الزكاة هي الركن الثالث الأساسي من أركان الإسلام الخمسة وفرض من فرائضه بدليل أدلة كثيرة من القرآن والسنة؛ كقول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة – الآية: 277].

وقول رسول الله : “بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا” [الألباني – تخريج مشكلة الفقر – الصفحة أو الرقم: 57 – صحيح].

والزكاة لها دور كبير في تحقيق التكافل الإقتصادي وتقليل الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء, وتجب في عدة أنواع من الأموال، بما في ذلك النقد، الزروع، المواشي، الذهب والفضة، وعروض التجارة، ويجب أن يكون المال قد بلغ النصاب ومرَّ عليه الحول (سنة هجرية كاملة)، وهي إحدى وسائل توزيع الثروة في الإسلام، وواجب شرعي على كل مسلم بلغ ماله النصاب.

الزكاة ليست مجرد مالٌ يُدفع، بل هي فرض إلهي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز التكافل بين أفراد المجتمع.

بإخراج الزكاة، يشعر المسلمون بأنهم يساهمون في تحسين حياة الفقراء والمساكين والمحتاجين، ويدركون قيمة المال في الدنيا والآخرة.

الزكاة تساعد على دعم المشاريع الخيرية، وتساهم في استقرار المجتمع من خلال تقديم المساعدة لمن هم في حاجة.

آثار ومنافع الزكاة

للزكاة آثار ومنافع عديدة على كافة المستويات الإجتماعية والإقتصادية والخُلُقية والنفسية وغيرها للفرد المسلم، ومنها ما يلي: 

  • إسعاد العبد في الدنيا والآخرة؛ والحصول على ثواب رباني كبير على أدائها من قبل المسلمين؛ كركن أساسي ثالث من أركان الإسلام الخمسة.
  • تقرِّب العبد من الله تعالى لكونها تجمع بين العبادة الروحية والبدنية في آن واحد.
  • تؤدي إلى محو خطايا المذنبين عند الله تعالى، يقول رسول الله : [ الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار] [أخرجه الإمام أحمد –رقم الحديث: 22069]. 
  • تحقق الكرم والسخاء والسماحة للفرد المسلم، واتصاف معطي الزكاة بصفات الرحمة والشفقة والرحمة على الآخرين من الفقراء والمساكين والمعوزين من المجتمع الإسلامي.
  • جلب الراحة النفسية وانشراح الصدر وعزة النفس للمزكين، وتطهير نفوس المزكين من الصفات الذميمة كالحقد والحسد والبخل والأنانية والحرص والشح والرذيلة والشر والطمع وعدم المبالاة بمعاناة الغير، يقول الله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[سورة التوبة-الآية:103] وكذلك تطهير أموال المزكين من حقوق الغير ومن الاكتناز .
  • مواساة الفقراء والمساكين والمعوزين في المجتمعات الإسلامية؛ واشباع حاجاتهم ؛ وسدّ متطلباتهم الضرورية.
  • زرع روح التعاون والتعاضد والمساعدة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وإزالة الحقد والضغينة عند الفقراء والمساكين تجاه الأغنياء؛ وعدم السماح بظهور بوادر التناحر والصراعات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع الإسلامي؛ والقضاء عليها إن ظهرت؛ لأنها تُطهِّر نفوس الفقراء والمحتاجين من الغيرة والحسد والكراهية تجاه أصحاب الدخول والثروات.
  • ظهور روحية المحبة والشفقة بين الأفراد والأسر والأقارب وسكان القرى والحضر.
  • حصول البركة والزيادة في أموال المزكين؛ يقول رسول الله صلى الله عليه: [ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ][صحيح مسلم-رقم الحديث:2588].
  • عدم السماح بجعل المال دُولة بين الأغنياء وحرمان الفقراء منه.خلق بيئة مناسبة وناضجة لتنفيذ العمليات التنموية في البلد الإسلامي؛ حيث تخلق الزكاة طلبًا كليًا فعّالًا على العرض الكلي في اقتصاد الدولة؛ وعلى مدار السنة؛ مما يعني وجود أرضية مناسبة بشكل دائم لتنفيذ العمليات التنموية في البلدان الإسلامية.
  • تحويل طبقة الفقراء والمساكين من طبقة لا يملكون شيئًا إلى طبقة يملكون مشاريع صناعية صغيرة يقومون بالإنتاج؛ وذلك من خلال تمليكهم مصانع ومشاريع صغيرة قائمة بأموال الزكاة -حسب فتاوى المجاميع الفقهية في البلاد الإسلامية-؛ ثم تحويلهم من فئة معدمة إلى أُناس يمتلكون وسائل إنتاج يستطيعون تدبير معيشتهم؛ وفي المستقبل تحولهم من أناس آخذين للزكاة إلى أناس معطين للزكاة.
  • تحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية؛ ثم إزدياد قوة التماسك داخل النظام الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الإسلامية.
  • خلق الرعاية الاجتماعية والكفالة للمحتاجين والمعوقين والقاصرين والأيتام والمقعدين والشيوخ والأطفال الرضع وغير المتزوجين والأرامل وغيرهم من المحتاجين، فالزكاة في الإسلام هي أول نظام عرفته البشرية حيث يعاد توزيع جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة والمحتاجة.
  • تحقيق آثـار كبيرة على الصعيد الإقتصادي وهي: الآثار التوزيعية والمتمثلة بتوفير حدّ الكفاية المجانية من المعيشة لكل فرد، وتخفيف التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس، والآثار التخصيصية والمتمثلة بالتخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية بين الاستعمالات المختلفة، و الآثار الاستقرارية والمتمثلة بالحدّ من آثار ومشاكل البطالة والتضخم والتقلبات الاقتصادية.
  • الزكاة تدفع رؤوس الأموال والمخزونات النقدية إلى المجالات الاستثمارية المختلفة حتى لا تتعطل وتُبعد عن العمليات التنموية في البلاد، وبالتالي استمرارية حلقات الاستثمار والتنمية بكل الأرصدة الموجودة لدى أفراد المجتمع وانقاذها من التآكل.
  • إنقاذ أموال المحجورين عليهم من الأطفال والسفهاء والمجانين والمعتوهين والأيتام وغيرهم، حيث يقوم أولياء أمورهم باستثمار أموالهم وتنميتها وإنقاذها من التعطيل والتآكل.
  • محاربة المشكلة الاقتصادية؛ ثلاثية الأبعاد وهي الفقر والمرض والجهل: إن الزكاة تؤدي الى ازدياد التوسع الاقتصادي الذي ينشأ عن انتشار وتوزيع الدخول النقدية وأموال المجتمع الإسلامي على جميع شرائحه المختلفة؛ وتحقيق مستوى حدّ الكفاية المعيشية للجميع؛ مما يعني ازدياد الامكانيات المادية والنقدية للفرد المسلم لإشباع جميع أنواع حاجاته الاقتصادية؛ ثم الاستثمار  في الرؤوس الأموال البشرية؛ ثم القضاء على هذه المشاكل في حياته الاجتماعية.   
  • تقوية ودعم الهيكل والبناء السكاني للمجتمع الاسلامي, وذلك من خلال دور الزكاة في التشجيع على الزواج ومحاربة العزوبة والعنوسة، ومساعدة الشباب اقتصادياً على الزواج والإنفاق عليهم لهذا الغرض, وتبغيض ظواهر الطلاق, والتحفيز على الإكثار من الأولاد والابتعاد عن ظواهر عدم الزواج وتحديد النسل الناشئ عن الخوف من الفقر والخشية من الإملاق.
  • تشجيع الاقتصاد الوطني نحو التنمية والتطور الاقتصادي من خلال خلق مضاعف الزكاة : إن الزكاة تؤدي إلى زيادة كل من الطلب الكلي الاستهلاكي والاستثماري، وهي تؤدي إلى خلق مضاعف الزكاة والمتمثلة بازديادات متتالية وعديدة أخرى لهذين الطلبين, وبالتالي حدوث توسعات وتنميات متشعبة الجوانب في الاقتصاد الوطني. 
  • قيام أصحاب رؤوس الأموال باستثمار أموالهم على هذين الشكلين: إما الاستثمار المباشر لها- أو استثمارها مضاربة مع الغير، وهذا يوفر فرص توظيف متنوعة وكثيرة تساعد في القضاء على البطالة،
  • والسبب في هذا يرجع إلى محاولتهم تجنب الاستثمارات المحرمة، وكذلك عدم لجوئهم إلى إيداع هذه الأموال لدى البنوك التقليدية الربوية، وبالتالي حدوث زيادات كبيرة في مستويات الاستثمار المسموح بها شرعًا في اقتصاد الدولة. 
  • تحقيق الكفاءة الاقتصادية وتخصيص موارد المجتمع بحسب الحاجات الحقيقية لأفراد المجتمع الإسلامي، والسبب في هذا يرجع إلى أن الدخول الفائضة للأغنياء توجه من خلال الزكاة نحو الضروريات في الاقتصاد القومي كمرتبة أولى، ثم في حالة إشباعها توجه نحو مرتبة ثانية أكبر منها وهي إشباع حاجات أفراد المجتمع، وإذا تم هذا توجه حينئذ نحو التحسينيات كمرتبة ثالثة. ويتم إشباعها أيضًا، إذن فإن الزكاة هي الوسيلة العملية والواقعية لإشباع جميع الحاجات الإنسانية غير المشبعة نحو السلع والخدمات، حيث يتم إشباع جميع الحاجات الاقتصادية بأنواعها الثلاثة المذكورة، وهو ما يعني التخصيص الأمثل للموارد المالية للمجتمعات الإسلامية، ومن ثم تحقيق الكفاءة الاقتصادية في توجيه واستهلاك وإنتاج واستثمار الموارد المالية للأمة على أمثل وأحسن وجه، وهذا تطبيق للقاعدة الأصولية التي تقضي بأنه [1]: والمقصد العام للشارع من تشريعه الأحكام هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ضرورياتهم، وتوفير حاجتهم وتحسينياتهم.فكل حكم شرعي ما قصد به إلا واحد من هذه الثلاثة التي تتكون منها مصالح الناس. ولا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي، لا يراعي حاجي ولا تحسيني إذا كان في مراعاة أحدهما إخلال بضروري”.  
  • زيادة العرض الكلي من السلع والخدمات المنتجة في الاقتصاد الوطني، فكما أن الزكاة تؤدي إلى زيادة الطلب الكلي، فإنها تؤدي إلى زيادة العرض الكلي أيضًا، لأن زيادة الدخول النقدية لدى الطبقات الفقيرة والمحتاجة عند أخذهم الزكاة تؤدي إلى زيادة طلبهم على السلع والخدمات بشكل عام، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج في البلد، ومن ثم زيادة الناتج القومي، ومن ثم زيادة الدخل القومي، وهو ما يعني زيادة العرض الكلي في الاقتصاد الوطني، ومن ثم زيادة نسب الرفاهية العامة لدى أفراد المجتمع الإسلامي .
  • تعظيم الرفاهية المادية لدى أفراد المجتمع الإسلامي، فإن المنفعة الحدية لوحدة النقد الواحدة لدى الفقراء أكبر من المنفعة الحدية للوحدة الواحدة من النقد لدى الأغنياء، والسبب في هذا يرجع إلى ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك لدى الفقراء بنسبة أكبر من الميل الحدي للاستهلاك لدى الأغنياء، لأن الفقراء ليسوا في حالة الإشباع الكامل من السلع والخدمات لعدم قدرتهم على شرائها بسبب فقرهم، أما الأغنياء فهم على العكس من ذلك، لديهم القدرة المادية النقدية للحصول على أي سلعة أو خدمة يريدونها، وهذا يؤدي إلى تعظيم المنفعة الكلية للمجتمع، إذ إن منفعة وحدة النقد الواحد في يد الفقير المحتاج أعظم من منفعة وحدة النقد ذاتها في يد الغني.كما يقرر هذا قانون تناقص المنفعة الحدية. فلو أجرينا عملية المقارنة بين وحدات المنفعة للنقود لدى الأغنياء الذين يدفعون الزكاة مع وحدات المنفعة لنفس الكمية من النقود لدى الفقراء، نجد أن المنفعة للنقود لدى الفقراء أكبر بكثير مما لدى الأغنياء عند تطبيق فريضة الزكاة في المجتمع، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي.
  • تحرير الرقيق : عملت الزكاة وعبر التاريخ البشري في العالم الاسلامي وغيره على تحرير الرقيق من رقهم، مما يثبت دورها الإيجابي والفعّال في القضاء على النظام العبودي في التاريخ البشري؛ حيث عملت على وقاية الفئات المحتاجة والمضطرة من الفقراء والمساكين والغارمين وأبناء السبيل وغيرهم من الولوج إلى عتبة الرق بدافع الاضطرار الملجيء إلى ما كان موجوداً في العصر الجاهلي بفضل المصارف المرصدة  للقضاء على العبودية في الحياة البشرية . 
صورة مقال أثر الزكاة في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية

