفقهاء على أن المبيت بالمزدلفة واجب ليس بركن.
  2. رمي الجمار: واجب في الحج، أجمعت الأمة على وجوبه. والرمي الواجب لكل جمرة (أي موضع الرمي) هو سبع حصيات بالإجماع أيضا.
  3. الحلق أو التقصير على المشهور: اتفق جمهور العلماء على أن حلق شعر الرأس أو تقصيره واجب من واجبات الحج، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
  4. المبيت بمنى ليالي أيام التشريق: وهو واجب عند جمهور الفقهاء، يلزم الدم لمن تركه بغير عذر. وذهب الحنفية إلى أن المبيت بها سنة، والقدر الواجب للمبيت عند الجمهور هو مكث أكثر الليل.
  5. طواف الوداع: يسمى طواف الصدر، وطواف آخر العهد، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن طواف الوداع واجب، وذهب المالكية إلى أنه سنة.

القسم الثاني: واجبات الحج التابعة لغيرها

واجبات الحج التبعية هي أمور يجب أداؤها في ضمن ركن من أركان الحج، أو ضمن واجب أصلي من واجباته.

واجبات الإحرام

  • كون الإحرام من الميقات المكاني، لا بعده
  • التلبية وهي واجبة عند المالكية ويسن قرنها بالإحرام، وشرط في الإحرام عند الحنفية، وسنة عند الجمهور
  • اجتناب محظورات الإحرام

‌‌واجبات الوقوف بعرفة

هي امتداد الوقوف إلى ما بعد المغرب على تفصيل المذاهب، سوى الشافعية فإنه سنة عندهم. وقال المالكية: الوقوف بعد المغرب هو الركن، وقبله واجب.

‌‌واجبات الطواف

  • ذهب الحنفية إلى أن الأشواط الثلاث الأخيرة من الطواف واجبة، وهي عند الجمهور ركن في الطواف.
  • أوجب الحنفية الأمور التالية في الطواف، وقال الجمهور هي من شروط صحة الطواف. وهذه الأمور هي:
  1. الطهارة من الأحداث والأنجاس.
  2. ستر العورة.
  3. ابتداء الطواف من الحجر.
  4. التيامن، أي كون الطائف عن يمين البيت.
  5. دخول الحجر (أي الحطيم) في ضمن الطواف.
  6. أوجب الحنفية الأمور التالية في الطواف وهي سنة عند غيرهم:
  7. المشي للقادر عليه.
  8. ركعتا الطواف.
  9. إيقاع طواف الركن في أيام النحر

ماذا أقول في بداية الطواف؟

يبدأ الطواف بالتكبير، كما ثبت في صحيح البخاري
 أن النبي : “طاف بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده (المحجن) وكبر”. 
ومن العلماء من زاد على ذلك فقال: يستحب أن يقول عند استلام الحجر الأسود أولاً، وعند ابتداء الطواف أيضاً: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك .
يقول النووي في كتاب الأذكار: ويستحب أن يكرر هذا الذكر عند محاذاة الحجر الأسود في كل شوط، ويقول في رمله في الأشواط الثلاثة: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفرواً، وسعياً مشكوراً.
ويقول في الأربعة الباقية: اللهم اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال الشافعي رحمه الله:  أحب ما يقال في الطواف (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة…. إلخ)

‌‌واجبات السعي

  • المشي للقادر عليه عند الحنفية. وذهب الجمهور إلى أنه سنة.
  • إكمال أشواط السعي إلى سبعة بعد الأربعة الأولى عند الحنفية، وكلها ركن عند الجمهور.

‌‌واجب الوقوف بالمزدلفة

أوجب الحنفية جمع صلاتي المغرب والعشاء تأخيرا في المزدلفة، وهو سنة عند الجمهور.

‌‌واجبات الرمي

يجب عدم تأخير رمي يوم لتاليه عند الحنفية، وإلى المغرب عند المالكية.

واجبات ذبح الهدي

  • أن يكون الذبح في أيام النحر.
  • أن يكون في الحرم.

‌‌واجبات الحلق والتقصير

  • كون الحلق في أيام النحر عند الحنفية والمالكية.
  • كون الحلق في الحرم عند الحنفية فقط.