أثر الزكاة في تحقيق الانتعاش والرفاهية الاقتصادية

ماهية الرفاهية الاقتصادية العامة

 الرفاهية الاقتصادية هي القدرة على الاستمتاع بمتطلبات الحياة الأساسية، وتنقسم إلى الرفاهية الفردية والرفاهية الاجتماعية، ويتحقق المستوى العالي من الرفاهية الاقتصادية عندما يكون الأفراد والمجتمعات والدول على مستوى عالٍ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويُعدّ الارتفاع في مستوى الرفاهية من المؤشرات الهامة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي للدولة.

ويؤثر تحسين مستوى الرفاهية على الاقتصاد بشكل إيجابي من خلال زيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة والابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين المستويات المعيشية لأفراد المجتمع بشكل كبير.


والعلاقة بين الرفاهية والاقتصاد علاقة متبادلة طردية، فالرفاهية تعني حياة مستقرة ومريحة ومشبعة بالاحتياجات الأساسية والخدمات، بينما الاقتصاد يساعد في توفير هذه الاحتياجات من خلال توفير الوظائف والمصادر المالية وتمويل البنية التحتية لتوفير الخدمات. كما أن الاقتصاد المزدهر يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدلات القوة الشرائية، وبالتالي زيادة معدلات الرفاهية للمجتمع.

من ناحية أخرى، يمكن أن تساهم الرفاهية في تحسين الاقتصاد، فعندما يرتفع مستويات الرفاهية العامة؛ ينشط الطلب الكلي الفعال على المنتجات والخدمات في الدولة؛ وبالتالي يزداد الإنتاج وتنشط التجارة، وترتفع مستويات النمو الاقتصادي.

ماهية الانتعاش الاقتصادي

يُعرف الانتعاش الاقتصادي بأنه مرحلة تلي مرحلة الركود ضمن دورة الأعمال، وتتميّز عادةً بفترة تحسن مستدام في نشاط الأعمال، وأثناء الانتعاش الاقتصادي ينمو الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع مستويات الدخل، وتنخفض معدلات البطالة، كما يتم إعادة توظيف العمالة والسلع الرأسمالية والموارد الإنتاجية الأخرى التي تم تقييدها في الأعمال التجارية التي فشلت وانهارت خلال فترة الركود في أنشطة جديدة، حيث يجد العاطلون عن العمل وظائف جديدة، ويتم شراء الشركات الفاشلة أو تقسيمها من قبل الآخرين.

والاقتصاد عند الانتعاش الاقتصادي يشفي نفسه من الضرر الذي حدث، ويمهد الطريق لتوسع جديد[2], أي انه يعدّل نفسه ويسترجع بعض المكاسب التي خسرها أثناء الركود، ثم ينتقل في النهاية إلى مرحلة توسع فعلي بعد تسارع النمو، وبدء الناتج المحلي الإجمالي في الحركة تجاه الوصول إلى ذروة جديدة. والهدف من الانتعاش الاقتصادي هو استعادة الرخاء الاقتصادي وتحسين رفاهية المواطنين.

تأثيرات الانتعاش الاقتصادي على الاقتصاد

يمكن أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي إلى تحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك:

  1. زيادة النمو الاقتصادي: يتسارع نمو الاقتصاد ويُفتح المجال للفرص الاقتصادية الجديدة، الأمر الذي يساعد على تحسين متوسط دخل المواطنين.
  2. خفض معدلات البطالة: يؤدي ارتفاع النمو إلى زيادة فرص العمل، وبالتالي تحسين التوظيف وخفض معدلات البطالة.
  3. زيادة الاستثمار: يشجع الانتعاش الاقتصادي المستثمرين على زيادة الاستثمار في الشركات والمنشآت والمشاريع الجديدة.
  4. تحسين الميزان التجاري: تزداد الصادرات، وتنخفض الواردات، مما يساعد على تحسين الميزان التجاري للدولة.
  5. زيادة الإنفاق: يزداد الإنفاق على المستلزمات والبضائع، ويتحسن الأداء الاقتصادي والحياة الاجتماعية.
  6. تحسين مؤشرات السوق: تتحسن المؤشرات الاقتصادية، ويتحسن سوق الأسهم، ومؤشرات الأسعار، ويتضاعف النشاط الاقتصادي.
  7. زيادة الإنتاجية: يؤدي الانتعاش الاقتصادي إلى زيادة الإنتاجية الوطنية، وتعزيز قدرات التصنيع والإنتاج لدى الشركات والمؤسسات.
  8. خلق فرص العمل: تزيد النشاطات الاقتصادية خلال فترات الانتعاش الاقتصادي من فرص العمل في القطاع الخاص والحكومي.
  9. زيادة الإيرادات المالية: يعمل الانتعاش الاقتصادي على زيادة الإيرادات المالية، وتحسين الوضع المادي للجماعات المختلفة.

الزكاة وتحقيق الانتعاش والرفاهية الاقتصادية

للزكاة تأثير كبير في تحقيق الانتعاش والرفاهية الاقتصادية؛ وهو ما يتبين من خلال النقاط التالية:

أولاً: إعادة تشغيل العنصر الإنتاجي رأس المال ومحاربة الاكتناز

جاء الإسلام ليحرر البشرية من العبودية، ويحولهم من عبادة غير الله تعالى من الدينار والدرهم والأحجار والسلع والحيوانات والبشر وهوى النفس إلى عبادة الله تعالى وحده، والخضوع والاستكانة له وحده لا شريك له، ووضع لهم أحكامًا اقتصادية متنوعة لاستثمار موارد الأرض والسماوات المسخرة لهم، وإعمار الأرض، وخصص جزءًا من هذه الأحكام لرأس المال وكيفية التصرف به شرعًا، وعلمهم كيفية تحريكه واستثماره وإنفاقه بما ينفع المجتمع، وشدَد الحملة على كنز المال وذمه وحاربه.

يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [سورة التوبة: 34-35]، فهنا: “‏وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ‏” أي‏:‏ يمسكونها “‏وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏” أي‏:‏ طرق الخير الموصِّلة إلى اللّه تعالى، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت [3]‏، فالمال إذا خرج منه هذه الواجبات لم يبق كنزًا، فلا يخرج المال من دائرة الاكتناز إلا إذا تم إخراج النفقات الواجبة منه، ومنها الزكاة.

صورة مقال أثر الزكاة في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية

إذًا فإن الإسلام لم يقف في محاربة الكنز عند حدود التحريم والوعيد الشديد، بل خطا خطوة عملية ومؤثرة جدًا في تحريك النقود المكنوزة وإخراجها من مكانها لتقوم بدورها في إنعاش الاقتصاد  [4]، وتمثلت هذه الخطوة بشكلها الأكبر في فريضة الزكاة، حيث لها تأثير كبير في تشغيل رأس المال واستثماره، فـالاستثمار يحافظ على رأس المال ويعمل على تنميته وازدياده، ثم يدفع المسلم زكاته من رأس المال ذاته ومن ربحه، ليزداد بذلك خيراته وحسناته، ويتضح هذه الحقيقة من دعوة رسول الله إلى ضرورة الاتجار بالأموال حتى لا تأكلها الزكاة، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: “ألا من وَلِيَ يتيمًا له مال فَلْيَتَّجِرْ فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة [سنن الترمذي – 641].

ويقول عليه الصلاة والسلام: “اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة” [الطبراني في الأوسط – 4152]، فإذا كان النبي يأمر الأوصياء باستثمار أموال اليتامى، فمن باب أولى أن يستثمر كلّ المسلمين أموالهم لتنمو وتتراكم لديهم، ثم لتزداد وتتضاعف زكواتهم، من خلال دفع الزكاة من رؤوس أموالهم والأرباح في آن واحد. فاستثمار رأس المال ضروري لإنعاش الحياة الاقتصادية في كافة المجالات، وخاصة منها الأصول الإنتاجية المادية والخدمية في الاقتصاد الوطني، أما حبس رأس المال وإماتته وإبعاده عن الزكاة والصدقات الواجبة الأخرى، وعن الاستثمار، فهو تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة فرص العمل للعاملين وتوظيفهم وإخراجهم من حالات البطالة.

ثانياً: إعادة تشغيل العنصر الإنتاجي ومحاربة البطالة

يوجب الإسلام العمل على الإنسان القادر ويشجعه على ذلك، لأن العمل هو أساس كافة النشاطات العبادية والمادية الإنتاجية واكتساب الرزق والدخول والثروات، والإسلام يطالب أفراد الأمة بالمشي في مناكب الأرض للالتماس خبايا الرزق منها، ويطالبهم بالانتشار في أرجائها زراعًا وصناعًا وتجارًا وعاملين في شتى الميادين، ومحترفين بشتى الحرف، مستغلين لذلك كل الطاقات الموجودة في المجتمع، ومنتفعين من كل ما استطاعوا مما سخَّر الله تعالى لهم في السموات والأرض، فإذا عجز بعضهم عن الكسب ودخل منطقة الفقر والمسكنة والعوز كان له حق الزكاة.

فالزكاة ليست مجرد إشباع لجوعة الفقير أو لإقالة عثرته بكمية قليلة من النقود، بل هي ضمان معيشي مجاني له يسمى بمستوى حدّ الكفاية المعيشية، وهو حق لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، يقول الإمام الرملي: “ويُعطى الفقير والمسكين إن لم يُحسن كل منهما كسبًا بحرفة ولا تجارة كفاية سنة، والأصح كفاية عمره الغالب، لأن القصد إغناؤه. أما من يُحسن حرفة تكفيه لائقة فيُعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت، أو تجارة فيُعطى رأس مال يكفيه”. ([5]).  

وهذا يعني أن الوظيفة الصحيحة للزكاة هي :

  1. تمكين الفقير والمسكين من إغناء نفسه بنفسه، بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره.
  2. إعطاء الفقير والمسكين إن لم يُحسن كل منهما كسبًا بحرفة ولا تجارة كفاية سنة، والأصح كفاية عمره الغالب، لأن القصد إغناؤه. أما من يُحسن حرفة تكفيه لائقة فيُعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت، أو تجارة فيُعطى رأس مال يكفيه.

وهذا يعني أن الزكاة تعين كل من هو قادر على الإنتاج، وهي بذلك تخلق طاقات إنتاجية جديدة، وتشغل الطاقات العاطلة، فيتم القضاء تدريجيًا على البطالة، بحيث يصبح جميع أفراد المجتمع الإسلامي من المنتجين، ومن خلاله يزداد الناتج المحلي الإجمالي ثم يزداد الناتج القومي الإجمالي في الدولة، ثم يزداد الدخل القومي، ثم يزداد متوسط دخل الفرد، ثم تزداد الرفاهية العامة للمجتمع الإسلامي.

ثالثاً:أثر الزكاة في إعادة توزيع الدخول والثروات وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية

إن الزكاة وسيلة فعالة من وسائل توزيع وإعادة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع الإسلامي ثم تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطى للفقير، ومن خلاله تتحقق العدالة وتتقارب مستويات الدخول في المجتمع، ويصبح كل فرد قادرًا على تدبير أمور معيشته ومن يعولهم بشكل جيد.

النظريات الإقتصادية وتحقيق العدالة الإقتصادية والاجتماعية في الاقتصاد الاسلامي

نستطيع أن نبين دور الزكاة في تحقيق العدالة الإقتصادية والاجتماعية من خلال هذه النظريات الثلاث :

1- الإنفاق الزكوي ونظرية المنفعة الحدية المتناقصة في الاقتصاد الإسلامي

تبين نظرية تناقص المنفعة الحدية أنه كلما زادت وحدات السلع المستهلكة فإن المنفعة الحدية لها تتناقص تبعاً لذلك، فالغني يكون لديه منفعة الوحدة الحدية للدخل أي الوحدة الأخيرة منه، أقل من منفعة الوحدة الحدية للدخل أي الوحدة الأخيرة من النقود لدى الفقير، وعلى هذا فإن نقل عدد من وحدات دخل الغني عن طريق الزكاة إلى الفقير يؤدي إلى تقارب المنفعة الحدية للدخل لدى الطرفين, لأن ما يكسبه الفقير من المنفعة جرّاء حصوله على الزكاة يكون أكبر أو أكثر مما يعطيه الغني من النقود.

إلا أن هذا الغني يزداد منفعته الحدية من الدخول المتبقية عنده بعد إخراج الزكاة منها، والنتيجة النهائية هي أن المنفعة الإجمالية للمجتمع تزداد بإعادة توزيع الدخول عن طريق الزكاة، والمتمثلة بإعادة توزيع الدخول لصالح الفقراء والمساكين والمعوزين الذين يرتفع لديهم الميل الحدي للاستهلاك على غيرهم من الأغنياء، مما ينعكس أثره على زيادة الإنفاق لدى كل من طبقتي الفقراء والمساكين والمعوزين من جهة والأغنياء من جهة أخرى وفي نفس الوقت.

وبالتالي حدوث الزيادة في الإنتاج من خلال عمليات المضاعف المتكررة في الاقتصاد الوطني، مما يعني أن المضاعف الزكوي: هو الذي يبين أو يحدد مدى استجابة التغيرات في الناتج القومي للتغييرات التي تحدث أو تكون في الإنفاق الزكوي, بعبارة أخرى أن المضاعف الزكوي هو نسبة التغير في الناتج القومي ثم في الدخل القومي تبعاً  للتغيرات التي تتحقق في الإنفاق الزكوي، وفي علم الاقتصاد الرياضي يكون الإنفاق الزكوي أو الزكاة متغيرا مستقلاً والناتج أو الدخل القومي متغيراً تابعاً, ومعادلته الرياضية هي: (التاتج القومي=دالة للانفاق الزكوي).

2- نظرية المضاعف وماهية المضاعف الزكوي في الاقتصاد الاسلامي

المضاعف في الاقتصاد

الفكرة الأساسية للمضاعف هي: أن الزيادات المتكررة في إنتاج الدولة على شكل الناتج القومي في الاقتصاد الوطني تتحقق تبعاً للتغيير في الإنفاق.

إن المحرك الأساسي لعمليات المضاعف بعد الانفاق هو الميل الحدي للاستهلاك. إن زيادة الإنفاق التلقائي يترتب عليها زيادة الدخل القومي بكمية مضاعفة، وهذه الزيادة تتوقف على الميل الحدي للاستهلاك لأفراد المجتمع المختلفة، فيزيد المضاعف بزيادته وينخفض بانخفاضه، لأن كلاً من الاستهلاك والاستثمار يسيران معاً، فكلما زاد الاستهلاك زاد الاستثمار حتى مستوى معين.

وهو ذلك المستوى الذي تمثله العمالة الكاملة، أي كلما تم تحويل قوة شرائية أو دخل من الأغنياء إلى الفقراء كان هناك ضمان لتأمين مستوى من الطلب الفعال يكفي للإغراء بالقيام بإضافة استثمارات وتوسعات جديدة وجذب أعداد أكبر وأكبر من العمالة, مما يؤدي إلى إزديادات مستمرة في الإنتاج ثم في الناتج القومي ثم في الدخل القومي، مما يعني المساهمة الكبيرة والمستمرة في الحدّ من الركود الإقتصادي, وخلق العوامل الإقتصادية والاجتماعية الضرورية لتحقيق تنمية اقتصادية مستمرة ومستديمة في الإقتصاد الوطني.

المضاعف الزكوي في الإقتصاد الاسلامي

ودور المضاعف الزكوي يأتي عند قيام الأغنياء بدفع الزكاة للمستحقين شرعاً؛ فكما تزداد نسبة الزكاة المعطاة للمستحقين؛ يزداد معها مضاعف الزكاة ؛ فعندما يستلم المستحقون الزكاة في البلد المسلم يزداد طلبهم الفعال ثم يزداد الإنتاج وبعده يزداد الناتج المحلي الإجمالي ثم يزداد الناتج القومي ثم يزداد الدخل القومي وهو يعني حدوث التنمية والتطور الاقتصادي, وعند الاستمرار في إعطاء الزكاة؛ فإن العمليات التنموية تستمر ولا تتوقف؛ وتستمر تأثيرات المضاعف الزكوي في تحقيق الاستدامة.

إن المضاعف الزكوي من الناحية الرياضية يتغير طرديا مع مقادير الزكاة المعطاة في اقتصاد البلد الاسلامي, فكم تزداد الزكاة؛ يزداد المضاعف الزكوي ويزداد معها تأثيراتها التنموية لاقتصادية في الاقتصاد الكلي للبلد, ونوعية هذه التغيرات تتأثر بنسب الميل الحدي للإستهلاك لدى آخذي الزكاة , وما دام هذا الميل عند الفقراء والمساكين والمعوزين منخفض؛ فإن هذا يعني إزدياد الإيجابية والفعّالية والقوة للمضاعف الزكوي في القضاء على الفقر والمسكنة والعوز في المجتمعات الإسلامية, وما دام الزكاة مستمرة عبر كافة أيام وشهور السنة القمرية (354,37 يوماً)؛ فإن هذا يعني استمرارية وديمومة فعالية المضاعف الزكوي في الإقتصاد الاسلامي؛ ويعتبر السلاح الاقتصادي القاصم لظهر وقوة الفقر والإنعدام في المجتمعات الاسلامية.    