‌‌ترتيب أعمال يوم النحر

يفعل الحاج بمنى يوم النحر ثلاثة أعمال على هذا الترتيب:

  • رمي جمرة العقبة
  • ذبح الهدي إن كان قارنا أو متمتعا
  • الحلق أو التقصير
  • ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الزيارة.

والأصل في هذا الترتيب هو فعله : عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى، فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه وفي حديث جابر: ثم ركب رسول الله فأفاض إلى البيت. (رواه مسلم)

وقد اختلف الفقهاء في حكم الترتيب بين هذه الأعمال على قولين:

القول الأول – ذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد إلى وجوب ترتيب أعمال يوم النحر على تفصيل فيه. واستدلوا بالحديث السابق.

القول الثاني – ذهب الشافعي والصاحبان ورواية عن أحمد إلى أن الترتيب سنة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو قال: أن رسول الله وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج” (رواه البخاري ومسلم). قالوا: هذا الحديث يدل بعمومه على سنية الترتيب.

من محظورات الحج

  • الفسوق: اسم للمعاصي كلها، ولا يختص بالسباب فقط.
  • الجدال وهو المراء في أمر الحج.

وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق. أما سائر المحظورات؛ كاللباس والطيب؛ فإنه وإن كان يأثم بها، إلا أنه لا تفسد الحج باتفاق.

الفدية والكفارة

يجوز أن يخرجها إذا احتاج إلى فعل المحظور قبله وبعده. ويجوز أن يذبح النسك قبل أن يصل إلى مكة. ويصوم الأيام الثلاثة متتابعة إن شاء، أو متفرقة إن شاء، فإن كان له عذر أخر فعلها، وإلا عجل فعلها.

كيف يتم أداء مناسك الحج؟

يتم أداء مناسك الحج من خلال اتباع الخطوات التالية بالتفاصيل التالية، اتباعا بأفعال النبي وهي كالتالي:

الإحرام بالحج أو العمرة

أول ما يفعله قاصد الحج أو العمرة إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك، ويفعل ذلك حين يصل إلى الميقات. والمواقيت المكانية خمسة:

  1. ذو الحليفة [2]،
  2. والجحفة[3]،
  3. وقرن المنازل[4]،
  4. ويلملم[5]،
  5. وذات عرق[6].

ومن وافى الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين أنواع الحج الثلاثة: التمتع والإفراد، والقران. إن شاء أحرم بعمرة، فإذا حل منها أهل بالحج، وهذا الذي يختص باسم التمتع. وإن شاء أحرم بهما جميعا، أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف؛ وهو القران.وإن شاء أحرم بالحج مفردا، وهو الإفراد.

نية الإحرام

فإذا أراد الإحرام:

  • فإن كان قارنا قال: لبيك عمرة وحجا.
  • وإن كان متمتعا قال: لبيك عمرة.
  • وإن كان مفردا قال: لبيك حجة.

ولا يجب التلفظ بالنية باتفاق العلماء، بل متى لبى قاصدا للإحرام؛ انعقد إحرامه باتفاق المسلمين. ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء. ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصدا للنسك، ولم يسم شيئا بلفظه، ولا قصد بقلبه لا تمتعا ولا إفرادا ولا قرانا؛ صح حجه أيضا، وفعل واحدا من الثلاثة.

من مناسك الحج الإحرام

سنن الإحرام

  • يستحب أن يحرم عقب صلاة؛ إما فرض، وإما تطوع إن كان وقت تطوع، في أحد القولين من العلماء، وفي الآخر إن كان يصلي فرضا أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، وهذا أرجح.
  • ويستحب أن يغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء أو حائضا.
  • وإن احتاج إلى التنظيف؛ كتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ونحو ذلك؛ فعل ذلك.
  • ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهو أفضل، ويجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة؛ من القطن والكتان والصوف. والسنة أن يحرم في إزار ورداء.
  • والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر، فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين.

من محظورات الإحرام

  • نهي النبي   المحرم أن يلبس القميص والبرنس والسراويل والخف والعمامة
  • ونهى النبي  أن يغطي الرأس بمخيط ولا غيره، فلا يغطيه بعمامة أو كوفية أو قلنسوة إلا لحاجة، ونهاهم كذلك أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت.
  • وأمر من أحرم في جبته أن ينزعها عنه، فما كان من هذا الجنس من القميص والبرنس والخف فهو في معنى ما نهى عنه النبي .
  • ولا يجوز لبس ما كان في معنى الخف؛ كالموق والجورب ونحو ذلك.
  • ولا يجوز أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه، أو يتعمد لشم الطيب.
  • وينهى المحرم عن تقليم الأظفار بعد الإحرام ولا قطع الشعر.
  • ولا يَنكَح المحرم ولا ينكِحُ، ولا يخطب.
  • ولا يصيد صيدا بريا، ولا يتملكه بشراء ولا اتهاب، ولا غير ذلك.
  • ويحرم على المحرم الجماع أو مقدماته وهي القبلة أو المس بشهوة أو النظر بشهوة. ويفسد الحج بشيء من هذا الجنس.
  • أما المرأة المحرمة فإنها عورة فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تسترها، وتستظل بالمحمل، لكن نهاها النبي  أن تنتقب أو تلبس القفازين. ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه؛ جاز بالاتفاق. وإن كان يمسه: فالصحيح أنه يجوز -أيضا[7].
  • وليس للمحرم أن يلبس شيئا مما نهى النبي  عنه إلا لحاجة  مثل: البرد أو مرض ونحوهما، وعليه أن يفتدي؛ إما بصيام ثلاثة أيام، وإما بنسك شاة، وإما بإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من تمر أو شعير، أو مد من بر.

ماهي تلبية رسول الله  ؟

إذا أحرم لبى بتلبية رسول الله : “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.

ويلبي من حين يحرم، سواء ركب دابته  أو لم يركبها. ويستحب الإكثار منها عند اختلاف الأحوال، مثل: أدبار الصلوات، وإذا صعد نشزا، أو هبط واديا، أو سمع ملبيا، أو أقبل الليل والنهار، أو التقت الرفاق، وكذلك إذا فعل ما نهي عنه. وإن دعا عقيب التلبية، وصلى على النبي ، وسأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من سخطه والنار؛ فحسن.

دخول مكة

إذا أتى مكة جاز أن يدخل مكة والمسجد من جميع الجوانب، لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة؛ اقتداء بالنبي .

دخول المسجد الحرام

وكان النبي  إذا رأى البيت رفع يديه وقال: “اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما”.

وكان النبي  بعد أن دخل المسجد ابتدأ بالطواف، ولم يصل قبل ذلك تحية  المسجد، ولا غير ذلك، بل تحية المسجد الحرام هو الطواف بالبيت. وإذا دخل المسجد الحرام: بدأ بالطواف، فيبتدئ بالحجر الأسود؛ يستقبله استقبالا، ويستلمه، ويقبله إن أمكن، ولا يؤذي أحدا بالمزاحمة عليه، فإن لم يمكن: استلمه وقبل يده، وإلا أشارإليه.

الطواف بالبيت

ثم ينتقل للطواف، ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعا، ولا يخترق الحجر في طوافه؛ لأن أكثر الحجر من البيت، والله أمر بالطواف به لا بالطواف فيه.

الرمل والاضطباع في أشواط الطواف الثلاثة الأول

يستحب للحاج في الطواف الأول:

  • أن يرمل من الحجر إلى الحجر في الأطواف الثلاثة، والرمل: مثل الهرولة، وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطى، فإن لم يمكنه الرمل للزحمة؛ كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل، وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السنة فهو أولى[7].
  • ويستحب أن يضطبع في هذا الطواف. والاضطباع: هو أن يبدي ضبعه الأيمن، فيضع وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر.
  • وإن ترك الرمل والاضطباع؛ فلا شيء عليه.
  • ويستحب له في الطواف: أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرا فلا بأس.
  • ولا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك، وهذا باتفاق العلماء. ولو قدمت المرأة حائضا؛ لم تطف بالبيت، لكن تقف بعرفة، وتفعل سائر المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك، ثم تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف فطافت؛ أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء.