3- الزكاة ونظرية سرعة دوران رأس المال في الإقتصاد الاسلامي

هناك عوامل اقتصادية عديدة يستخدمها النظام المالي للإقتصاد الاسلامي لتحقيق العدالة الإقتصادية والاجتماعية, إلاّ أن فريضة الزكاة هي أحد أبرز وأقوى هذه الوسائل التي يستخدمها للوصول إلى العدالة في توزيع الدخول والثروات؛ والوصول إلى الرفاهية الإقتصادية العامة ؛ والقضاء على البطالة وتحقيق الإنتعاش للإقتصاد الوطني, فالزكاة تعمل على إزدياد سرعة دوران النقود ورؤوس الأموال, لأنها تشجع أصحاب الأموال بطريق مباشر وغير مباشر على استثمار أموالهم, ثم تتحقق لديهم فوائض مالية إضافية من هذه الإستثمارات ثم يؤدون منها الزكاة أيضاً.

وهذا يعني أن أصحاب الأموال قد استفادوا من إعطاء الزكاة ذاتها ومن استثمارات رؤوس أموالهم وحصولهم على الأرباح المتراكمة التي أتت بعد دفعهم للزكاة حتى لا تتعطل ولا تكتنز, ومن ثم إفادة المجتمع بأداء حق المستحقين بالزكاة؛ وبحدوث العمليات التنموية على نطاق واسع؛ وفي جميع المجالات الإقتصادية, والإستثمارات هذه تؤدي إلى زديادة سرعة دوران النقود والرأسمال وتحريكهما بقوة داخل الإقتصاد, ومن ثم تحرك كل خلايا الإقتصاد وتوجهها نحو التطور والتنمية والتقدم.

إذن فإن هناك علاقة طردية بين كل من الزكاة والاستثمار؛ بازدياد الأولى يزداد الثانية وبالعكس, فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار، ونظراً لأن الاقتصاد الإسلامي لا يتعامل بالفوائد الربوية ويحرمها بنصوص قطعية من القرآن والسنة، فإن هذه الاستثمارات ستكون في أصول إنتاجية تحتفظ بالقيمة الحقيقية لرأس المال؛ وفي صورة قوة شرائية حقيقية، والذي يعني إبعاد الاقتصاد عن حالات التمويه والغموض والخداع والشعوذة والقمار والميسر، والعمل بالصدق واليقين بعيداً عن الإستغلال وأكل أموال الناس بالباطل, والسير بالاقتصاد على طريق العدالة والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية اللا محدودة.  

رابعاً: الزكاة مصدر دائم لتحقيق الإنتعاش الإقتصادي

من ضمن مصارف الزكاة مصرف الغارمين، والغارم هو الذي عليه دين، والغارمون هم المدينون الذين لزمتهم ديونهم وعجزوا عن سدادها، ولم يكن دَينهم في معصية، وكذلك المدينون الذين استدانوا لأداء خدمة عامة كهؤلاء الذين يصلحون بين الناس وتركهم بعض الديون بسبب ذلك.

فالزكاة تعطى: [ للغارمين لإصلاح ذات البين, ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا] [6] . والغارمون هم: قسمان : قسم لزمتهم الديون في غير معصية لله تعالى، ولا يجدون المال الذي يدفعونه لدائنيهم ، فإنهم يعطون من الصدقة؛ إذا لم يكن لهم من المال ما يفي بديونهم ، فإن كان عندهم وفاء فلا يعطون ، وقسم أدانوا في المعروف وإصلاح ذات البين فإنهم يعطون من مال الصدقة ما يقضون به ديونهم ، وإن كانوا أغنياء [7].

وتسدد ديون الغارمين من أموال الزكاة حتى ولو كانوا موسرين تشجيعاً لأعمال البر والمروءة وفعل الخير والصلح بين الناس، من هنا فإن الزكاة بفضل سهم الغارمين تمكن من له حرفة من مزاولة حرفته، أو تجارته أو زراعته، ولقد استفاد الاقتصاد الوطني من وراء استغلال هذه الطاقات العاطلة بتحويلها إلى طاقات منتجة, كما أن الدخول التي يحققها الأفراد من مزاولة حرفهم وأعمالهم بفضل سهم الغارمين تخلق طلباً إضافياً أي زيادة في الإنفاق تؤدي إلى زيادة الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى إنعاش الإقتصاد والحد من الركود الإقتصادي.

خامساً: الزكاة وتخفيف التفاوت الدخلي في المجتمع الاسلامي

إن تأثير الزكاة الفعلي والمباشر يظهر من خلال آثارها التوزيعية، حيث تـؤدي إعـادة توزيع الدخول من الأغنياء إلى الفقراء بواسطة الزكاة إلى زيـادة الاستهلاك الكلي للفقراء والمساكين، ومن ثم رفـع الإنتاج والإنتاجية في المجتمع، وازدياد قدرتهم على عرض منتجات أكثر في الاقتصاد القومي، إلى جانب أثرها في حفز الاسـتثمار؛ كون الزكاة تشـجّع على استثمار الأرصدة النقدية المكنوزة، حيث إن وعاء الزكاة يشمل أنواعا مختلفة من الثروات منها الثروات النقدية، مما يجعلها تشجع على منع تعطيل النقود، وادخالها الى العمليات الانتاجية والاستثمارية، وزيادة مستوى الاستثمار الكلي فـي الاقتصاد، ثم زيادة الإنتاج الكلي وازدياد الطلب الكلي الفعّال ثم زيادة العرض الكلي؛ ثم حصول التنمية والتطور الاقتصادي للبلد الإسلامي.

سادساً: دوام الزكاة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستديمة

إن زكاة الأموال أو الثروات تتوجب فقط في خمسة أنواع من الثروات، وهي: المواشي وهي النَّعَمُ، وتشمل: الإبل والبقر والغنم، ويلحق بها المعز [8]، ولا تجب في الخيل والمتولد مثلًا بين غنم وظباء.[9] . ثانيا : الأثمان وهي الذهب والفضة . ثالثا : الزروع وهي الأقوات . رابعا : الثمار . خامسا : عروض التجارة. [10].

ولم تحدد الشريعة الإسلامية موعدًا واحدًا لفرض جميع أنواع الزكاة، ولا لدفعها من قبل المزكين في آن واحد، وأوجبتها في كل عام مرة واحدة، ورفضت تكرار هذا الواجب على الثروة الواحدة خلال السنة الواحدة، وذلك لأن الناس مختلفون في كسب المال، فيكتسب الرجل نصاب المال في هذا الشهر، ويكتسبه الآخر في الشهر الثاني، ويكتسبه الثالث في الشهر الثالث، وهكذا في جميع شهور السنة، وهذا يعني استمرارية خلق الطلب الكلي الفعّال في اقتصاد الدولة خلال كافة أيام السنة، ومن ثم خلق العرض الكلي كذلك، ثم ازدياد الإنتاج على مدار السنة، ثم ازدياد الناتج المحلي الإجمالي، ثم الناتج القومي، ثم الدخل القومي، ثم تحقيق التنمية الاقتصادية المستديمة لاقتصاد البلد الإسلامي، والتي تعني خلق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستمر للمجتمع الإسلامي.

سابعاً: إمكانية دفع الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة

في بعض الحالات قد تحدث كارثة لمدينة صناعية أو لمجموعة من التجار أو لفئة المزارعين أو ظهور حالات من الفقر المدقع، من هنا جوَّز الفقهاء صرف الزكاة في صنف واحد من الأصناف الثمانية المحددة في آية الصدقات أو أكثر بحسب الحاجة، فالإمام ابن قدامة يقول: “يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية، ويجوز أن يعطيها شخصًا واحدًا”.[11].

وذهب الإمام ابن رشد إلى أن “الإمام مالك والإمام أبو حنيفة قالا بجواز صرف الزكاة لصنف واحد أو أكثر حسب الحاجة”، [12]، فهذا المنهج من إعطاء الزكاة يحدث تفعيلاً وتحسينًا في العلاقة بين العرض الكلي والطلب الكلي في اقتصاد البلد الإسلامي، ثم حدوث التوازن والاستقرار الاقتصادي في مستويات أعلى، والتقليل ثم القضاء على الآثار السلبية لهذه المشاكل الاقتصادية.

صورة مقال أثر الزكاة في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية

وبسبب استمرارية الزكاة عبر كافة أيام السنة، فإن قوى العرض والطلب الكلي ستعمل من جديد لإحداث توازن جديد داخل الاقتصاد، وهذا التوازن يكون في مستويات أعلى بسبب تطور الاقتصاد حينئذٍ، ووصوله إلى مستويات تنموية أكثر تقدمًا من السابق، وهذا المستوى الجديد يحتضن إيجابيات اقتصادية عديدة، أهمها خلق فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية والقضاء على البطالة، والخروج من أزمة الركود الاقتصادي، والتوجه نحو إنعاش الاقتصاد الوطني، ثم استمرار هذا الاستقرار الاقتصادي خلال السنوات القادمة والمستقبلية، مما يعني تحقيق الطمأنينة والرفاه والسلام المستمر للمجتمعات الإسلامية.

ثامناً: الزكاة والقضاء على مشكلة التضخّم

يُعرف التضخُّم “Inflation” بأنه ظاهرة اقتصاديَّة تُشير إلى الارتفاع المُستَمِرّ في المُستَوى العامّ للأسعار في فترة زمنيَّة مُحدَّدة، ممّا يُؤدّي إلى انخفاض القُوَّة الشرائيَّة التي تُعبِّر عن كمِّيّة السِّلَع والخدمات التي يستطيع الفرد شراءها بأمواله، ويحدث التضخُّم عندما تزيد كمِّية النقود المُتَداولة بمُعدَّلٍ أسرع من زيادة حجم الإنتاج، ممّا يُؤدّي إلى ارتفاع أسعار السِّلَع والخدمات، الأمر الذي قد تكون له تأثيرات واسعة في الاقتصاد والمجتمع إذا لم تُوضَع خُطَط واستراتيجيّات فَعّالة لمُواجَهَته. [13].

أو هو: “الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع ناتجًا عن زيادة كمية النقد بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة، أو العكس، أي أنه ناجم عن زيادة في الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلاً عن الدور المغذي لتوقعات التضخم”. [14].

أنواع التضخم الاقتصادي

1-التضخم الزاحف Creeping inflation:

ويُطلَق عليه أيضًا “التضخُّم المُعتَدِل”، وهو نوع ترتفع فيه الأسعار ببُطء ولكن بشكل مُستَمِرّ خلال فترة مُعيَّنة، وبمُعدَّل يتراوح بين 2-3%، ويُعَدّ هذا المُعدَّل طبيعيًّا، وقد يختلف قليلاً من دولة إلى أخرى؛ فزيادة أسعار السِّلَع بنِسَب قليلة يزيد من طلب المُستَهلِك عليها في الوقت الحاليّ؛ خوفًا من ارتفاعها أكثر في المُستَقبَل، مما يعزز الطلب على المنتجات ويُسهِم في النُّمُوّ الاقتصاديّ. [15]

2-التضخم المتنقل Walking inflation:

هو حالة اقتصادية ترتفع فيها أسعار المنتجات حوالي 3% إلى 10% كل عام، مما يدفع المستهلك إلى شراء منتجات إضافية خوفًا من ارتفاع سعرها، مما يسبب ارتفاع نسبة الطلب عليها وعجز المورد عن إنتاج كمية إضافية، فترتفع الأسعار.

3-التضخم الجامح أو الراكض Galloping inflation:

هو حالة ترتفع فيها أسعار السِّلَع والخدمات بسرعةٍ وبمُعدَّلٍ يفوق 10% خلال العام الواحد، فلا يُغطّي دخلُ الأفراد هذه الزيادةَ الكبيرةَ، ممّا يُؤدّي إلى تراجُع القُوَّة الشِّرائيَّة بشكل كبير، ويفقد العملة قيمتها، حيث لا يستطيع التاجر دفع الأجور للموظفين، الأمر الذي يضرُّ الاقتصاد كثيرًا، ويقود البلاد إلى المزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي.

4-التضخم المفرط Hyperinflation:

يُعَدّ التضخم المفرط أحد أخطر وأقسى أنواع التضخم، بحيث تصبح النقود بلا قيمة تقريبًا، وقد ترتفع الأسعار لأكثر من 50% في الشهر الواحد، مما قد يُؤدّي إلى انهيار النظام النقديّ والاقتصاديّ للدولة المُتأثِّرة به.، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النوع من التضخم نادر الحدوث، وغالباً ما يرتبط بالأزمات الماليَّة الحادَّة في الدولة، أو بالحروب، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حيث شهدت ألمانيا فترة تضخم لدرجة أن شراء جريدة يومية كانت تتطلب عربة مليئة بالنقود.

5-التضخم الركودي Stagflation:

هذا النوع من التضخم يُعد الأخطر على اقتصاديات الدول، لأنه يؤدي إلى حدوث كلٍّ من التضخم والركود في آن واحد, وهو حالة تتميز بالتباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير، وهو ما يؤدي إلى زيادة حدة المشكلة. ويتميز هذا النوع من التضخم بزيادة معدلات الأسعار مع تراجع النمو الاقتصادي، وهو ما يعرف بالتباطؤ الاقتصادي.

ويحدث التضخم الركودي عندما يتباطأ النمو الاقتصادي ولكن يستمر تضخم الأسعار، وهذا يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة وتراجع الإنتاجية. ويتسبب هذا النوع من التضخم في تفاقم المشكلات الاقتصادية، ويعتبر من الحالات الضارة بالاقتصاد. ويعتبر التضخم الركودي من المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي يجب مواجهتها بحزم، ويمكن الحدّ منها عن طريق تنفيذ سياسات مالية ونقدية مناسبة، وتحفيز الإنتاجية والاستثمار، وخفض النفقات العامة.

ومن المهم الإشارة إلى أن التضخم الركودي يمكن أن يؤدي إلى تدهور القيمة الحقيقية للنقود، وهو ما يعني أنه يفقد النقود قيمتها الشرائية، ويزيد من تكلفة الحياة، ويؤثر على قدرة الأفراد على تحقيق الرفاهية.

لذلك يجب تفادي التضخم الركودي عن طريق تنفيذ سياسات اقتصادية مناسبة، وتشجيع الإنتاجية والاستثمار، وتحسين البنية التحتية للبلدان، وتحفيز الابتكار والتطوير التكنولوجي.

6-تضخُّم دفع الطلب Demand-Pull Inflation

يُشير هذا النوع إلى حالة التضخُّم التي تحدث نتيجة زيادة الطلب على السِّلَع والخدمات بشكل مُفرط، ممّا يُؤدّي إلى ارتفاع الأسعار؛ إذ يزيد طلب المُستَهلِكِين على السِّلَع المختلفة عن العرض المُتاح في السوق أو حجم الإنتاج، ممّا يدفع المُنتِجِين والمُورِّدِين إلى رفع الأسعار؛ لتلبية الطلب الزائد.

وفي هذه الحالة من التضخُّم، تتَّجِه الشركات نحو توظيف المزيد من العُمّال لتلبية الطلب المُتَزايِد، وبالتالي زيادة أسعار سِلَعها وخدماتها؛ لتغطية تكاليف العَمالة المُرتَفِعة، وبذلك يستَمِرّ التضخُّم بالارتفاع.

7-تضخُّم دفع النفقة Cost-Push Inflation

ويُقصَد به التضخُّم الذي يحدث نتيجة زيادة تكاليف عملية إنتاج السِّلَع المختلفة، كتكاليف المواد الخام، أو أجور العاملين، أو الوقود، أو الأجور أو غيرها، ممّا يُؤدّي إلى رفع أسعار السِّلَع بصورتها النهائية؛ لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة، مما ينعكس على المستهلكين بصورة مباشرة.

فعلى سبيل المثال، ستُؤدّي الزيادة في سعر النفط -وهو يُعَدُّ مادَّةً رئيسةً في العديد من القطاعات الاقتصادية- في البداية إلى ارتفاع أسعار البنزين، وهذا يجعل عملية نقل البضائع من مكانٍ إلى آخر أكثر تكلفةً، ممّا سيُؤدّي بدوره إلى زيادة أسعار السِّلَع في محلات البقالة والمواد التموينية، فينجم عنها هذا النوع من التضخُّم.

8-التضخُّم المُستورَد Pass-Through Inflation

يُشير هذا النوع من التضخُّم إلى ارتفاع أسعار السِّلَع المُستوردة في السوق المحلية نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية للدولة مقابل العملة الأجنبية، فيتحمَّل المستهلك تكلفة هذا الانخفاض في قيمة العملة عند شراء سلعة مُستوردة، ويزداد هذا التضخُّم عند زيادة نسبة مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج.

9-توقُّعات التضخُّم Inflation Expectations

وتُعرف بأنَّها التوقعات التي يبنيها الأفراد والشركات حول زيادة الأسعار في المستقبل بناءً على الظروف الاقتصادية الحالية؛ فعلى سبيل المثال، قد تكون لدى بعض الشركات توقعات بارتفاع معدلات التضخُّم مع مرور الوقت، فترفع أسعارَ سلعها وخدماتها أكثر بناءً على هذه التوقعات، وقد تكون لدى الأفراد والموظفين التوقعات نفسها، فيطالبون بأجور أعلى للتعويض عن الخسارة المتوقعة في قدراتهم الشرائية.

10-التضخُّم الظاهر أو المفتوح  Open Inflation

 
ويُعرف بأنَّه التضخُّم الذي يحدث على نطاق واسع، إذ تستمر الأسعار فيه بالارتفاع دون أن تبذل الجهات المسؤولة في الدولة جهودًا لمواجهته، ولذلك يمكن أن يُطلَق عليه “التضخُّم المفتوح”، وهذا الموقف السلبي تجاه التضخُّم يُؤدّي إلى تسارُعه وزيادة آثاره السلبية في الاقتصاد العامّ والمجتمع ككل.

11-التضخُّم المكبوت Repressed Inflation

يُعَدّ التضخُّم المكبوت حالةً عكسيةً للتضخُّم المفتوح؛ ففي حال وجود طلب زائد في اقتصاد الدولة على السلع والخدمات في السوق، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فتقوم الحكومات باتخاذ التدابير اللازمة، مثل التحكم في الأسعار والتقنين وغيرها، لمنع زيادة الأسعار الناتجة عن الطلب الزائد، ولتجنب الآثار السلبية للتضخم.

12- شبه التضخم:

هو مواجهة الاقتصاد ضغوطًا تضخمية بسبب الضغوط من قطاعات معينة من الاقتصاد المحلي.