ركعتا الطواف

فإذا قضى الطواف؛ صلى ركعتين للطواف، وإن صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أحسن، ويستحب أن يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص: {قل يا أيها الكافرون}، و {قل هو الله أحد}، ثم إذا صلاهما استحب له أن يستلم الحجر. ثم يخرج إلى الطواف بين الصفا والمروة، ولو أخر ذلك إلى ما بعد طواف الإفاضة؛ جاز.

السعي بين الصفا والمروة

إذا خرج الحاج للسعي خرج من باب الصفا، وكان النبي  يرقى على الصفا والمروة. فيطوف بالصفا والمروة سبعا؛ يبتدئ بالصفا، ويختم بالمروة، فينتهي طوافه عند المروة.

ويستحب أن يسعى في بطن الوادي؛ من العلم إلى العلم، وهما معلمان هناك، وإن لم يسع في بطن الوادي، أجزأه باتفاق العلماء، ولا شيء عليه. فإذا طاف بين الصفا والمروة؛ حل من إحرامه، كما أمر النبي  أصحابه لما طافوا بهما أن يحلوا، إلا من كان معه هدي فلا يحل حتى ينحره. والمفرد والقارن لا يحلان إلا يوم النحر.

القصر والحلق

ويستحب للحاج أن يقصر من شعره ليدع الحلاق للحج، وكذلك أمرهم النبي . وإذا حل جاز له ما حرم عليه بالإحرام.

يوم التروية

وتستكمل مناسك الحج فإذا جاء يوم التروية أحرم وأهل بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، إن  شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة. والسنة أن يبيت الحاج بمنى، فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس، كما فعل النبي .

الوقوف بعرفة

ومن مناسك الحج سير الحجاج من منى إلى نمرة يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فيقيمون بها إلى الزوال، كما فعل النبي .

ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي، وهو موضع النبي  الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطب، وهو في حدود عرفة ببطن عرنة. فيصلي هناك الظهر والعصر قصرا وجمعا، كما فعل رسول الله ، ويصلي خلفه جميع الحاج؛ أهل مكة وغيرهم، قصرا وجمعا، يخطب بهم الإمام.

ويقف الحجاج بعرفات إلى غروب الشمس، لا يخرجون منها حتى تغرب الشمس، وإذا غربت خرجوا. – ولم يعين النبي  لعرفة دعاء ولا ذكرا، بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية (الأدعية المأثورة في الحج)، وكذلك يكبر، ويهلل، ويذكر الله تعالى حتى تغرب الشمس.

وقفة يوم عرفة
وقفة يوم عرفة

الإفاضة من عرفات

من مناسك الحج الإفاضة من عرفات وذلك إذا أفاض الحاج من عرفات ذهب إلى المشعر الحرام، فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة، ولا يزاحم الناس، بل إن وجد خلوة أسرع.

المبيت بمزدلفة

ومن مناسك الحج إذا وصل الحاج إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء، ويبيت بمزدلفة، ومزدلفة كلها يقال لها: المشعر الحرام.

يوم النحر وهو يوم العيد

فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى، فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ويرفع يده في الرمي، وهي الجمرة التي هي آخر الجمرات من ناحية منى، وأقربهن من مكة، وهي الجمرة الكبرى، ولا يرمي يوم النحر غيرها، يرميها مستقبلا لها.

  • ويستحب أن يكبر مع كل حصاة، وإن شاء قال مع ذلك: «اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا».
  • ولا يزال يلبي في ذهابه من مشعر إلى مشعر؛ مثل: ذهابه إلى عرفات، وذهابه من عرفات إلى مزدلفة حتى يرمي جمرة العقبة، فإذا شرع في الرمي قطع التلبية؛ فإنه حينئذ يشرع في التحلل.
  • فإذا رمى جمرة العقبة: نحر هديه إن كان معه هدي.
  • ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير.
  • وإذا فعل ذلك: فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول، فيلبس الثياب، ويقلم الأظفار، وكذلك له – على الصحيح – أن يتطيب، وأن يتزوج، وأن يصطاد، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا الجماع.