الزكاة وآليات القضاء على مشكلة التضخّم

يمكن من خلال الزكاة معالجة التضخُّم وكبح جماحه من خلال ما يلي:

  • توفير التدفقات النقدية بشكل مستمر وعبر جميع أيام السنة: إن انتظام انسياب حصيلة الزكاة مع بداية كل حَوْل قمريّ يوفر كميات النقد اللازمة للتداول، دون الحاجة إلى لجوء السلطات النقدية لعمليات الإصدار النقديّ.
  • ضمان المستوى المعيشي المسمى بمستوى حدّ الكفاية لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي: إن هذا المستوى المعيشي المضمون يعني ضبط الطلب الكلي الفعّال والعرض الكلي في البلد المسلم، ومن ثم عدم السماح بالتفوق العشوائي للطلب الكلي على العرض الكلي، مما يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، ومن ثم حدوث التضخم.والاقتصاد الإسلامي يضع توازنًا دقيقًا بين المراحل الثلاث للسلع والخدمات، وهي الضروريات والحاجات والتحسينيات، ومن خلاله يتحكم بمستويات الطلب الكلي على الاستهلاك من السلع الضرورية والحاجية والتحسينية (الكمالية)، وهذا يعني عدم السماح بظهور التضخم في البلد الإسلامي.
  • الصور العينية لبعض أنواع الزكاة والإبقاء على استقرار قيمة العملة للبلد الإسلامي: إن توزيع زكاة الزروع والثمار والماشية في صورتها العينية يسهم إلى درجة كبيرة في الاحتفاظ بالقيمة الشرائية للنقود، والحيلولة دون تدهورها. وتحليل ذلك اقتصاديًا: أن هذا التوزيع يؤدي إلى تقليل العرض النقدي الكلي داخل الأسواق الوطنية، ومن ثم تخفيض مستويات الطلب الكلي الفعّال، مما يؤدي إلى الحفاظ على القوة الشرائية لعملة البلد الإسلامي، وبالتالي تخفيض مستويات التضخم تبعًا لها.
  • ارتباط الزكاة برأس المال النامي: إن فرض الزكاة كنَفَقة واجبة الاستحقاق على رأس المال النامي يدفع بأصحاب رؤوس الأموال إلى الاستمرار في استثمارها، حتى ولو كان المعدل المتوقع للربح أقل من نصاب الزكاة (2.5%)، طالما كان هذا المعدل أكبر من الصفر.والسبب في هذا يرجع إلى أن المستثمرين المزكِّين يحاولون المحافظة على مقادير رؤوس أموالهم الأصلية، بل وتنميتها من خلال إدخال رؤوس أموالهم إلى الاستثمارات والإنتاج، والحصول على الأرباح من خلالها، وهذا يعني استرجاع مبالغ الزكاة التي أعطوها للفقراء والمساكين والمعوزين.
  • منع أسعار الفوائد الربوية في الاقتصاد الإسلامي: ويعني طرح نفقات تضخّمية كبيرة على رؤوس الأموال الوطنية التي دخلت إلى ميادين التجارة والبنوك والقروض والنشاطات الاقتصادية الأخرى، لأن الفوائد الربوية وبنسبها المختلفة على المستوى الكلي للاقتصاد تؤدي إلى ازدياد التكاليف الكلية للإنتاج والاستثمارات، مما يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهو عين التضخم. فبإلغاء الفوائد الربوية، يتم القضاء على هذا السبب الكبير للتضخم.
  • فريضة الزكاة والقضاء على ظاهرة التضخم الركودي: إن أسعار الفوائد الربوية تؤدي إلى :
  1. وضع تكاليف كبيرة على الإنتاج الوطني، مما يؤدي إلى ازدياد المستوى العام للأسعار نتيجة لنقل أعباء التكاليف الزائدة على المستهلكين من قبل المنتجين، وهذا يعني حدوث التضخم نتيجة لعدم قدرة الدخول النقدية على الحصول على نفس الكميات من السلع والخدمات.
  2. تأثير سلبي كبير على مستويات العمالة في الدولة على شكل ازدياد البطالة في القوى العاملة، لأن ازدياد التكاليف الكلية للعرض الكلي من منتجات الدولة لا يقابله الطلب الكلي الفعّال اللازم لاستيعاب جميعها من الأسواق، مما يؤدي إلى تراكمها وتكدسها في المخازن من دون شراء لها، مما يدفع أصحاب المعامل والمنظمين والمدراء إلى أن يطردوا العمال والأُجَراء من العمل، مما يعني ظهور ظاهرة البطالة على مستوى البلاد.
صورة مقال أثر الزكاة في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية

فهنا تأتي الزكاة، مع العوامل المالية الأخرى في الاقتصاد الإسلامي، كعامل حرمة الربا، لتقضي على هاتين الظاهرتين، التضخم والبطالة، أي القضاء على مشكلتي البطالة والتضخم، والمسمى بالتضخم الركودي في آن واحد، وذلك وفقًا للتحليل التالي: إن الاستمرار في إعطاء الزكاة على مدار السنة في البلد الإسلامي يؤدي إلى: ازدياد الطلب الكلي الفعّال على الدوام في السنة، مما يؤدي إلى ازدياد العرض الكلي للسلع والخدمات المنتجة في البلاد، ثم ازدياد الناتج الكلي -أي المحلي- الإجمالي، ثم ازدياد الطلب الكلي على عوامل الإنتاج (المتكون من: الأرض، العمل، رأس المال، التنظيم، الشورى في الاقتصاد الإسلامي)، وازدياد الطلب الكلي على العمل من ضمن هذه العوامل الإنتاجية، ومن ثم القضاء على البطالة، فهنا تكون قد قُضِيَت على المشكلة الأولى وهي مشكلة البطالة.

كل هذا من جانب، ومن جانب آخر: إن الاستمرار في إعطاء الزكاة في الدولة المسلمة يؤدي إلى ازدياد الطلب الكلي الفعّال، ثم ازدياد العرض الكلي مع ازدياد القوة الشرائية جنبًا إلى جنب لدى شرائح الفقراء والمساكين والمعوزين في البلاد، مما يؤدي إلى ازدياد الطلب على المنتجات الكلية للدولة، وهذا يعني استيعاب العرض الكلي من السلع والخدمات الوطنية في الأسواق لدى المستهلكين في البلاد، ثم القضاء على ظاهرة تراكم وتكدس السلع والخدمات في الأسواق، ثم حدوث الرواج الاقتصادي، وهو يعني إرجاع القوة للقوى الشرائية للبلاد، مما يعني القضاء على مشكلة التضخم، وحدوث التنمية والتطور الاقتصادي في البلد الإسلامي.

وهنا يحصل القضاء المبرم على كلتا ظاهرتي البطالة والتضخم في آن واحد، مما يعني القضاء على ظاهرة التضخم الركودي في اقتصاد البلد الإسلامي من خلال فريضة الزكاة.    

  • حصة الغارمين من مصارف الزكاة والقضاء على ظاهرة التضخم: إن الغارمين هم أحد الفئات الثمانية الذين يُسَدَّدُ ديونهم من مصارف الزكاة الثمانية وفقاً لقول الله تعالى: [ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ][سورة التوبة-الآية:60],

من هم الغارمون؟

الغارِم لغةً: الغُرمُ هو الدَّين، والغارمُ هو الذي عليه دَينٌ، والغريم يُطلَقُ على المَدينِ وعلى صاحِب الدَّينِ، وأصل الغُرمِ في اللُّغة اللُّزوم، ومنه قولُ الله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [سورة الفرقان – الآية: 65]، وسُمِّي كلُّ واحدٍ منهما غريمًا لمُلازَمَتِه صاحبَه، وقيل: الغُرمُ من الخسران، وكأنَّ الغارِمَ هو الذي خسِرَ مالَه.

الغارم شرعًا: هو المَدينُ العاجزُ عن وفاءِ دَينِه.[17].

أنواع الغارمين

الغارمون هم الذين تراكمت عليهم الديون، سواء كانوا قد استدانوا لإصلاح ذات البين، أو قد تراكمت عليهم الديون الشخصية بسبب الأزمات. الغارمون بحاجة إلى دعم مالي لسداد ديونهم والخروج من الأزمات المالية التي يواجهونها، والزكاة تُعطى لهم لكي يتمكنوا من تسوية ديونهم والعودة إلى حياة طبيعية. [18].

هناك نوعان أساسيان من الغارمين هما [19]:

  1. غارم لمصلحة نفسه: أي الذي استدان المال من أجل النفقة على نفسه ومن يعيل، في شراء الطعام والشراب والملابس والعلاج وتكاليف المعيشة.
  2. غارم لمصلحة الغير: أو لمصلحة المجتمع، أي الذي استدان المال لأداء منفعة عامة، كإصلاح بين متخاصمين، أو إيقاف فتنة، أو دفع ديّة.

الغارمون المستحقون للزكاة

ليس كل الغارمين مستحقين للزكاة، بل هناك شروط واجب تحققها، ومن شرط استحقاق الزكاة للغارم ما يلي::

  1. أن يكون مسلماً.
  2. أن لا يكون من أهل البيت عند الجمهور.
  3. أن يكون دَينهُ في أمر مباح، أي لحاجة الإنفاق على أسرته، أو بسبب الخسارة في التجارة أو بسبب مصيبة أو كارثة. أما في حال كان سبب الدَّين أمراً محرَّماً مثل: القمار أو شراء الخمور مثلاً فإنّهُ لا يُعطى من الزكاة، وكذلك الأمر في حال كان دَين الغارم بسبب الإسراف أو التبذير فإنه لا يعطى من الزكاة على حساب بقية الفئات؛ وهذا ما ذهب إليه المالكية.

فضل سداد دين الغارم

قال رسول الله : [ مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ] [ صحيح مسلم-رقم الحديث:2699].

ففي هذا الحديث يقول النبي : « مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً »، أي: رفع عن مؤمن حزنا وعناء وشدة، ولو كان يسيرا، فيكون الثواب والأجر أن ينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وتنفيس الكرب إحسان، فجزاه الله جزاء وفاقا، « وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ ». والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين: إما بإنظاره إلى الميسرة، وتارة بالوضع عنه إن كان غريما، أي: عليه دين، وإلا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم، وجزاؤه أن ييسر الله عليه في الدنيا والآخرة مقابل تيسيره على عبده؛ مجازاة له بجنس عمله، «ومن ستر مسلما»، أي: رآه على قبيح فلم يظهره للناس، فيكون جزاؤه أن يستره الله في الدنيا، أي: يستر عورته أو عيوبه، ويستره في الآخرة عن أهل الموقف. وهذا فيمن كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة أو زلة، فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها.

وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه. وقوله: « وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ »، أي: من أعان أخاه أعانه الله، ومن كان ساعيا في قضاء حاجات أخيه، قضى الله حاجاته؛ فالجزاء من جنس العمل [20].

 وعلى ضوء هذا الحديث الشريف فإن سداد الدَّين عن الغارم فيه من الفضائل ما يلي:

  • تنفيس كربة من كرب الآخرة عن المسدِّد للدَّين، لأنه نَفَّس كربة دنيوية عن الغارم.
  • نيل التيسير من ربّ العالمين، لأنه يسّر على مُعسر وسدد عنه الدَّين.
  • الستر من الله تعالى في الدنيا والآخرة، لأنه ستر مسلماً غارماً عن الخوف والهم والغم والإشهار والشكوى القضائي.
  • المعونة من الله تعالى طالما كان المسلم مُعيناً لإخوانه بمن فيهم الغارمون.

آثار سداد دين الغارم

إن الآثار والحكم المترتبة عن سداد الدَّين عن الغارمين كثيرة، وما هي إلاّ امتداد للحكمة من دفع الزكاة للفئات المستحقة جميعها. وفي ما يلي بعض الآثار الإيجابية لسداد الدَّين عن الغارمين:

  • الحفاظ على كرامة الغارم من ذلِّ السؤال من ناحية، ومن ذلِّ المساءلة إن ترتب على دَينه المتراكم مساءلة قضائية.
  • إعانة الغارم على سدادِ دَينه بالحلال؛ ومنعه من اللجوء إلى الطرق المحرمة أو غير المشروعة لسداد ديونه، ما يترتب عليه ضرر أكبر.
  • شعور الغارم بالطمأنينة والسكينة، وتحصينه من المشاكل والضغوط النفسية المتولدة عن إلتزام الدَّين ، وبالتالي ينال الهدوء والتركيز اللازم لإعادة بناء حياته من جديد.
  • حفظ عائلة الغارم من شظف العيش أو من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي قد يعيشونها بسبب الدَّين المتراكم على معيل الأسرة.
  • بناء نظام ضمان وتكافل اجتماعي، ونشر المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع الاسلامي.

5 شروط تجيز إعطاء الغارم من أموال الزكاة

من المقرر شرعًا أن الغارم من مصارف الزكاة، وهو من حان أجل دَيْنه، ولا يقدر على السداد، ويجوز إعطاء الزكاة له بالشروط التالية [21] :

  1.  أن يكون دَينه للإنفاق في طاعة أو مباح، فبذلك يُعدُّ من الغارمين.
  2. ألَّا يكون قد استدان ليأخذ من الزكاة، كأن يكون عنده ما يكفيه، وتوسع في الإنفاق بالدَّين لأجل أن يأخذ من الزكاة، وذلك بخلاف فقير استدان للحاجة أو للضرورة ناويًا الأخذ منها، فهذا يجوز له الأخذ.
  3. أن يكون دَينه قد حَلَّ أجلُه بالفعل، فإن كان مؤجَّلًا ولم يحل موعد السداد فلا يُعَدُّ من الغارمين.
  4. أن يكون الدَّينُ مما يحبس فيه لو لم يقم بسداده في أجله.
  5. ومن الشروط المهمة لأخذ الغارمين من مال الزكاة، شرط أن لا يكون عند الغارم مالا زكويا أو غير زكوي زائد على كفايته يمكن أن يسدد منه الدين ؛ فإن كان عنده هذا الزائد يجب عليه أن يسدد دينه منه، ويعطى من الزكاة ما يكمل الوفاء بالدَّين إن احتاج، وإن كان قادرًا على وفاء الدَّين بعد زمنٍ بالاكتساب وأمكن تأجيل السداد فلا يعطى من الزكاة.

دور الغارمين في خلق مشكلة التضخم الركودي في الاقتصادات الوضعية

هناك بعض الحالات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها الغارمون المدينون في الاقتصاد الوضعي نتيجة لنكسة أو فشل تصيب مؤسساتهم الإنتاجية، مما يؤدي إلى حدوث مشكلتي التضخم والبطالة في آن واحد في هذه البلدان، والسبب الرئيسي لها هو اعتمادهم على القروض الربوية، والتي نوضحها حسب التحليل الاقتصادي التالي:

  • لجوء الغارمين إلى القروض الربوية، ومن ثم تراكم الديون مع فوائدها الربوية عليهم بعد مرور موعد التسديد عليهم.
  • تراكم القروض الربوية مع فوائدها الربوية يؤدي إلى ازدياد تكاليف عناصر الإنتاج في الدولة، ومن ثم ازدياد تكاليف الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product – GDP)، ثم ازدياد تكاليف الناتج القومي الإجمالي (Gross National Product – GNP)، ثم حدوث التضخم إثر ذلك، وتفاقمه باستمرار نتيجة العمل بالربا في الاقتصاد.
  • ازدياد الفوائد الربوية يؤدي إلى تثبيط همم الموسرين والأغنياء نحو النشاطات الاقتصادية، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج في البلاد، ومن ثم تفوق الطلب الكلي الفعّال على العرض الكلي المنخفض أو المتوقف عن الازدياد، مما يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهذا يعني حدوث مشكلة التضخم، نتيجة لعدم قدرة القِوى الشرائية لدى المواطنين على الحصول على نفس الكميات من السلع والخدمات كما في السابق.
  • القروض الربوية والتضخم الركودي: إن تراكم القروض مع فوائدها الربوية على الغارمين يؤدي إلى خلق مشكلتي البطالة والتضخم في آن واحد، فعند ازدياد تكاليف العناصر الإنتاجية نتيجة لأعباء الفوائد الربوية، تثبط الهمم عن الإنتاج، ثم تغلق المصانع الإنتاجية أبوابها، وتبدأ بطرد العمال من أعمالهم، وهذا يؤدي إلى خلق البطالة وازديادها في الاقتصاد القومي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن إغلاق المصانع أو تخفيض منتجاتها يؤدي إلى انخفاض العرض الكلي من السلع والخدمات المنتجة، ومع بقاء العرض النقدي للدولة الرأسمالية الوضعية على حاله، يكون هناك تفوق للقدرة الشرائية للمواطنين على السلع والخدمات المعروضة في أسواقها، مما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود، وهذه الحالة تعني ظهور التضخم. فهنا تبين لنا أن الفوائد الربوية أدت إلى ظهور كلتا مشكلتي البطالة والتضخم في آن واحد، وهذا يعني ظهور مشكلة التضخم الركودي في اقتصاد الدولة الرأسمالية الوضعية الربوية.

دور الغارمين في القضاء على مشكلة التضخم الركودي في الاقتصاد الإسلامي

في الاقتصاد الإسلامي، عندما تلحق النكسات الاقتصادية بفئة المستثمرين والمنتجين، ويفشلون في نشاطاتهم الاقتصادية الإنتاجية، فإن الدولة المسلمة تتدخل في الاقتصاد وتضع حدًّا للنكسات والأزمات الاقتصادية، وخاصة في مجالات الإنتاج، وتستخدم لأجل ذلك مختلف الأدوات المالية الإسلامية في النظام المالي الإسلامي، وأحد هذه الأدوات المهمة هي القروض الحسنة، التي لها تأثير كبير في الحدّ من هذه النكسات الإنتاجية، وتُرجِّع الأمل والطمأنينة لهؤلاء المنتجين الذين كانوا قد خدموا البلد الإسلامي قبل نكساتهم، وكان دورهم كبيرًا في إحداث التوازن والاستقرار لاقتصاد الأمة ولنظامها الاجتماعي.

فهنا، لبيان كيفية دور الغارمين في القضاء على مشكلة التضخم الركودي وسدّ حاجاتهم، نلجأ إلى التحليل الاقتصادي التالي:
الغارمون هم: “صنف دانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم، فإن كانت لهم عروض يقضون منها ديونهم فهم أغنياء لا يعطون حتى يبرءوا من الدَّين، ثم لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء، وصنف دانوا في صلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها؛ وإن بيعت أضر ذلك بهم وإن لم يفتقروا؛ فيُعطى هؤلاء وتُوفَّر عروضهم؛ كما يُعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا سهمهم”.[22]. 
والغارمون نوعان:

الغارم لغيره: وهو الذي يتحمل الديون للإصلاح أو إيقاف الفتن والصلح بين المتخاصمين ولأجل دينه.

الغارم لنفسه: غير محرم، إلا إذا كان يستخدم هذا الدَّين في شيء محرم أو أي شيء سيئ[23].

إن إعطاء الزكاة للفئات الثمانية المستحقة للزكاة، ومن ضمنهم الغارمون، حسب آية الصدقات، وعلى مدار السنة، يؤدي إلى:

حصول الغارمين على الدخول اللازمة لاحتياجاتهم ولتسديد ديونهم، وخروجهم من وطأة القروض التي اقترضوها لأجل إصلاح اقتصادهم الأسري، أو لأجل الآخرين، كإصلاح ذات البين ودفع الدية، وهذا يعني خلق الطلب الفعّال لديهم شأنهم شأن الفئات الأخرى من الفقراء والمساكين والمعوزين ممن أتعبتهم ظروف معيشتهم الضيقة.

 هؤلاء يُخلق لديهم الدخول اللازمة والضرورية للولوج إلى الحياة الاقتصادية من جديد، ثم يزداد طلبهم الكلي الفعال، ثم يزداد العرض الكلي من السلع والخدمات المنتجة.

  وهذا يؤدي بدوره إلى خلق وتفعيل طلب كلي على العمالة في الدولة، مما يؤدي إلى القضاء على البطالة فيها، وعلى مدار السنة، فهنا يتحقق الهدف الأول وهو القضاء على الجانب الأول من مشكلة التضخم الركودي المتمثل بالبطالة، والذي يدعم هذا أكثر هو التجمع الكبير للطلب الكلي الفعال لدى الأصناف الثمانية الآخذة للزكاة وعلى مدار السنة، حيث يشكلون قوة كبيرة في مواجهة البطالة، ويقضون عليها في النهاية.

أما الثاني، فهو: تأثير القروض الحسنة غير الربوية في القضاء على التضخم، كأحد الوسائل المالية الكثيرة غير الزكاة في النظام المالي الإسلامي، والمأخوذة من قبل الغارمين، وهو يكون حسب التحليل الاقتصادي التالي في الاقتصاد الإسلامي:

 إن حصول الغارمين على رؤوس الأموال اللازمة لاسترجاع قوتهم الاقتصادية والدخول إلى ميادين الإنتاج يبدأ كخطوة أولى بتعويض ضروريات حياتهم من خلال الزكاة والعوامل المالية الأخرى في النظام المالي الإسلامي.