طواف الإفاضة

ومن مناسك الحج أن يتوجه الحاج إلى مكة؛ فيطوف طواف الإفاضة إن أمكنه ذلك يوم النحر، وإلا فعله بعد ذلك، لكن ينبغي أن يكون في أيام التشريق.

السعي للحج

ثم يسعى بعد ذلك سعي الحج، وليس على المفرد والقارن إلا سعي واحد. واختلف العلماء في الحاج المتمتع، ولعل الأصح انه يكتفي بالسعي الأول الذي فعله في عمرته قبل التحلل.

المبيت بمنى ورمي الجمرات أيام التشريق

ثم يرجع إلى منى فيبيت بها، ويرمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال، يبتدئ بالجمرة الأولى التي هي أقرب إلى مسجد الخيف، ويستحب أن يمشي إليها فيرميها بسبع حصيات. وهذه من مناسك الحج بعد يوم النحر.

من سنن الرمي

  • ويستحب له أن يكبر مع كل حصاة، وإن شاء قال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا».
  • ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلا إلى موضع لا يصيبه الحصى، فيدعو الله تعالى مستقبل القبلة، رافعا يديه، بقدر قراءة سورة البقرة.
  • ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرميها كذلك، يتقدم عن يساره، يدعو مثل ما فعل عند الأولى.
  • ثم يرمي الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات أيضا، ولا يقف عندها.
  • ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في الأول.
  • ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث، وهو الأفضل، وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس؛ كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى} [البقرة: 203]، فإن غربت الشمس وهو بمنى؛ أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث.
  • ويستحب ألا يدع الصلاة في مسجد منى -وهو مسجد الخيف- مع الإمام؛ فإن النبي  وأبا بكر وعمر كانوا يصلون بالناس قصرا بلا جمع بمنى.
رمي الجمرات
من مناسك الحج رمي الجمرات

طواف الوداع

وختام مناسك الحج بأن لا يخرج الحاج حتى يودع البيت، فيطوف طواف الوداع؛ حتى يكون آخر عهده بالبيت.

ماذا يقال عند انتهاء مناسك الحج؟

وإذا أراد الخروج من مكة إلى وطنه بعد انتهائه من مناسك الحج طاف للوداع، ثم يكثر في الدعاء ويجود في ذلك ويكثر من طلب خيري الدنيا والآخرة، عملا بقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (200) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 200-201].
ويستحب أن يأخذ بالدعاء الجامع الذي ورد من النبي ، فقد روى أنس، قال: كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله : “اللهُمَّ ربَّنا، آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار”. (رواه البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن السائب، “أنّه سمع النبي يقول فيما بين الرُّكْنِ اليَمانِيِّ والحجر: ربَّنا، آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار”»” (رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح).
ومن العلماء من زاد هذه الدعوات، قال النووي: ثم أتى الملتزم فالتزمه، ثم قال: اللهم، البيت بيتك، والعبد عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما
سخرت لي من خلقك، حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن ينأى عن بيتك داري، هذا أوان انصرافي، إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي خيري الآخرة والدنيا، إنك على كل شئ قدير.

دعاء لمن حج بيت الله؟

هناك دعاء يقال لمن حج بيت الله وقدم منه في حديث رواه البيهقي وحسنه ابن حجر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ” اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج

وروى سعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر أنه كان يقول للحاج إذا قدم: تقبل الله سعيك وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك.

قال في الموسوعة الفقهية: وذهب الشافعية إلى أنه يندب أن يقال للحاج أو المعتمر: تقبل الله حجك أو عمرتك وغفر ذنبك وأخلف عليك نفقتك.

الفرق بين حج القارن والمفرد والمتمتع

وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد، لكن عليه وعلى المتمتع هدي؛ إما بدنة، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم. فمن لم يجد الهدي: صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر، وسبعة إذا رجع إلى بلاده. إليكم مادة صوتية فيها مجمل مناسك الحج والعمرة :