ثم الحصول على القروض الحسنة أو من خلال التشاركات الشرعية أو غيرها من الأدوات المالية الإسلامية، ويعني توفر رؤوس أموال ضرورية لدى الغارمين للولوج مرة أخرى إلى داخل النشاطات الاقتصادية، وخاصة الإنتاجية السلعية والخدمية.

وهذا يؤدي إلى تشكيل دخول نقدية لدى العناصر الإنتاجية الخمسة من: الأرض، العمل، رأس المال، التنظيم، الشورى في الاقتصاد الإسلامي.

  ثم خلق طلب فعّال لدى هذه العناصر، ثم خلق طلب كلي فعّال على مستوى الدولة المسلمة.

  وهذا بدوره يؤدي إلى خلق عرض كلي من السلع والخدمات المنتجة، وذلك حسب العرف أو القاعدة الاقتصادية القائلة:

“الطلب يخلق العرض الخاص به ويساويه أو يقاربه”، وهنا: الطلب الكلي الفعّال يخلق العرض الكلي ويساويه أو يقاربه، ثم إحداث التوازن الاقتصادي، مما يعني المحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية، وهو يعني عدم السماح بظهور التضخم ومحوه في الاقتصاد الوطني للدولة المسلمة.

والنتيجة: القضاء على كل من البطالة والتضخم في آن واحد، مما يعني القضاء على التضخم الركودي ومنع ظهوره في الاقتصاد الإسلامي. 

تاسعاً: تعجيل وتأخير دفع الزكاة والقضاء على الفقر وخلق الانتعاش الاقتصادي

الزكاة عبادةٌ وركنٌ من أركان الإسلام، وهي عبادةٌ ماليَّةٌ محضةٌ، أوجبها الله تعالى على الأغنياء؛ قصدًا لسدِّ حاجة المصارف الثمانية المنصوص عليها في القرآن الكريم؛ خاصة الفقراء والمساكين؛ ولذلك خصهم النبي بالذِّكر في حديث معاذ رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن وقال له: […فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ][ صحيح البخاري-رقم الحديث:1395].

وتجب الزكاة في المال إذا بلغ النِّصاب الشرعيَّ، وكانت ذمَّةُ مالكه خاليةً مِن الدَّين، وكان فائضًا عن حاجته وحاجة مَن يعول، ومضى عليه الحول (عامٌ قمريٌّ كامل).

والنِّصاب الشرعي للزكاة :من الذهب هو خمسة وثمانين 85 غراما من الذهب، ومن الفضة خمسمئة وخمسة وتسعون 595 غراما، والأوراق النقدية تقدر بالأحظ للفقراء منهما أي بالذي يبلغ المال به النصاب من الصنفين؛ فإذا ملك المسلم هذا النصاب أو أكثر منه وجبت فيه الزكاة بمقدار ربع العشر 2,5%، وهو ما أجمع عليه الفقهاء.

تعجيل إخراج الزكاة

إن تعجيل إخراج الزكاة أبلغ في تحقيق منفعة الفقراء والمحتاجين، فيجوز إخراج الزكاة قبل تمام الحول؛ سواء كان إخراجها دفعةً واحدةً أو على دفعات خلال العام، بشرط أن يكون المال مستكملًا النِّصاب وقت وجوب إخراج الزكاة عند تمام الحول. وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ من الحنفية والشافعية والحنابلة : [24].

  • [ ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة وأبو عبيد واسحق إلى أنه يجوز للمزكي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل ميعاد وجوبها ….واشترطوا لجواز ذلك أن يكون النصاب موجوداً ، فلا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجود النصاب بغير خلاف.][25].
  • إن تعجيل الزكاة لا بأس به؛ إذا كان الحولُ مثلًا يحلّ في رمضان أو في رجب؛ واليوم رأى فقيرًا محتاجًا فأعطاه إياها بنية الزكاة؛ لا بأس إخراجها قبل الحول ولو كلها، سواء كلها أو بعضها [26].
  • وينبغي التنبه إلى أنه لو زاد المال عما هو عليه حين التعجيل: فإن هذه الزيادة يجب دفع زكاتها أيضاً.
  • تجب الزكاة في المال المُعَدِّ للتجارة إذا حال عليه الحول ، ويزكَّى رأس المال مع الربح عند تمام الحول ، وإن كان المال اشتري به عروض للتجارة : فيقدر ثمنها عند تمام الحول بما تساوي حينئذ ، وتخرج الزكاة بواقع اثنين ونصف في المئة 2,5 % من مجموع المال مع الأرباح.إذا قام البنك الإسلامي بإخراج زكاة مال عملائه : فهذا يجزئهم عن إخراجها إن كان البنك موثوقاً في تصريفها في وجهتها الشرعية ، وعلى المسلم أن يزكي ما في يده وما يملكه مما ليس في البنك [27].
  • يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول ولو لعامين, وكذلك فإن بعض الفقهاء أجازوا إخراج المسلم زكاته لثلاثة سنين يضاً [28]، والدليل على جواز تعجيل الزكاة هذا هو ما روي من: [أنَّ العبَّاسَ سألَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في تَعجيلِ صدقتِهِ قبلَ أن تَحلَّ ، فرخَّصَ لَهُ في ذلِكَ ][سنن أبي داود-رقم الحديث:1624].

تأخير إخراج الزكاة

إن تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع القدرة لا يجوز, فلا: [يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع القدرة على إخراجها. ويبقى في ذمة صاحبها وهو ضامن لها، قال الإمام النووي في المجموع: من وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها؛ لم يجز له تأخيرها ؛ لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي توجهت المطالبة بالدفع إليه، فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها، فإن أخرها وهو قادر على أدائها ضمنها لأنه أخر ما يجب عليه مع إمكان الأداء فضمنه كالوديعة][29].

الزكاة [ عبادة يلتزم المسلم بأحكامها من حيث مقدارها ووقتها وأجناسها ، وليس له أن يؤخر أداءها إذا حلَّ وقتها إلا من عذرٍ يبيح ذلك … لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلاّ لعذر شرعي ، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول ، وعدم القدرة على إيصالها إليهم ، ولغيبة المال ونحو ذلك … ولا يجوز الاتجار بأموال الزكاة لمن وجبت عليه الزكاة ، أو للمؤسسات القابضة لأموال الزكاة الموكلة بإيصالها إلى أهلها ، بل الواجب عليهم أداؤها ، وليكن الاستثمار لغير أموال الزكاة … فعليك أداء الزكاة في وقتها ، ولا يجوز تأخيرها مع التمكن من أدائها ، ولا استثمار أموالها ، لا في مشاريع تجارية ربحية ، ولا في مشاريع دعوية][30] .

سنَّ الله تعالى على عباده أداء فريضة الزكاة في وقت محدد بعد تحقيقها لشروط الزكاة سداً لحاجة الفقراء والمحتاجين على مدار العام؛ دون تأخير أو تراخي من المزكين. وعليه فحكم تأخير إخراج زكاة المال لا يجوز شرعاً في الإسلام؛ إلاّ بوجود عذر شرعي كاستحالة إيصال لمن هم في حاجة، أو عدم توفر فقراء في وقت إخراج الزكاة، أو غير متاح مصرف من مصاريف الزكاة في المكان المُزكّى فيه.

وفي ذلك جاء قول الإمام النووي رحمه الله تعالى: “الزكاة عندنا يجب إخراجها على الفور. فإذا وجبت وتمكن من إخراجها لم يجز تأخيرها. وإن لم يتمكن فله التأخير إلى التمكُّن. فإن أخر بعد التمكن عصى وصار ضامنا“. أي أجاز الإسلام التأخير في إخراج الزكاة في الحالات التالية [31]:

  1. إذا تعذر الإخراج لسبب. 
  2. إذا وقع عليه ضرر بإخراج الزكاة دون تأخير.  ج-إذا كان التأخير لمصلحة للفقير أو حاجة تصب في مصلحة الفقير.

التحليل الاقتصادي لتعجيل وتأخير الزكاة عن موعدها

  1. في حالة تعجيل الزكاة: إن الظروف الاقتصادية الاستثنائية الشخصية أو العامة عندما تتطلب التعجيل بالزكاة؛ فإنها تؤدي خلق الطلب الفعّال لدى فئات الفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين؛ وهذا يؤدي الى ازدياد العرض الكلي للسلع والخدمات المنتجة في الدولة المسلمة؛ وهو يؤدي إلى ازدياد الإنتاج الكلي ثم تنشيط الدورة الاقتصادية؛ ثم ازدياد الاستهلاك وازدياد الدخول لدى العناصر الإنتاجية؛ ثم ازدياد النشاطات التجارية؛ ثم ارجاع القوة للنقود الوطنية؛ ثم التخفيض أو القضاء على التضخم؛ ثم إعادة التوازن والإستقرار الاقتصادي للبلد المسلم؛ وكل هذا يعني حدوث الرواج والانتعاش الاقتصادي؛ والوصول إلى الأهداف الاقتصادية المنشودة؛ ثم حصول الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع الإسلامي .
  2. في حالة تأخير الزكاة: إن هذا يعني إيصال قدرات شرائية على شكل نقود أو منتجات مادية معينة إلى فئات الفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين الذين كانوا قد استحقوها سابقاً؛ في أوقات ضرورية لهم؛ وعدم حرمانهم من ثمارات النظام المالي الإسلامي؛ ثم إرجاع القوة الاقتصادية لهم؛ ثم تشكيل طلب فعّال لديهم لاشباع حاجاتهم الاقتصادية؛ وكذلك إشباع حاجاتهم المادية عند اعطاءهم المنتجات المادية؛ وهذا يعني اخراجهم من البؤس الاقتصادي الذي كانوا يقعون فيه لولا تأخير الزكاة لأجلهم. 

خاتمة

يُعتبر نظام الزكاة من أهم الأنظمة الاقتصادية في الإسلام، بل هو أداة فعّالة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. ومن خلال تنظيم دفع الزكاة وفق الأحكام الشرعية، سواء بالتعجيل أو التأخير عند الحاجة، يمكن تحقيق اقتصاد مزدهر مستقر يعم فيه الرخاء، وتتحقق فيه العدالة لجميع أفراد المجتمع.